الجمعة، ١٣ أبريل ٢٠١٢

سيناريو شيطاني!!

الأحداث المتلاحقة، والمتغيرات المتتابعة لا تعطي فرصة حقيقية لتحليل سليم، أو قراءة مبصرة، ولكنها قد تعطي فرصة للتحليق في الخيال، والتفكير خارج الصندوق؛ لمحاولة فهم ما يحدث.

ونظراً لتبدل المواقف، وتغيرها بشكل عجيب من معظم الأطراف الفاعلة في الساحة المصرية؛ بما يعجز عن فهم مسببات المواقف، أو دلالاتها؛ إلا من زاويتين اثنين:

الأولى: "الخيبة الثقيلة"؛ التي تفسر مبدئياً هذه المواقف المبعثرة المتناقضة (المتغابية في كثير من الأحيان!!) لبعض هذه القوى.

الثانية: "الشيطنة"؛ التي تفسر الحيل، والخدع التي تبدو ظاهراً متناقضة، وباطناً متكاملة؛ وهنا يبدو التناقض مسرحاً مكتمل الأدوات، والأركان، والوسائل، وما تلك المواقف المتباينة إلا ستار لنتائج أخرى يريدك الشيطان أن تندفع إليها اندفاعاً وراء غريزة، أو عاطفة!

أما "الخيبة الثقيلة" فلا حاجة لتحليلها، وفهم ما وراءها؛ فهي "خيبة ثقيلة" تودي بأصحابها إلى الانتقال الدائم من فشل إلى آخر دون عقل حاكم، ودون بصيرة نافذة!

تبقى "الشيطنة" محيرة، ومربكة؛ لأنه يبقى من الصعب أن تفهم موقفاً يصمم لك لتندفع وراءه، لتحقق هدفاً يخطط له الشيطان بدقة، لتنفذه أنت بنفسك ظاناً أنك تجابه الشيطان، وتواجهه مواجهة حاسمة فاصلة!

وفي محاولتي لقراءة "الشيطنة" سأبني قراءتي على مجموعة من الافتراضات كمحاولة لتحجيم الخيال..

هذه الافتراضات (مجرد افتراضات) هي:

1- الإدارة الأمريكية لا تريد لمصر أن تغرق في الفوضى.. هي تريد لمصر في هذه المرحلة على الأقل مجرد فوضى جزئية، وحالة تخبط؛ فالموقع الاستراتيجي لمصر، وكثافتها السكانية العالية يمثلان حالة خطورة بالغة على الكيان الإسرائيلي في حالة فقد السيطرة التامة على الأمور من قبل السلطة حاكمة، وهو ما يفسر انتهاء الثورة المصرية سريعاً وحسمها بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية بعد 18 يوماً من محاولات الالتفات عليها.

2- الإقصاء التام للإسلاميين من خلال الاعتقالات والتعذيب والحظر مستبعد في هذه المرحلة؛ لذا فإن البديل الحالي هو لمسارين متوازيين متكاملين هما "الاحتواء"، و"الحرق الشعبي".

3- النموذج التركي الديمقراطي (ما قبل العدالة والتنمية) هو الهدف والغاية للنموذج.. أي وصاية عسكرية تابعة متوازية مع إجراءات ديمقراطية مع سلطة قضائية قيّمة على الحياة السياسية.

وبناء على هذه الافتراضات؛ فإنني أتخيل أن سيناريوهات الإدارة في هذه المرحلة ستسير بالشكل التالي:

1- إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها دون تعطيل بشكل ديمقراطي تام (إلا في حدود بعض التزوير الناعم البسيط الذي قد يلعب في أرقام بالآلاف إن تقاربت النتائج).

2أ- تمرير تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية واستبعاد عمر سليمان وأحمد شفيق من الانتخابات، على أن يبقى ذلك تكئة للطعن في دستورية هذا القانون مستقبلاً ليبقى منصب الرئيس تحت رحمة المحكمة الدستورية العليا التي ستفصل أيضاً في دستورية قانون الانتخابات في مجلس الشعب، وبالتالي ستبقى ورقة بطلان انتخابات الرئاسة كما مجلس الشعب تحت رحمة محكمة عينها مبارك بكامل أعضائها (ملاحظة: تم تعديل قانون تشكيل المحكمة الدستورية العليا سراً قبل انعقاد مجلس الشعب مباشرة بحيث تعطي سلطة مطلقة لهيئة المحكمة وجمعيتها العمومية التي شكلها مبارك في اختيار رئيسها وأعضائها الجدد في المستقبل).

أو 2ب- تصدير المحكمة الدستورية العليا في الاعتراض على تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية، والدخول في جدل قانوني يسمح في النهاية بالإبقاء على عمر سليمان وأحمد شفيق، واستخدام ذلك في غطاء كثيف للهجوم على الإخوان والمرشحين الآخرين في عدم احترامهم للقانون والدستور، مع استخدام هذا الترشح في إحياء آمال أعضاء الحزب الوطني السابقين، وكذلك أصحاب المصالح السابقين الذين أضيروا كثيراً خلال الفترة الماضية، واستغلالهم في تشتيت الناس العاديين، والتأثير عليهم.

3أ- الإبقاء على الشيخ حازم أبو إسماعيل في دائرة المنافسة الانتخابية، والاكتفاء بالمبررات القانونية الإجرائية التي اعتمد عليها حكم القضاء الإداري، على أن يكون وجود الشيخ حازم مع م. خيرت فرصة كبرى لتفتيت الإسلاميين من خلال منافسة انتخابية قاسية، وستسخدم فيها كل أسلحة التشويش، والاتهام من خلال أطراف تغذي هذا الخلاف بما يشوه صورة الطرفين أمام الرأي العام كجزء من مسار "الحرق الشعبي"، وفي حالة نجاح الشيخ حازم فإن ملف جنسية والدته سيظل مفتوحاً تخرج منه المستندات الأصلية بالتدريج، والتي لم تقدم للمحاكمة إلا من خلال صور ضوئية لا قيمة لها، وبالتالي يبقى تحت رحمة اتهامه بالكذب بما يفقده شعبيته ومصداقيته وسلامة إجراءات انتخابه، وإبقاء احتمالية قيام المحكمة الدستورية العليا بالحكم ببطلان إجراءات انتخابه مستقبلاً إن خرج عن مسار الاحتواء، أو إن استطاع أن يقود الدولة بالفعل بعيداً عن العنتريات المتوقعة!

أو 3ب- استبعاد الشيخ حازم من الانتخابات، بما يصحبه ذلك من قلاقل يثيرها أنصاره، ومن يندس بينهم بصورة قد تثير الفزع بين المصريين أولاً، وأمام العالم الخارجي ثانياً، وبما يشكك في مصداقية كل الإسلاميين، وإثبات تحايلهم على القانون، بما يصب في النهاية في صالح "عمرو موسى" في المنافسة الانتخابية.

4أ- الإبقاء على م. خيرت الشاطر في العملية الانتخابية، مع استخدام كل وسائل التشويه الإعلامي القانوني على شخصه وعلى جماعته سواء كان من المهيجين للسلفيين (في حالة بقاء الشيخ حازم)، أو من خلال تقارير يتم تسريبها عمداً لوسائل الإعلام حول ثروة خيرت الشاطر، وعلاقاته الخارجية، ومصادر تمويل الجماعة، وغيرها؛ بما يصب في النهاية في مسار "الحرق الشعبي" خاصة مع تكرار أخطاء الإخوان في إجراءات الجمعية التأسيسية، والتردد في طرح مرشح من عدمه، وضعف أداء مجلس الشعب، وتدهور الخدمات الأساسية في ظل وجود مجلس شعب لم يقدم شيئاً للناس، وبالتالي خسارته الانتخابات؛ أما في حالة نجاحه فسيتم إنهاك الإخوان (إن تمردوا على مسار الاحتواء)؛ لأنهم في هذه الحالة قد سيطروا على كل السلطات التنفيذية والتشريعية، وذلك من خلال فقد السيطرة الأمنية، وقلة موارد الدولة، وقلة الخدمات الأساسية، وبعض المشاكل الجوهرية الشعبية التي تتحكم فيها المخابرات بشكل غير مباشر، وكذلك تبقى قانونية الجماعة محل احتكاك مباشر من خلال السلطة القضائية بما يثبّت حلاً رسمياً للجماعة وربما لحزب الحرية والعدالة.. كما أن مساري "الجزرة / الاحتواء"، و"العصا / الحرق الشعبي" سيظلان متلازمين قبل حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان انتخابات مجلس الشعب، والرئاسة على التوالي (في حالة فشل الاحتواء)، أو أن تصل الأمور إلى حالة أزمة خدمية واجتماعية واقتصادية شاملة تجعل الجيش هو الملاذ الأخير للناس لضبط الأمور والكفر بكل السياسيين.

أو 4ب- استبعاد خيرت الشاطر من الانتخابات، وهو ما سيضعف فرص محمد مرسي في الفوز في الانتخابات (إن لم تنعدم هذه الفرص بسبب أنه مجرد مرشح احتياطي)؛ وستكون هزيمة الإخوان حينئذ مقدمة قوية لفقد "الشعبية" التي يعتمد عليها الإخوان دائما في صراعاتهم السياسية، وتبرير مواقفهم الحركية؛ مع سهولة طرح الحل القضائي للجماعة (وربما الحزب) كسيف مسلط دائماً من أصحاب السلطة الفعلية (الوصاية العسكرية والقيمية القضائية).

5أ- يبقى الحل الأسلم للمجلس العسكري وللإدارة الأمريكية يتمثل في نجاح عمرو موسى نجاحاً شعبياً حقيقياً، فهو الأقدر بكاريزميته، ودبلوماسيته في تبرير كل إجراءات الوصاية العسكرية (التي ستكون في هذه الحالة من وراء ستار)، مع إعطائه فرصة حقيقية في إدارة ناجحة في بعض الملفات الخدمية والخارجية بما يرفع من شعبيته، مع استمرار مساري "الاحتواء" و"الحرق الشعبي" للإخوان ولمجلس الشعب.

أو 5ب - في حالة نجاح أي مرشح خارج هذا الحل المثالي (للعسكر والإدارة الأمريكية) سيبقى سيف حكم المحكمة الدستورية مشرعاً في وجهي الرئيس، ومجلس الشعب، مع الاستمرار في الإنهاك الخدمي الشعبي، وفقدان السيطرة الأمنية، وإظهار الرئيس في موقف الضعيف الذي لا يستطيع إدارة البلد بشكل يسمح له بفرض شعبية حقيقية تدعمه في مواجهة العسكر وماكينة التبعية الأمريكية في مصر؛ بما يمهد لاستدعاء حامي الشعب المخلص، وعامود خيمته الأخير، والذي سيكون حينها قد أوفي بوعده بالخروج ظاهرياً من الساحة السياسية بعد أن أجرى انتخابات رئاسية نزيهة أتت بثوري هاجمه كثيراً أثناء المرحلة الانتقالية، وحينها يعود هذا الحام يبناء على رغبة شعبية.

تبقى هذه السيناريوهات افتراضية وشيطانية، ولكن ما حدث في العام الماضي يجعلنا أميل للخوف من تنفيذ هذه السيناريوهات الشيطانية، والحذر منها.

كلمة أخيرة.. كل من يفكرون في تنفيذ هذه السيناريوهات (إن صحت) ينسون أمرين اثنين:

الأول: أن تدابير الله تعالى أعلى وأكبر مما يظنون، ويفكرون.

الثاني: أن نجاح بعض سيناريوهاتهم السابقة هو بسبب آثام قوى سياسية، وأشخاص اعتمدوا على قواهم الذاتية، وأدواتهم البائسة، ولم يعتمدوا على قوى حية جديدة تتشكل، وإن كانتت في طور الإنشاء إلا أنها للشارع أقرب، وعن الممارسات السياسية التقليدية القديمة أبعد!!

بعد كل هذه السيناريوهات الشيطانية، أقولها بملء فيّ: "إني واثق في أن المستقبل القريب لن يكون أبداً في صالح هؤلاء الشياطين، وأذنابهم، والسائرين في فلكهم.. المستقبل أفضل بإذن الله.. لا أشك في ذلك أبداً".

الثلاثاء، ٢٧ مارس ٢٠١٢

اللجنة التأسيسية نموذجاً لأخطاء التيار الإسلامي

تنص المادة 60 من الإعلان الدستوري والتي كانت من المواد المستفتى عليها مباشرة من الشعب على أن: "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها ويُعرض المشروع ، خلال خمسة عشر يوماً من إعداده على الشعب لاستفتائه في شأنه ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء ."

هذه المادة أعطت المجتمع كله بقيادة الأعضاء المنتتخبين مهلة سنة كاملة لإقرار دستور جديد للبلاد، وقسمت هذه السنة إلى ستة أشهر لتشكيل لجنة الدستور نفسها، وستة أشهر أخرى لصياغة الدستور المقترح للاستفتاء.

كان الهدف من هاتين المدتين هو عمل حوار مجتمعي حقيقي، والتوصل لتوافق طبيعي يرتضيه الجميع حول أسماء المرشحين لهذه المهمة الجليلة أولاً، ثم ليمتد هذا الحوار مع اللجنة المشكلة للوصول إلى دستور معبر عن الأمة المصرية بكافة أطيافها، ومحافظ على هويتها، ومقر للعدالة الاجتماعية بين كافة أبنائها، ومدافع عن الحريات العامة لمواطنيها، ومقيم لتوازن بين سلطات دولتها تامة الاستقلال في إرادتها الوطنية.

كان من المنتظر من الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى أن يقدموا للأمة حالة مثالية - هم الأحق بتقديمها - لتكون نموذجا مغايرا لنماذج اللجان المعينة من الأسرة الحاكمة قبل الخمسينات، ومن العسكريين قبل ثورة يناير.

كما أن فلسفة هذه التعديلات كانت قائمة في الأساس - كما أكد على ذلك المستشار البشري أكثر من مرة - على صياغة الدستور في ظل سلطة تشريعية (برلمان) وتنفيذية (رئيس وحكومة) منتخبين حتى يبتعد العسكر بقوتهم ونفوذهم عن التأثير في هذه اللجنة، وفي الحوار المجتمعي الدائر حول عملها.

ثم جرت أمور مجهلة بين قوى متداخلة، وصدرت تصريحات متضاربة تسحب أولاً فكرة الرئيس قبل الدستور، بل وتلح على عدم قانونيتها، أو وجاهتها، ثم تحررت هذه النقطة قليلاً تحت الضغط الثوري المطالب بسرعة إجراء انتخابات الرئاسة.

عند ذلك جرت أمور أخرى أكثر تجهيلاً بين تلك القوى، بحتمية انتهاء صياغة الدستور قبل، أو مع انتهاء انتخابات الرئاسة، وهو ما يعني عملياً أن يتم سلق الدستور في مدة تزيد قليلاً عن الشهرين بما يشمله ذلك من تشكيل للجنة التأسيسية، ثم صياغة الدستور، ثم الاستفتاء عليه.

وعند ذلك مربط الفرس، ولب المشكلة التي أدت إلى هذه اللجنة المختلف عليها القابلة للانفجار، والتي قد تؤدي إلى دستور أكثر عجباً وقابل للانهيار.

لقد ألزمت هذه القوى نفسها بالانتهاء من تشكيل اللجنة التأسيسية لسبب مجهول (أو هكذا يبدو) خلال أسبوعين اثنين، فحدث ارتباك، أدى إلى الأخطاء التالية:

1- لم يتم فتح أي حوار مجتمعي أو سياسي حول طريقة تشكيل اللجنة لتكون معبرة بحق عن كافة أطياف الأمة.

2- لم توضع أي معايير لاختيار أعضاء اللجنة، سواء تلك المتعلقة بالكفاءة، أو تلك المتعلقة بنسب التمثيل للنقابات، والهيئات، والمؤسسات، والفئات، والأطياف المشكلة للتنوع المصري الطبيعي، والمهني، والعرقي، والجغرافي، والديني.

3- لم تقم القوى المجتمعية بعرض مقترحاتها لتشكيل اللجنة على الرأي العام، وعلى البرلمان، مصحوبة بأسماء مقترحة بسير ذاتية وطنية ومهنية تشفع بانضمامها لتلك الكوكبة التي تعد لدستور مصر الحديثة.

4- تعاملت القوى السياسية بمنطق النسب الوزنية للقوى السياسية متناسين أن أطياف المجتمع ليست سياسية بالضرورة، وأن ممثلي العمال، والنقابات، والجامعات، والطوائف ليسوا سياسيين بالأساس؛ لذا فإننا صرنا نسمع نكتة أن الإسلاميين لا يمثلون إلا 48 % من أعضاء اللجنة المشكلة، وكأن القضاة، والعمال، والجامعيين الآخرين على طرف نقيض من مشروع القوى الإسلامية!

5- تعامل مجلس الشعب مع هذا الأمر الجلل كأنه "مأمورية" محددة الزمن؛ فرفض رئيسه كل محاولات النقاش حول الأسماء المقترحة من الأحزاب، والنقابات، والجامعات، والاتحادات، والهيئات، وغيرها والتي فاقت الألف وخمسمائة اسم؛ فصار لزاماً على النواب اختيار 100 اسم هكذا دفعة واحدة، دون معايير كفاءة، أو تمثيل نسبي، وصار الحل في الورقة المجهزة مسبقاً والتي ينقل منها العضو الأسماء التي اتفق عليها حزبه مع بعض الأحزاب الأخرى!

6- ثم خرجت نتيجة التصويت الموَجّه بهذه الصورة المرقعة التي أتت ببعض الشخصيات التي لا حضور لها في الواقع المجتمعي المصري، وأغفلت آخرين لهم حضور طاغ منذ الثورة، وحتى الآن.

7- بسبب غياب المعايير نسيت اللجنة، أو تناست وضع ممثلين رسميين مرشحين من الكنيسة والأزهر، وكذلك نقيب الأطباء.

8- تم اختيار أفراد ممثلين لقطاعات معينة بناء على معايير سياسية انتمائية، مثل طالب المنصورة الإخواني، ومثل رئيسي جامعة الإسكندرية والمنيا الإخوانيين، ومثل المدرسة المساعدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بنت عضو مكتب إرشاد الإخوان التي قدمت على أساتذتها في ذات الكلية ذوي الباع الطويل في الدراسات السياسية والعلمية، وكذلك الحركية الثورية، ومثل اختيار أستاذ حركي للاقتصاد الإسلامي، وأيضا مصرفي إسلامي ثان، والأمثلة تطول.

9- هناك إغفال متعمد للقوى الثورية الشبابية سواء الممثلة في البرلمان، أو خارج البرلمان، بحيث لم يتم اختيار إلا الشاب البطل أحمد حرارة، ورغم رمزيته بالغة الدلالة والضرورة، إلا أنه لم يكن من القيادات الشبابية المعروفة قبل إصابته في عينيه!

الغريب أن كل هذه الأخطاء لا يراها الإسلاميون، ويرون أن الاعتراض على تشكيل اللجنة ما هو إلا مناكفات علمانية صبيانية من قوى كارهة للإسلاميين، ومتواطئة مع العسكر ضد مصلحة الأمة!

أما الأكثر غرابة فإن هذه الأخطاء جاءت في ذات الوقت التي تحتاج فيه القوى الإسلامية لتكاتف كافة القوى الوطنية معها في مواجهة مباشرة مع العسكر قد (!) تنتقل من مرحلة البيانات إلى مرحلة الفعل الإقصائي الحقيقي من خلال أحكام قانونية جاهزة!

الحل في رأيي يكمن في تطبيق خريطة الطريق الشعبية التي طالما تغنى الإسلاميون بإلزاميتها، وهي أن يصاغ الدستور تحت مظلة منتخبة، وأن يجرى حوار مجتمعي كامل حول الدستور من خلال تشكيل لجنة المائة، ثم من خلال صياغة الدستور ذاته، وليأخذ دستور البلاد حقه الكامل في النقاش والحوار دون ضغط من بيادة، أو زناد!!، ودون حوارات مجهلة من أطراف تريدها أن تبقى مجهلة!

أظن أن هذه هي آخر فرص الإسلاميين في قلب الطاولة على العسكر، وإخضاعهم التام للسلطات المنتخبة، وليعيدوا النظر في الأمور المجهلة التي يريدوننا أن نسير في ركابها صامتين مدافعين مبررين.

والله المستعان على ما تصفون.

الأحد، ٢٥ مارس ٢٠١٢

مشروع للوطن

أظن أن الكثرة الغالبة من المصريين تشعر بحيرة شديدة، وأزمة بالغة ما بعد ثورة 25 يناير؛ فما بين طموح علا سقفه بعد التنحي، إلى إحباط أسرف في اليأس بعد حادث بورسعيد؛ عاش المصريون عامهم الأخير.

فرغم سقف الحرية العالي، ورغم تنوع الأفكار، والاتجاهات السياسية؛ إلا أني أزعم أن المصريين لا زالوا يشعرون بغربة شديدة مع متصدري المشهد العام؛ فأرقام المنتسبين للأحزاب الجديدة وضآلتها، وحنق المصريين من ضعف أداء من انتخبوهم  تؤكد أن المصريين لا زالوا يراقبون من بعيد، قد يفوضون أحداً لتلبية مطالبهم في مرحلة ما، لكنهم لم يندمجوا معه، ولم يشعروا بأنه منهم، وأنهم منه.

القوى السياسية التقليدية المصرية الحالية لم تستطع مجتمعة أن تجمع المصريين حول حدث كبير، كما لم تستطع من قبل أن تدعوها لثورة، أو أن تحجمهم عنها، بل على العكس فإن هذه القوى كانت تلحق بالتحركات الشعبية العادية، وتنضم إليها تابعة لا قائدة، والمتابع لتطورات ثورة 25 يناير يدرك أن القوى السياسية التي التحقت بركب الحوارات السياسية مع عمر سليمان، ما ألجمها إلا الخوف من الشعب الذي لم يستطيعوا أن يقودوه إلى الثورة، كما لم يستطيعوا أن يقنعوه بالاكتفاء بلمام المطالب.

وأداء القوى السياسية التقليدية مع سيريالية المشهد المصري طوال العام الماضي يؤكد على أنها جزء من المشكلة، وأنها لم تكن أبداً - وأظنها لن تكون – جزء من الحل؛ لأنها تصر على أسلوبها القديم – الذي اضطرت لتغييره جزئياً أثناء جولة الثورة الأولى، والذي ينحصر في تقديم أولوياتها الخاصة على أولويات الوطن؛ ففي حين ظهر هؤلاء وانتفضوا في قضايا الدستور أولاً، أو الانتخابات أولاً، وقبلها معركة هوية الدولة، أو معركة نسبة الثلث والثلثين في مجلس الشعب، إلا أنهم كانوا وحيدين في تلك المعارك التي لم تجتذب أحداً إلا الأتباع، والمريدين؛ بما يؤكد أنهم ما زالوا بعيدين عن هذا الشعب، وعن أحلامه، وطموحاته.

إذن، مصر في حاجة إلى مشروع جديد يجذب إليه الناس دون أن يصطدم بهويتهم الوطنية، ويشركهم في تحقيق أحلامهم لا أن يطلب منهم تفويضاً بتحقيقها، ويتعامل معهم بشفافية لا باستغفال أو استهتار.

هذا المشروع الذي يرى مصر من خلال أهلها وناسها لا من خلال نخبتها وساستها، ومن خلال تيارها الأساسي لا من خلال أحزابها، وحركاتها السياسية أصبح من قبيل الواجب الذي لا يحتمل تأخيراً، وصار الأمل الذي يبعث الحياة في في الأرواح.

يتبقى أن مواصفات هذا التيار الجديد أو المشروع الوطني الجامع في حاجة إلى التبلور، والتجسد في كيان على الأرض حتى لا يظل فكرة في العقول، ومشاعر في القلوب، وحتى لا يظل الناس حبيسي ساحات الصراع التي سئموا منها، وما شعروا يوما بالانتماء إليها.

مصر والمصريون لا يعيشون معركة هوية؛ فهويتهم محسومة منذ أمد بعيد، والصراع موجود في مخيلة مشعليه فقط..

مصر والمصريون يريدون إرادة وطنية مستقلة حقيقية لا تخضع لهيمنة أجنبية، ولا لاحتلال وطني.. إرادة تجعل مصر رائدة لا خانعة، وقائدة لا تابعة.. إرادة تعيد عزتهم الوطنية، وكرامتهم القومية، كي يبذلوا في سبيلها الغالي والنفيس.

مصر والمصريون يبحثون عن عدالة اجتماعية، وإنسانية تحفظ كرامتهم، وتضمن المساواة بينهم دون تمييز بسبب نفوذ، أو جنس، أو عرق، أو دين.

مصر والمصريون لا يبحثون عن شعارات يلقيها ساسة محترفون، ولا أصحاب وعود يلقونها وهم إليه مستمعون.. هم في حاجة إلى من يحترمهم، لا من يستعلي عليهم.. في حاجة إلى من يصارحهم بالآلام والأعمال، لا من يرميهم بالجهل، ويمن عليهم بالأفعال.. في حاجة إلى من يشركهم في البناء، لا من يرمي إليهم بالصدقة.

مصر في حاجة إلى مشروع جديد.. فهل صار قريباً، وهل من مشمر؟!

الأحد، ٩ أكتوبر ٢٠١١

نصائح إخوانية – التربية

ثانياً: التربية:

ما يميز الإخوان عن غيرهم من الجماعات أو الأحزاب هو عملية "التربية"؛ فالجماعة قائمة في الأساس على تربية "الفرد المسلم" تربية إسلامية صحيحة في ثلاث مسارات أساسية هي: الإيماني التعبدي، والأخلاقي السلوكي، والدعوي الحركي.
لذا فإن تميز الإخوان الفعلي هو في وجود "أفراد" متخلقين بأخلاق الإسلام، وعباداته، ومنهجه في كل تصرفاتهم اليومية الحياتية منها والدعوية.
وأغلب المنتمين إلى الإخوان انضموا للجماعة بسبب الارتباط المباشر بفرد من أفرادها، والتأثر المباشر بسلوكيات هذا الفرد قبل أ ن يكون هذا الارتباط فكرياً أو دعوياً..
والناظر المتفحص في هذه الأيام لمنتج التربية عند الإخوان يشعر أن هناك خللا ما في جودة هذ المنتج، بما يؤثر على نظرة الناس للجماعة ككل، وعلى تقبل أو تفهم أفكارها، وخطابها السياسي أو الدعوي.
وهناك حاجة شديدة لمراجعة آليات التربية الموجودة حالياً لكي تراجع الجماعة منتجها من "الفرد المسلم" وهل هو متطابق حقاً مع أوصاف حسن البنا التي رآها لهذا الفرد وهي:
1- سليم العقيدة
2- صحيح العبادة
3- مجاهداً لنفسه
4- مثقف الفكر
5- قوي الجسم
6- متين الخلق
7- قادراً على الكسب
8- حريصاً على وقته
9- منظماً في شؤونه
10- نافعاً لغيره.

وسأحاول هنا أن أعرض بعض النصائح البسيطة لتطوير العملية التربوية داخل الجماعة من خلال وجهة نظري الشخصية وتجاربي العملية، مع قناعتي الشديدة أن العملية التربوية أكثر تعقيداً من أن تغيرها كلمات، أو تزينها حروف، أو تقيم عوجها مجموعة من الآليات؛ لأنها في النهاية مرتبطة بالنفس البشرية، وما يحيط بها من بيئة ومؤثرات داخلية وخارجية. "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها".

وتتلخص نصائحي في الآتي:


أ- إلغاء المناهج التربوية المغلقة والعودة إلى المناهج المفتوحة:

منذ عدة سنوات فضل الإخوان الأخذ بأسلوب في التربية معتمد على كتاب موحد للمستوى التربوي الواحد، يتم في هذا الكتاب عرض الأهداف العامة والمرحلية المطلوب تحقيقها عند الشخص المراد تربيته، مع عرض محتوى نظري ملخص للمادة التعليمية المراد تطبيقها، أو معرفتها، وهذا هو الأسلوب المعتمد حالياً في وزارة التعليم المصرية في المراحل ما قبل الجامعية.
ولهذه الطريقة عدة مشاكل:

  • من ناحية الشكل:
         * قد تكون طريقة صالحة للسن الصغيرة؛ لذا فهي مطبقة على المراحل ما قبل الجامعية فقط.
         * كما أنها طريقة تربوية مختلف في نجاعتها ونجاحها في تحقيق الأهداف المرجوة؛ لذا فإن المناهج الأمريكية - في حدود علمي - لا تعتمد على هذه الطريقة في التربية والتعليم.

  • من ناحية المضمون:
         * تحول المربِّي (القائم على عملية التربية) إلى مدرس تقليدي يهتم بترتيب الأفكار، وعرض المحتوى أكثر من اهتمامه بالغوص في المعاني، ودلالاتها التي تؤهله للإبداع مع أعضاء الحلقة في الاستنباط النظري، والتطبيق العملي لما يتم تدارسه.
         * تقدم محتوى نظرياً ضعيفاً يعتمد على التلخيص والتبويب؛ بما يفقد المعاني قوتها، وتأثيرها؛ فتلخيص كلمات صاحب الظلال في الكتب التربوية الحالية ما هو إلا تلخيص مخل يفقد الكلمة قوتها، والفكرة رونقها.
         * تؤصل لدى الأفراد ثقافة السطحية والقراءة السريعة "السندوتش" في تربية جيل أكثر ما يحتاجه هو العمق، والقراءة.
         * تؤصل لفكرة المصدر الواحد في التلقي التي تؤدي بدورها إلى الانغلاق، وعدم تقبل الرأي الآخر؛ فكتاب "الدولة العثمانية.. عوامل النهضة وأسباب السقوط" المقرر على أحد المستويات التربوية منحاز جداً لإبراز مناقب الدولة العثمانية وتعظيم كل أفعالها دون موازنة موضوعية، بينما هناك دراسات أخرى تظهر المثالب والعيوب، وكتب أخرى متوازنة؛ لذا فإن الاعتماد على كتاب واحد في التلقي يثبت نظرية واحدة، ويؤكد فكرة واحدة؛ بما يؤدي إلى ضيق الأفق، وضعف التحليل.
         * لا تراعي التباين الحقيقي بين الأفراد المنتسبين لنفس المستوى التربوي؛ فأستاذ الجامعة والعامل يدرسان نفس المنهج، وكذلك العالم الأزهري والملتحق بالمدارس الأجنبية، وأيضاً الشاب الصغير، والكهل العجوز، مع ما بين كل هؤلاء من تباينات شديدة في القدرة على التلقي، والاستيعاب، وكذلك في الاحتياجات التربوية والمعرفية لكل شريحة منهم.

 

  • من الناحية العملية:
         * أدت هذه الطريقة إلى انشغال الأفراد بمسمى المستوى التربوي الملتحقين به؛ مما أدى إلى بعض الحزازات النفسية، والمقارنات بين أشخاص موجودين في مستويات تربوية أعلى (إن صحت التسمية) مع عدم أهليتهم لهذا المستوى، وبين أشخاص آخرين على العكس من ذلك.
         * لم تقدم حلاً عملياً سليماً للتعامل مع من لم يتجاوزوا أهداف مرحلة ما، ولم ينتقلوا للمستوى التالي؛ لأنهم مضطرون لإعادة دراسة نفس المنهج مرة أخرى، مما يصيبهم بالإحباط، والضيق.

ولهذه الأسباب فإني أرى أن يحتوى المنهج التربوي لكل مستوى تربوي على أفكار عامة دون التقيد بمحتوى نظري موحد مع تقديم مقترحات بكتب متعددة، مضافاً إليها وسائل عملية لتحقيق الأهداف المرجوة حرصاً على تعميق النظرة التربوية، وزيادة النواحي المعرفية مع إعطاء مساحة من الإبداع للمسئول التربوي ليتعامل فيها مع المستوى الفعلي للحلقة التربوية القائم على تربية أفرادها، والله أعلى وأعلم.

ب- إعادة النظر في آليات التقييم التربوي:
يبقى التقييم التربوي الأساس الرئيس في ترميز فرد إخواني أو توليه مسئولية تربوية كانت أو إدارية، وضعف هذا التقييم قد يصعد بأناس يسيئون للجماعة أمام المجتمع، أو أمام أفراد الإخوان أنفسهم، وقد يُبعد أناساً لديهم من الكفاءة والقدرة ما ينهض بالجماعة والأمة كلها..
والآليات الحالية - من وجهة نظري - بها بعض المثالب مثل:
  • أنها آليات انطباعية شخصية أكثر منها موضوعية جماعية:
فانطباع شخص مسئول يظل هو الفيصل في تقييم فرد سلباً أو إيجاباً، فيكفي أن يُتهم فرد بأنه متطلع أو محب للظهور أو أنه معجب برأيه لكي يتم تقييم هذا الفرد بشكل سلبي رغم أن هذه الصفات تحديدا (وهي الأكثر شيوعا) غير ملموسة، وغير مدركة لأنها صفات قلوب لا دليل ماديا عليها، إلا أنها تلقى استجابة من القائمين على عملية التقييم، وتكفي لإبعاد شخص، أو تأخيره، خاصة وأن هذه الصفات تلصق غالباً بمن يريدون المناقشة، أو التحليل، أو من ذوي المبادرة المسارعين إلى الأفعال دون قيود التراتبية التنظيمية فيوصمون بذلك بسهولة، والعكس بالعكس.
  • أنها آليات نظرية منغلقة:
  • حين جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ يشهد عنده فقال له عمر: ائتِ بمن يعرِّفك؛ فجاء برجل، فقال له: هل تزكِّيه؟ هل عرفته؟ قال: نعم، فقال عمر: وكيف عرفته؟ هل جاورته المجاورة التي تعرف بها مدخله ومخرجه؟ قال: لا؛ قال عمر: هل عاملته بالدينار والدرهم اللذين تعرف بهما أمانة الرجال؟ قال: لا؛ فقال: هل سافرت معه السفر الذي يكشف عن أخلاق الرجال؟ قال: لا، فقال عمر بن الخطَّاب: فعلَّك رأيته في المسجد راكعاً ساجداً، فجئت تزكِّيه؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ فقال له عمر بن الخطاب: اذهب فأنت لا تعرفه، ويا رجل ائتني برجل يعرفك فهذا لا يعرفك!
    فالتقييم النظري المنغلق هو ما فعله هذا الرجل حين جاء يشهد لرجل بالصلاح، فقد رآه يصلي أو يحسن الركوع والسجود، وفي عصرنا أضف لها: أنه يحسن تنميق الكلام.. أنه يحفظ قدراً من القرآن.. أنه خدوم لإخوانه.. و...
    لذا فكما فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فمن غير المقبول أن يُقيَّم شخص دون مراجعة سلوكياته العامة مع كل الناس، ومعاملاته المادية، والتزامه في عمله بتحري الحلال والحرام، ويكتفي بتقييمه ببنود نظرية (ورد المحاسبة، أو حفظ القرآن، أو الانضباط الإخواني، أو انطباق الأفكار مع الجماعة)، أو بتقييمه بشكل منغلق (أي بأدائه وسط الإخوان دون عامة الناس)..
    لابد أن تكون هناك آلية صريحة لمراجعة سلوكيات الناس وأدائهم وسط عائلاتهم، وفي أعمالهم، ومع جيرانهم، وبين الناس حتى يتم تقييم الأفراد بشكل عملي إسلامي صحيح يبرز الأكثر إرضاء لله سبحانه وتعالى، والأكثر تطبيقاً لكتاب الله، والأكثر اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى تخرج الجماعة أفضل من فيها؛ لتنهض بالمجتمع وتقوده إلى الخير بإذن الله تعالى.

    ج- التوظيف الفعلي على مسار الحياة:
    يغلب على أعمالنا الحياتية أن تكون خارج النطاق الجغرافي للشعبة الإخوانية التي نعيش فيها؛ كما أن معظم أوقاتنا نقضيها في هذا العمل الحياتي، وكذلك فإن معظم معاملاتنا اليومية تكون مع زملاء العمل، ورغم ذلك فإن طبيعة التركيبة الإدارية الحالية للعمل الإخواني لا تنشغل بهذا المسار المهم والرئيس لمجرد أنه خارج النطاق الجغرافي للشعبة الإخوانية، وتبقى معاملات كل واحد منا مندرجة تحت الاجتهادات الشخصية، والقدرات الفردية.
    كما أن أفراد الإخوان غالباً ما يشعرون بالتقصير في العمل الإخواني داخل الشعبة؛ لضيق أوقاتهم ولعدم قدرتهم على الاستمرارية في متابعة شخص ما دعوياً، أو الارتباط بأهل الحي في عمل خدمي نظراً لتأخرهم الدائم في عملهم، أو انشغالهم المستمر بأعمالهم الخاصة؛ وبذلك نبقى في الدائرة المفرغة من اتهام بالتقصير من المسؤولين، والدفاع من الأفراد نظرا لضيق الوقت وقلة المعارف، وينحصر العمل الدعوي كما هو حاصل في كثير من الأحيان في حضور لقاء، أو حضور مؤتمر، أو لصق أوراق، أو تنفيذ تكليفات بما يفرغ الدعوة من مفومها الأساس وهو التواصل المباشر مع الناس.
    كما أن عدم التوظيف في مسار الحياة يفقد المسؤول التربوي القدرة على المتابعة الحقيقية لأثر التربية الحقيقي والذي يظهر أكثر ما يظهر في المعاملات الحياتية أكثر مما يظهر في التجمل داخل اللقاءات الإخوانية التي غالباً ما تكون خارج الأطر الثلاثة التي أشار إليها عمر بن الخطاب في قبول التزكية لشخص ما من شخص آخر.
    ولحل هذه المشكلة لا بد للقائمين على العمل من أن تتسع آفاقهم أكثر، وأن يعلموا أن الدعوة أكبر من أن تنحصر في مكان جغرافي تتم متابعة الأفراد في تحقيق مستهدفاته، كما أنها أكبر من وظيفة نسأل عنها أمام مسؤولينا الدعويين.
    د- الاشتراك الشهري:
    يتميز الإخوان المسلمون عن غيرهم من كل القوى السياسية بل وحتى الدعوية في التزام كل فرد منهم تم توثيقه ليكون عضواً في جماعة الإخوان المسلمين بدفع اشتراك شهري منتظم ذي نسبة مئوية من الدخل الشهري الذي يتحصل عليه هذا الفرد. يدفعه أعضاء الإخوان المسلمين محتسبين فيه وجه الله سبحانه وتعالى - والله حسيبهم - وقناعة منهم بحسن إدارة جماعتهم لهذه الأموال في مناشط الجماعة المختلفة من سياسية وتربوية ودعوية وخيرية وغيرها.
    وهذا الاشتراك يختلف من آن لآخر، فقد يصل في بعض الأحيان إلى 10% أو يزيد في حالة وجود سهم للمعتقلين، وكذلك سهم لفلسطين، وقد يقل عن ذلك في حالة اختفاء مثل هذه الظروف.. وكذلك قد يطلب في بعض الأحيان تبرع مفتوح - له حد أدنى - في حالة الانتخابات أو غيرها من المناشط التي تتطلب مزيداً من الأموال.
    وهذا الاشتراك مدعاة للفخر من الجماعة ككيان، ومن الأعضاء بانتمائهم الصادق لجماعتهم وإنفاقهم على مناشطها التي يحتسبونها لوجه الله تعالى.
    ولكن مع وجود مثل هذه النسبة العالية التي يدفعها كل واحد من أفراد الإخوان توجد مجموعة من السلبيات هي التي دفعتني للتفكير في تطوير فكرة هذا الاشتراك والتعديل في طريقته، وتتلخص هذه السلبيات في الآتي:
    1. معظم أفراد الإخوان - وخاصة الطبقة الوسطى العليا والدنيا منهم والتي يتشكل منها معظم أفراد الجماعة - لا يشاركون في أية أعمال خيرية في محيطهم أو من خلال دائرتهم القريبة أو البعيدة اكتفاء منهم بما يدفعونه للجماعة، وظنا منهم أن الجماعة تكفيهم هذا الفعل الخيري، أو الدعوي، أو التنموي؛ لأن في الجماعة لجان تقوم على هذه المهام. وهذه نقطة تخصم كثيراً من رصيد الإخوان كأفراد في محيطهم الذي ينتمون إليه، فعند فتح باب التبرع لمسجد أو مدرسة أو مستشفى أو ...، يتأخر أفراد الإخوان لأنهم يقتطعون جزءا كبيراً من دخلهم كاشتراك للجماعة التي ينتظر منها أن تقوم نيابة عنه بالمساهمة في مثل هذه المناشط، وقد يحدث هذا بنسبة أو أخرى داخل المحيط العائلي أيضاً مما يضيع التأثير الدعوي الحقيقي داخل دوائر الدعوة الطبيعية، وذات الأولوية.
    2. نسبة معتبرة من أعضاء الإخوان لا يدفعون النسبة المطلوبة منهم (وقد لا يدفع بعضهم تماماً)، إما لحاجة خاصة، وإما لاستكثارهم النسبة المفروضة؛ مما يؤدي إلى تهربهم بشكل أو بآخر، أو لجوئهم لوسائل التورية وغيرها مما يكون له أثر سيء في المردود التربوي لقضية البذل، والعطاء.
    3. نيابة الجماعة عن الأفراد في كل الأعمال الدعوية (بما فيها المالية) تعطل فيهم قضية المبادرة إلى فعل الخير، وهي قضية تربوية خطيرة؛ لأن أصل المبادرة إلى الطاعات هو عمل فردي بالأساس، وتموت هذه الخصيصة الإسلامية الفريدة (المبادرة) بالتفويض المطلق الذي يعطيه أفراد الجماعة لإدارة جماعتهم في تفويضهم في كل ما ينتظره المجتمع من أفراده.
      لذا فأنا أقترح مقترحاً بسيطاً يحفظ على الجماعة ما تمتاز به من سيولة مادية تمنحها الاستقلالية والقدرة على الفعل الجمعي الدعوي، كما يحفظ على الأفراد انتماءهم لجماعتهم وثقتهم فيها، وفي قادتها، وفي نفس الوقت يبقي للفرد مساحة من الحرية، والمبادرة الفردية في العمل الخيري أو التنموي في الدوائر الطبيعية المحيطة بأفراد الجماعة.

    ويتلخص هذا المقترح في:
    تقسيم الاشتراك الشهري للفرد إلى سهمين: سهم للجماعة تتصرف فيه وتنفق منه على كل مناشطها، وسهم للفرد نفسه ينفقه في أعمال الخير أو التنمية المتنوعة في محيطه الجغرافي أو العائلي أو المجتمعي بصفة عامة.
    فإن كان الفرد يدفع 10% للجماعة، فليدفع في هذه الحالة 5 % للجماعة، و5% ينفقها بنفسه (في حالة المناصفة).
    وليُتابَع أعضاء الإخوان في السهمين معاً: أي سهم الجماعة المسلَّم إليها من خلال مسئول الأسرة، وسهم الفرد نفسه المقدم للمجتمع بشكل مباشر ودون وسيط.


    والله الهادي إلى سواء السبيل.

    الاثنين، ١٩ سبتمبر ٢٠١١

    نصائح إخوانية – العمل الطلابي الجامعي (2)

    1 – 2 : العمل العام:

    العمل العام أو نشر الدعوة هو الثمرة الحقيقية للعمل التربوي؛ فتربية سليمة لا تعني فقط وجود أفراد ملتزمين دينياً أو متميزين أخلاقياً أو منضبطين تنظيمياً، ولكنها تعني انتشار هؤلاء الأفراد بسلوكياتهم وفكرتهم بين الناس؛ فيخدمونهم، ويرشدونهم ويتحملون أذى بعضهم - ويأخذون بأيدي البعض الآخر إلى طرق الخير المختلفة دونما طمع في مغرم، أو أجر إلا من الله سبحانه وتعالى..
    والفكرة الإسلامية أوضح مما نظن عند الناس؛ ولكنها تحتاج إلى من يطبقونها على الأرض في أنفسهم؛ فيقتدون بهم، ويسيرون على دربهم؛ فالشعارات والأقوال يجيدها كل أحد، أما الفعل والصبر والتضحية فلا يجيدها إلا المخلصون المتجردون؛ لذا فإن الملصقات واللافتات والمؤتمرات ليست هي المسار الأساس للعمل العام، فالمسار الأساس في حالة الدعوة الإسلامية ينطلق بداية من إغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وفتح سبل الخير؛ فتنطق الفكرة ولو عجز اللسان عن بيانها، وتتجمع القلوب ولو حالت بينها الحواجز..
    ولتحويل هذا الأفكار إلى واقع معاش؛ فإنني أرى ما يلي:
    أ- إلغاء الحملات المركزية:
    كان العمل العام من خلال الحملات المركزية ثورة في وسائل العمل العام لاقت قبولاً واستحساناً عند معظم العاملين في مجال العمل الطلابي (مشرفين وطلاباً)؛ فقد أخرجت العمل من صورته التقليدية المعتمدة على الوسائل المتكررة كل عام وغير المهدفة بشكل جيد إلى أهداف واضحة المعالم محددة المقاصدة مركزة الفكرة.
    وبعد مرور 7 سنوات على تطبيق هذه الفكرة، فهناك حاجة إلى النظر في مدى تحقق أهدافها، ومدى ملائمتها للمرحلة الراهنة بمستجداتها، ومتطلباتها المختلفة.
    فمن وجهة نظري الشخصية أن هذه الحملات رغم مميزاتها العديدة قد ساهمت في تكون في عدة سلبيات رئيسة:
    • ضعف روح الابتكار والإبداع عند الطلاب؛ فالحملة المركزية يعدها قسم الطلاب (مشرفون خارجيون)؛ مما حول الطلاب إلى مجموعة من المنفذين الذين ينتظرون التكليفات لكي يطبقوها مما أفقدهم الثقة في أنفسهم، وفي قدرتهم على تقديم الطرح الذي يناسب جامعتهم، بالطريقة التي تناسب إمكاناتهم.
    • عدم ملائمة الحملات في أحيان كثيرة لجامعات مختلفة؛ فما قد يناسب جامعات القاهرة قد لا يناسب جامعات الأقاليم، وما قد يناسب جامعة القاهرة وعين شمس قد لا يناسب جامعة الأزهر، وما قد يناسب جامعات الدلتا قد لا يناسب جامعات الصعيد وهكذا؛ وأذكر أننا في جامعة الأزهر قد رفضنا تنفيذ حملة "ياللا نحب بجد" لأنها غير متناسبة مع مشاكل طلابنا الأزهريين.
    • عدم مشاركة عموم الطلاب في اختيار الحملة المناسبة لجامعتهم؛ بما يسمح بمشاركتهم في فعاليات الحملة التي أسهموا في اختيارها، وقد قامت جامعة عين شمس في إحدى السنوات بعمل استبيان لعشرة آلاف طالب لاختيار حملة العام من بين ثلاث خيارات مقترحة، وبالفعل اختاروا الحملة التي حازت على أعلى الأصوات مما ساهم في المشاركة الفعالة من عموم الطلاب في فعاليات الحملة، وقد رفضت جامعة عين شمس في هذا العام تنفيذ الحملة المركزية.
    لذا فإنني أرى أن الحملات المركزية قد قامت بدورها المنشود في تعليم طلابنا كيفية تحويل الأهداف المنشودة لدعوتهم إلى حملة مركزة الوسائل والمناشط، وقد حان الدور على كل جامعة أن يقوم طلابها (لا مشرفوها) باستقراء واقع جامعتهم، وما تحتاجه من قيم، أو مناشط مع الاستعانة بعموم الطلاب للخروج بحملة تناسب واقعهم، ويشاركهم فيها زملاؤهم من غير الإخوان؛ مما سيكون له أثر كبير في التفاعل، والاستفادة من أهداف الحملة بإذن الله، كما أنه سيفجر الطاقات الطلابية في الابتكار والتصميم والتنفيذ بما يعود بالنفع على الدعوة خاصة والأمة عامة في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى.

    ب- عدم الاكتفاء بأسرة الإخوان الطلابية الموجودة في الكلية:
    أحد مشاكل العمل العام الطلابي من طلاب الإخوان هي ممارسة الدعوة "على الطلاب" وليس "مع الطلاب"؛ لأن مفهوم العمل الطلابي الإخواني كان قائماً على تقوقع طلاب الإخوان داخل كيان واحد - سواء كان رسمياً أو لا - والانطلاق من خلال هذا الكيان نحو الطلاب، فدائما ما تكون الأعمال كالتالي: "أسرة جيل النصر المنشود تدعوكم لحفل كذا، أو لمهرجان كذا، أو لمسيرة كذا" مما يجعل عموم الطلاب دائماً في صف المتفرج أو المشاهد لا الفاعل، أو المشارك، مما يفقد الكلية أو الدعوة وبالتالي الأمة كثيرا من الطاقات التي لا تستطيع الاندماج في العمل التنظيمي، ولكنها تحمل خيراً كثيراً.
    لذا فأنا أنصح إخواني الطلاب بألا يكتفوا بالانتماء إلى أسرتهم الطلابية، بل يسارعو لإنشاء، أو الاشتراك في أسر طلابية أخرى، على أن يكونوا فاعلين بها ذاتياً، وأن تكون هذه المشاركة قائمة على التعاون في الخير دون رفع راية، أو إبراز اسم الإخوان مع عدم تخلي الفرد نفسه عن انتمائه الشخصي.. منتوين في ذلك التجرد لله تعالى، والمساهمة في نشر الخير بين الناس، وإرشاد الناس لسبل الخير؛ فشاب واحد واعٍ فاهم لدينه ودعوته قادر على أن يحرك خلقاً كثيراً بإذن الله.. وأقترح هنا أن تكون تلك النشاطات في شؤون الندوات العلمية، ودورات التنمية البشرية، وتطوير العملية التعليمية، والنظافة، وغيرها؛ لنقدم للناس نموذجاً راقياً لأصحاب دعوة نقية صافية تبحث عن الخير أياً ما كان.

    ج- إنشاء لجان نوعية متخصصة:
    كانت أكبر مشاكل العمل الطلابي الإخواني هي العمل بطريقة "اليوم بيومه"؛ فعندما يتم تحديد موعد عمل ما (مظاهرة أو مؤتمر أو مهرجان) بعد يوم أو يومين أو حتى أسبوع، يجتمع مسئولوا العمل العام في الكليات لبيحثوا في الآليات، والوسائل، والأشخاص المقترحين لتنفيذ هذه الوسائل، وبعدها يبدأ التجهيز؛ مما يخرج العمل بطريقة تقليدية متكررة لا إبداع فيها، وتحدث المشاكل المتكررة أيضاً بسبب "اللهوجة"، وعدم التخطيط الجيد، كما يتم إغفال مواهب كثيرة كانت قادرة على إنجاز ما هو أفضل..
    لذا فإن وجود لجان نوعية دائمة مثل: الفنية، والإعلامية، والخطابة، والطباعة والتصميم، والأدبية، ومن الممكن أن يضاف إليها في ظروف الانفتاح الجديدة: العلمية، والجوالة، والسياسية، وغيرها..
    هذه اللجان يكون لها انعقاد دوري ثابت، ولها برنامج عمل (خطة) يتضمن رفع كفاءة المنضمين إليها، وتنفيذ الأعمال المطلوبة منها (الطارئة وغير الطارئة) بكافة الصلاحيات..
    على أن يكون لحضور هذه اللجان (التي تساعد في اكتشاف الموهوبين وتوظيفهم) أولوية على ما عداها من أعمال، ولا تمنع كلية من الكليات أحداً من أفرادها من الانتظام في مناشطها التحضيرية أو التأهيلية أو التنفيذية.
    ومطلوب أيضاً من هذه اللجان ابتكار وسائل عامة غير تقليدية تستغل الانفتاح العام الموجود مثل عمل جريدة أو مجلة أسبوعية (بأيدي الطلاب فقط)، وعمل معارض فنية (لوحات - كاريكاتير - ...)، وندوات شعرية طلابية عامة، وغيرها.
    د- الالتزام بقانونية الأعمال، ومطابقتها للأخلاق الإسلامية العامة:
    نحن نريد أن نؤسس دولة قانون يخضع فيها الجميع لهذا القانون، ويلتزم به الجميع أيضاً؛ لذا فلا حاجة للقيام بأعمال دون الحصول على التراخيص القانونية المطلوبة لها، مع استخدام كل الوسائل المختلفة في الحصول على هذه التراخيص (الإقناع والتفاوض والضغط وتغيير اللوائح وغيرها)، كما يراعى في ذلك التعاون مع اتحاد الطلاب أيا كان توجهه لإعلاء قيمة التعاون، والحرص على المصلحة العامة، كما يمكن إنشاء أسر طلابية على مستوى الجامعة غير الأسر الطلابية المحصورة في الكليات للقيام بالأعمال العامة على مستوى الجامعة، وهذا الالتزام القانوني يرفع من شأن الدعوة، والقائمين عليها أمام أعين الإدارة وزملائهم من الطلاب.
    أما بالنسبة للالتزام بالأخلاق الإسلامية فأقصد به عدم تعطيل المحاضرات، أو تشويه الجدران، أو رفع أصوات مكبرات الصوت بما يعطل الدراسة، أو التعامل بشكل يحمل صورة من صور عدم الاحترام نحو الموظفين، أو العمال، وبالأحرى أعضاء هيئة التدريس..
    كل هذه الأشياء رغم بساطتها إلا أن لها أثراً كبيراً في فتح القلوب المغلقة، وتقبل العقول الناقدة أو الناقمة.

    الخميس، ١٥ سبتمبر ٢٠١١

    نصائح إخوانية - العمل الطلابي الجامعي (1)

    تظل الحياة الجامعية هي المعين الأول لتكون الملامح الشخصية لأي فرد منا؛ فما يتعلمه الإنسان في هذه الفترة من خبرات مهارية، وتزكية نفسية، ومعاملات إنسانية هو الأكبر في حياة كل واحد منا؛ لذا فإن هذه الفترة تظل الأخصب في حياتنا العامة.
    ورغم ابتعادي الطوعي عن العمل التنظيمي حتى الفرقة الثانية من كلية الهندسة؛ إلا أني لا أزلت أدين لهذه الفترة من حياتي بما تعلمته، وما تربيت عليه داخل الإخوان؛ فلا زلت أسترجع كل حين روحاً شفافة، وأخوة صادقة، وبساطة مذهلة لا زلت مفتقداً لها حتى الآن.. لا زلت متذكراً لأول أسرة تربوية التحقت بها في الجامعة، ومدى الحب الذي غمرني من مسئولها وإخواني المتواجدين فيها، ولا زلت أذكر الروح الإيمانية لأول كتيبة حضرتها والتي أستشعر نسيمها حتى الآن.. كما أذكر أول معسكر حضرته (والذي دعيت إليه رغم عدم انتمائي التنظيمي وقت إقامته).. أتذكر نظامه ودقته، وانضباطه وجديته، وسمو روح من فيه، ودفء المشاعر والألفة البسيطة غير المتصنعة.
    أردت البدء بهذه المقدمة للتأكيد على أن الطلاب هم العمود الفقري الفعلي لهذه الأمة، وأن غياب تأثيرهم عن الساحة بسبب ضعفهم الإيماني او المعرفي أو الحركي هو تأخير لهذه الأمة، وانتقاص من رصيدها البشري.
    زادت قناعتي بما أقول بعد التحاقي بالعمل الإشرافي بجامعة الأزهر في العام 2002، والذي زادني قرباً من دولاب العمل، وآلياته، ووسائله، والتي استطعت من خلالها وبالتدريج إدراك مظاهر القوة والضعف لهذا العمل الذي كان يسمى برأس الحربة للعمل الإخواني بصفة عامة، ولكي أبتعد عن الروح النقدية التي أتمتع بها فإني سأذكر نصائحي سريعة وموجزة لكيفية تطوير هذا العمل بما يحتويه من طاقة بشرية هائلة تستطيع أن تكون في مقدمة الركب.. ركب الحضارة والنهضة بإذن الله.

    1-1: الإشراف

    أ- تحجيم دور المشرف وقصره فقط على العملية التربوية، ونقل الخبرات، والتنسيق مع الجماعة، مع نقل كل الصلاحيات التنفيذية للطلاب:

    اتسع دور المشرف جداً خلال الفترة الماضية وأصبح المسئول الفعلي عن كل ما يتعلق بالأمور الطلابية؛ فهو الذي يختار الطلاب المسئولين، وهو الذي يعتمد أو يمنع كل الآليات، والوسائل المقترحة من الطلاب (أذكر أننا من حددنا للطلاب من ينتخبون لاتحاد الطلاب الحر)؛ مما جعل المشرف بمثابة عنق زجاجة لكل آليات العمل الطلابي، مما قلل من فرص التعلم الذاتي للطلاب، وأضعف من قدراتهم القيادية مما أفرز طلاباً جنوداً (إن صح التعبير) يتبعون لا قادة يقودون ويبدعون، وتأكيداً على هذه النقطة أذكر أنني حين توليت مسئولية العمل العام طلبت من مسئولي الكليات قبل بداية العام الدراسي مقترحات مبتكرة للتعامل مع 3 ملفات متكررة كل عام وهي: (استقبال بداية العام الدراسي - الاستبعاد الأمني من المدينة - انتخابات اتحاد الطلاب) وكانت المفاجأة أني لم أتلق أي اقتراح حول هذه الأمور التقليدية المتكررة كل عام؛ لأن الطلبة اعتادوا على تكرار نفس الآليات كل عام دون ابتكار أو تجديد (المظاهرات - الاعتصام - ...)، أو انتظار تنفيذ ما يقترحه المشرفون الخارجيون!!!

    ب- التدقيق في اختيار المشرف:

    نظراً لحساسية دور المشرف (حتى لو اقتصر دوره على الاقتراح الأول)؛ فإن عملية اختياره لا بد أن تخضع لمعايير عديدة ومحددة وغير قابلة للتغاضي عنها، منها على الأقل: القرب السني من الطلاب (على ألا تقل مثلاً عن 3 سنوات وألا تزيد عن 7 سنوات)، والكاريزما القيادية، والقدرة على الاحتواء، والثقافة العالية، والانضباطية الشديدة، والأخلاق الرفيعة، بالإضافة إلى القدرة على الإقناع، والحوار، مع الفهم المعرفي لطبيعة المرحلة السنية وتقلباتها الطبيعية.. فآلية اختيار الخريجين المتميزين دون مراجعة هذه الصفات تؤدي إلى كوارث عدة خاصة مع تواجد خريجين (أصبحوا في موقع الإشراف) نشؤوا في ظل ظروف أمنية شديدة، وسطوة إشرافية أفرزت جنوداً لا قادة (كما أشرت في النقطة السابقة)


    ج- اكتشاف المواهب والطاقات وإيجاد مسارات مناسبة لاحتوائها:

    لو لم يكن للمشرف من دور إلا اكتشاف المواهب والطاقات من طلابه لكفاه؛ فالمرحلة السنية الجامعية والتي تلي مرحلة المراهقة مباشرة تتفتح فيها العقول، وتظهر فيها المواهب والطاقات بكافة أنواعها؛ وإن لم تجد هذه المواهب والطاقات من ينميها وينضجها ويبرزها لأفلت وانزوت، أو ابتعدت، أو انحرفت عن مسارها المرتجى.. وقد أستطيع أن
    أقول أن إهمال المواهب والطاقات لهو من خيانة الأمانة التي اؤتمن عليها المشرف؛ فتركها حتى تذبل أو تتفتح في مكان آخر..
    والملاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك نضوباً شديداً في المواهب بكل أنواعها: الفنية، والعلمية، والرياضية، واختفاء هذه المواهب لا يعني أن الأرحام قد عقمت ولكنه يعني أن الكشافين (المشرفين) لم يقوموا بدورهم المطلوب في إطلاق هذه الطاقات، ومساهمتها في نهضة الأمة.
    وللأسف فإن التركيز ينصب بصورة كبيرة على اكتشاف الطاقات الحركية، أي تلك التي تملك القدرة على التنفيذ والمتابعة والجري (الحركة) يمينا ويساراً؛ لأن المشرف غالباً ما يكون مشغولاً بمن يقود إخوانه، وليس مشغولاً بالصورة الأكبر للأمة، وحاجتها لهؤلاء؛ فقد يهتم بموهوب في الرسم؛ لأنه سيصمم غلاف مذكرة الامتحانات، ولكنه لا يبحث عن كاتب، أو باحث، أو مبدع لا يستطيع توظيفه في مسار كليته (أو هكذا يظن).
    كما أن هناك سبباً آخر هو أن التعامل مع المبدعين أو الموهوبين يحتاج إلى حساسية شديدة في التعامل؛ فقد يكون أكثر جرأة في النقاش، وأكثر رغبة في الاقتناع، وهو مما لا يجيده كل أحد فيؤثر السلامة، ويهتم بهؤلاء الحركيين القابلين - بحكم طبيعتهم - على التنفيذ الجيد، وعلى السمع الطاعة دون نقاش.

    د- تفرغ المشرف:
    مهام المشرف من تربية، وتنسيق، ونقل خبرات تحتاج إلى مشرف متفرغ تماماً من كافة الأعمال الأخرى؛ فمن أخطائي وقت أن كنت مشرفاً على كلية الهندسة أني كنت مكلفاً بأعمال أخرى في الجامعة وفي الشعبة مما أثر على تواصلي الكامل مع الطلاب؛ مما جعله مقتصراً على اللقاءات التنظيمية فقط (مرتين في الأسبوع أو أقل في أحيان أخرى).. بينما ينتظر الطالب من المشرف أن يجده وقت حاجته إليه، وأن يأخذ بيديه إلى كل خير يأمله، كما أن وجود المشرف مع طلابه فترة أطول ينقل الخبرات بشكل سلس، ويشعر الطلاب بالأمان، كما يجيبهم أو يساعدهم فيما يطرأ عليهم من أسئلة أو مشاكل، كما يعطي ذلك المشرف مساحة من الحرية في زيارة طلابه في مسكنهم أو دعوتهم إلى بيته وتفقدهم ورعايتهم، وقد أبلغنا م. خيرت الشاطر ذات مرة أن أ. صبري عرفة (مشرفهم، وعضو مكتب الإرشاد السابق) كان يعطيهم ساعة كاملة أسبوعياً لكل واحد فيهم على حدة، مما كان له أبلغ الأثر في ارتباطهم به، وبالدعوة في السبعينات.. لذا فإن قبول مسئولية الإشراف مع وجود مهام أخرى له أثر سيء جداً على الطلاب، وعلى قيام المشرف بمهامه بالشكل المرضي.

    نصائح إخوانية

    عاتبني كثير من الإخوان الذين أعزهم وأعتز بصداقتهم في رمضان الماضي على ما أشير إليه في بعض الأحيان من انتقادات لبعض الإجراءات، أو بعض التصرفات من قيادة الجماعة أو من أفرادها؛ وذلك خوفاً على من أن أكون مفتاحاً لباب من أبواب الشر.. مغلاقاً لباب من أبواب الخير.. كما أني قد أبلغت من أخ أحبه، وأقدره بما سمعه من إشارات من بعض الإخوان تحمل سؤالاً استكارياً عما أقدمه الآن حتى أعطي لنفسي حق النقد، والتعليق.. وخروجاً من هذه الدائرة المفرغة من الرد والتبرير وشرح النوايا (التي سبق تقديمها) لما أقوم به من بعض النقد العلني الذي يلتزم بتعاليم الإسلام (قدر ما أستطيع وليغفر الله لي الزلل)، وكذلك رغبة في تقديم ما استفدته من خبرات خلال عملي في الجماعة في مجالات شتى؛ فإني أستأذن إخواني في محاولتي البسيطة في تقديم بعض النصح العملي الناشئ عن بعض الخبرات التي اكتسبتها، وذلك من وجهة نظري الشخصية الضعيفة؛ أملاً في أن يستفيد منها بعض العاملين (إن كان فيها الخير)، وأن ينقلها للقيادة من يقتنع بها ويرى فيها المصلحة والصواب مراعياً في ذلك - بإذن الله - قواعد الأمر بالمعروف (قدر استطاعتي) ومبتعداً عن النقد العنيف الذي يصرف النظر عن الفكرة ومدى صوابها والنفع بها من عدمه. والله هو الهادي إلى سواء السبيل.

    أحب بداية أن أعرفكم بالمسئوليات التي قمت عليها خلال عملي بالجماعة الممتد خلال خمسة عشر عاماً مضت حتى يتعرف القارئ بداية على من يقدم له النصح، ومدى أهليته المبدئية لإلقاء هذا النصح..

    قد كلفت خلال عملي بالجماعة خلال الفترة الماضية بالآتي:
    - مشرف التربية للقطاع النظري لطلاب جامعة الأزهر
    - مسئول التربية لطلاب جامعة الأزهر
    - مشرف كلية الهندسة بجامعة الأزهر
    - مشرف قطاع بجامعة الأزهر (كليات التربية والتجارة وأصول الدين واللغة العربية والدراسات الإسلامية)
    - مسئول اللجنة الإعلامية بجامعة الأزهر
    - مسئول العمل العام بجامعة الأزهر
    - مسئول التربية لشعبة زهراء مدينة نصر
    - عضو منتخب في مجلس شورى منطقة مدينة نصر
    - عضو منتخب في مجلس شورى منطقة القاهرة الجديدة
    - عضو لجنة الخطة بمكتب إداري شرق القاهرة (ممثلاً عن جامعة الأزهر)

    كما حصلت على:
    - دورة إعداد المدربين (TOT)
    - دورة المشرفين التربويين لقطاع القاهرة الكبرى

    الأربعاء، ٢٩ يونيو ٢٠١١

    أحزاب الواقع، وأحزاب الخيال

    cyber_what_vrكانت السياسة في مصر قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير عملية افتراضية (virtual) لا وجود لها على أرض الواقع إلا من خلال الافتراضات التي توهمها المشاركون فيها في مخيلتهم، وعلى أرضهم الخاصة البعيدة عن دنيا الناس، وعن حياتهم، وتطلعاتهم، وواقعهم المعاش.

    فالنظام الحاكم افترض – غشاً وتضليلاً – أن عملية سياسية تجري في ربوع البلاد؛ فتحدث عن ملايين الأعضاء، وعن "من أجلك أنت"، وعن "أزهى عصور الديمقراطية"، وعن "التغيير" – قطعاً إلى الأسوأ.

    وأحزاب المعارضة الرسمية افترضت – تواطئاً وتدليساً – أن لها برامج سياسية، وأن لها شعبية، وأنها معبرة عن جموع المواطنين، وأنها مضطهدة من النظام الحاكم بتزوير الانتخابات مما يمنعها من تطبيق برامجها المفترضة في أرض الخيال، وفي أحلام المتوهمين!

    والإسلاميون – المعارضة غير الرسمية – يفترضون أنهم يدافعون عن هوية الأمة، وعن مشروعها الحضاري مقابل تيار العلمنة، والتغريب، وأذناب أمريكا، في معركة لا ناقة للناس فيها ولا جمل!

    والنخبة – الإعلامية والثقافية – تفترض أنها في معركة حماية الدولة المصرية من الوهابيين الظلاميين أتباع إيران، والمشروع الرجعي!

    و"ليلى" التي يدعي الجميع وصلاً بها كانت مشغولة بلقمة عيش، وشربة ماء، وكسوة عيال، وسقف وأربعة جدران تحفظ بها نفسها وأولادها من طمع الطامعين، وغدر الغادرين.

    2large_16_3_2011_9_9تُرى وقد استدعى القدر "ليلى" لتختار بنفسها حقيقة – لا افتراضاً - من يوفر لها تلك الحدود الدنيا من مطالب الحياة مع أملٍ في أحلام أعرض لحياة مستقبلية كريمة.. فمن تختار من بين هؤلاء؟ وأيهم ينجح في جذب قلبها، وعقلها؟

    هل تختار من سرقها، وقتل أحلامها من الفلول؟!!

    أم تفوض من يرفع شعار الهوية والمرجعية والقضايا الكبرى من الإسلاميين - رغم أنها لم تتنازل عن تلك الهوية يوماً؟!!

    أم تسلم نفسها لمن تواطأ قبل مع ناهبيها طمعاً في صورة، أو في دعم، أو حتى في وجاهة حزبية؟!!

    أم تحمي نفسها من عدو خيالي وهّابي إيراني شرير بركونها إلى نخبة الياقات البيضاء؟!!

    أم تتجه إلى أصحاب المال والتمويل، والنفوذ، والعلاقات الخارجية طمعاً في "قطعة شيكولاتة"، أو "بواقي مائدة" ترمى في آخر عشاء عمل على شرف الوطن؟

    سؤال بسيط على "ليلى"، لكنه عسير – وللأسف – على من يخطبون ودها..

    فـ "ليلى" لم تنقد يوماً – حين تنتزع حق الاختيار – إلا لمن انشغل بها، وبقضاياها، وأمنها.

    ذكاء "ليلى"، وفطنتها، وحضارتها أوعى من أن يخدعها كاذب، أو لص، أو قاتل، أو محتال.

    "ليلى" لا يشغلها معارك النخبة الوهمية – حزبية كانت أو إعلامية – حول مدنية الدولة؛ لأنها بطبيعتها، وتاريخها، وسماحتها كانت مدنية، وستظل مدنية بعيداً عن ظلم عسكر، أو تجبر طاغية.

    هوية "ليلى" يعرفها كل من جاورها، واقترب منها؛ فلا حاجة بها لشعارات تثبتها، أو معارك تؤكدها.

    لن تنصرف "ليلى" إلى من يحسبون حساباتهم الخاصة – حتى ولو كانت صادقة – ما داموا بعيدين عنها، وعن آلامها، وعن أحلام أولادها.

    تحتاج "ليلى" إلى من يسمع إليها، ويقدرها..

    وتحتاج إلى من تشكو إليه حالها، ويأخذ بيدها..

    وتحتاج من يشاركها اللقمة، والسكنى..

    وتحتاج من يهتم بها حباً فيها، لا لها..

    تحب المتواضع العطوف.. وباذل العَرَق حارّ الدموع..

    وتلفظ المُتعالي المغرور.. والواهم المشغول..

    تُرى أي أحزاب الواقع الجديد مهموم بما يهم مصر الجديدة؟ وأيها منصرف إلى العالم الافتراضي لمصر القديمة؟!

    تُرى أي الأحزاب قادر على تجاوز أوهام الماضي، والتعامل مع وقائع الحاضر، والتخطيط لأحلام المستقبل بعيداً عن شعارات "الأيديولوجيا" الحالمة، وعن حسابات الماضي الضيقة؟

    لو أخلص حزب في فعل ذلك لنال حب مصر، وأهلها، ولبارك الله عمله، وأيده..

    إخواني.. أخواتي

    كان "أردوغان" بائع سميط انشغل بآلام "تركيا"، ونظافتها، وصرفها الصحي؛ فقادها إلى مصاف أكبر 20 اقتصاد عالمي، وجعلها قوة إقليمية كبرى في محيطها الجغرافي.. فقد نجح "أردوغان"؛ لأنه لم يكن يوماً خومينياً يعمل على تصدير ثورة، أو رفع شعارات!!

    وكان "لولا دي سيلفا" إسكافياً "جزمجياً" يجلس بين أرجل الناس، ويسمع إليهم؛ فكانت "البرازيل" عاشر أقوى اقتصاد في العالم.. فقد نجح "لولا"؛ لأنه لم يكن منشغلاً بدفاع وهمي عن ليبرالية، أو اشتراكية، لكنه كان منشغلاً بالدفاع عن قضايا الفقراء، والمحتاجين!!

    هدانا الله جميعاً إلى صلاح البلاد والعباد، ورزقنا العمل والإخلاص.. اللهم آمين.

    الجمعة، ٢٧ مايو ٢٠١١

    محاولة للفهم

    flight-recorderستبقى تفاصيل وكواليس الأيام الأخيرة لحكم الرئيس السابق لغزاً سيكشفه التاريخ يوماً.

    ولن يستطيع أحد أن يفتح الصندوق الأسود لهذه العملية إلا بإذن من كانوا في كابينة قيادة الطائرة الرئاسية السابقة قبل تفجيرها، وهبوط القادة الجدد منها قبل تحطمها مباشرة.

    كما أن قيادة الدول المستقرة ليست بالأمر الهين، فما بالك بقيادة دولة انهارت دعائمها، وتسلم واجهة قيادتها فجأة مجموعة من الضباط جاؤوا من معسكراتهم التي يأمرون فيها وينهوون بلا ضجيج، ولا طنين إلى ساحة سيولة سياسية يصرخ فيها الجميع ليسمع كل واحد فيهم صوته وليثبت للجميع أنه قادر على الصراخ والاعتراض، وليبحث له عن موطئ قدم تحت شمس القيادة الجديدة، وآخرون اكتفوا بما نالوه من مكاسب تعطيهم أرضاً جديدة لا يعلمون قدر رخاوتها، وعامة متخبطون بين هؤلاء وأولئك.

    إذن لدينا:

    صندوق أسود،

    وفوضى،

    وواجهة حكم قليلة الخبرة،

    وساحة سياسية كرنفالية لا عقل لها،

    ومجموعة أخرى منشغلة بمكاسب آنية تفتح لهم أرضاً جديدة تعوضهم عن ظلم قد فات، وتغنيهم عن النظر فيما هو آت،

    وعامة تائهون.

    وهناك من بعيد من يملكون المال، والسلاح، والخيوط، والرجال، والملفات الحساسة، والخبرات الجاهزة؛ فيضغطون تارة، ويغوون أخرى.. في إحدى اليدين سوط يلهب الظهر، وفي الأخرى جزرة تخاطب غريزة البقاء.

    مشهد يثير من الضباب بأكثر ما يثير من الشفافية..jigsaw_puzzle

    صورة كبيرة مفككة تحتاج لماهر يفك طلاسمها، ويوصل ما انقطع منها..

    ونحاول أن نلعب مع هذه الصورة لعبة الاحتمالات:

    1- قد تكون الصورة بسيطة؛ والزمن البسيط القادم كفيل بإبراز ما خفي منها؛ فواجهة الحكم صادقة في أقوالها، وبريئة في أفعالها، ولكنها تتخبط لجهلها، وتعند أحياناً لتركيبتها، وتتجاهل أحياناً أخرى لأنها ملت الكلام، والاعتراض، وتخطئ أحياناً لأنها تعتمد على من لم يكونوا أهلاً للثقة. ولكننا متعجلون، ومتسرعون نثير غبار معارك لا محل لها، ونتهم نوايا من يتحملون ضغوطاً من عدو ينتظر الزلة، ويزيد عمق الحفرة.

    2- وقد تكون واجهة الحكم جزءاً مزيفاً من الصورة يخفي خلفه من يدبر، ويرتب، ويخطط؛ فالفوضى حينها متعمدة، والضبابية ستار، والصارخون وقود يستغل دخانه لكسر نموذج يخشى من تكونه على سرطان موجود في الجوار لا يستقر له حال إلا بفوضى تأكل الأخضر واليابس.

    3- وقد تكون الصورة مركبة تحمل الوجهين الأولين معاً.. بدأت بنوايا حسنة من واجهة الحكم، ولكنها نظراً للجهل الحادث منها، وللصراخ الصادر عنا، وللضغوط الواقعة عليها لجأت لخبرة الشيطان، وطلبت مال المرابي، واستعانت بقوة العدو؛ ونحن لا نتوقف عن طعنها من الظهر بجهل بعض، ومصالح آخر، وغفلة بعض، وعمالة بعض آخر.

    ترى أي صورة هي الأقرب للواقع؟

    وهل لدينا الرغبة والقدرة على تركيب صورة غالية علينا، وإن ازدادت طلاسمها؟

    أزعم أننا على خطر في الحالات الثلاثة، وأن كل حالة تحمل من بذور الخير بمثل ما تحمل من بذور الشر.

    وأزعم أيضاً أننا نملك من الرغبة والقدرة ما نستطيع أن نتعامل به مع كل الاحتمالات.

    لكننا وللأسف منقسمون بين:

    • صارخين لا يكفون عن الزعيق بحثاً عن كسر خبز قد يرمى بين الفينة والأخرى لنفرح به، ونهلل له، وننشغل به عما سواه.
    • وبين منتشين بحلم عاشوا به في السابق ويعيشون فيه في الحاضر؛ وهم لا يعلمون أن الأحلام تمر مر السحاب؛ ولكنها لا تشكل إلا لحظات من عمر الزمن، والمتشبث بحلمه مشغول عن واقعه، ولنا في خمسينيات القرن الماضي عبرة لمن يريد أن يعتبر.

    أليس فينا من يقول لنا:

    • توقفوا قليلاً، وانتبهوا لشر يراد بكم.
    • ارفقوا بعامتكم فقد أصبحوا في حاجة إلى لقمة عيش تعز عليهم، وأنتم عنهم منشغلون.
    • صراخكم قد يكون فتنة دبرت، وقد تكون شراكاً نصبت، وقد تكون مطية لراكب لا تعرفونه.
    • صمتكم وانشغالكم بمشاريعكم الخاصة أيضاً قد يكون فتنة، وقد يكون أيضاً طعماً لضمان صمت مراد.
    • اعملوا، وانهضوا فالخير قادم بوحدتكم لا بصراخكم، وانشغالكم بأحلامكم..

    إخواني.. أخواتي

    ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.

    الاثنين، ١٤ مارس ٢٠١١

    الشعب يريد إسقاط الوصاية

    ظل الشعب المصري مبتلى دائماً بمن يعطون لأنفسهم حق الوصاية عليه..

    حدث هذا بعد ثورة 1919م من الوفديين الذين أعطوا لأنفسهم حق الوصاية على شعب طلب الاستقلال التام مقابل الموت الزؤام؛ فتفاوضوا نيابة عنه على ديمقراطية شكلية مقابل بقاء الاحتلال.

    وتكرر هذا مع الضباط الأحرار الذين حملهم الشعب على أعناقه بعد تفكيكهم لقلاع الملكية الفاسدة البغيضة؛ ففرضوا الوصاية عليه، وسمحوا لأنفسهم باختيار مسار الحياة الذي حددوه للمصريين، كما سمحوا لأنفسهم بأن يقسموا المصريين بين موال للثورة له الحق في الحياة، وبين عدو لها ليس له حق في استنشاق هوائها.

    وكامتداد لثورة يوليو، استمرت الوصاية؛ ففرض كل رئيس على المصريين أن يعيشوا بالطريقة التي يحددها هو حال حياته، وأن يحدد لهم من يحكمهم بعد مماته.

    وكما كانت هناك وصاية من العسكر أو من السياسيين، كانت وصاية المثقفين والإعلاميين القريبين من السلطة أكبر؛ فهم وإن كانوا لا يمسكون بزمام السلطة إلا أنهم يمسكون بالقلم، فهم – كما يظنون – درة العقد، ورمز العلم، والأدب؛ فقد قرؤوا ما لم يقرءه الشعب، وفهموا ما لم يفهمه العامة، وتواصلوا مع المدنية الحديثة؛ فباتوا بما يقرؤون ويكتبون ويفهمون أولى بالوصاية على شعب جاهل – من وجهة نظرهم – حتى ولوا نال كثير من أبنائه درجات علمية.

    وكانت حجة جميع الأوصياء أن الشعب المصري غير مؤهل لحكم نفسه، أو أن قيم الديمقراطية وثقافتها، وقيم الحرية، وغايتها لم تتأصل بعد في نفوس المصريين، فاتفق الجميع ضمناً على عدم أهلية هذا الشعب في اختيار من يحكمه، أو حتى اختيار من يمثله في رقابة من يحكمه؛ فالشعب في نظرهم: جاهل ساذج، يخدع بالدين تارة، وبالمال تارة، وبالعصبية القبلية أو العائلية تارة أخرى.

    وعندما جاءت ثورة 25 يناير لتقذف بمجموعة من الأوصياء بعيداً عن طريق الشعب المصري؛ ليستعيد الشعب زمام نفسه، وليتسلم الراية التي سلبت منه دهوراً عدة؛ فإذا بمن كانوا بالأمس يعارضون فرض الوصاية، ويتهمون العهد البائد باغتصاب السلطة من صاحبها الأصيل (الشعب).. إذا بهم يكررون نفس الكلمات، ونفس الترنيمات التي رددها الأوصياء السابقون، وإن كانت في صورة أكثر تنميقاً، وأبلغ تعبيراً؛ ولكن تبقى الغاية واحدة.

    فالأوصياء الجدد يرون أن الشعب – نظراً لجهله ولقصوره – سيعيد إلى الحكم من انتفض عليه، وسيسلم أمره مرة أخرى لقاء ورقة من الجنيهات، أو نظير ولاء لعصبية من العصبيات، أو تأثراً بشعار ديني يدغدغ مشاعره – وهو الساذج الغافل!!

    ولحرص هؤلاء الأوصياء على مسار الديمقراطية (!)، وخوفاً عليها ممن سيستغلونها، ويخطفونها (!)؛ فإنهم يدعون العسكر إلى البقاء في مواقعهم، أو تسليم الراية لعدد منهم (الأوصياء) حتى يحافظوا على الديمقراطية، وحتى يضمنوا ألا يسلم الشعب زمام حكمه بعيداً عمن يختاره الأوصياء ومن عاونهم.

    وبالطبع يقف كالعادة مع الأوصياء الجدد من درجوا على تسمية أنفسهم بالمثقفين الواعين الفاهمين لما يجهله الدهماء من العامة، فكما كانوا قبلاً مع سلطة سقطت، فإنهم الآن يدافعون عن مكان لهم في ثنايا سلطة تريد أن تتشكل؛ ليبقوا دائماً في الصدارة يحللون، ويكتبون، ويطلون على الشاشات، ويملؤون الجيوب بما خف وزنه، وعلت قيمته.

    والغريب أن هؤلاء الأوصياء الجدد وتابعيهم لم يكونوا يوماً من ذوي الشعبية الجارفة، فكبيرهم عندما دعا إلى مطالب سبعة اتفق عليها الأولون والآخرون لم يوقع له على هذه المطالب على موقعه الإليكتروني الذي أنشأه أتباعه سوى ثمانين ألفاً فقط، بينما اقترب العدد من المليون على موقع آخر دعا إليه بعض ممن قاوموا الوصاية السابقة بين الناس ووسطهم، وليس من شاشات التليفزيون؛ أو من خلال الحوارات الصحفية؛ وهذا قد يفسرهم حرصهم الشديد على فرض وصاية جديدة تأتي بهم وحدهم دون غيرهم.

    إن أوصياء الإعلام الذين يدفعون دفعاً نحو فرض وصاية جديدة بأقطاب جديدة، هم أنفسهم من كانوا بالأمس القريب يتناولون ما لذ وطاب على موائد أركان نظام انهارت دعائمه - حتى وإن بدوا في صورة معارضة، وكانوا وقت الثورة يمسكون العصا من منتصفها؛ لأنهم بحكم المهنة يحاولون معرفة اتجاه الريح، فيميلون معها حتى لا تغرق المركب بهم، أو يسقطون منها إلى الأبد، فقد كانت كبيرتهم تهاجم قناة الجزيرة بضراوة وقت الثورة وتتهمها في مهنيتها – لأنها تنقل الحقيقة التي لا يريدون للناس رؤيتها إلا من زاوية مصالحهم، ولكنها في ذات الوقت تترك مقالاً أو اثنين لمن يهاجمون النظام بضراوة لعل الريح تذهب بالسفينة إلى اتجاه غير الذي كانت فيه، كما أن هذه الصحيفة المصرية التي تشن حملة دعائية ضارية حالياً في اتجاه واحد ضد التعديلات الدستورية هي نفسها من ادعت – كذباً – بعد خطاب العاطفة الثاني للرئيس السابق أن الإخوان منعوا الناس من الخروج من الميدان، وأنهم يعنفون كل من طرح هذه الفكرة في الميدان؛ لأن الرياح بدت وقتها في اتجاه النظام السابق.

    أدرك تماماً أن بعضاً ممن يدافعون عن سيناريو إطالة الفترة الانتقالية، وتأجيل الانتخابات البرلمانية، وإبقاء الجيش في السلطة، أو تشكيل مجلس رئاسة (وصاية) جديد إنما يفعلون ذلك حرصاً على بلدهم – من وجهة نظرهم التي يؤمنون بها؛ لذا فإني أذكرهم بأن الشعب العظيم الذي علّم العالم على مر الزمن، وقام بهذه الثورة الفارقة في تاريخه هو الوحيد المنوط به اختيار من يحكمه دون صنع "ديكتاتور" جديد حتى ولو بدا في صورة ديمقراطية، وأن التعجيل في ذلك هو الضمانة الوحيدة لعودة السلطة لأصحابها الأصليين، كما أني أدعو هؤلاء الخائفين على بلدهم والساعين لنهضته أن يثقوا في شعبهم الذي لم يأمن له يوماً حاكم ظالم؛ فزورت كل الانتخابات السابقة رغم الأموال، والعصبيات؛ لأنهم (الحكام السابقين) كانوا يدركون تماماً أن الشعب سيلفظهم في أية انتخابات سليمة؛ فلا معنى إذن للخوف البادي على وجوهكم من عودة هؤلاء الطواغيت مرة أخرى ما دام الأمر سيظل بيد الشعب دائماً وأبداً بإذن الله.

    إخواني.. أخواتي

    أدعوا الناس جميعاً إلى التنبه أن نذر وصاية جديدة تفرض نفسها على المصريين بادية في التشكل، وأن من يدفعون نحو هذه الوصاية هم أناس يريدون أن يظلوا في الصدارة دائماً يساندهم كثير ممن لا يريدون الخير لهذا البلد، ولا يريدون له أن يحكم نفسه بنفسه، أو أن يختار الطريقة، والعقد الاجتماعي الذي يحكم به، وأظن أن السبيل الوحيد لذلك هو التعجيل بتسليم السلطة للشعب.

    والله الهادي إلى سواء السبيل.