الجمعة، ١٣ أبريل ٢٠١٢

سيناريو شيطاني!!

الأحداث المتلاحقة، والمتغيرات المتتابعة لا تعطي فرصة حقيقية لتحليل سليم، أو قراءة مبصرة، ولكنها قد تعطي فرصة للتحليق في الخيال، والتفكير خارج الصندوق؛ لمحاولة فهم ما يحدث.

ونظراً لتبدل المواقف، وتغيرها بشكل عجيب من معظم الأطراف الفاعلة في الساحة المصرية؛ بما يعجز عن فهم مسببات المواقف، أو دلالاتها؛ إلا من زاويتين اثنين:

الأولى: "الخيبة الثقيلة"؛ التي تفسر مبدئياً هذه المواقف المبعثرة المتناقضة (المتغابية في كثير من الأحيان!!) لبعض هذه القوى.

الثانية: "الشيطنة"؛ التي تفسر الحيل، والخدع التي تبدو ظاهراً متناقضة، وباطناً متكاملة؛ وهنا يبدو التناقض مسرحاً مكتمل الأدوات، والأركان، والوسائل، وما تلك المواقف المتباينة إلا ستار لنتائج أخرى يريدك الشيطان أن تندفع إليها اندفاعاً وراء غريزة، أو عاطفة!

أما "الخيبة الثقيلة" فلا حاجة لتحليلها، وفهم ما وراءها؛ فهي "خيبة ثقيلة" تودي بأصحابها إلى الانتقال الدائم من فشل إلى آخر دون عقل حاكم، ودون بصيرة نافذة!

تبقى "الشيطنة" محيرة، ومربكة؛ لأنه يبقى من الصعب أن تفهم موقفاً يصمم لك لتندفع وراءه، لتحقق هدفاً يخطط له الشيطان بدقة، لتنفذه أنت بنفسك ظاناً أنك تجابه الشيطان، وتواجهه مواجهة حاسمة فاصلة!

وفي محاولتي لقراءة "الشيطنة" سأبني قراءتي على مجموعة من الافتراضات كمحاولة لتحجيم الخيال..

هذه الافتراضات (مجرد افتراضات) هي:

1- الإدارة الأمريكية لا تريد لمصر أن تغرق في الفوضى.. هي تريد لمصر في هذه المرحلة على الأقل مجرد فوضى جزئية، وحالة تخبط؛ فالموقع الاستراتيجي لمصر، وكثافتها السكانية العالية يمثلان حالة خطورة بالغة على الكيان الإسرائيلي في حالة فقد السيطرة التامة على الأمور من قبل السلطة حاكمة، وهو ما يفسر انتهاء الثورة المصرية سريعاً وحسمها بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية بعد 18 يوماً من محاولات الالتفات عليها.

2- الإقصاء التام للإسلاميين من خلال الاعتقالات والتعذيب والحظر مستبعد في هذه المرحلة؛ لذا فإن البديل الحالي هو لمسارين متوازيين متكاملين هما "الاحتواء"، و"الحرق الشعبي".

3- النموذج التركي الديمقراطي (ما قبل العدالة والتنمية) هو الهدف والغاية للنموذج.. أي وصاية عسكرية تابعة متوازية مع إجراءات ديمقراطية مع سلطة قضائية قيّمة على الحياة السياسية.

وبناء على هذه الافتراضات؛ فإنني أتخيل أن سيناريوهات الإدارة في هذه المرحلة ستسير بالشكل التالي:

1- إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها دون تعطيل بشكل ديمقراطي تام (إلا في حدود بعض التزوير الناعم البسيط الذي قد يلعب في أرقام بالآلاف إن تقاربت النتائج).

2أ- تمرير تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية واستبعاد عمر سليمان وأحمد شفيق من الانتخابات، على أن يبقى ذلك تكئة للطعن في دستورية هذا القانون مستقبلاً ليبقى منصب الرئيس تحت رحمة المحكمة الدستورية العليا التي ستفصل أيضاً في دستورية قانون الانتخابات في مجلس الشعب، وبالتالي ستبقى ورقة بطلان انتخابات الرئاسة كما مجلس الشعب تحت رحمة محكمة عينها مبارك بكامل أعضائها (ملاحظة: تم تعديل قانون تشكيل المحكمة الدستورية العليا سراً قبل انعقاد مجلس الشعب مباشرة بحيث تعطي سلطة مطلقة لهيئة المحكمة وجمعيتها العمومية التي شكلها مبارك في اختيار رئيسها وأعضائها الجدد في المستقبل).

أو 2ب- تصدير المحكمة الدستورية العليا في الاعتراض على تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية، والدخول في جدل قانوني يسمح في النهاية بالإبقاء على عمر سليمان وأحمد شفيق، واستخدام ذلك في غطاء كثيف للهجوم على الإخوان والمرشحين الآخرين في عدم احترامهم للقانون والدستور، مع استخدام هذا الترشح في إحياء آمال أعضاء الحزب الوطني السابقين، وكذلك أصحاب المصالح السابقين الذين أضيروا كثيراً خلال الفترة الماضية، واستغلالهم في تشتيت الناس العاديين، والتأثير عليهم.

3أ- الإبقاء على الشيخ حازم أبو إسماعيل في دائرة المنافسة الانتخابية، والاكتفاء بالمبررات القانونية الإجرائية التي اعتمد عليها حكم القضاء الإداري، على أن يكون وجود الشيخ حازم مع م. خيرت فرصة كبرى لتفتيت الإسلاميين من خلال منافسة انتخابية قاسية، وستسخدم فيها كل أسلحة التشويش، والاتهام من خلال أطراف تغذي هذا الخلاف بما يشوه صورة الطرفين أمام الرأي العام كجزء من مسار "الحرق الشعبي"، وفي حالة نجاح الشيخ حازم فإن ملف جنسية والدته سيظل مفتوحاً تخرج منه المستندات الأصلية بالتدريج، والتي لم تقدم للمحاكمة إلا من خلال صور ضوئية لا قيمة لها، وبالتالي يبقى تحت رحمة اتهامه بالكذب بما يفقده شعبيته ومصداقيته وسلامة إجراءات انتخابه، وإبقاء احتمالية قيام المحكمة الدستورية العليا بالحكم ببطلان إجراءات انتخابه مستقبلاً إن خرج عن مسار الاحتواء، أو إن استطاع أن يقود الدولة بالفعل بعيداً عن العنتريات المتوقعة!

أو 3ب- استبعاد الشيخ حازم من الانتخابات، بما يصحبه ذلك من قلاقل يثيرها أنصاره، ومن يندس بينهم بصورة قد تثير الفزع بين المصريين أولاً، وأمام العالم الخارجي ثانياً، وبما يشكك في مصداقية كل الإسلاميين، وإثبات تحايلهم على القانون، بما يصب في النهاية في صالح "عمرو موسى" في المنافسة الانتخابية.

4أ- الإبقاء على م. خيرت الشاطر في العملية الانتخابية، مع استخدام كل وسائل التشويه الإعلامي القانوني على شخصه وعلى جماعته سواء كان من المهيجين للسلفيين (في حالة بقاء الشيخ حازم)، أو من خلال تقارير يتم تسريبها عمداً لوسائل الإعلام حول ثروة خيرت الشاطر، وعلاقاته الخارجية، ومصادر تمويل الجماعة، وغيرها؛ بما يصب في النهاية في مسار "الحرق الشعبي" خاصة مع تكرار أخطاء الإخوان في إجراءات الجمعية التأسيسية، والتردد في طرح مرشح من عدمه، وضعف أداء مجلس الشعب، وتدهور الخدمات الأساسية في ظل وجود مجلس شعب لم يقدم شيئاً للناس، وبالتالي خسارته الانتخابات؛ أما في حالة نجاحه فسيتم إنهاك الإخوان (إن تمردوا على مسار الاحتواء)؛ لأنهم في هذه الحالة قد سيطروا على كل السلطات التنفيذية والتشريعية، وذلك من خلال فقد السيطرة الأمنية، وقلة موارد الدولة، وقلة الخدمات الأساسية، وبعض المشاكل الجوهرية الشعبية التي تتحكم فيها المخابرات بشكل غير مباشر، وكذلك تبقى قانونية الجماعة محل احتكاك مباشر من خلال السلطة القضائية بما يثبّت حلاً رسمياً للجماعة وربما لحزب الحرية والعدالة.. كما أن مساري "الجزرة / الاحتواء"، و"العصا / الحرق الشعبي" سيظلان متلازمين قبل حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان انتخابات مجلس الشعب، والرئاسة على التوالي (في حالة فشل الاحتواء)، أو أن تصل الأمور إلى حالة أزمة خدمية واجتماعية واقتصادية شاملة تجعل الجيش هو الملاذ الأخير للناس لضبط الأمور والكفر بكل السياسيين.

أو 4ب- استبعاد خيرت الشاطر من الانتخابات، وهو ما سيضعف فرص محمد مرسي في الفوز في الانتخابات (إن لم تنعدم هذه الفرص بسبب أنه مجرد مرشح احتياطي)؛ وستكون هزيمة الإخوان حينئذ مقدمة قوية لفقد "الشعبية" التي يعتمد عليها الإخوان دائما في صراعاتهم السياسية، وتبرير مواقفهم الحركية؛ مع سهولة طرح الحل القضائي للجماعة (وربما الحزب) كسيف مسلط دائماً من أصحاب السلطة الفعلية (الوصاية العسكرية والقيمية القضائية).

5أ- يبقى الحل الأسلم للمجلس العسكري وللإدارة الأمريكية يتمثل في نجاح عمرو موسى نجاحاً شعبياً حقيقياً، فهو الأقدر بكاريزميته، ودبلوماسيته في تبرير كل إجراءات الوصاية العسكرية (التي ستكون في هذه الحالة من وراء ستار)، مع إعطائه فرصة حقيقية في إدارة ناجحة في بعض الملفات الخدمية والخارجية بما يرفع من شعبيته، مع استمرار مساري "الاحتواء" و"الحرق الشعبي" للإخوان ولمجلس الشعب.

أو 5ب - في حالة نجاح أي مرشح خارج هذا الحل المثالي (للعسكر والإدارة الأمريكية) سيبقى سيف حكم المحكمة الدستورية مشرعاً في وجهي الرئيس، ومجلس الشعب، مع الاستمرار في الإنهاك الخدمي الشعبي، وفقدان السيطرة الأمنية، وإظهار الرئيس في موقف الضعيف الذي لا يستطيع إدارة البلد بشكل يسمح له بفرض شعبية حقيقية تدعمه في مواجهة العسكر وماكينة التبعية الأمريكية في مصر؛ بما يمهد لاستدعاء حامي الشعب المخلص، وعامود خيمته الأخير، والذي سيكون حينها قد أوفي بوعده بالخروج ظاهرياً من الساحة السياسية بعد أن أجرى انتخابات رئاسية نزيهة أتت بثوري هاجمه كثيراً أثناء المرحلة الانتقالية، وحينها يعود هذا الحام يبناء على رغبة شعبية.

تبقى هذه السيناريوهات افتراضية وشيطانية، ولكن ما حدث في العام الماضي يجعلنا أميل للخوف من تنفيذ هذه السيناريوهات الشيطانية، والحذر منها.

كلمة أخيرة.. كل من يفكرون في تنفيذ هذه السيناريوهات (إن صحت) ينسون أمرين اثنين:

الأول: أن تدابير الله تعالى أعلى وأكبر مما يظنون، ويفكرون.

الثاني: أن نجاح بعض سيناريوهاتهم السابقة هو بسبب آثام قوى سياسية، وأشخاص اعتمدوا على قواهم الذاتية، وأدواتهم البائسة، ولم يعتمدوا على قوى حية جديدة تتشكل، وإن كانتت في طور الإنشاء إلا أنها للشارع أقرب، وعن الممارسات السياسية التقليدية القديمة أبعد!!

بعد كل هذه السيناريوهات الشيطانية، أقولها بملء فيّ: "إني واثق في أن المستقبل القريب لن يكون أبداً في صالح هؤلاء الشياطين، وأذنابهم، والسائرين في فلكهم.. المستقبل أفضل بإذن الله.. لا أشك في ذلك أبداً".

الثلاثاء، ٢٧ مارس ٢٠١٢

اللجنة التأسيسية نموذجاً لأخطاء التيار الإسلامي

تنص المادة 60 من الإعلان الدستوري والتي كانت من المواد المستفتى عليها مباشرة من الشعب على أن: "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها ويُعرض المشروع ، خلال خمسة عشر يوماً من إعداده على الشعب لاستفتائه في شأنه ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء ."

هذه المادة أعطت المجتمع كله بقيادة الأعضاء المنتتخبين مهلة سنة كاملة لإقرار دستور جديد للبلاد، وقسمت هذه السنة إلى ستة أشهر لتشكيل لجنة الدستور نفسها، وستة أشهر أخرى لصياغة الدستور المقترح للاستفتاء.

كان الهدف من هاتين المدتين هو عمل حوار مجتمعي حقيقي، والتوصل لتوافق طبيعي يرتضيه الجميع حول أسماء المرشحين لهذه المهمة الجليلة أولاً، ثم ليمتد هذا الحوار مع اللجنة المشكلة للوصول إلى دستور معبر عن الأمة المصرية بكافة أطيافها، ومحافظ على هويتها، ومقر للعدالة الاجتماعية بين كافة أبنائها، ومدافع عن الحريات العامة لمواطنيها، ومقيم لتوازن بين سلطات دولتها تامة الاستقلال في إرادتها الوطنية.

كان من المنتظر من الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى أن يقدموا للأمة حالة مثالية - هم الأحق بتقديمها - لتكون نموذجا مغايرا لنماذج اللجان المعينة من الأسرة الحاكمة قبل الخمسينات، ومن العسكريين قبل ثورة يناير.

كما أن فلسفة هذه التعديلات كانت قائمة في الأساس - كما أكد على ذلك المستشار البشري أكثر من مرة - على صياغة الدستور في ظل سلطة تشريعية (برلمان) وتنفيذية (رئيس وحكومة) منتخبين حتى يبتعد العسكر بقوتهم ونفوذهم عن التأثير في هذه اللجنة، وفي الحوار المجتمعي الدائر حول عملها.

ثم جرت أمور مجهلة بين قوى متداخلة، وصدرت تصريحات متضاربة تسحب أولاً فكرة الرئيس قبل الدستور، بل وتلح على عدم قانونيتها، أو وجاهتها، ثم تحررت هذه النقطة قليلاً تحت الضغط الثوري المطالب بسرعة إجراء انتخابات الرئاسة.

عند ذلك جرت أمور أخرى أكثر تجهيلاً بين تلك القوى، بحتمية انتهاء صياغة الدستور قبل، أو مع انتهاء انتخابات الرئاسة، وهو ما يعني عملياً أن يتم سلق الدستور في مدة تزيد قليلاً عن الشهرين بما يشمله ذلك من تشكيل للجنة التأسيسية، ثم صياغة الدستور، ثم الاستفتاء عليه.

وعند ذلك مربط الفرس، ولب المشكلة التي أدت إلى هذه اللجنة المختلف عليها القابلة للانفجار، والتي قد تؤدي إلى دستور أكثر عجباً وقابل للانهيار.

لقد ألزمت هذه القوى نفسها بالانتهاء من تشكيل اللجنة التأسيسية لسبب مجهول (أو هكذا يبدو) خلال أسبوعين اثنين، فحدث ارتباك، أدى إلى الأخطاء التالية:

1- لم يتم فتح أي حوار مجتمعي أو سياسي حول طريقة تشكيل اللجنة لتكون معبرة بحق عن كافة أطياف الأمة.

2- لم توضع أي معايير لاختيار أعضاء اللجنة، سواء تلك المتعلقة بالكفاءة، أو تلك المتعلقة بنسب التمثيل للنقابات، والهيئات، والمؤسسات، والفئات، والأطياف المشكلة للتنوع المصري الطبيعي، والمهني، والعرقي، والجغرافي، والديني.

3- لم تقم القوى المجتمعية بعرض مقترحاتها لتشكيل اللجنة على الرأي العام، وعلى البرلمان، مصحوبة بأسماء مقترحة بسير ذاتية وطنية ومهنية تشفع بانضمامها لتلك الكوكبة التي تعد لدستور مصر الحديثة.

4- تعاملت القوى السياسية بمنطق النسب الوزنية للقوى السياسية متناسين أن أطياف المجتمع ليست سياسية بالضرورة، وأن ممثلي العمال، والنقابات، والجامعات، والطوائف ليسوا سياسيين بالأساس؛ لذا فإننا صرنا نسمع نكتة أن الإسلاميين لا يمثلون إلا 48 % من أعضاء اللجنة المشكلة، وكأن القضاة، والعمال، والجامعيين الآخرين على طرف نقيض من مشروع القوى الإسلامية!

5- تعامل مجلس الشعب مع هذا الأمر الجلل كأنه "مأمورية" محددة الزمن؛ فرفض رئيسه كل محاولات النقاش حول الأسماء المقترحة من الأحزاب، والنقابات، والجامعات، والاتحادات، والهيئات، وغيرها والتي فاقت الألف وخمسمائة اسم؛ فصار لزاماً على النواب اختيار 100 اسم هكذا دفعة واحدة، دون معايير كفاءة، أو تمثيل نسبي، وصار الحل في الورقة المجهزة مسبقاً والتي ينقل منها العضو الأسماء التي اتفق عليها حزبه مع بعض الأحزاب الأخرى!

6- ثم خرجت نتيجة التصويت الموَجّه بهذه الصورة المرقعة التي أتت ببعض الشخصيات التي لا حضور لها في الواقع المجتمعي المصري، وأغفلت آخرين لهم حضور طاغ منذ الثورة، وحتى الآن.

7- بسبب غياب المعايير نسيت اللجنة، أو تناست وضع ممثلين رسميين مرشحين من الكنيسة والأزهر، وكذلك نقيب الأطباء.

8- تم اختيار أفراد ممثلين لقطاعات معينة بناء على معايير سياسية انتمائية، مثل طالب المنصورة الإخواني، ومثل رئيسي جامعة الإسكندرية والمنيا الإخوانيين، ومثل المدرسة المساعدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بنت عضو مكتب إرشاد الإخوان التي قدمت على أساتذتها في ذات الكلية ذوي الباع الطويل في الدراسات السياسية والعلمية، وكذلك الحركية الثورية، ومثل اختيار أستاذ حركي للاقتصاد الإسلامي، وأيضا مصرفي إسلامي ثان، والأمثلة تطول.

9- هناك إغفال متعمد للقوى الثورية الشبابية سواء الممثلة في البرلمان، أو خارج البرلمان، بحيث لم يتم اختيار إلا الشاب البطل أحمد حرارة، ورغم رمزيته بالغة الدلالة والضرورة، إلا أنه لم يكن من القيادات الشبابية المعروفة قبل إصابته في عينيه!

الغريب أن كل هذه الأخطاء لا يراها الإسلاميون، ويرون أن الاعتراض على تشكيل اللجنة ما هو إلا مناكفات علمانية صبيانية من قوى كارهة للإسلاميين، ومتواطئة مع العسكر ضد مصلحة الأمة!

أما الأكثر غرابة فإن هذه الأخطاء جاءت في ذات الوقت التي تحتاج فيه القوى الإسلامية لتكاتف كافة القوى الوطنية معها في مواجهة مباشرة مع العسكر قد (!) تنتقل من مرحلة البيانات إلى مرحلة الفعل الإقصائي الحقيقي من خلال أحكام قانونية جاهزة!

الحل في رأيي يكمن في تطبيق خريطة الطريق الشعبية التي طالما تغنى الإسلاميون بإلزاميتها، وهي أن يصاغ الدستور تحت مظلة منتخبة، وأن يجرى حوار مجتمعي كامل حول الدستور من خلال تشكيل لجنة المائة، ثم من خلال صياغة الدستور ذاته، وليأخذ دستور البلاد حقه الكامل في النقاش والحوار دون ضغط من بيادة، أو زناد!!، ودون حوارات مجهلة من أطراف تريدها أن تبقى مجهلة!

أظن أن هذه هي آخر فرص الإسلاميين في قلب الطاولة على العسكر، وإخضاعهم التام للسلطات المنتخبة، وليعيدوا النظر في الأمور المجهلة التي يريدوننا أن نسير في ركابها صامتين مدافعين مبررين.

والله المستعان على ما تصفون.

الأحد، ٢٥ مارس ٢٠١٢

مشروع للوطن

أظن أن الكثرة الغالبة من المصريين تشعر بحيرة شديدة، وأزمة بالغة ما بعد ثورة 25 يناير؛ فما بين طموح علا سقفه بعد التنحي، إلى إحباط أسرف في اليأس بعد حادث بورسعيد؛ عاش المصريون عامهم الأخير.

فرغم سقف الحرية العالي، ورغم تنوع الأفكار، والاتجاهات السياسية؛ إلا أني أزعم أن المصريين لا زالوا يشعرون بغربة شديدة مع متصدري المشهد العام؛ فأرقام المنتسبين للأحزاب الجديدة وضآلتها، وحنق المصريين من ضعف أداء من انتخبوهم  تؤكد أن المصريين لا زالوا يراقبون من بعيد، قد يفوضون أحداً لتلبية مطالبهم في مرحلة ما، لكنهم لم يندمجوا معه، ولم يشعروا بأنه منهم، وأنهم منه.

القوى السياسية التقليدية المصرية الحالية لم تستطع مجتمعة أن تجمع المصريين حول حدث كبير، كما لم تستطع من قبل أن تدعوها لثورة، أو أن تحجمهم عنها، بل على العكس فإن هذه القوى كانت تلحق بالتحركات الشعبية العادية، وتنضم إليها تابعة لا قائدة، والمتابع لتطورات ثورة 25 يناير يدرك أن القوى السياسية التي التحقت بركب الحوارات السياسية مع عمر سليمان، ما ألجمها إلا الخوف من الشعب الذي لم يستطيعوا أن يقودوه إلى الثورة، كما لم يستطيعوا أن يقنعوه بالاكتفاء بلمام المطالب.

وأداء القوى السياسية التقليدية مع سيريالية المشهد المصري طوال العام الماضي يؤكد على أنها جزء من المشكلة، وأنها لم تكن أبداً - وأظنها لن تكون – جزء من الحل؛ لأنها تصر على أسلوبها القديم – الذي اضطرت لتغييره جزئياً أثناء جولة الثورة الأولى، والذي ينحصر في تقديم أولوياتها الخاصة على أولويات الوطن؛ ففي حين ظهر هؤلاء وانتفضوا في قضايا الدستور أولاً، أو الانتخابات أولاً، وقبلها معركة هوية الدولة، أو معركة نسبة الثلث والثلثين في مجلس الشعب، إلا أنهم كانوا وحيدين في تلك المعارك التي لم تجتذب أحداً إلا الأتباع، والمريدين؛ بما يؤكد أنهم ما زالوا بعيدين عن هذا الشعب، وعن أحلامه، وطموحاته.

إذن، مصر في حاجة إلى مشروع جديد يجذب إليه الناس دون أن يصطدم بهويتهم الوطنية، ويشركهم في تحقيق أحلامهم لا أن يطلب منهم تفويضاً بتحقيقها، ويتعامل معهم بشفافية لا باستغفال أو استهتار.

هذا المشروع الذي يرى مصر من خلال أهلها وناسها لا من خلال نخبتها وساستها، ومن خلال تيارها الأساسي لا من خلال أحزابها، وحركاتها السياسية أصبح من قبيل الواجب الذي لا يحتمل تأخيراً، وصار الأمل الذي يبعث الحياة في في الأرواح.

يتبقى أن مواصفات هذا التيار الجديد أو المشروع الوطني الجامع في حاجة إلى التبلور، والتجسد في كيان على الأرض حتى لا يظل فكرة في العقول، ومشاعر في القلوب، وحتى لا يظل الناس حبيسي ساحات الصراع التي سئموا منها، وما شعروا يوما بالانتماء إليها.

مصر والمصريون لا يعيشون معركة هوية؛ فهويتهم محسومة منذ أمد بعيد، والصراع موجود في مخيلة مشعليه فقط..

مصر والمصريون يريدون إرادة وطنية مستقلة حقيقية لا تخضع لهيمنة أجنبية، ولا لاحتلال وطني.. إرادة تجعل مصر رائدة لا خانعة، وقائدة لا تابعة.. إرادة تعيد عزتهم الوطنية، وكرامتهم القومية، كي يبذلوا في سبيلها الغالي والنفيس.

مصر والمصريون يبحثون عن عدالة اجتماعية، وإنسانية تحفظ كرامتهم، وتضمن المساواة بينهم دون تمييز بسبب نفوذ، أو جنس، أو عرق، أو دين.

مصر والمصريون لا يبحثون عن شعارات يلقيها ساسة محترفون، ولا أصحاب وعود يلقونها وهم إليه مستمعون.. هم في حاجة إلى من يحترمهم، لا من يستعلي عليهم.. في حاجة إلى من يصارحهم بالآلام والأعمال، لا من يرميهم بالجهل، ويمن عليهم بالأفعال.. في حاجة إلى من يشركهم في البناء، لا من يرمي إليهم بالصدقة.

مصر في حاجة إلى مشروع جديد.. فهل صار قريباً، وهل من مشمر؟!