الأربعاء، ٢٩ يونيو ٢٠١١

أحزاب الواقع، وأحزاب الخيال

cyber_what_vrكانت السياسة في مصر قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير عملية افتراضية (virtual) لا وجود لها على أرض الواقع إلا من خلال الافتراضات التي توهمها المشاركون فيها في مخيلتهم، وعلى أرضهم الخاصة البعيدة عن دنيا الناس، وعن حياتهم، وتطلعاتهم، وواقعهم المعاش.

فالنظام الحاكم افترض – غشاً وتضليلاً – أن عملية سياسية تجري في ربوع البلاد؛ فتحدث عن ملايين الأعضاء، وعن "من أجلك أنت"، وعن "أزهى عصور الديمقراطية"، وعن "التغيير" – قطعاً إلى الأسوأ.

وأحزاب المعارضة الرسمية افترضت – تواطئاً وتدليساً – أن لها برامج سياسية، وأن لها شعبية، وأنها معبرة عن جموع المواطنين، وأنها مضطهدة من النظام الحاكم بتزوير الانتخابات مما يمنعها من تطبيق برامجها المفترضة في أرض الخيال، وفي أحلام المتوهمين!

والإسلاميون – المعارضة غير الرسمية – يفترضون أنهم يدافعون عن هوية الأمة، وعن مشروعها الحضاري مقابل تيار العلمنة، والتغريب، وأذناب أمريكا، في معركة لا ناقة للناس فيها ولا جمل!

والنخبة – الإعلامية والثقافية – تفترض أنها في معركة حماية الدولة المصرية من الوهابيين الظلاميين أتباع إيران، والمشروع الرجعي!

و"ليلى" التي يدعي الجميع وصلاً بها كانت مشغولة بلقمة عيش، وشربة ماء، وكسوة عيال، وسقف وأربعة جدران تحفظ بها نفسها وأولادها من طمع الطامعين، وغدر الغادرين.

2large_16_3_2011_9_9تُرى وقد استدعى القدر "ليلى" لتختار بنفسها حقيقة – لا افتراضاً - من يوفر لها تلك الحدود الدنيا من مطالب الحياة مع أملٍ في أحلام أعرض لحياة مستقبلية كريمة.. فمن تختار من بين هؤلاء؟ وأيهم ينجح في جذب قلبها، وعقلها؟

هل تختار من سرقها، وقتل أحلامها من الفلول؟!!

أم تفوض من يرفع شعار الهوية والمرجعية والقضايا الكبرى من الإسلاميين - رغم أنها لم تتنازل عن تلك الهوية يوماً؟!!

أم تسلم نفسها لمن تواطأ قبل مع ناهبيها طمعاً في صورة، أو في دعم، أو حتى في وجاهة حزبية؟!!

أم تحمي نفسها من عدو خيالي وهّابي إيراني شرير بركونها إلى نخبة الياقات البيضاء؟!!

أم تتجه إلى أصحاب المال والتمويل، والنفوذ، والعلاقات الخارجية طمعاً في "قطعة شيكولاتة"، أو "بواقي مائدة" ترمى في آخر عشاء عمل على شرف الوطن؟

سؤال بسيط على "ليلى"، لكنه عسير – وللأسف – على من يخطبون ودها..

فـ "ليلى" لم تنقد يوماً – حين تنتزع حق الاختيار – إلا لمن انشغل بها، وبقضاياها، وأمنها.

ذكاء "ليلى"، وفطنتها، وحضارتها أوعى من أن يخدعها كاذب، أو لص، أو قاتل، أو محتال.

"ليلى" لا يشغلها معارك النخبة الوهمية – حزبية كانت أو إعلامية – حول مدنية الدولة؛ لأنها بطبيعتها، وتاريخها، وسماحتها كانت مدنية، وستظل مدنية بعيداً عن ظلم عسكر، أو تجبر طاغية.

هوية "ليلى" يعرفها كل من جاورها، واقترب منها؛ فلا حاجة بها لشعارات تثبتها، أو معارك تؤكدها.

لن تنصرف "ليلى" إلى من يحسبون حساباتهم الخاصة – حتى ولو كانت صادقة – ما داموا بعيدين عنها، وعن آلامها، وعن أحلام أولادها.

تحتاج "ليلى" إلى من يسمع إليها، ويقدرها..

وتحتاج إلى من تشكو إليه حالها، ويأخذ بيدها..

وتحتاج من يشاركها اللقمة، والسكنى..

وتحتاج من يهتم بها حباً فيها، لا لها..

تحب المتواضع العطوف.. وباذل العَرَق حارّ الدموع..

وتلفظ المُتعالي المغرور.. والواهم المشغول..

تُرى أي أحزاب الواقع الجديد مهموم بما يهم مصر الجديدة؟ وأيها منصرف إلى العالم الافتراضي لمصر القديمة؟!

تُرى أي الأحزاب قادر على تجاوز أوهام الماضي، والتعامل مع وقائع الحاضر، والتخطيط لأحلام المستقبل بعيداً عن شعارات "الأيديولوجيا" الحالمة، وعن حسابات الماضي الضيقة؟

لو أخلص حزب في فعل ذلك لنال حب مصر، وأهلها، ولبارك الله عمله، وأيده..

إخواني.. أخواتي

كان "أردوغان" بائع سميط انشغل بآلام "تركيا"، ونظافتها، وصرفها الصحي؛ فقادها إلى مصاف أكبر 20 اقتصاد عالمي، وجعلها قوة إقليمية كبرى في محيطها الجغرافي.. فقد نجح "أردوغان"؛ لأنه لم يكن يوماً خومينياً يعمل على تصدير ثورة، أو رفع شعارات!!

وكان "لولا دي سيلفا" إسكافياً "جزمجياً" يجلس بين أرجل الناس، ويسمع إليهم؛ فكانت "البرازيل" عاشر أقوى اقتصاد في العالم.. فقد نجح "لولا"؛ لأنه لم يكن منشغلاً بدفاع وهمي عن ليبرالية، أو اشتراكية، لكنه كان منشغلاً بالدفاع عن قضايا الفقراء، والمحتاجين!!

هدانا الله جميعاً إلى صلاح البلاد والعباد، ورزقنا العمل والإخلاص.. اللهم آمين.