صليت الجمعة الماضية فى مسجد معهدى الذى تلقيت فيه تعليمى الأساسى وجزءً من تعليمى الثانوى.. ظللت فيه عشر سنوات كاملة بحلوها ومرها..
نظرت إلى حوش المعهد، حاولت أن أتذكر الماضى، حاولت أن أكون منتمياً إلى هذا المعهد؛ ولكنى لم أستطع، ولم أفرح لأنى رأيت معهدى الذى ترعرعت فيه..
حاولت كثيراً أن أتذكر، ولكنى فشلت، وبدلاً من أن أتذكر ما سرنى، تذكرت ما ساءنى..
تذكرت مدرس اللغة العربية فى الابتدائى وهو يحاربنى لأنى لا آخذ درساً عنده ولا عند غيره.. تذكرت وهو يعطينى 55% من درجات أعمال السنة رغم أنى أول فصلى، ثم يقول لمن جاء يسأله من أقاربى عن السبب: أن هذه الدرجة مجاملة.. تذكرت وقع ذلك الظلم على طفل صغير؛ لأنه حافظ على حقه فى أن يأخذ درساً أو لا يأخذ..
تذكرت وأنا فى الصف الأول الإعدادى وقد صفعنى مدرس العلوم على وجهى لأن كرسيه متسخ بالتراب؛ لأنى كنت رائد الفصل؛ وكأن رائد الفصل هو كنـّاس الفصل.. تذكرت وقد امتنعت بعدها عن ريادة الفصل فى أى سنة بسبب هذا الموقف الذى لم ينمحِ من ذاكرتى حتى الآن.
تذكرت حلمى بأن أكون من أوائل الجمهورية، أو حتى المحافظة فى الشهادة الإعدادية، وأجدنى وقد تبخر هذا الحلم أمام عينى وأنا أشاهد الغش الجماعى الذى حدث فى الامتحانات، وأنا عاجز عن منع ذلك بأى صورة من الصور، وقد اشترك فى هذه المهزلة إدارة المعهد، والمراقبون والأهالى والجميع!!
تذكرت وأنا أشاهد درجاتى فى الإعدادية، وبكائى للدرجات اللا معقولة التى حصلت عليها، والتى أكدت لى أن التصحيح فى الأزهر يكون بـ "الشبر" كما يقولون.. تذكرت درجتى فى موضوع التعبير وكان عما يسمى وقتها بمجلس التعاون العربى، وقد أطنبت فى الحديث عن دوله الأربع، وعن فوائده الاقتصادية، والسياسية بما لا يناظر سنى.. تذكرت وقد أعطانى المصحح 24 درجة من 40، وأنا متأكد أنه لم يقرأ حرفاً واحداً مما كتبت!!
تذكرت كل ذلك، ولم ألتفت حتى وراء ظهرى لأسترجع الذكريات، أو حتى لأشعر بالحنين، وحينما التفت وجدت الكآبة على جدران المعهد، ووجدت زجاجه المكسر، فأشفقت على طلابه من البرد فى فصل الشتاء..
شاهدت كل ذلك، وقد شاءت الأقدار ليلتها أن أرى الحلقة الأولى من برنامج الجزيرة "وراء الشمس" على أسطوانة كمبيوتر، بعد أن فاتتنى حين عرضت فى التليفزيون..
رأيت فيه مواطنين انتهكت حرماتهم، وكرامتهم فى وطنهم الذى نشأوا فيه، وترعرعوا بين جنباته، دون أن يحميهم أحد، أو يمنع من تجرؤوا عليهم من أذيتهم، أو حتى أن يأخذ حقهم الذى ضاع هدراً..
تذكرت أيضاً الشعار الساذج "الشرطة والشعب فى خدمة الوطن".. شعار البلاهة الذى يجعل الشعب والوطن كيانين منفصلين، شعار التخلف الذى يجعل الشرطة والشعب كيانين متوازيين يخدمان كائناً هلامياً اسمه الوطن.. الوطن الذى لم يشرح واضعوا الشعار ماذا يعنى؟!! هل يعنى الأرض الجامدة؟!! أم يعنى الأنظمة الفاسدة؟!!
تذكرت موقفى من الانتماء لمعهدى، وموقف هؤلاء الذين استبيحت حريتهم من الانتماء لوطنهم، وشعار الشرطة وتساءلت:
هل من الممكن أن أنتمى لمكان وقد أساء لى، وقد انتهك كرامتى، وقد حرمنى حقى فى الحياة الطبيعية السليمة دون اعتداء أو إيذاء؟!!
صراحة تاهت الإجابة بين فلسفة تقول: "بلادى وإن جارت على عزيزة"، وبين طبيعة بشرية تحب أن تـُكْرم، ولا تهان.. تـُحب أن تـُحِب وتـُحَب.. تحب من أكرم، وتكره من أساء.
إخوانى.. اخواتى
ترى لو لم يحضنا ديننا على حب أوطاننا، والسعى لإصلاحها، هل كنا لنحبها؟ أو أن نشقى لأجلها؟ أو أن نتحمل ما نتحمل؟!!