الخميس، ٢١ يونيو ٢٠٠٧

خواطر فلسطينية

عشت بكل أحاسيسى فى الفترة الماضية مع ما يحدث فى فلسطين الحبيبة..

وكنت أريد أن أدون ما فى خاطرى حول ذلك الموضوع؛ ولكنى ترددت لأكثر من مرة حتى آثرت أن أجمع خواطرى فى تدوينة واحدة حول الأحداث وما رافقها من تعليقات، وتحليلات.


(1) "هو بغباوته"

كلما سنحت لى الفرصة لأرى، أو أقرأ ما ينشره الإعلام العربى الرسمى - وفى مقدمته الإعلام المصرى - أتذكر على الفور المشاهد التمثيلية للممثل "إسماعيل ياسين"، ويظهر فيها بغباوة منقطعة النظير؛ هذه الغباوة تمكنه من تكرار نفس الأخطاء بنفس "السيناريو" دون كلل، ولا ملل.

أقرأ لمصطفى الفقى - المزوِّر، ومحمد عبد المنعم - السكرتير الرئاسى للمعلومات سابقاً - عن أن حماس صناعة إسرائيلية؛ وأن المخابرات الصهيونية أنشاتها حتى تنافس حركة فتح، إلى آخره من الكلام السمج فأشعر بأن هؤلاء هم نسخ مختلفة من شخصيات "إسماعيل ياسين" ولكن على هيئة جديدة هى هيئة المفكر، والمحلل.

وهؤلاء، ومن صنعهم، لم يستطيعوا أن يدركوا بعد أن كلامهم عن أى جهة بصورة سلبية يرفعها فى مكانة عالية بين الناس؛ لأنهم منبوذون، ومكروهون، ومُدانون..

ولسان الحال يقول:

وإذا أتتك مذمتى من ناقص.. فهى الشهادة لى بأنى كامل

لذا فعندما أقرأ كتابات أمثال هؤلاء، ومن على شاكلتهم (محمد على إبراهيم، وأسامة سرايا، وكرم جبر، وعبد الله كمال، وممتاز القط، و....) أفرح فرحاً شديداً؛ لأن كل ما يبثه هؤلاء فى الناس يؤتى عكسه تماماً.

فعلوا ذلك فى انتخابات مجلس الشعب، وفعلوها فى مهازل الاستفتاء، ويفعلونها مع الإخوان، وكفاية، ويفعلونها مع كل شريف فى هذا البلد، وغيره؛ ويفعلونها الآن مع حماس..

يريدون التشويه، فتزداد الصورة نصاعة..

ويريدون التلفيق؛ فيبحث الناس عن الحقائق..

لذا فأنا لا أدرى هل "إسماعيل ياسين" هو الممثل الوحيد الذين يجيدون تمثيل أدواره، أم أن جراب الحاوى ما زال مليئاً بالقرود.


(2) المدينة الفاضلة

كم أشعر بالأسى حين أرى كتاباً، أو أشخاصاً أحبهم، أو أشعر بصدق فى كلماتهم.. محلقين فى دنيا غير دنيا الواقع التى نحياها..

حين يصرون على أن يعيشوا فى وهم اسمه "المدينة الفاضلة" أو "اليوتوبيا" كما أسماها الفلاسفة القدماء..

حين يبحث هؤلاء عن أن يعيش الناس فى سلام.. متحابين.. متوادين.. حيث لا يجدون كُرهاً، ولا بغضاً، ولا قتلاً، ولا كذباً، ولا خيانة..

أشعر بهذا الشعور حين أسمع، أو أقرأ لمن أعياهم ما حدث فى فلسطين؛ فوصموا الجميع وصماً واحداً، واتهموا الجميع اتهاماً واحداً..

يسألون عن البراءة فى دنيانا التى جعل الله فيها الخير، والشر.. وجعل فيها الحق والباطل..

وجعل فيها: {ولولا دفع الله الناس بعضَهم ببعضٍ لهُدِّمت صوامعُ وبـِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يُذكر فيها اسمُ الله كثيراً}..

يريدون للدنيا أن تنصلح بلا جهاد، ولا جهد، ولا مشقة..

يريدون للحق أن يرتفع دون تضحيات، أو عقبات..

يريدون أن يريحوا بالهم من عناء اتخاذ المواقف؛ فيستسهلون لعن الدنيا والزمان، ومن فيهما..

يريدون أن يغيبوا عن الواقع؛ ليظلوا فى دنيا الأوهام التى لن تأتى أبداً أبداً..

إلى كل هؤلاء أقول:

لن تشفع لكم براؤتكم، ولن يشفع لكم حسن نياتكم..

الدنيا موقف؛ فاتخذوه حتى يتغير الحال الذى سنظل فيه ما دمتم تمصمصون الشفاه، وتلعنون الحال.

{واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.


(3) المتألق

ما زال الأستاذ/ فهمى هويدى يتحفنا بقلمه الرائع، وبعقله الفذ، وبمعلوماته الثرية فى كل ما يحيط بنا من أحداث، أو يلم بنا من مصائب..

ينتقل بك من نقطة إلى أخرى، ومن تحليل لآخر؛ فلا تملك إلا أن تقتنع، ولا تستطيع إلا أن توافق على ما يقول..

وكانت رائعتاه الجديدتان عن أحداث فلسطين الحبيبة والمعنونتان "محاولة لفهم ما جرى في غزة "، و"تقصي الحقيقة واجب الوقت " بلسماً شافياً لمن أراد أن يعرف الحقيقة، أو من اعتلاه الهم بسبب كم الكذب، والتلفيق فى وسائل الإعلام الرسمية منها وغير الرسمية.

كان كعادته وأستاذيته دقيقاً، ومحدداً فى تحليله، يحلل فى إطار معلومات يستقيها من مصادره الخاصة تارة، ومن مصادر الصحافة العالمية تارة أخرى..

وكان صاحب خلق قويم.. عفاً فى نقده رغم قوة ما يطرح.. نبيلاً فى اتهاماته.. يبغى الحقيقة، ويبغى الوئام قبل تسجيل المواقف لصالح هذا الطرف، أو ذاك..

أشعر أن هذا الرجل قد بلغ الذروة بأخلاقه، وفروسيته، وقدراته البارعة؛ فلم يتنازل أبداً عما يؤمن به؛ ولم يكن يوماً فى الطابور الخامس للسلطة الرابعة..

بارك الله فى هذا الرجل، وتقبل منه كل جهده، وصدقه، وثبته دائماً على الحق حيث كان.


(4) نعم.. أخطأ شباب القسام

حين ارتفع علم حماس على مبانى الأمن الوقائى كان هذا خطأً (وإن كان فردياً)..

وحين وصف ما حدث بأنه كفتح مكة؛ كان خطأ يستوجب الاعتذار..

وحين قـُتل القاتل سميح المدهون علناً وأمام الكاميرات؛ فذاك خطأ ثالث..

أعلم أن ما حدث لم يكن مرتباً؛ وأن ما فعله الآخرون أضعاف أضعاف ما فعله أبناء القسام؛ ولكن ديننا علمنا أن ننصح المخطئ، وعلمنا أن نرى الخطأ خطأ، وأن نرى الصواب صواباً..

والسلام

السبت، ١٦ يونيو ٢٠٠٧

إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله

يا ربُ..
أشكو إليك ضعفى، وعجزى..
أشكو إليك حالى، وقلة حيلتى..
أشكو إليك غفلتى، ولهوى..

يا ربُ..
لا أشكو إليك عباداً فقراء أنت أعلم بحالهم منى..
ولكنى أشكو إليك نفسى التى بين جنبىّ..

أشكو إليك وقد سبقنى بالشكوى إليك..
قلب يشكو قسوة..
وعينان تشكوان جموداً..
وعقل يشكو عجباً..
ولسان يشكو زلة، بل زلات..
وبدن يشكو إهمالاً..

أشكو إليك، وقد سبقنى:
قرآن يشكو هجراناً..
ووقت سحر يشكو استرخاءً..
وفجر يشكو تقصيراً..
وذكر يشكو نسياناً..
أشكو إليك وأنت أعلم بحالى منى..

أشكو إليك وقد غرنى حلمك، وصبرك..
أشكو إليك وقد غرنى عفوك، وغفرانك..
أشكو إليك، وأنا راجٍ لرحمتك، وخائف من عذابك..
أشكو إليك، وأنا الضعيف الفقير الذليل، وأنت القوى الغنى العزيز..

يا ربى..
"إلا تغفر لى وترحمنى أكن من الخاسرين"

السبت، ٢ يونيو ٢٠٠٧

مذكرات ومغامرات مندوب - 3

بعد أحداث الجزء الثانى

حادثت القاضى قبل قفل الصناديق عن رغبتى فى حضور الفرز؛ فأخبرنى بصعوبة ذلك لأن الضباط يدققون بصورة شديدة فى الداخلين للجنة الفرز، وأخبرنى أن مشادة حدثت بينه وبين أحد الضباط فى الجولة الأولى بسبب منع أحد سكرتارية اللجنة من الدخول، ودخل السكرتير فى النهاية بصعوبة.
طلبت منه بأن يدعنى أحاول، وقلت له: لن أسبب لك أى إحراج فى حالة حدوث أى موقف من ضباط الأمن، وسأتحمل المسئولية بمفردى عن هذه المحاولة.
وافق القاضى.. ودخلت فى مرحلة الجد؛ فالأمر من الممكن أن يصل إلى الاعتداء البدنى، فالضباط فى بلدنا مصر (أم الدنيا) لا يجيدون التعامل مع البشر؛ فبعضهم - للأسف - يحمل العصا والسلاح فى عقله قبل يده. كما أنهم يتعلمون فى كلية الشرطة أن الناس كـ "السوستة" إذا لم تضغط عليها قفزت فى وجهك. هذا على مستوى الضباط، أما على مستوى جنود الأمن المركزى فحدث ولا حرج، "اضرب" هذه هى كلمة السر التى قد لا ترى الدنيا بعدها أبداً.
هذه الخواطر عن ضباط وجنود الأمن المركزى لم ترد على خاطرى وقتها؛ لأنها لو وردت لما فكرت فى خوض التجربة، فالتفكير الكثير يساوى التراجع، هكذا طبيعة الإنسان.
كل ما ورد فى خاطرى وقتها أن أفكر فى الخطة التى تقودنى إلى لجنة الفرز.
اقتربت الساعة من السابعة مساء، وبدأ القاضى فى تقفيل محضر اللجنة بأن قام بعدّ أوراق التصويت الباقية دون تصويت وخصمها من العدد الأصلى لأوراق التصويت؛ ليسجل عدد من قاموا بالتصويت، وكذلك عدد الغائبين..
قام القاضى بذلك ومعه المندوب "الفهلوى"، أما الآخر فهو "لخمة" ويكفيه أنه قد أكل طوال اليوم.
وأحضر القاضى الشمع الأحمر وبدأوا فى تسخينه لتشميع الصناديق، ودخلت كاميرا إحدى القنوات الفضائية لتسجل عملية غلق الصناديق، وبالفعل تم تشميع الصندوق، وكانت الدقائق تمر بأسرع من وقتها الطبيعى لحرصى الشديد على إتمام المغامرة.
وقبل أن نبدأ فى التحرك فوجئنا بالسكرتير "اللخمة" قد غيّـر ملابسه، ولبس جلباباً، ففوجىء به القاضى هكذا، وقال له: ما هذا الذى تلبسه، هل تريد أن يمنعوك من الدخول؟ وأمره بتغيير ملابسه مرة أخرى.
فى هذه اللحظة كنت قد رتبت خطتى بأن أحمل الصندوق من إحدى يديه، على أن يحمل اليد الأخرى السكرتير "الفهلوى"، أما أخونا "اللخمة" فجعلته ورائى؛ فشكله لا يشير أبداً أنه من الإخوان؛ لذا فلن يفكر أحد أن يبعده عن المكان.
وبالفعل نفذت هذه الخطة وخرجت من اللجنة الفرعية حاملاً الصندوق من إحدى يديه، ونزلت السلالم، وقلبى يدق بشدة حرصاً على أن يتم الأمر دون مشاكل.
ومرت الأمور بسلام حتى خرجت من باب المدرسة التى كانت تتواجد بها اللجان الفرعية واقتربت من باب السيارة التى ستحمل صندوق هذه اللجنة، ووجدت ضابط الأمن فى حالة توتر شديد وقد جاء بمدد من الأمن لحماية الصناديق، والضابط يصرخ بأعلى صوته محذراً ومنبهاً جنوده بألا يزيد العدد فى كل سيارة عن اثنين يحملان الصندوق ومعهما القاضى.. وسمعت هذه التحذيرات وعلا صوت دقات قلبى، ودخلت السيارة محاولاً إظهار الثقة، وعدم التوتر، حتى فتح باب السيارة وتقدمت إلى المقعد الخلفى للسائق ومعى الصندوق وكنت حريصاً أن أكون بالداخل والصندوق بجانبى؛ حتى أختفى عن الأعين، ودخل أمينا اللجنة الآخرين على الكراسى الخلفية وجلس القاضى بجوار السائق على المقعد الأمامى.. وأغلق الباب.
ويبدو أن التوتر الذى كان عليه رجال الأمن أعمى أعينهم عنى.. كما أن وجودى بجوار الصندوق من الناحية الأخرى من الباب أظهر المقعد المجاور لباب السيارة خالياً إلا من الصندوق.
وانطلقت السيارة مخترقة الجموع التى أحاطت بالسيارات الحاملة للصناديق.
سارت السيارة فى طريقها حتى اقتربت من قسم الشرطة، وبداية من هذا المكان وجدت حشوداً من سيارات الأمن المركزى، وسيارات القوات الخاصة.
اخترقت سيارتنا هذه الجموع، وأنا أكثر من الاستغفار حتى تمر هذه اللحظات التى تتثاقل، واقتربت السيارة شيئاً فشيئاً من مقر لجنة الفرز، وبدأت أرى ضباط الشرطة من كل صنف ونوع.. رتباً عليا ورتباً صغرى.. قوات خاصة وقوات عامة.. ملابس سوداء وملابس نظامية.. عصى مكهربة وغير مكهربة.. خِـوذ وسواتر.
كأنها الحرب بعينها، وأنا أجول بناظرى هكذا حاولت أن أُثبـّت نفسى، وأن أكثر من الاستغفار حتى تمر الأمور بسلام.. خاصة أن كشفى فى هذه الحالة سيرينى "النجوم فى عز الظهر" كما يقولون، كما أنى "سآكل ضرباً ما أكلوش حمار فى مطلع" والله وحده يعلم ماذا سيحدث بعد ذلك، فلن يكون لى دية وقتها.. وقفنا أمام حاجز الأمن الأول، وبدأنا فى النزول من السيارة.. كنت حريصاً طبعاً على أن أحمل إحدى يدى الصندوق حتى لا أنكشف، وحمل اليد الأخرى الأمين "الفهلوى"، ومشى أمامنا القاضى، ووجدت الأمين "اللخمة" يمشى وراءى ويحاول أن يأخذ يد الصندوق منى ويقول لى: سيمنعوننى من الدخول، فقلت له بصوت خفيض: اصبر قليلاً وسنمر بإذن الله.
وبالفعل مررنا بحول الله وقوته من الحاجز الأول وأمامنا القاضى.
وكان مرورنا من الحاجز الأول هو الفيصل، فقد كانت الحواجز التالية أخف حدة ووطأة من هذا الحاجز، رغم أن الوجوه الأمنية مرعبة فعلاً، وتشعر فى عيونها بالترصد والشرر؛ ولكن قدرة الله - سبحانه وتعالى غالبة.
دخلت باب مقر الفرز، ثم دخلت الصوان المخصص لفرز الصناديق فى فناء المدرسة الصناعية، ووجدته عبارة عن عدد من "الديسكات" يساوى أو يزيد قليلاً عن عدد اللجان الفرعية، وفى الأمام هناك حاجز من الخشب يجلس خلفه رئيس اللجنة العامة ومعه بعض الأشخاص أظنهم سكرتارية اللجنة العامة، كما يوجد خلف هذا الحاجز - المحاط من جوانبه الأربعة - منصة علوية عليها مجموعة من المقاعد، ومنضدة مستطيلة الشكل.
كنا من أوائل الداخلين إلى لجنة الفرز بالصناديق، وصلنا إلى "ديسك" لا هو بالبعيد عن مكان رئيس اللجنة العامة، ولا هو بالقريب من باب الصوان.
وكان هذا مكان آمن بالنسبة لى حتى أبتعد عن رجال "فزع الدولة" الذين لم ألحظهم فى البداية، ولكنى بدأت أرى وجوههم وعيونهم المترقبة بالتدريج.
وضعنا الصندوق على الديسك، وقال لى القاضى بمجرد أن استقر بنا المقام: "إنت بركة"، قلت له: "الحمد لله إنها عدت على خير".
بدأ القاضى بفض الشمع الأحمر، وفتح الصندوق بمفتاح القفل الذى كان معه، وبدأ فى رص الأوراق أعلى "الديسك"، وقد كان منظما ومتمرساً للغاية.
فقد بدأ فى عد الأوراق حتى يتأكد من مطابقتها للرقم الذى دونه فى محضر اللجنة الفرعية، ثم بدأ فى استبعاد الأصوات غير الصحيحة، وهى التى لم تصوت لمرشح فئات وآخر عمال، أو الذى اختار أكثر من مرشحين، أو الذى ترك الورقة فارغة.
وكانت الأصوات الباطلة أقل من أصابع اليد الواحدة، وكان أحد هذه الأصوات لـ "ابن البلد".. نعم والله لـ "ابن البلد" فقد كتب صاحبنا اسمه على ورقة الترشيح.. وقلت فى نفسى: "ربنا يسهل لعبيده!!!".
ثم بدأ القاضى فى تجهيز محضر الفرز النهائى للجنة الفرعية بأن كتب فيه البيانات الرئيسة، وهى اسمه واسمَى الأمينين، وعدد الأصوات الصحيحة وعدد الأصوات الباطلة، ثم بدأ الفرز والتسجيل فى نفس الوقت.
كان القاضى يـُدوّن والأمين "الفهلوى" يمليه الأصوات واحداً تلو الآخر، وبعد عدد قليل من الأصوات طلب القاضى من الأمين الفرز من البداية.. ويبدو أنه قد فعل ذلك ليتأكد أن الأمين لا يَغُـش، وبالفعل عد الأصوات من جديد وطابقها بما كتبه فى المرة الأولى، وكانت لفتة ذكية من قاض يرعى ربه، ويخشى المسئولية.
استمر الفرز وأنا أقف مراقباً، والأمور تكاد تكون محسومة للمهندس/ إبراهيم أبو عوف، فأمام كل صوتين للمهندس/ إبراهيم هناك صوت واحد للمستشار/ محمد موسى، وكذلك كانت الأمور على مقعد العمال: اثنان لناجى عبد المنعم، وواحد لمحمود نبيه مرشَحَى الحزب "إزاى ما تعرفش".
وقد أثار هذا عجبى، وكيف اختار ثلث الناس مرشح الحزب الوطنى الذى اشتكوا لطوب الأرض أنه لا يخدم أحداً، كما أنه ترزى القوانين الأول بحكم كونه رئيساً للجنة الدستورية فى المجلس السابق، ولكن يبدو أن هذا دلالة على أن أصحاب المصالح والمتربحين من بقاء هؤلاء ما زالوا كثراً، يشمل ذلك أعضاء المجالس المحلية، والراغبين فى الترقيات، والطامحين وغيرهم.. ولك الله يا مصر!!!
أثناء الفرز وجدت فجأة ...... مخبر أمن الدولة "ولا فخر"، قلت: آهٍ.. آه، لقد انكشفت، وترددت بين البعد عن مكان فرز الصندوق الخاص بى وبين أن أبقى فى مكانى.. خاصة أن صاحبنا .... قد وصل بالفعل إلى "الديسك" الذى يفرز عليه صندوقى، حسمت أمرى بالبقاء مكانى دون حركة كى لا أثير انتباهه، وبالفعل تأكدت من عدم معرفته بى، وانشغاله بنتيجة الفرز، وملاحظة حركة الأصوات وفى أى اتجاه تسير..
وقفت على أعصابى خشية أن يسألنى: من أنا؟ خاصة وأنا لا أحوز توكيلاً بدخول لجنة الفرز.
بدأت أتنبه أخيراً أن باقى الصناديق قد دخلت، وأن المحامين الحائزين على توكيلات الفرز ومعهم المرشحون بالفعل داخل اللجنة، وبدأت أسمع أصواتاً عالية، ومشادة لسانية حول إعلان نتيجة الصناديق الفرعية صندوقاً صندوقاً بناء على توصية نادى القضاة، وقد رفض رئيس اللجنة العامة ذلك، وهو أمر غريب يثير الريبة.
حاول المحامون كثيراً؛ ولكن القاضى أصر على موقفه.. وهنا اقتربت أكثر من المقدمة حيث رئيس اللجنة العامة والمرشحون والمحامون، وأمام ضغط المحامين، وإصرار القاضى على موقفه.. فاجأ القاضى "رئيس اللجنة العامة" الجميع بأمره الأمن بإبعاد كل المحامين عن الحاجز الذى يجلس خلفه.. على أن يبقى فقط المرشحون الأربعة أمام الحاجز وليس داخله.. أى أنهم بعيدون أيضاً عن مكان تجميع الأصوات النهائية.
طبعاً لم يمانع فى ذلك إلا المهندس/ إبراهيم أبو عوف، فالمستشار/ محمد موسى كان يجلس فى مؤخرة الصوان بجوار ضباط الأمن وأفراد "أمن الدولة"، وناجى عبد المنعم يعرف أصول اللعبة جيداً، فلا داعى للممانعة، ومحمود نبيه دخل إطار اللعبة وأصبح من أصحابها.
كان بالفعل موقف "رئيس اللجنة العامة" غريباً، وكان دلالة على تعمد غياب الشفافية، ولكن فللنتظر ولنرى.
بدأ وكلاء المهندس/ إبراهيم وأنا معهم فى رصد نتائج الصناديق الفرعية وملئها فى الجدول المجهز مسبقاً لذلك، وكنا نحاول أن نرصد كل الصناديق، وتجميعها أولاً بأول، وقد كان لبعض القضاة موقفاً رائعاً حيث كانوا ينادوننا لنحصل على نتائج الصناديق من واقع المحضر النهائى للفرز للجانهم الفرعية..
ولكن كان على الجانب الآخر رجال "فزع الدولة" يحاولون إثارة الرعب بيننا بأن يبعدونا قدر المستطاع عن الصناديق ونتائجها حتى لا نثير مشاكل إذا حدث تلاعب، وقاد هذه الحملة شخص غامض ضخم الجثة يلبس "بدلة" ويتردد على القاضى ويخرج من عنده إلينا ليصرخ ويبعد الوكلاء عن القضاة "رؤساء اللجان الفرعية".
لم يخل الأمر من بعض الطرائف فى طريقة فرز بعض القضاة لصناديقهم - أظنهم من هيئة قضايا الدولة، فقد ظل أحدهم يفرز صندوقه أكثر من ساعتين كاملتين، أو يزيد، بأن يعد الأصوات أولاً ثم يعد أصوات أحد المرشحين على حدة، ثم يعيد الفرز مرة أخرى لمرشح آخر، وهكذا أى أنه فرز الأصوات أربعة مرات، ثم دون كل ذلك فى ورقة بيضاء "درافت"، ثم جمعها فى النهاية فى المحضر النهائى، ولم يخل الأمر بالطبع من الخطأ فى الجمع، فيقوم بالفرز مرة أخرى.. ورغم طرافة الموضوع إنه يدل على حرص القضاة على إخراج النتيجة بما يرضى الله عز وجل.
وكانت النتائج تشير إلى فوز كاسح للمهندس/ إبراهيم أبو عوف، والمحاسب/ محمود نبيه.
ولكن كان للأرقام بعض الدلالات منها:
1- أحد صناديق بلد مرشح الحزب الوطنى الأصلى (العضو السابق) كان بها 818 صوتاً، وهو رقم غريب جداً لا أعرف متى دخل هذا العدد خلال ساعات التصويت الإحدى عشرة - منها 814 صوتاً لمرشَحى الحزب الأصليين، وهو أمر محزن أن تنتخب هذه النسبة الهائلة من يعلمون أنه ترزى القوانين سيئة السمعة!!!
2- كانت صناديق بلد مرشح الحزب فئات (رئيس اللجنة الدستورية) مفاجئة إذ قسمت أصوات مقعد العمال فيها على المرشحين وإن مالت الكفة لمرشح الحزب الجديد (بعد نتيجة الجولة الأولى)، وهو ما صدم العضو السابق وشعر على إثرها بالخيانة (ونعم المبادئ!!!).
3- أن نتيجة المرشح الفئات للحزب الوطنى فى الجولة الأولى منطقية (رغم ما أثير من شكوك)، فقد حصل على أصوات بلده كاملة تقريباً، وكذلك حصل على أصوات بلد مرشح الحزب عمال كاملة تقريباً، والبلدان تقترب الأصوات فيهما من العشرة آلاف صوت، بالإضافة إلى حصوله على أصوات أصحاب المصالح فى كل بلد.. مما يرجح أن السبعة عشر ألف صوت كانت حقيقية.

استمرت الاتصالات من الزملاء بالخارج لمعرفة الأخبار أولا بأول، والاطمئنان على النتيجة، وموقف رئيس اللجنة العامة، ونحن نبلغهم أولاً بأول بمدى تقدم المهندس/ إبراهيم حتى رصدنا حوالى مائة صندوق من ضمن الصناديق التى تتجاوز المائة والستين صندوقاً..
أى أن ستين صندوقاً على الأقل قد فلتت منا دون رصد، وكان ذلك بسبب قلة عددنا، وجو الرعب الذى ساد القاعة، وتراخى بعض الوكلاء الذين اكتفوا بالكلام مع المرشحين الآخرين، وتركوا مهمتهم الرئيسة وهى رصد الأصوات.
وكان هذا دلالة أيضاً على أن نتيجة الفرز فى الجولى الأولى القائمة على التجميع غير دقيقة؛ لأن عدم الحصول على نتائج هذا العدد من الصناديق فى الجولة الثانية حيث المرشحين الأربعة فقط، يؤكد عدم القدرة على الحصول على نتيجة عدد أكبر من الصناديق فى الجولة الأولى حيث المرشحين الاثنى عشر على ما أذكر.
حاولنا ألا نشعر أحداً بذلك، لأن معرفة ذلك قد تسهل الأمر على من يريد قلب النتيجة.
كانت النتيجة فى الصناديق التى تم فرزها تشير إلى حصول المهندس/ إبراهيم على 20000 صوت تقريباً فى مقابل 13000 تقريباً للمستشار/ موسى، وكانت النتيجة قريبة من ذلك على مقعد العمال، والسبق للمحاسب/ محمود نبيه.
زادت الاتصالات، وانتهى الفرز الفرعى تماماً، وسكرتارية رئيس اللجنة العامة يفضون مظاريف اللجان الفرعية ويدونونها ونحن بعيد عنهم، لا نعرف ماذا يدور.. والشخص الغامض يدخل إلى رئيس اللجنة العامة يحادثه حديثاً يطول فى بعض الأحيان، ويقصر فى البعض الآخر..
ثم يعود هذا الرجل الغامض إلى مؤخرة "الصوان" حيث المستشار/ محمد موسى، وكأن شيئاً يدبر.
وإخواننا بالخارج يرفعون أصواتهم بالدعاء، وتثبيت القضاة بالقول: "إن فى مصر قضاة لا يخشون إلا الله"، وللأسف لم نتبين شيئاً من هذا الدعاء.. لم نسمع إلا أصواتاً غير واضحة المعالم تتردد فى فضاء المدرسة.. وكانت كما قالى لى الإخوان بعد ذلك تهز جبالاً صماً وقلوباً غلفاً، وكما قال لهم أحد العامة من الناس: "لو سمعها كافر لما غير النتيجة أبداً".
الدقائق تمر بطيئة، وأنظارنا متجهة نحو "رئيس اللجنة العامة".. نحاول أن نتلمس أى شىء، ولكن هيهات فهو بعيد عنا، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه.
كل حركة نحسبها، وكل رنة تليفون محمول تتبعها مكالمة يجريها رئيس اللجنة العامة تشعرنا بالخيانة.. تشعرنا أن شيئاً ما يدبر. ما الذى يمنع النتيجة من أن تعلن، فالتجميع لا يأخذ كل هذا الوقت..
أمن الدولة يمنعنا من التجول داخل الفناء، يحصرنا جميعا فى ركن واحد، قلنا: إنها الخديعة إذن، وكما قال أحد الإخوان "دا إحنا هانضرب ضرب!!!".
نتلمس نتائج الدوائر الأخرى عل نسيماً يريح القلوب، وفوزاً يثلج الصدور، وبالفعل جاءنا الخبر الأول بفوز أحد الإخوان فى إحدى دوائر سوهاج.. واستبشرنا خيراً، وقلنا بإذن الله تكون البداية.
وبدأ "رئيس اللجنة العامة" يلملم أوراقه، وفجأة وجدنا رتلاً جديداً من القوات الخاصة يدخل لجنة الفرز، ويقترب من مكان المنصة ويدخل إليها ويحيط بالقاضى، بشكل يثير الرعب، ويبعث على الريبة، ويقف المهندس/ إبراهيم على أحد الكراسى موجها كلامه إلى القاضى "رئيس اللجنة العامة" بأنه يمنعه من حقه القانونى من الإطلاع على الفرز، فيصرخ القاضى موجهاً كلامه إلى المهندس/ إبراهيم بأن ينزل، فيتجاوب معه كى لا يزيد الأمور اشتعالاً.
وهنا يعتلى القاضى المنصة ويمسك بيده الأوراق، ويفتح السماعات الداخلية، ونبدأ فى الدعاء، فيوجه كلامه إلينا: أتدعون علىّ، فنقول له بصوت واحد: لا، ويرتفع صوت المهندس/ إبراهيم أبو عوف بالدعاء: "اللهم أجرِ الحق على لسانه.. اللهم أجرِ الحق على لسانه.. اللهم أجرِ الحق على لسانه" وأمـّنـّا وراءه.
وبدأ "رئيس اللجنة العامة" فى الكلام مبتدئاً بالكلام التقليدى بأنه قد تم دعوة الناخبين البالغ عددهم .... فى دائرة منية النصر، وكان عدد الأصوات الصحيحة 57 ألف صوت وبعض المئات... وعدد الأصوات الباطلة ... وأن النتيجة بترتيب الأسماء فى ورقة الاقتراع هى:
1- المستشار/ محمد محمد موسى، وحصل على 18 ألف صوتا وبعض المئات من الأصوات - لا أذكرها.
2- المحاسب/ ناجى عبد المنعم إبراهيم وحصل على ما يقرب من نفس الرقم تقريباً.
3- المهندس/ إبراهيم أبو عوف وحصل على 28 ألف صوت و....
وعند هذه الكلمة لم يسمع أحد شيئاً فكان التكبير والتهليل يملآن الفناء.
جريت فرحاً - لا أعرف إلى أين - نظرت حوالى وجدت الجميع فى حالة عدم تصديق، وقام البعض بحمل المهندس/ إبراهيم وجرى به، وكذلك المرشح الثانى المحاسب/ محمود نبيه، وجرينا بصورة عشوائية، تطير الفرحة بنا، قبل أن نطير بها.
اتصل بى أحد الزملاء من الخارج يسألنى عن النتيجة فأخبرته بها، لم يصدق فأقسمت له أن القاضى أعلنها فعلاً، أغلقت معه فإذا بزميل آخر من محافظة أخرى يتصل بى يطمأن، فأخبرته وفرحته.
طرت فرحاً، اتصلت بزوجتى، وأهلى، وأحد أصدقائى أطمئنهم جميعاً.
الله أكبر.. ولله الحمد
هكذا كان يعلو صوت الجميع.
اخترقت جموع الأمن جرياً لعلى أسبق بإبلاغ الخبر إلى الأحباب القلقين فى الخارج، لم أجد أحداً، بحثت عنهم لم أجدهم..
وجدت بعض النساء فى "البلكونات" يسألننى عن النتيجة فأخبرتهن بها..
الجميع لا يصدق.. الجميع يكتم فرحه.. خوفاً من أن تكون كذبة تصدمهم بعد ذلك..
علمت أن الإخوان فى الخارج منعوا أى أحد من الاحتفال بالفوز حتى يتبينوا الخبر..
وها قد جاء الخبر ووجدتهم أخيراً، فقد أبقوا أنفسهم - بارك الله فيهم - بين الحقول عل صوت الدعاء يعلو فيصل إلى قلب، فيخشى الله ويظهر الحق.
وجدتهم يدعون، ويحمدون الله على نعمائه، ويشكرون كل من ساهم فى إظهار الحق، حتى الأمن لم يغفلوه من الدعاء، وهذه هى أخلاق الدعاة تحمل الخير لكل الناس، ولا تحمل الضغينة لأحد مهما كان عداؤه.
هنا لم تكن النهاية.. بل كانت بداية مسئولية تنتظر من يحملها بأمانة.. هنا كانت بداية الخطوة الأولى نحو غياب أهل المصالح.. الذين يعملون لأنفسهم، وعلى حساب وطنهم، وظهور من اختصهم الله بقضاء حوائج الناس..
نعم.. سيكون الطريق طويلاً، ولكن ما دامت أولى خطواته قد بدأت ستتلوها بإذن الله خطوات وخطوات..
والله أكبر.. ولله الحمد..

مذكرات ومغامرات مندوب - 2

بعد أحداث الجزء الأول

سأل الضابط أحد القضاة عن إمكانية دخولنا إلى المدرسة حيث مقر عدد من اللجان الفرعية، فأذن لنا بالدخول؛ فحمدت الله سبحانه وتعالى على نعمه، وشعرت بأن الحلم قد بدأ يتحقق وأنى سأكون فى أمان.
دخلت اللجنة بالفعل وتعرفت على القاضى الموجود باللجنة، وكان من حظى والحمد لله أن كان رئيساً لمحكمة جنايات.. قاض جليل فى نهاية العقد السادس من عمره؛ فاستبشرت خيراً بصحبتى لهذا الرجل.

كما تعرفت على أمينى سر اللجنة وهما موظفان عموميان من إحدى قرى محافظة الشرقية، تلمس فى وجوههما الطيبة الشرقاوية المعروفة.
وقد كنت أول مندوب فى لجنتى حيث لم يأت باقى المندوبين الممثلين لباقى مرشحى الإعادة.
قدمت للقاضى التوكيل الخاص بى من م/ إبراهيم أبو عوف (وهو من كشف خلال عضويته بالمجلس فضيحة القمح المسرطن) ، (وبالطبع كان هذا التوكيل صادراً من سجل مدنى المنزلة، وليس من سجل مدنى منية النصر حتى لا يرفض موظفو السجل اعتماده؛ لأننا كما نعرف فى بلد القانون!!) فسجله عنده فى السجلات الخاصة باللجنة، وسرعان ما أتى أحد المندوبين الآخرين، فسجل اسمه، وبذلك وقعنا على المحضر الرسمى للجنة، وقمنا بالتصويت قبل حضور الناخبين، وبالطبع كان أول صوت فى اللجنة للمهندس/ إبراهيم وهو بالطبع صوتى، وقلت: "افتتاحها مسك" إن شاء الله.
كان باقى اليوم مملاً.. حيث غاب المُصوتون؛ لأن المرشح "ابن البلد" قد خرج فى الجولة الأولى (وكأن المرشحين الآخرين من جمهورية الواق واق مثلاً)؛ فأصيب أهل البلد بالإحباط، ورفضوا الحضور، وقد حكى لى الإخوان أنهم يحاولون إخراج الناس بأى شكل؛ ولكن الرفض كان هو السائد.
فقد أثار (ابن البلد) الناس، وحفزهم لانتخابه (كى ينال حظ التصفيق فى المجلس لقرارات الحزب الوطنى المخربة للبلد)، ولكن لأنه "ابن بلدنا" لم يحصل على أصوات من البلاد الأخرى لأن لديهم "ابن بلدهم" أيضاً، وهذا من عميق الفكر الذى حبا الله به عباده!!!
وهو أمر غريب جداً أن تتحول مصر إلى مجموعة من البلاد، تسعى كل بلد إلى نفسها وحظها وأبنائها على حساب المصلحة العامة!!
ولكن على العموم هذه آفة الانتخابات فى مصر حيث تعلو العصبيات، ويغيب صوت العقل.
واستمر اليوم هكذا حيث زاد عدد الناخبين طوال اليوم فى لجنتى - بعد المجهودات المضنية التى بذلت لإحضار الناس - عن حوالى 150 ناخباً بقليل، وذلك بمعدل 15 ناخب فى الساعة الواحدة، مما جعل اليوم مملاً فعلاً.
ولكن رغم هذا الملل فقد رأيت المرشح (ابن البلد) وهو يمر على اللجان (لماذا؟!!!) وهو يخبر القضاة بأنه قد ظلم، وأنه صاحب الحق فى الإعادة، وأنه...، وأنه...، وقلت فى نفسى: لله فى خلقه شئون.
والغريب بأنى قد سمعت بأنه انتخب وبصوت عال مرشح الحزب الوطنى قائلاً: "وآدى صوتى للى زوروا له الانتخابات". ولأترك هذه بلا تعليق!!!!!!!
واسترجعت ما سمعته فى مؤتمرات (ابن البلد) من أحد المتحدثين (المتسلِّفين) من أن "ابن البلد" له ثلاثة حقوق (بالشرع طبعاً) حق الجيرة وحق الإسلام وحق القرابة (وهى والله نكتة لا تستحق التعليق).
وما سمعته (نقلاً) من أن أحد مشايخ الأوقاف (العلماء!!!) قد وصفه بأنه سابع(!!!) الخلفاء الراشدين (يا هوووووووووه!!!).
كما تذكرت كم التخويف الذى بثه أنصار (ابن البلد) للإخوان.. من التهديد الصريح بالضرب والإيذاء للنساء قبل الرجال لكل من يحاول منهم (فى الجولة الأولى) من الاقتراب من اللجان (كأنهم الصهاينة!!!).
رأيت كل ذلك أمام عينى وأنا أشاهد (ابن البلد)، وقلت: غفر الله للجميع.
كما أنى قد تعرفت على القاضى الفاضل بصورة أكبر بعد أن تجاذبنا أطراف الحديث، وعرفت منه أنه إنسان متدين جداً، وكذلك زوجه وأولاده.. وحمدت الله أن مصر ما زال بها أمثال هؤلاء الناس العظماء.
أما أمناء سر اللجنة فكانوا حكاية..
الأول كان لا يكف عن الأكل طوال اليوم، عرض عليه القاضى من طعامه فأكل، وعرض عليه أحد المندوبين فأكل، وكان معه طعامه الخاص به فأكل منه أيضاً.
وبالمناسبة فقد نسى الإخوان أن يحضروا لى طعاماً طوال اليوم؛ فظللت جوعاناً طوال اليوم، فقلت: الحمد لله!!!!
أما الثانى فقد كان ممن يسمون بـ "الفهلوية"، وممن يحبون الحكايات، والحديث عن البطولات.
ومن حكاياته: كيف شارك فى تزوير انتخابات الرئاسة، ووضع الأصوات بيده فى الصناديق، وكيف كان يشارك فى تزوير الانتخابات السابقة قبل إشراف القضاة، لذا فقد أصبح متخصصاً فى التزوير (بئس التخصص).
وقد اتهمنى هذا "الفهلوى" بأنى "مش مفتح دماغى" و"مش مطأطأ"؛ لأنى عطلته عن خداع القاضى أكثر من مرة بالوقوف على رأسه عند البحث عن أحد الأسماء؛ لأن سيادة الأمين كان يريد لحاملى الأسماء الخاطئة (أو المزورة) أن يوقعوا مكان أسماء أخرى مستغلاً بعد القاضى عنه عند البحث عن الأسماء.
وقال لى: أنه يفعل ذلك للمصلحة؛ لأن الحزب الوطنى يزور، ويمنع الناس من الدخول، و...؛ فأخبرته: أنى مستغن عن شرف "تفتيح الدماغ" و"الطأطأة" لأنها ليست من أخلاقنا ولا من ديننا.
ومن الأحداث المثيرة المحزنة فى هذا اليوم اتصال بعض الزملاء لإخبارى بما حدث فى برمبال - بلد مرشح الإخوان - من ضرب بالرصاص الحى، وإصابة بعض الأهالى بإصابات خطيرة، وحاجة بعضهم العاجلة لنقل الدم لتعويض النزف..
وقلت: يا سبحان الله.. أيقتل الناس بهذه السهولة؟ ولأجل ماذا؟
هل عضوية مجلس الشعب تستحق أن تسفك الدماء من أجلها؟
ألهذا الحد يخافون من الحرية؟ يخافون من كشف الفساد؟

زاد ذلك من قناعتى بحاجتهم فى هذا المجلس إلى مجموعة من المصفقين.. تحمى الفساد وتصفق له.. تصفق لتفويض البلد بمن فيها لشخص واحد..
مجموعة من المطبلين.. تحمى نهب المال العام.. تحمى "ممدوح إسماعيل" قاتل الناس فى عباراته المتهالكة.. تحمى صاحب شركات "الفياجرا" المهربة.
مجموعة من المتواطئين.. تحمى قانون الطوارئ، واعتقال الناس فى منتصف الليل.. تحمى وزارة الداخلية التى تفزع الناس فى أقسام الشرطة بدلا من أن تؤمنهم.
هذا هو عضو مجلس الشعب الذى يريدونه.. ولا فرق لديهم أن يكون هذا العضو "ابناً للبلد" أو مرشحاً للحزب الوطنى.. المهم: أنه سيبصم دون أن يقرأ.
فالأمر إذن يستحق سفك الدماء، وتزوير الكشوف، وترويع الآمنين..
قلت: {ليت قومى يعلمون}.
عشت فى هذه اللحظات فى قلق عميق خوفاً على هؤلاء المصابين، وخوفاً من أن تزهق نفس؛ فتشكو إلى بارئها ظلم الظالمين، وظلم من ساندهم بالصمت أو بالتأييد.
لم أطمئن على المصابين إلا بعد انتهاء اليوم، وإن كان القلق لم يزل نهائياً؛ لأنهم قد نقلوا إلى مستشفى الطوارئ فى المنصورة، ودعوت الله لهم بالشفاء.
ومما أتذكره فى هذا اليوم ما قاله مندوب مرشح الحزب الوطنى "عمال" أن بلد مرشح العمال المنافس (الذى أصبح أيضاً "وطنى"!!!) واسمها الكردى تعطى أصواتها لمرشح الحزب الوطنى "فئات"، وبلد مرشح الحزب "فئات" واسمها "البجلات" تعطى مرشح العمال "اللى ماكانش وطنى وبعدين بقى وطنى"، "طبعأً ماحدش فاهم حاجة"، ولا تعطى مرشح الحزب الأصلى، وقلت له: إن هذا متوقع من أصحاب الفكر الجديـــــــــــــد؛ فالحزب الوطنى ما هو إلا مجموعة من أصحاب المصالح لا يربط بينها إلا رابط هذه المصالح؛ فالقيمة هى المصلحة الشخصية حيث كانت.
وأيضاً مر رئيس اللجنة العامة على المدرسة، ووجدته قاضياً صغير السن، مما أثار الاستغراب فى نفسى.. كيف يرأس هذا القاضى الصغير اللجنة العامة، فى حين يرأس قاض جليل رئيس لمحكمة جنايات لجنة فرعية..
سألت القاضى هذا السؤال؛ فأخبرنى أن هذا القاضى (رئيس اللجنة العامة) كان وكيلا للنيابة تحت رئاسته وقت أن كان رئيساً لمحكمة!!!
ولكنه قال لى أن هذا الأمور لا تفرق معه، وهو يؤدى واجبه بما يرضى الله سبحانه وتعالى وفقط.
أقلقنى هذا الأمر، وزاد الشكوك التى أثيرت حول تغيير النتيجة فى الجولة الأولى، ولكنى كنت أدرك أن الله سبحانه وتعالى هو الذى يدبر مهما دبر الآخرون.
ونظراً لثقتى فى القاضى، ونظراً لهدوء الجو فقد تحركت بحرية، وخرجت من اللجنة أكثر من مرة.. مرتين لصلاتى الظهر والعصر، ومرة للطعام حيث ذهبت لبعض أقاربى للغداء معهم (بعد أن نسينى الإخوان) وقد كان ذلك قبل غلق اللجنة بساعة تقريباً.
وعدت وقتها إلى القاضى وبدأت أحادثه حول مغامرة جديدة رغبت فى فعلها.
هذه الرغبة هى دخول لجنة الفرز..
فأخبرنى القاضى بـ ...


وعند ذلك تبدأ أحداث الجزء الثالث.

مذكرات ومغامرات مندوب - 1

فى ظل أجواء انتخابات مجلس الشورى الحالية، وما يصاحبها من أفلام هزلية تقوم بتمثيلها، وتأليفها، وإخراجها حكومتنا السنية..
وفى ظل أجواء احتدام النقاش حول
شعار "الإسلام هو الحل" فى ساحة المدونات، ثم على صفحات الجرائد الموضوعية جداً!!!
وفى ظل عدم رغبتى فى الخوض فى هذا النقاش الذى أراه مثمراً، وبناءً؛ إلا أن فتحه فى هذا الوقت قد جانب الصواب؛ لأن الأولى كان فى طرح الأمر للنقاش قبل اتخاذ قرار بشأن انتخابات الشورى، وتحديد شعار الإخوان الانتخابى فيها، أو أن يؤجل الأمر حتى تنتهى هذه الانتخابات وبهذا تدخل المناقشة فى إطار التقويم، والتصحيح..
فى ظل هذه الأجواء أردت تذكر آخر انتخابات نيابية فى مصر، والتى تمت فى عام 2005 فى ظل آخر إشراف قضائى على الانتخابات..
أتذكر فيها دورى كمندوب فى لجنة فرعية فى إحدى دوائر محافظة الدقهلية فى صورة هوامش، ومغامرات كتبتها من قبل فى موقع
صوت منية النصر.


والآن أترككم مع:

مذكرات ومغامرات مندوب (1)

المكان: لجنة (..) بمدرسة (..)
الزمان: 7/12/2005
الحدث: جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشعب 2005

كانت الأجواء المحيطة بهذا التحقيق - أو بمعنى أدق هذه المغامرة - ملتهبة جداً..
فهى مغامرة أن تكون مندوباً فى لجنة فرعية فى انتخابات مصرية (لأنها طبعاً أم الدنيا)، ومجازفة أن يكون ذلك لأحد مرشحى الإخوان المسلمين..
ولكيلا أطيل عليكم؛ أدخل فى التفاصيل:
أنا مندوب لجنة فرعية لمرشح الإخوان فى دائرة منية النصر؛ والمنافس هنا هو رئيس اللجنة الدستورية السابق فى مجلس الشعب المصرى (طبعاً حصلنا الرعب)؛ وكما تعلمون فإن اللاعب الرئيس فى الانتخابات المصرية (النزيهة جداً) هو أمن الدولة (أقصد أمن النظام طبعاً).
المهم.. عرفت ليلة الأربعاء - بعد أن رجعت من القاهرة - دورى المطلوب وهو أن أكون مندوباً داخل اللجنة الفرعية المقيد بها اسمى فى الجدول الانتخابى، وقلت لنفسى: الحمد لله، سأكون فى أمان فأنا تحت حراسة القاضى ولن يجرؤ أحد من أمن (..) أن يقترب منى.
وطبعاً كان هذا من قبيل التمنى لا من قبيل الحقيقة؛ فأنت فى مصر (أم الدنيا) لا تدرك مصيرك المحتوم، ولا قانون يحميك ولا "يحزنون" فهم القانون والقانون هم.
وبالطبع لأننا فى بلد الأمن والأمان طُلب منا ألا نبيت فى بيوتنا؛ حتى لا تتشرف بيوتنا بحماة الوطن، وزوار الليل فى وقت السحر (طبعاً لعقاب الأخ النائم لأنه لم يستيقظ لقيام الليل). ولكنى قلت لنفسى: أنا "غلبان"، وأعيش فى القاهرة.. وما أنا إلا فرد ضعيف غير معروف لـ "حماة الوطن"، كما أنى ما زلت مشروع أخ يمشى بداخل "الحيط"؛ ولذلك قررت أن أنام فى البيت.
وكان الترتيب أن يلتقى كل مجموعة من مندوبى اللجان الفرعية فى مكان ما بعيداً عن الأعين، وذلك فى الصباح الباكر حتى نصل إلى أرض المعركة (أقصد المدرسة)..
وكان مكان اللقاء عند ...
عند ...
(اللهم احفظنا) المقابر، إى والله فى المقابر، ويبدو أن هذا إدراك من الإخوان للنهاية المحتملة للمعركة (أقصد هذه المرة: الانتخابات).
ذهبت إلى أرض المأوى والمستقر (إن آجلا أو عاجلا) فى الساعة المحددة، ودخلت وأنا مرعوب (هذه طبعاً بداية الشجاعة) فقد كنت بمفردى، وزاد هذا من رعبى، وارتعشت الأيدى، وتخلخلت الركب، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، حتى سمعت صوتاً قريباً، فقلت: الحمد لله.. "هى كانت ناقصة رعب".. أليس كافياً أننى مندوب فى لجنة.. "كمان" يتركوننى بمفردى.
طبعاً لكيلا أطيل عليكم (هكذا يقولها كل المشايخ المحبوبين!! على المنابر) قابلت بعض المندوبين الذين وصلوا قبلى - ولكن إلى مكان غير الذى أتيت إليه - وأفهمونى أن مجموعتى من المندوبين فى مكان آخر، فذهبت إليهم شجاعاً مقداماً (!!) ناطقاً بالشهادتين وممنياً نفسى بحماية القاضى (طبعاً لو دخلت اللجنة أصلاً).
ووصلنا بعد فترة هى فى عمر الزمن قصيرة، وعلى نفسى كانت كالدهر إلى أقرب مكان من اللجنة، وفوجئت أن إحدى القنوات الفضائية تثبت محطة الإرسال الخاصة بها هناك، وهنا قلت لنفسى: الله أكبر، سندخل اللجنة مكبرين ومهللين تحت حماية مراسلى هذه القناة، وهنا ثبتت الأقدام، وانتصب الجسد، وتحركت الأقدام.
وإن كانت نفسى (الموسوسة) ذكرتنى بقولها: أنسيت أن الفضائيات كانت فى كفر شكر وقبلها فى الإسكندرية، ولم يمنع ذلك حماة الوطن (!!) من حماية الوطن من أمثالنا (أقصد ....).
واقتربت أكثر من اللجنة ومعى زميلان وفوجئت أن قوات الأمن ما هى إلا ضابط برتبة ملازم أول، وجنديان أو ثلاثة على ما أذكر.. وتنفست الصعداء.. واستجمعت كل قواى (التى كانت كل واحدة منها منفصلة عن الأخرى) وذهبت إلى الضابط وقلت له: أنا مندوب وأريد دخول اللجنة، فكلمنى بكل أدب وقال: ممنوع دخول المندوبين حتى يأتى كل القضاة أو يأذن الحاضرون منهم بالدخول.. فاحترمت نفسى طبعاً، وقلت: فلننتظر.
كانت الساعة وقتها تسبق الثامنة بعشر دقائق تقريباً، فاستعنت بالله وقلت: اللهم اكفناهم بما شئت وكيف شئت.. وتسامرت مع بعض الزملاء قبل الدخول.
حتى حانت الساعة الثامنة، فذهبت عندها مرة أخرى إلى باب المدرسة، وتحدثت مع الضابط ثانية بشأن الدخول؛ خاصة وأن هذا هو موعد فتح الصناديق، ولا بد أن ندخل قبل الناخبين حتى نعد محضر اللجنة الفرعية مع القاضى رئيس اللجنة، فالتفت الضابط لأحد القضاة وسأله ....

وعند ذلك تبدأ أحداث الجزء الثانى..