الأحد، ١٠ مايو ٢٠٠٩

رسالة أوباما للعالم الإسلامى فى الذكرى الثانية والأربعين لهزيمة الخامس من يونيو

Obama_1

إلى إخواننا وأخواتنا المسلمين فى منطقة الشرق الأوسط، منبع الحضارات، ومولد كل الديانات السماوية..

أحدثكم هذه الليلة بعد مرور اثنين وأربعين عاماً على يوم فاصل فى تاريخ حضارتنا البشرية العظيمة.. يوم الخامس من يونيو الذى فرض فيها أبناء هذه الحضارة - الذين جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها - السلام على map07ir5 أرضكم التى غابت عنها قـِيمُها مئات السنين، وسادت فيها قيم وحشية على أرضنا المقدسة..

كان هذا اليوم فاصلاً فى تاريخ صراع حضارتين.. فيه فرض السلام بمنطق  حضارتنا البشرية العظيمة، حيث لم ترق فيه دماؤنا، ولم تجابهنا جيوش ولا شعوب، وفرض فيه الأمر الواقع، وأرجعت إلينا الأرض المقدسة..

فى هذا اليوم العظيم اندحرت خمس جيوش عربية منسحبة منكسرة ذليلة كعلامة على الإقرار بأحقية حضارتنا فى قيادة العالم، وعلى حق أبناء هذه الحضارة فى امتلاك الأرض المقدسة التى طـُردوا منها منذ ثمانمائة واثنى عشر عاماً..

جئت إليكم، وأنا واضع قدمىّ فى أفغانستان والعراق، وأبناؤنا قد استقروا فى "إسرائيل"، وقواعدى فى الخليج، وفرقاطاتى تجوب بحاركم، ومحيطاتكم شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً تراقب الهواء كما تراقب الماء، تحاصر الممانـِع، وتفك الحصار عن الخانـِع..

جئت إليكم وفى يمناى سيف ذاق بأسها مئات الآلاف - بل والملايين - فى العراق وأفغانستان وفلسطين.. وفى يسراى بضعة ملايين من الدولارات اقتطعتها من عوائد آبار نفط الخليج حتى ينعم بها خدمنا وعبيدنا فى منطقتكم..rohh-shaked

"لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً".. هذا السيف الذى يفرض سلام الأمر الواقع هو الذى أحمله بيمناى، وأحمى به كل من أطاعنا، وسار فى ركابنا، ورضى بالفتات من أحمالنا..

إخوانى وأخواتى المسلمين..

احتفلنا منذ سنين بسيطة خلت فى برشلونة بالذكرى الخمسمائة لخروج حضارتكم الوحشية نهائياً من أرضنا فى إسبانيا، وسنحتفل فى نهاية هذا القرن بالذكرى الألف لاستيلاء أجدادنا الصليبين على المدينة المقدسة "أورشليم"..

فلتعلموا أيها المسلمون - وأنا أتكلم من الأرض التى تحركت فيها جيوش حضارة متوحشة بائدة لاغتصاب الأرض المقدسة فى الزمن الغابر - أن التاريخ لن يتكرر، وأن الأمر الواقع قد فرض نفسه، وأن مستقبلكم كله بأيدينا، فأموالكم فى مصارفنا، ونفطكم تحت حراستنا، وأجواؤكم تحت رقابتنا، وأسلحتكم من خردتنا، وحكامكم من صنعنا..

إخوانى وأخواتى المسلمين..

إننى قد جئتكم وأنا أحمل بين يدىّ غصن الزيتون الذى قطعناه فى حيفا Obama_2 ويافا منذ ستين عاماً، ومازال فى أيدينا للعيش فى سلام على أرضكم، ومن خيرات بلادكم..

سلام تحميه قوتنا، وتموله أموالكم، وتنميه أفكار أبنائكم الذين أطعمناهم بأيدينا، وكسوناهم من خزانتنا، وأبرزناهم في وسائل إعلامنا المُمولـَة..

إخوانى وأخواتى المسلمين..

أنتظر منكم الكثير والكثير.. أنتظر منكم أن تلفظوا هؤلاء الذين لا يفهمون لغة العصر الجديد، ولا يسايرون الواقع، ولا يحترمون القوة، ويريدون أن يرجعوا بكم إلى الوراء، وأن يجروكم إلى مصير بائس محتوم..

إنى أنتظر منكم أن تتقدمونا فى قتال هؤلاء المجرمين الذى يريدون أن يؤثروا على علاقتنا الحميمية التى نمت وترعرت على مر السنين المائة الماضية..

إننى أرغب فى أن نتعاون سوياً فى التصدى لهؤلاء الإرهابيين الذين يكدرون صفو قواتنا التى قدمت لحمايتكم، وحماية نفطكم، وحكامكم، كما تقض مضاجع أبنائنا الذين قدموا من أوروبا ليطهروا الأرض المقدسة، وليعلموكم قيم الحضارة البشرية السائدة..

كما أرغب من مفكريكم الذين تربوا على الأفكار التقدمية، وعلى قيم الحضارة المنتصرة فى جامعاتنا، ومراكزنا أن يشاركونا حصار هؤلاء الذين يريدون أن يتمردوا على أفكار حضارتنا البشرية العظيمة التى قدمنا مستلهكاتها لكم ولأبنائكم على طبق من ذهب تعبيراً عن التلاقى، والتآلف بيننا وبينكم ..

أيها الإخوة والأخوات..

إننا اليوم فى مرحلة فاصلة تحتاج إلى تضافركم، وتعاونكم مع الحضارة البشرية المنتصرة، والتى تسود شرق العالم وغربه، وشماله وجنوبه..

إخوانى وأخواتى

إننى لم آت إليكم بحرب صليبية جديدة بل جئت إليكم بسلام صليبى جديد..

الثلاثاء، ٥ مايو ٢٠٠٩

حاجتنا إلى رجال

شاءت الأقدار أن يفارقنا علمان كبيران من أعلام الدعوة الإسلامية فى العصر الحديث؛ ففارقنا بداية العالم والمجاهد د. توفيق الشاوى، ثم رحل عنا الطبيب الداعية الإنسان د. حسان حتحوت.

وقد عمدت إلى قراءة ما استطعت الحصول عليه من إنتاج هذين الرجلين؛ لأتعلم منهما، وأعرف قدر جهادهما.

وقد أدهشنى فعلاً ما قرأت منهما، أو عنهما، من جهاد وتضحية، ونبل وكرامة، وأخلاق ودعوة.

قرأت – وما زلت أقرأ – سفر د. توفيق الشاوي “مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي”، كما قرأت ما كتبه الشيخ القرضاوى عن “أمة فى رجل”.

وقد هالنى أن يرحل أمثال هؤلاء فى صمت دون التفات، ولا انتباه.

ولكن أكثر ما شد انتباهى، وأثار شجونى سؤال ألح على خاطرى كثيراً: هل بين أبناء الدعوة الإسلامية حالياً أشباه لهؤلاء؟

إن كان حسن البنا قد ترك فى هذه الأمة – بشكل مباشر - رجالاً فى حجم محمد الغزالى، وسيد سابق، ويوسف القرضاوي، وعبد القادرة عودة، وتوفيق الشاوي، وحسان حتحوت، ويوسف ندا، وغيرهم الكثير ممن نشروا الإسلام – فكراً وعملاً – فى ربوع العالم كله شرقه وغربه، عربه وعجمه.

وإن كان حسن البنا قد قدم هؤلاء، وغيرهم، فماذا قدم الإخوان – تحديداً – للأمة فى هذه الأيام العصيبة التى تمر بها.

حاولت ان أستذكر اسم عالم، أو شيخ، أو اقتصادي، أو مفكر، أو حتى كاتب يشار إليه بالبنان فقلما وجدت.

فهل عقمت الدعوة أن تأتى بأمثال هؤلاء مرة أخرى؟

أم غابت الرؤى والمناهج التى تنتج قادة وعلماء جدد فى ميادين الحياة المختلفة؟

أم أن الحركة استنفذت الجهد والوقت؛ فلم تترك مجالاً للإبداع والابتكار؟

نظرة واحدة على أسماء قيادات الإخوان الحاليين، والتى تخلو من أى مفكر أو كاتب، أو عالم له وزنه واعتباره بين الأمة تشخص لنا حجم المأساة، ومدى عمقها، كما تقدم لنا مبرراً منطقياً لحالة الرمادية الشديدة التى تعيشها الجماعة.

إن الإخوان – بالفعل – هم الجهة الوحيدة المؤهلة – بعون الله – على إحداث تغيير جذرى فى هذه الأمة؛ لما يتمتعون به من قدرات عددية، وتنظيمية كبيرة لا ينافسهم فيها أحد فى مصر أو على امتداد الأمة بأسرها.

فالأمة فى حاجة فعلية إلى أطباء نابهين، وعلماء أفذاذ، ومجتهدين مخلصين، ومفكرين مبصرين كما هى حاجتها إلى دعاة ينيرون الدرب، وحركيين يجيدون التنفيذ.

أسمع عن رجال كانت تؤهلهم إمكاناتهم، ومؤهلاتهم لأن يكونوا على درب النوابغ السابقين، ولكنهم أُسروا فى قيد العمل التنظيمى، فخسرناهم مرتين..

أعرف أديباً تؤهله بلاغته وفصاحته أن يسبق فى مجاله، ولكن قيدَه خـَوَّفـَه من ترك الأَولى – الذى حدده له ضيقوا الأفق.

وأستاذاً فى الطب كان التلميذ النابه للدكتور/ أحمد شفيق – كما حُكى لى، فصار جراحاً عادياً؛ لاستهلاكه فى المسئوليات التنظيمية.

وأستاذاً فى الهندسة تأخر زمنياً فى تحصيل علم أحبه؛ لأن أستاذه أبلغه أن الدعوة – بمفهومها الضيق – أولى من تحصيل العلم والنبوغ فيه.

وهناك الكثير والكثير من الطاقات المعطلة، والنفائس المخزنة فى قيد غير محدد المعالم، أو الوجهة.

إن الإخوان يحتاجون إلى رؤى ومناهج جديدة تقدم للأمة ولا تخصم منها، يحتاجون إلى رجال يقودون الأمة ولا يتركونها فريسة يعبث بها كل لاه أو صاحب مصلحة.

كما أن الأمة أيضاً بحاجة إلى رجال يعملون فى نسق بديع، فيضحون بأوقاتهم، وعلمهم، بتجرد وإخلاص دون انتظار لمغنم، أو تحيز لعدو، ولن يتأتى ذلك بغير عمل منظم وموجَّه.

أدعو الله أن يرشد الأمة للصواب، وأن يستنقذها من براثن الجهل والتخلف والجور الذى تعيش فيه، وأن يقيض لها رجالاً يصدقون ما عاهدوا الله عليه.