السبت، ٢٨ أبريل ٢٠٠٧

الانتماء

صليت الجمعة الماضية فى مسجد معهدى الذى تلقيت فيه تعليمى الأساسى وجزءً من تعليمى الثانوى.. ظللت فيه عشر سنوات كاملة بحلوها ومرها..
نظرت إلى حوش المعهد، حاولت أن أتذكر الماضى، حاولت أن أكون منتمياً إلى هذا المعهد؛ ولكنى لم أستطع، ولم أفرح لأنى رأيت معهدى الذى ترعرعت فيه..
حاولت كثيراً أن أتذكر، ولكنى فشلت، وبدلاً من أن أتذكر ما سرنى، تذكرت ما ساءنى..
تذكرت مدرس اللغة العربية فى الابتدائى وهو يحاربنى لأنى لا آخذ درساً عنده ولا عند غيره.. تذكرت وهو يعطينى 55% من درجات أعمال السنة رغم أنى أول فصلى، ثم يقول لمن جاء يسأله من أقاربى عن السبب: أن هذه الدرجة مجاملة.. تذكرت وقع ذلك الظلم على طفل صغير؛ لأنه حافظ على حقه فى أن يأخذ درساً أو لا يأخذ..
تذكرت وأنا فى الصف الأول الإعدادى وقد صفعنى مدرس العلوم على وجهى لأن كرسيه متسخ بالتراب؛ لأنى كنت رائد الفصل؛ وكأن رائد الفصل هو كنـّاس الفصل.. تذكرت وقد امتنعت بعدها عن ريادة الفصل فى أى سنة بسبب هذا الموقف الذى لم ينمحِ من ذاكرتى حتى الآن.
تذكرت حلمى بأن أكون من أوائل الجمهورية، أو حتى المحافظة فى الشهادة الإعدادية، وأجدنى وقد تبخر هذا الحلم أمام عينى وأنا أشاهد الغش الجماعى الذى حدث فى الامتحانات، وأنا عاجز عن منع ذلك بأى صورة من الصور، وقد اشترك فى هذه المهزلة إدارة المعهد، والمراقبون والأهالى والجميع!!
تذكرت وأنا أشاهد درجاتى فى الإعدادية، وبكائى للدرجات اللا معقولة التى حصلت عليها، والتى أكدت لى أن التصحيح فى الأزهر يكون بـ "الشبر" كما يقولون.. تذكرت درجتى فى موضوع التعبير وكان عما يسمى وقتها بمجلس التعاون العربى، وقد أطنبت فى الحديث عن دوله الأربع، وعن فوائده الاقتصادية، والسياسية بما لا يناظر سنى.. تذكرت وقد أعطانى المصحح 24 درجة من 40، وأنا متأكد أنه لم يقرأ حرفاً واحداً مما كتبت!!
تذكرت كل ذلك، ولم ألتفت حتى وراء ظهرى لأسترجع الذكريات، أو حتى لأشعر بالحنين، وحينما التفت وجدت الكآبة على جدران المعهد، ووجدت زجاجه المكسر، فأشفقت على طلابه من البرد فى فصل الشتاء..
شاهدت كل ذلك، وقد شاءت الأقدار ليلتها أن أرى الحلقة الأولى من برنامج الجزيرة "وراء الشمس" على أسطوانة كمبيوتر، بعد أن فاتتنى حين عرضت فى التليفزيون..
رأيت فيه مواطنين انتهكت حرماتهم، وكرامتهم فى وطنهم الذى نشأوا فيه، وترعرعوا بين جنباته، دون أن يحميهم أحد، أو يمنع من تجرؤوا عليهم من أذيتهم، أو حتى أن يأخذ حقهم الذى ضاع هدراً..
تذكرت أيضاً الشعار الساذج "الشرطة والشعب فى خدمة الوطن".. شعار البلاهة الذى يجعل الشعب والوطن كيانين منفصلين، شعار التخلف الذى يجعل الشرطة والشعب كيانين متوازيين يخدمان كائناً هلامياً اسمه الوطن.. الوطن الذى لم يشرح واضعوا الشعار ماذا يعنى؟!! هل يعنى الأرض الجامدة؟!! أم يعنى الأنظمة الفاسدة؟!!
تذكرت موقفى من الانتماء لمعهدى، وموقف هؤلاء الذين استبيحت حريتهم من الانتماء لوطنهم، وشعار الشرطة وتساءلت:
هل من الممكن أن أنتمى لمكان وقد أساء لى، وقد انتهك كرامتى، وقد حرمنى حقى فى الحياة الطبيعية السليمة دون اعتداء أو إيذاء؟!!
صراحة تاهت الإجابة بين فلسفة تقول: "بلادى وإن جارت على عزيزة"، وبين طبيعة بشرية تحب أن تـُكْرم، ولا تهان.. تـُحب أن تـُحِب وتـُحَب.. تحب من أكرم، وتكره من أساء.
إخوانى.. اخواتى
ترى لو لم يحضنا ديننا على حب أوطاننا، والسعى لإصلاحها، هل كنا لنحبها؟ أو أن نشقى لأجلها؟ أو أن نتحمل ما نتحمل؟!!

الجمعة، ٢٠ أبريل ٢٠٠٧

الفلوس، والدعاة

حوار د. السيد عبد الستار المليجى فى برنامج العاشرة مساء عن رسالته إلى المرشد العام للإخوان المسلمين والتى نشرت فى جريدة الكرامة بعد تحريفها الذى تم فى جريدة الأهرام.. كان مثار نقاش وجدل بينى وبين زوجتى حول الفلوس، والدعاة..
فزوجتى ممن يخافون أن يفسد المال علينا دنيانا؛ فننشغل بها عن ديننا، وعن أحبابنا، وأهلينا.. وأنا أرى أن المال وسيلة من وسائل زيادة الحسنات لمن قلت حسناتهم من أمثالنا، ووسيلة لإسعاد من نحبهم بهدية أو مساعدة، كما أنه وسيلة من وسائل الاستقرار الأسرى، والنفسى، والحياتى.
أيضاً ترى زوجتى الدعاة دائماً فى صورة الزهاد الذين تأتيهم الدنيا مقبلة فيحجمون عنها.. تراهم فى صورة أبى بكر الصديق الذى تصدق بكل ماله، وفى صورة أبى الدرادء، وأبى هريرة (وقد كان من أهل الصُفة)..
وأراهم أنا جزءً من المجتمع.. فيهم الغنى، والفقير، كما فيهم القوى والضعيف.. أراهم وفيهم عبد الرحمن بن عوف كما فيهم أبو هريرة.. أراهم وفيهم عثمان بن عوف كما فيهم أبو الدرداء..
صحيح أننا من المستورين - والحمد لله، وصحيح أن هذا النقاش هو من سبيل الترف الفكرى؛ فأقصى طموحنا فى الفترة الحالية أن نشترى سيارة مستعملة نستطيع أن نصون بها كرامتنا بديلاً عن المواصلات التى تشعرنا بالمهانة التى يتعرض لها المصريون حين يركبون المواصلات العامة.
وصحيح أن الدنيا لم تقبل علينا بعد حتى نخشاها..
ولكن هذا الحوار جعلنى متفهما لما قاله د. السيد عبد الستار (مع بعض الاختلافات البسيطة)، كما جعل زوجتى متفهمة وجود أغنياء بين الدعاة يرفلون فى نعيم العيش ما داموا يؤدون حق الله، وحق دعوتهم، وحق الفقراء من حولهم..
أشفقت على د. السيد عبد الستار حين وُضع فى هذا الموقف الذى لم يرغب أن يُوضع فيه؛ فقد رأيت فى وجهه فطرة بسيطة، ورؤى تقترب من آراء الصحابى الجليل أبى ذر الغفارى..
وتفهمت موقفه لما رأيته فى بعض الأحيان من بذخ فى تصرفات البعض..
فمن المواقف التى كنت متعجباً لها حين جئت إلى القاهرة، وتعرفت على الدعاة فى أحد أحيائها الراقية، أن أول ليلة إيمانية تجمعنى بهم قد اشتمل إفطارها على بذخ شديد فى الطعام (أرز متعدد الألوان، وأنواع مختلفة من اللحوم، والمشهيات، وغيرها)..
كان ذلك دليلاً على كرم الداعى، وحبه لإخوانه؛ ولكنه كان دليلاً على الخلل الذى ضيع معنى هذه الليلة الإيمانية التى من المفترض أن يبتعد حاضرها قدر المستطاع عن الدنيا، وأن يقترب أكثر من حياة الزاهدين، والمجاهدين فى الطعام، والمعيشة، والنوم..
ظل الأمر كذلك كل شهر حتى نبهت أنا وبعض أحبابى لهذا الخلل حتى عاد الطعام مرة أخرى إلى الخبز القليل والمدعوم ببعض اللبن، أو الزبادى، أو الفول أو غيرها من المأكولات البسيطة والخفيفة.
وأيضاً مما يثير الغصة فى النفس أن تتعامل شركات بعض هؤلاء الدعاة الأغنياء مع موظفيها بنفس تعامل شركات بعض رجال الأعمال غير الأمناء؛ وذلك من قبيل عدم التأمين الاجتماعى على الموظفين، وعمل الموظفين بعد أوقات العمل الرسمية دون صرف إضافى (over time) مقابل الساعات الزيادة، ومن قبيل عدم صرف أرباح للعمال عند ميزانية نهاية العام؛ رغم ما فيها من خير وفير..
ورغم قلة هذا الأمر، ورغم عدم توفر سوء النية لأن معظم السوق المصرى كذلك؛ إلا أن الدعاة لا بد أن يختلفوا عن غيرهم؛ فمقاييسهم مختلفة، وأهدافهم أرقى، وإحساسهم بالناس أعلى.
وزاد ذلك من قناعتى أن المشكلة ليست فى المال، بقدر ما هى فى تأثير هذا المال على أصحابه..
المشكلة حينئذ هى ما فى القلب لا ما فى اليد.. فى الجوهر، لا فى المظهر..
فأنا أعرف تماماً أن هؤلاء الدعاة الأغنياء متصدقون، ومنفقون، وباذلون بإذن الله؛ ولكن لا بد أن يراجعوا أفعالهم..
لا بد أن يسألوا أنفسهم، وأن يُوجههم من يحبهم:
هل ما زالوا يشعرون بالفقراء من حولهم؟
هل يتقون الله فى حقوق موظفيهم عندهم؟
هل تطيب نفوسهم بمساعدة شاب يريد أن يبدأ حياته ليقوى على مصاعب الحياة التى نعيشها؟
هل يسارعون بتزويج شابين تأخر زواجهما للعوز، والحاجة؟
بل هل يقبلون أن يزوجوا بناتهم لشباب نابهٍ ورع تقى؛ لكنه لا يستطيع أن يوفر شقة واسعة، أو أن أن يدفع اشتراك نادٍ مشهور؟؟
هل يمنعون عن أبنائهم مصادر المال التى تؤدى إلى البذخ، والترف المنهى عنه شرعاً..
هذا النقاش هو ما يجب أن أن نشغل به أنفسنا؛ فليس المال أبداً - ولن يكون - نقمة، بل هو نعمة إن استغلها صاحبها فى زيادة قربه من ربه، وإحساسه بمجتمعه، والنهوض به.
إخوانى.. أخواتى
نحن نريد أن يظل الثوب ناصعاً لا تشوبه شائبة، ولا أن يحيط به غبار هذه الدنيا أبداً..

الثلاثاء، ١٧ أبريل ٢٠٠٧

عبد المنعم الذى لم أعرف


لم أشرف بمعرفة عبد المنعم محمود معرفة شخصية كى أتحدث عنه من منظور إنسانى؛ ولكنى رغم ذلك أحببته..

أحببته حين رأيته بين أولاد الإخوان (المحالين للمحاكمة العسكرية) على قناة الجزيرة الدولية يتنقل بينهم وهو يعرفهم طريق المدونات الذى بدأه هو من قبل..

وأحببته عندما قرأت شهادته على فترة تعذيبه فى مقر أمن الدولة الجديد (أبو غريب مصر)..

وأحببته حينما تحدث عن محمد السقا (شهيد جامعة الإسكندرية) ، وعن عدم نسيانه لذلك اليوم، وعن عتابه لطلاب الإسكندرية لنسيانهم ذلك اليوم، وذلك الشاب الشهيد بإذن الله..

وأحببته حين رأيته ينقل أخبار معتقلى الإخوان المحالين للمحاكمات العسكرية دون كلل ولا ملل..

وأحببته لِما قرأته عن اجتماعه مع مندوبى منظمة العفو الدولية ( فى تعليق من الكواكبى فى مدونة يللا مش مهم)، وحديثه الإنسانى معهم عن معتقلى الإخوان..

وأحببته حينما ذهب مدعواً لمنتدى الجزيرة الثالث بين مشاهير الصحافة العالمية..

وأحببته عندما علمت أنه قد أصبح مراسلاً لقناة الحوار فى القاهرة..

وازداد حبى حين ضحى بكل ذلك فى سبيل فكرته التى عاش بها، ولها..


وازداد الحب حين قرأت كلام المدونين ، والصحفيين غير الإخوان وهم يدافعون عنه، ويذكرونه بما هو له أهل ( نجلاء بدير – الدستور، ونوارة نجم، ومنال وعلاء، وغيرهم) رغم اختلاف الفكرة، واختلاف الاتجاه..

وازداد الحب أكثر حين قرأت تقارير منظمات حقوق الإنسان عن إدانة اعتقاله (مركز النديم، والشبكة العربية لحقوق الإنسان)..


فأنا أرى أن عبد المنعم محمود هو أحد مكونات ما يسمى بالجيل الثالث لدى جماعة الإخوان المسلمين.. الجيل الأكثر انفتاحاً، وجيل الإعلام، والجيل الأكثر تواصلاً مع التيارات الأخرى.

فعبد المنعم كان له السبق بإعلانه الصريح دون مواربة على فضاء الإنترنت أنه إخوان..

كان ذلك سبقاً تعلم منه شباب الإخوان هذه الجرأة، وهذا الوضوح؛ فتوالت بعد ذلك مدونات هؤلاء الشباب الذين ظلمهم الإعلام بالإساءة إليهم تارة، وبتجاهلهم تارة أخرى؛ فظلوا حبيسين رد الفعل الذى حبس طاقاتهم، ومشاعرهم بين جدران أربع اسمها جدران الجماعة..

كان لعبد المنعم هذا الفضل فى أن يتعرف الناس على مشاعر وحياة هؤلاء الشباب والشابات دون خجل، ودون مواربة، فكانت "يلا مش مهم"، و"دقات"، و"ابن أخ"، و"غريب"، و"يالالالى"، و"شباب الإخوان"، وكانت "الفجرية"، و"بحب النور"، و"هاعيش وأتحدى أحزانى"، و"همسة قلم"، وغيرها وغيرها..
وسيكون ذلك بإذن الله فى ميزان حسنات هذا الشاب الذى فوجئت أنه فى سن السابعة والعشرين.. كان ذلك بفضل الله أولاً ثم بفضل جرأته، وشجاعته..

كان عبد المنعم قادراً على أن يوارى فكره، وخاصة أنه قد صار مراسلاً لإحدى القنوات الفضائية، ولم يكن ليُلام على ذلك..

كان بإمكانه أن يذهب إلى الدوحة وألا يعود، ولم يكن ليزايد عليه أحد فى ذلك..

ولكنه آثر أن يكون هنا بين ناسه الذين يضحى من أجلهم، وفى بلده التى أحبها، وعلى دعوته التى ملكت عليه حياته..

هكذا كان عبد المنعم الذى لم أعرفه يوماً على المستوى الشخصى.. عبد المنعم الذى أراه صاحب فضل علينا جميعاً..

فك الله أسره، وشفى والده، وكان عوناً لأهله، وانتقم من ظالميه..

اللهم آمين..

الجمعة، ١٣ أبريل ٢٠٠٧

اللهم عليك بالقاعدة



الجهل + الحماقة + القسوة = القاعدة
هذه المعادلة تختصر فعلاً هذا التنظيم الوهمى.. تنظيم الأفكار اللا معقولة.. تنظيم القتل، وسفك دماء الأبرياء..
هؤلاء الأفراد القساة غلاظ القلوب لا ينتمون إلى تنظيم بالمعنى الدقيق للكلمة (أى قيادة، وفكر، وشورى، وتربية، و...).
الأمر كل الأمر أن شخصاً أخرق بلغ به الحنق مداه من قسوة أنظمة حكمه القاتلة، والسارقة، ومن انتهاك أرضه، ودينه من محتلين غاصبين..
وقد أعجب هذا الشخص بشخصين أحمقين (ابن لادن، والظواهرى) يعيشان فى كهوف باكستان أو أفغانستان بعيداً عن الواقع وتعقيداته..
وقد سدت فى وجهه كل سبل الحياة الكريمة من وظيفة، وعائلة، واستقرار..
هذا الأخرق رأى الدنيا قد سدت فى وجهه فأراد أن يغلقها فى وجه الآخرين، وليلبس ذلك ثوب الدين، وليحلم بجنة عرضها السماوات والأرض (لم تـُعَد للقتلة سفاكى دماء الأبرياء)..
فصار حينها مؤمناً بأيمن الظواهرى، ورفيقه ابن لادن..
صار حينها منتحراً وقاتلاً لمرتادى مقاهى الانترنت فى المغرب (شباباً كانوا أم فتيات.. مسلمين كانوا أم غيرهم.. رجالاً كانوا أم عجائز.. طائعين كانوا أم عصاة)..
صار حينها قاتلاً للموظفين الساعين للقمة عيشهم لمجرد مرورهم أو حتى توظفهم فى مقر الحكومة الجزائرية..
صار حينها "بلطجياً" يفرض الإتاوة على أهل العراق الذين احتـُلـَّت أرضهم - كما أخبر بذلك الجيش الإسلامى فى العراق - مدعياً أنه الحاكم الشرعى لهذه البلاد؛ فيستبيح دماء المجاهدين (لأنهم لم ينضموا إليه) كما استباحوا من قبل دماء السنة المخالفين لهم فى الرأى، والشيعة المخالفين لهم فى المذهب..
إلى أى مدرسة فقهية تخرج هؤلاء الجهال..
وبأى الأوهام حلم هؤلاء المغيَّبون..
إنى أزعم أن هؤلاء قدموا لأنظمة الحكم الفاسدة، وللمحتلين والطغاة فرصة لم تتح لهم منذ قرون..
فرصة إبعاد هذا الدين لأنه صار بحمقهم كأنه دين عنف يسفك الدم لأهون الأسباب..
صار هذا الدين - الذى قاد البشرية قروناً - فى أعين غير أبنائه دين جهل وتخلف..
صرنا مدافعين عن سماحة ديننا - ونحن الذين احتلت ديارنا، ونهبت ثرواتنا..
إخوانى.. أخواتى
فلنـُعلِ صوتنا أمام جهل، وحماقة هؤلاء، ولنقل لهم: لا.
بل ندعوا الله أن يخلصنا منهم، ومن شرورهم، وجهلهم..
اللهم آمين..

الجمعة، ٦ أبريل ٢٠٠٧

الغائبون، والمُغيـَّبون، والمُغيـِّبون

بعد التعديلات الدستورية الكارثية التى ألمت بوطننا الحبيب.. ألمت به ككيان يعيش فينا قبل أن نعيش فيه.. سلمته رخيصاً بلا ثمن لحفنة من أصحاب المصالح الشخصية من رجال السياسة، والأعمال، والأكاديميين، والفنانين، وكل من يتعيشون على مص دم هذا الشعب المسكين..
بعد هذه التعديلات كنت أسأل نفسى:
أين الناس؟!
ولمَ هذا الصمت؟
وقد وجدت هؤلاء الصامتين واحداً من ثلاثة.. إما غائب، وإما مُغيَّب (بفتح الياء)، وإما مُغيِّب (بكسر الياء).
فالغائب (برضاه) هو من تشغله حياته، وطموحاته، ونفسه عن كل ما يحيط به..
لا تشغله سوى نفسه.. أين هى؟ وأين ستكون؟
فهو إما راضٍ بقسمة الفـُتات (موظف مرتشٍ، أو ضابط منتشٍ، أو فنان مدعٍ)، وإما أنانى يعيش لنفسه وفقط لا تشغله هموم أمة، ولا هموم وطن، وإما جبان يتحسس مواطن القلق فيرفع يده عنها، ومواطن الإباء فيفتديها..
هذا هو أول الأصناف..
وأما الثانى فهو: المُغيَّب (بفعل غيره).
المفعول به دائماً.. المخدوع أبداً..
فهو ساعٍ على لقمة عيشه، يبحث عنها فلا يجد وقتاً لتأمل، ولا برهة لتفكر..
الفكر بالنسبة له رفاهية تحتاج بالاً صافياً، وجيباً عامراً، واستقراراً غائباً..
يصحو من نومه.. منشغلاً براتبه الذى سينتهى، وبعمله الذى سيختفى..
ينشغل بزوجه وعياله، وكسوتهم، ورعايتهم..
فكيف لمثل هذا أن يسأل عن حقوق غيره.. وطناً كانت أم مواطنين.. لقد نسى أصلاً أنه مواطن، وعاش على أنه ضيف على هذه الأرض التى يسمونها وطناً.. ولم يعلم عن هذا الوطن إلا أنه سبب شقائه وبؤسه الذى يراه ملازماً له شاء أم أبى..
وأما الثالث فهو المُغيِّب الذى يُخدر الناس بكافة أصناف المُخدِّرات.. دينية كانت أو دنيوية..
دينية.. نعم دينية..
يصرفهم عن المُشاهَدَات؛ ليكلمهم عن السمعيات..
يصرفهم عن الواقع؛ ليذهب بهم إلى الماضى المجرد من العبرة والموعظة..
يوبخهم على حالهم؛ ليصرفهم عمَّن سبب لهم هذا الحال..
يزجرهم لمعصيتهم، ولا يحدثهم عمنً مهَّد لهم سبل هذه المعاصى..
ينهاهم عن السرقة، وأموالهم يسرقها من يسمونهم بأولى الأمر..
يأمرهم بطاعة السادة والكبراء وإن سرقوهم، وسحلوهم، وغصبوهم..
يكلمهم عن الآخرة ونعيمها؛ لينسيهم الدنيا وكـَبَدها..
أما مغيِّبى الدنيا.. فهم أهل العبث، واللهو، والمجون..
أهل المخدِّرات العقلية، والحسية..
أهل البانجو، وأهل الرقص..
أهل الهيرويين.. وأهل السينما الماجنة..
أهل التبغ.. وأهل الفيديو كليب..
إخوانى.. أخواتى
مساكين أهل هذا الوطن الغائبون، والمغيَّبون..
وكم ظالمون هم أهله المُغيِّبون..
وكم هى مهمة ثقيلة على من يريد انتشال هؤلاء، وأولئك..
ولكن "النصر مع الصبر".