الثلاثاء، ٢٧ فبراير ٢٠٠٧

ماذا قدم الإخوان؟

هذا عنوان رسالة كتبتها لإحدى المجموعات البريدية رداً على سؤال وجهوه لى حول ما قدمه الإخوان المسلمون طوال تاريخهم الذى قارب الثمانين عاماً للمسلمين عامة ولمصر خاصة.
وقد صار هذا السؤال مطروحاً وبقوة من أناس يجهلون عن الإخوان الكثير، حتى ظن بعضهم - بحسن نية، أو بجهل - أن الإخوان لم يقدموا شيئاً فى مقابل تضحياتهم التى صارت جزءاً من مشروعهم الذى يعيشون به، وله.
وأعيد نشر هذه الرسالة اليوم دون تعديل - إلا فيما يتناسب مع كونها مقالاً لا رسالة؛ لعلها تعلم الجاهل، وتوقظ النائم، وتثبت السائر.
"من أراد أن يعرف ماذا قدمه الإخوان للمسلمين عامة وللمصريين خاصة فلا بد أن يعرف حال الأمة قبل ظهور دعوة الإخوان.
فلقد سقطت الخلافة الإسلامية فى عام 1924م، وبالتالى انفرط العقد الرمزى - فى ذلك الوقت - الذى كان يجمع المسلمين، وكانت كل البلاد الإسلامية محتلة – صغيرها وكبيرها، وأوجد الاستعمار حوله طائفة من الساسة المنتفعين من وجوده، وطائفة من المثقفين تعلمت فى بلاد الغرب، فلم تعد ترى من سبيل لنهوض هذه الأمة إلا من خلال الغرب، وفكر الغرب، وحياة الغرب، مع تطليق بائن لكل ما تنتمى إليه هذه الأمة من فكر وحضارة – والإسلام بالطبع فى صدارتها.
وفى خلفية الصورة شعوب محتلة متخلفة أكل منها الجهل ما أكل، وانتشر الفقر والمرض بين أبنائها فصاروا فريسة سهلة للأكلة التى تداعى إلى قصعتها.
وصار الإسلام حبيساً بين المساجد التى لا يرتادها إلا كبار السن والعجزة، ولا تقرب المرأة من المسجد أبداً لا من قريب ولا من بعيد إلا لزيارة الأضرحة والموالد.
ولم يشذ عن هذه الصورة إلا بعض الأوفياء لهذا الدين وهذا الوطن (أمثال: الشيوخ جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ومصطفى المراغى – والزعيم مصطفى كامل – وبعض الأدباء من أمثال: مصطفى صادق الرافعى وعباس العقاد لاحقاً ومحمود سامى البارودى الخ...) ولكن ظل هؤلاء الأوفياء بعيدين عن دائرتى التأثير الرئيسيتين فى أى مجتمع وهما السلطة والجماهير.. فلمواقفهم السياسية والفكرية تم إبعادهم عن دائرة السلطة، ولأفكارهم الثقافية الفوقية – غير المختلطة بعموم الناس - ابتعدوا عن الدائرة الثانية.
هكذا كانت الصورة.. صورة قاتمة لا يرى فيها بصيص ضوء لا من قريب ولا من بعيد..
ولمحاولة تغيير هذه الصورة القاتمة قام حسن البنا بإنشاء جماعة الإخوان المسلمين، جماعة تعيد الناس للإسلام من معينه الصافى القرآن والسنة، تعيد للإسلام مجده، وللمسلمين عزهم..
هكذا كانت الفكرة فى الإسماعيلية للشاب ذى الاثنين والعشرين عاماً؛ فاستفاد من أخطاء من سبقوه وخاطب الدائرة الثانية – دائرة الجماهير البسطاء منهم – كلمهم عن الإسلام الذى يحبونه، ولكنهم لا يعرفون كنهه.. يحبونه ولكنهم لا يعملون لرفعته.. يحبونه ولكنهم لا يقدرونه قدره..
أعلمهم – بالعمل قبل الكلام – أن الحل لمشاكلهم فى هذا الدين العظيم الذى راكم أعداؤه عليه التراب حتى لا يرى أهله صفاءه ونقاءه..
وأعلمهم أن خروج المستعمر يحتاج إلى قوة السلاح، وأن لا سلام لمستعمر ينهب أرضنا وثرواتنا بالتعاون مع حفنة ضالة احترفت سرقة هذا الوطن على أجساد أبنائه..
وكما خاطب – هو وإخوانه – البسطاء، خاطبوا أيضاً علية القوم من المثقفين والساسة والأدباء، حتى اقتنع بالفكرة وعمل لها المستشارون – من أمثال المستشار حسن الهضيبى والمستشار عبد القادر عودة – والمحامون والأطباء والمهندسون والمدرسون والفلاحون والعمال، حتى صارت شعب الإخوان 4000 شعبة فى كافة أنحاء القطر المصرى - وانتشرت بعد ذلك فى سبع وسبعين دولة - تجذب إليها كل طبقات المجتمع.. الغنى والفقير.. المتعلم والجاهل.. المثقف والبسيط.. الخ... (http://www.daawa-info.net/books1.php?parts=135&au=حسن%20البنا )
ولكى أضع القارئ فى الصورة أسرد بعض الأمثلة (من الماضى والحاضر) كى تتبين المعالم أكثر وأكثر:
- كان رواد المساجد من كبار السن، فأصبح الشباب هم القائمين عليها يعلمون الناس دينهم ودنياهم.
- لم يكن للأطفال أن يدخلوا المساجد ليتعلموا دينهم منذ الصغر، فصارت وجهة لهم، ومدرسة للجمعة يجلسون فيها مع أستاذهم فيعلمهم ويلاعبهم حتى يرتبطوا بالمسجد والدعوة.
- لم تكن المرأة لترتاد المساجد وهو ما يخالف حال صحابيات رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعدن على يد الإخوان.
- أعادوا السنن التى طمرت كصلاة العيد فى الخلاء، ومازال الإخوان ينظمون معظم الساحات فى كافة أنحاء القطر.
- لم تكن هناك أماكن للصلاة داخل جامعة فؤاد الأول – القاهرة حالياً – حتى أذن أحد طلبة الإخوان فى كلية الحقوق للظهر، وصلى بمفرده وظل كذلك حتى بدأ العدد يزداد رويداً رويداً فاضطرت إدارة الجامعة إلى أن تخصص لهم إحدى الغرف للصلاة، وصارت بعد ذلك ضرورة لأى كلية أو إدارة تنشأ.
- وجه حسن البنا رسالة للساسة المصريين يدعوهم فيها للعمل بالإسلام اقتصاداً واجتماعاً وسياسة بصورة لم يسمعها هؤلاء من قبل. (رسالة نحو النور http://www.daawa-info.net/books1.php?id=5135&bn=195&page=13 ).
- استفاد الإخوان من الجوالة فأنشأوا المعسكرات فى القطر المصرى كله ليدربوا الشباب على النظام والصبر والجلد (http://www.daawa-info.net/books1.php?parts=135&au=حسن%20البنا ).
- أنشأ الإخوان المدارس (والأمثلة الحالية: الهدى والنور فى المنصورة، والجيل المسلم فى طنطا والمحلة وسمنود، والرضوان فى مدينة نصر، والجمعية الإسلامية فى بنى سويف.. الخ)، والمصانع (غزل ونسيج ومحاجر وغيرهما)، وشركات (مطبعة، ودار نشر، الخ...)، والصحف والمجلات (الإخوان المسلمون، والنذير، الخ...)، وجمعيات خيرية (الجمعية الطبية الإسلامية حالياً، وقبل ذلك الجمعيات الخيرية الإسلامية فى كل المحافظات). وللمزيد كتاب: الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ للأستاذ/ محمود عبد الحليم.
- أقض شباب النظام الخاص مضاجع الاحتلال الإنجليزى فى القناة ونسفوا كوبرى الفردان فى إحدى المرات، واشترك المرشد الحالى محمد مهدى عاكف فى تجهيز نسف قطار به جنود إنجليز بذخيرتهم؛ مما شجع فى النهاية أحزاب الوفد ومصر الفتاة أن تنشأ ما يسمى بالقمصان الزرقاء والخضراء لمقاومة الإنجليز. فالمقاومة المصرية للإنجليز لم تخرج من بيت الداعرات والراقصات كما صورت الأفلام العربية، ولم تكن عشوائية بل كانت منظمة وقام عليها نظام خاص أنشأه الإخوان لهذا الغرض وبعد ذلك نافست الأحزاب الأخرى الإخوان فى هذا الأمر بصورة أحيت الأمل فى طرد المحتل من الأرض المصرية.
- كتائب الإخوان من مصر والأردن وسوريا فى حرب فلسطين وما فعلته من بطولات ضد الصهاينة والمستعمرين اليهود ولولا خيانة الأنظمة العربية لكان هناك شأن آخر (شهادة اللواء/ صادق المواوى قائد القوات المصرية فى حرب فلسطين سنة 1948 بحق دور الإخوان المسلمين) (http://www.daawa-info.net/books1.php?parts=110&au=كامل%20الشريف ).
- الدعوة لمقاطعة المحلات اليهودية (صيدناوى وشيكوريل وشملا) فى مصر، ونشر ذلك فى ربوع مصر كلها للتأثير فى قضية فلسطين.
- كلمة الطالب/ مصطفى مؤمن (زعيم طلبة الإخوان فى الجامعة) فى الأمم المتحدة عن الاحتلال الإنجليزى لمصر.
- اجتماع المرشد العام للجماعة بعبد الرحمن عزام أمين عام جامعة الدول العربية ودور ذلك فى تحريك الدول العربية لجيوشها نحو فلسطين، وجمع تبرعات الإخوان وغيرهم للشيخ/ أمين الحسينى فى ربوع مصر كلها لمقاومة اليهود الغاصبين.
- دور الجماعة فى حماية ثورة يوليو وحماية المنشآت الحيوية وقت قيام الثورة (الضابط الذى حاصر قصر التين فى الإسكندرية من الإخوان واسمه أبو المكارم عبد الحى).
- ظهور العديد من المفكرين والاقتصادين والقادة الذين تربوا داخل الجماعة وبين أحضانها ( الشيخ/ أحمد ياسين، ود. عبد العزيز الرنتيسى، والشيخ/محمد الغزالى، والشيخ/ يوسف القرضاوى، وفهمى هويدى وقد كان مسجوناً بتهمة الانضمام إلى الإخوان فترة الستينات، والشيخ/ محمد أبو زهرة، والمستشار/ عبد القادر عودة صاحب التشريع الجنائى الإسلامى، سيد قطب، وزينب الغزالى، وعمرو خالد وقد كان عضواً أو أميناً لاتحاد طلاب كلية التجارة جامعة القاهرة عن التيار الإسلامى فى الثمانينات، وعثمان أحمد عثمان مؤسس شركة المقاولون العرب، ويوسف ندا ملك الأسمنت فى أوربا فترة السبعينات، والكثير الكثير الذين قد أنسى أسماءهم).
- حمل طلبة الإخوان للفكرة الإسلامية داخل الجامعات حتى الآن رغم الاعتقالات والتنكيل بهم واستبعادهم من المدن الجامعية، ومحاولة استرداد حقوق الطلاب من الاتحادات الطلابية المنهوبة، وحض الطلبة على الإيجابية. والقيام على خدمة الطلاب بتقديم مذكرات الامتحانات، وعمل حملات تنظيف للكليات وغيرها من الخدمات.
- الدفاع عن قضايا فلسطين والعراق وتذكير الشعب المصرى بهما من خلال البيانات والملصقات والمحاضرات التى تملأ الشوارع المصرية من أدناها إلى أقصاها.
- حركة حماس فى فلسطين.
- الحزب الإسلامى العراقى الممثل الأساس للسنة فى العراق.
- عودة الحجاب للشارع المصرى بعد اختفائه التام فى فترة الستينات (وقت اعتقالات الإخوان).
- إقامة الحفلات والأناشيد الإسلامية فى ربوع الجامعات المصرية لتقديم فن نظيف يجمع بين سمو الفكرة والارتباط بالآداب الإسلامية (مسرحية شقلبة ومسرحية فانتوم بمسرح نقابة المهندسين، ومسرحية أولاد الأبالسة بجامعة المنصورة، ومسرحية احكِ يا درة بمسرح فيصل ندا وغيرها)، وعودة الناس لما يسمى بالأفراح الإسلامية البعيدة عن الإسفاف والرقص والمجون.
- عودة الفكر الإسلامى مرة أخرى إلى الساحة بعد سيطرة الماركسيين واليسارين عليه فى فترة الستينات (وقت اعتقال الإخوان).
- الإصرار على وضع المادة الثانية من الدستور المصرى وهى أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع فى مجلس شعب 1979 (الشيخ/ صلاح أبو إسماعيل، والحاج/ حسن الجمل عضوا الإخوان الوحيدان فى المجلس).
- جهود الإخوان فى مجلس شعب 1984، 1987، 2000، 2005 فى الدفاع عن حقوق المصريين المنهوبة ومحاولة وقف استنزاف ثروات هذا الشعب المسكين، والدفاع عن الحل الإسلامى داخل هذه المجالس (http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ID=14480&LevelID=2&SectionID=529 ) .
هذا كله غيض من فيض حاولت أن أختصره قدر المستطاع وأغفلت أشياء كى لا أطيل، لكنى أظن أنى قد أغمطت الجماعة حقها، فما قامت بها أكبر من أن تسطره الكلمات، أو يعبر عنه المداد.
ولكنى أريد أن أؤكد أن الله هو الذى يسخر من عباده من شاء وقتما شاء، وأن لا فضل لأحد على دين الله، فهذا واجب قام به الإخوان وما زالوا يقومون به إرضاء لله عز وجل وحده لا يبغون شكراً من أحد ولا ينتظرون رضا أحد.. الله وحده هو غايتهم، وجنته فقط هى هدفهم..
قدموا فى سبيله وما زالوا يقدمون:
- أرواحهم (عبد القادر عودة، ومحمد فرغلى فى الخمسينات، وسيد قطب، ويوسف هواش فى الستينات، وكمال السنانيرى فى السبعينات، وعبد الله عزام فى الثمانينات، وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسى فى أوائل هذا القرن، ومسعد قطب وأكرم زهيرى وطارق الغنام العام قبل الماضى).
- وأموالهم (يدفع كل الإخوان اشتراكاً مالياً من مرتباتهم تزيد عن 5 % فى سبيل دعوة الله عز وجل).
- وأوقاتهم، وأجسادهم (فمعظم الإخوان قد لاقى التعذيب فى السجون فى كل العهود والبلاد).
- وأهليهم وأولادهم (فسجون مصر لم تخل من فرد من الإخوان منذ عام 1954 حتى الآن)".
والله من وراء القصد..

الخميس، ٢٢ فبراير ٢٠٠٧

ماذا لو غاب الإخوان

اسأل نفسك هذا السؤال.. اسأله وأنت مجرد من تعصب، أو من تحزب..

اسأله وأنت مستلق مع الخيال تعيش، ومع الواقع يؤثر فيك..
اسأله صادقاً، أميناً..

ماذا لو غاب الإخوان؟
ماذا لو كانت مصر، والبلاد العربية، والإسلامية، وبلاد العالم أجمع خالية من تنظيم الإخوان، ومن فكر الإخوان، ومن أفراد الإخوان؟

ليست هناك قداسة لأحد سوى لله عز وجل، وليست هناك قداسة لفكرة سوى فكرة الإسلام، وليست هناك قداسة لنصوص سوى نصوص الكتاب، والسنة الصحيحة..

إذن سؤال المفكر الدكتور/ النفيسى حول أهمية حل تنظيم الإخوان؛ لأنه - من وجهة نظره - أصبح عبأً على الفكرة الإسلامية.. ليس سؤالاً مرفوضاً فى حد ذاته؛ فالعقل، والتفكير من نعم الله على الإنسان التى ميزه بها عن سائر مخلوقاته؛ فإن لم نستعملها فقد جحدنا نعمة الله التى أنعم بها علينا..
ولا تفكير بغير خيال، ولا حياة بغير إبداع..

ولكن: لماذا السؤال؟
هل حرصاً على علاقات مع أنظمة أقل ما توصف به أنها فاسدة..
أم حرصاً على استعمار أقل ما يوصف به أنه قاتل..


لماذا السؤال؟
هل نضجت الثمرة؛ فحان القطاف..
أم تيقظت الأمة؛ فانتهى الدور..


لماذا السؤال؟
هل هناك من يستلم الراية، ويرفع اللواء؟
أم أن الراية قد سقطت، ولا أمل فى حملها؟

سؤال على محك المصالح المرسلة.. المفاسد، والمنافع.


من يقدم لعدوه على طبق من ذهب أجمل هدية؟
هدية رأس الإخوان فى مصر، وفلسطين (حماس)، والأردن، والجزائر (حمس)، والمغرب (العدالة والتنمية)، وموريتانيا (التيار الإسلامى)، والكويت (الحركة الدستورية)، واليمن (التجمع اليمنى للإصلاح)، والعراق (الحزب الإسلامى)، وسوريا، ولبنان (الجماعة الإسلامية)، والسودان، وتونس (حركة النهضة)، وماليزيا، وإندونيسيا، و.....


من يقدم شعبه على طبق من لؤلؤ لحكومات فاسدة؟
كى يكون معارضوها أمثال الأحزاب الكرتونية، وأحزاب قراءة الكف، أو أمثال دحلان، ونورى المالكى، أو أمثال سعد الحريرى، ووليد جنبلاط، أو أمثال نوال السعداوى وأحمد البغدادى، أو أمثال ....
أو أن يكون رموزها من أمثال ابن لادن، والظواهرى حيث أكواخ تورا بورا.


من يقدم دينه على طبق من فضة؟
كى يكون المتحدثون على لسانه هم: من يُحرمون الجهاد فى فلسطين، والعراق، وأفغانستان، وكشمير، و...؛ لأنه لا ينعقد جهاد بغير إذن ولى الأمر.. أو من يُغيبون الناس فى فقه المراحيض، والحيض، والنفاس.. أو من يخرجون الجان، ويفسرون الأحلام.. أو من ينصاعون لولى الأمر، ولو باع البلاد، وقتل الشباب، وخرب العقول، ودمر الأخلاق..

أى مصلحة إذن نجلب؟ وأى مفسدة نتجنب؟


إخوانى.. أخواتى
لا أرى الأمر سوى هزل، اختلط بجد، وقت شدة..
لم تقم أمة على أكتاف أناس مبعثرين، أو بأقلام مجموعة من المُنـَظـِّرين..
لا تقوم الأمم إلا على أكتاف من يعيشون بين الناس، يخطئون، ويصيبون.. يُرَبُّون، ويتربون.. يقودون، ويقادون.. يجاهدون، ويصبرون.
ولم تقم الأمم إلا على أعناق "رجال صدقوا ما عاهدوا الله، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا".
أما المُنـَظـِّرون، فليعيشوا بين كتبهم، وليكتفوا بها، وليرحمونا كى تشملهم رحمة الإله.
"وما كان ربك ليهلك القرى بظلم، وأهلها مُصلحون".

الخميس، ١٥ فبراير ٢٠٠٧

وهى إيه المشكلة

طرح المؤلف المبدع "أحمد مرسى" هذا السؤال فى مسرحيته الرائعة "الشفرة" المعروضة حالياً على مسرح فيصل ندا.

طرحه على لسان مؤلف الأغانى الهابطة، وعلى لسان مهووس الكرة، وعلى لسان السكرتير الخائن الذى يبحث عن المنصب ولو على حساب أمته، ثم على لسان رئيس "بشرستان" الذى صحا ضميره فجأة حين تنبه أن بلده فى مصيرها إلى الزوال بسبب تعاونها مع الدولة العظمى "روبوتيكا".

كان السؤال عبثياً؛ ولكنه كان عميقاً..

ما المشكلة؟؟

حين تأكل، وتشرب، وتنام، وتكسب المال، وتربى العيال؛ ولكن على قارعة بابك محتل، ينهب بلدك.. يملى عليك قراراتك، ويسلبك إرادتك..

ما المشكلة؟؟

العزة!!

ما ثمنها؟

الحرية!!

ما رصيدها؟

الكرامة!!

ما قيمتها؟

إذن: ما المشكلة؟

وأنا بدورى أعيد طرح السؤال: ما المشكلة؟؟

حين تأكل، وتشرب، وتنام.. وبلدك مستباحة من الفاسدين يعيثون فيها كيف شاءوا!!

ما المشكلة؟؟

حين تكسب المال، وتربى العيال.. وبلدك صارت فى الحضيض، لا عزة له ولا كرامة!!

ما المشكلة؟؟

حين تشاهد مباريات الكرة، وتسمع الأغانى.. وبلدك ينهشه الفقر، والجوع، والمرض!!

ما المشكلة؟؟

حين تهنأ بلقمة هنية، ووظيفة علية.. وبلدك معتقل فى سجن كبير، جدرانه الحدود، وجلادوه هم حراسه!!


ما المشكلة؟؟

وأنت تطعم عيالك، وتداعب زوجك.. وجارك، وابن عمك، وصديقك تنتهك حرياتهم، وتغتصب أموالهم!!

ما المشكلة؟؟

وابنك ينتظر قدومك، يلاعبك، وتلاعبه.. وابن بلدك يبكى أباه الذى افتقده، وافتقد حنانه!!


بالله عليكم..

ما المشكلة؟؟ ما المشكلة؟؟


الجمعة، ٢ فبراير ٢٠٠٧

عندما يكون الحجاج حكيماَ، وعمر بن عبد العزيز جاهلاَ


"لم ير الأتقياء فى حكم أحد من الخلفاء الأمويين ما يوافق مثلهم العليا، إلا عمر بن عبد العزيز، الذى أسهم جهله بالشئون السياسية فى تدهور أحوال الدولة، ثم سقوطها، وانتقال السلطة من أيدى العرب إلى الفرس!!".

"قد تكونت صور شوهاء من الصعب تغييرها عن الحجاج بن يوسف... لمجرد قسوته فى استئصال شأفة المارقين الخارجين على الدولة، وهو الذى شهد له الأوربيون بأنه أحد أعظم الإداريين فى تاريخ العالم".

ليس هذا كلامى بالطبع، ولا هو كلام رجل نزيل مستشفى للأمراض العقلية يظن نفسه عالماً ببواطن الأمور التى أخفاها التاريخ.. ولا قاله رجل مسطول فى قعدة مزاج استدعت إحضار التاريخ بعد الانفصال عن الحاضر..

ولكن هذا الكلام هو كلام المفكر اليسارى المعروف "حسين أحمد أمين" فى مجلة المصور فى أعداد مسلسلة لعام 1983م، يحكى فيها التاريخ الإسلامى من وجهة نظر "باذنجانية".

ولا أدون هنا عن هذا الكلام الساذج رداً عليه؛ فقد كفانى المؤونة من هو أكثر علماً، وأكثر قدرة على الرد، وهو الشيخ الدكتور/ يوسف القرضاوى فى كتابه القيم "تاريخنا المفترى عليه" الذى أقرؤه فى هذه الأيام، والذى قرأت فيه لأول مرة هذه القراءة التاريخية الحديثة للمفكر اليسارى والمثقف "حسين أحمد أمين".

ما شغلنى حين قرأت هذا الكلام، هو رؤية من يُسمون بـ "المثقفين" للسلطة، وارتماؤهم فى أحضانها، بل والتبرير لها..

وما شغلنى أيضاً هو من أبرز هؤلاء، ومن جعلهم مثقفين أصلاً، ومن أعطاهم هذا القدر من الشهرة.. إنها السلطة التى لمّعتهم حين كانت هناك وزارة للإرشاد القومى.. حين كانت الصحافة تملكها الدولة فقط.. حين كانت الدولة تحدد من يكتب، ومن لا يكتب..

حيث كانت السلطة تحدد من هم المثقفون، ومن هم الرجعيون.. وحيث كانت تحدد من هم الوطنيون، ومن هم أعداء الوطن..

هؤلاء من يوصفون بالمثقفين، وأستحضر التاريخ لأرى: أكان هؤلاء فى صف شعوبهم، أم كانوا فى صف سلاطينهم الظالمين؟

أستحضر آيات الثناء والمديح التى كيلت للحكام من هؤلاء المثقفين فى الخمسين سنة الأخيرة..

أستحضر هؤلاء فى عهد الملك.. صامتين خانعين..

ثم أستحضرهم فى عهد عبد الناصر ناقدين للعهد الملكى.. مادحين للعهد الجديد.. مؤلفين الروايات والكتب عن عظمة الثورة، وعظمة ضباطها، وخيانة الملك وحاشيته..

أستحضرهم فى عهد السادات.. حيث"إحنا بتوع الأوتوبيس"، وحيث السخرية من الاشتراكية، والارتماء فى أحضان الليبرالية..

أستحضر سهير القلماوى وهى تمنح جيهان السادات - الحاصلة على الثانوية العامة قبل تولى زوجها للرئاسة، وهى تمنحها درجة الدكتوراة فى اللغة العربية فى عهد السيد الرئيس المؤمن أنور السادات..

أستحضر رفعت السعيد، وهو عضو معين فى مجالس شورى المرحلة الميمونة..

وأستحضر جمال الغيطانى رئيس تحرير أخبار الأدب فى العهد الميمون، حيث الأدب أن تخنع وترضى بالفتات، وتسبح بحمد السلطان، أو أن تسكت على ما يفعله..

وأستحضر أحمد عبد المعطى حجازى، رجل التاريخ الذى يقرأ التاريخ بالمزاج، يقرؤه من مصادر الكتاب المدرسى، مصادر السلطة التى تحمى مصر من المتأسلمين، وتسلمها للفاسدين

وأستحضر صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة "القاهرة" الذى يدافع عن وزير ثقافته هو بالشكل المميت له ولجريدته..

وأستحضر سمير سرحان، وهو يكتب قصيدة مدح فى طفلة صغيرة لم تبلغ الخامسة من عمره، لأنها بنت أحد أمراء الخليج..

والكثير والكثير..

هؤلاء هم مثقفو النسخة القديمة الذين صدعوا أدمغتنا بالحرية..

حرية المرأة.. حرية المجون.. حرية الوقوف فى صف السلطة.. أما حرية الشعوب ففيها نظر!!

حريتهم هم فى الكتابة، والظهور فى وسائل الإعلام ليحدثونا عن التقدمية، والرجعية.. أما حرية الحديث عن السلطان وجوره، فلا.

أما المثقفون الجدد فلم تستطع السلطة الجديدة بجهلها، وغبائها أن تصنعهم، لم تستطع أن تصنع مثقفيها الخاصين بها، فتعاملت مع القدامى، رغم أنهم إلى القبر أقرب، وإلى غياب العقل أبرز..

ورغم أن ماسحى الجوخ كثيرون، والمطبلون والمزمرون أكثر؛ إلا أنهم لا يملكون من اللسان ما ملكه أساتذتهم السابقون، ففشلوا كما فشلت سلطتهم التى ارتموا فى أحضانها..

لذلك فأبشر نفسى بأن هؤلاء قد شاخت أعمارهم، وأن الساحة ستخلوا قريباً من أمثالهم إلى غير رجعة؛ حتى يفقد السلطان من يدافع عنه، ويزين للناس ظلمه..

حينها سيبقى السلطان وحيداً يحيطه مجموعة من الجهّال، هم إلى توريطه سائرون، وإلى لفظ الناس له لذاهبون.. جهلاً وغباءً، وما عمرو عبد السميع، وتامر أمين، وفيد فوزى عنا ببعيد..

إخوانى.. أخواتى

إن كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد حذرنا من أن نغشى أبواب السلاطين بقوله: "إياكم وأبواب السلطان"؛ فلنحذر نحن ممن ارتادوها، وكرموا فى قصورها، ورأسوا تحرير جرائدها.. فإنهم وسلاطينهم سواء!!!

والسلام