السبت، ٣ أكتوبر ٢٠٠٩

رسائل إلى الدعاة – فى الذوق العام

ما زالت قضيتنا الأساسية فى هذه الرسائل هو حتمية تميز الدعاة عما شاع بين الناس من سلوكيات خاطئة، أو ذوقيات غائبة..

ومما شاع بين الناس من ذوقيات غائبة:

  • أهمية الوقت

كتب د. صلاح عز (الأستاذ بهندسة القاهرة) مقالاً ذكر فيه أن المجلس الأعلى لنقابة المهندسين (قبل فرض الحراسة) كان يتأخر انعقاده لتأخر الأعضاء فى الحضور، وأنه كان كثير الضيق من هذا الفعل الذى يضيع أوقاتاً نحن فى أشد الحاجة إليها؛ إلا أن هذا الضيق لم ينتقل للآخرين، وصار ذلك ديدن الاجتماع!

كما أذكر زميلاً ذهب إلى ألمانيا فى إحدى رحلات العمل، وكان مشاركاًtime_bomb فى دورة تدريبية، وفى نهاية أحد أيام الدورة، توتر المحاضر بعد أن نظر فجأة فى ساعته، وجمع حاجياته سريعاً، ثم أسرع فى الخروج من القاعة، وفى اليوم التالى سأل المشاركون محاضرهم عما حدث فجأة فى الليلة السابقة، فأخبرهم أنه قد واعد زوجته بالرجوع إليها فى الساعة الحادية عشرة مساء، وفجأة أدرك أن الوقت قد لا يسعفه للحاق بآخر قطار يتحرك من المدينة المقام بها الدورة التدريبية، فجرى مسرعاً كى يلحق به؛ ولما لم يلحق بالقطار، استأجر سيارة “تاكسى” ودفع له مائة يورو كى يصل فى الموعد المحدد مع زوجته!

صورتان متناقضتان تماماً تظهران أهمية الوقت، وأهمية الالتزام به، عند من تقدموا وعند من يرى أن ما فاتك اليوم ستلحقه فى الغد، وأن فى العجلة الندامة، وفى التأنى السلامة!!

والصورة الأولى صارت الآن أصلاً لكل أطياف المجتمع (وللأسف من بينهم الدعاة)؛ لذا فأن تتأخر عن موعدك ساعة أو ساعتين، أو أن تترك زميلاً “ملطوعاً” ينتظر طلعتك البهية، أو أن تتحول المقابلات الجماعية إلى مكلمة أو منصة للحديث فيما لا فائدة مرجوة منه (حتى لو لم تكن فى معصية)، أو …، كل هذا صار مألوفاً يُستهجَن فيه من يستهجنه، وينكر فيه على من يستنكره!!

رغم أن مقولات “الوقت كالسيف”، و”الوقت هو الحياة” كلها مقولات لا يفتؤ كثير من مضيعى الأوقات عن تكرارها، وترديدها، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

  • مشاعر الآخرين

صار الآن مألوفاً أن تجلس فى مجلس لأهل الصلاح (المفترضين)؛ فتجد من يتحدث عن صولاته وجولاته فى عالم التجارة، أو عن حمامه الجديد الذى نسف به حمامه القديم، أو عن حيرته بين البورسلين والرخام فى “ريسيبشن” شقته الجديدة، أو عن مدى تقدم أولاده فى مدارسهم الأمريكية ذات المدرسات الأمريكيات رغم أن الجالسين فى هذا المجلس فيهم المدرس “الكحيان”، والموظف “الغلبان”، والمستور “الشقيان”؛ ثم لا يمنع ذلك الجلوس فى نفس المجلس من الحديث عن الزهد وأهميته، وأثره فى حياة الدعاة!!

ومن الأمور المؤسفة أيضاً استخفاف بعض الملتزمين بمشاعر غير الملتزمين، أو إغفال حقهم فى الابتسامة، أو الشد على الأيدى حين السلام، أو الحديث أمامهم بما لا يفهمونه، أو بتجاهلهم، أو تجريحهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة..

أعرف أحد هؤلاء الملتزمين الكبار (فى السن) وهو يخاطب واحداً من غير الملتزمين التزم ابنه حديثاً؛ قائلاً له منتشياً ومتشفياً: “السنارة غمزت” مما أثار حفيظة والد الشاب الملتزم، وزاد حنقه نحو كل هؤلاء الملتزمين وأولهم ابنه..

يحدث هذا رغم أن الرفق بالناس، والتودد إليهم، هو أكثر وسائل الدعوة نجاعة، وفلاحاً.

ومما هو شائع أيضاً تعلية الصوت فى المساجد فى الصلوات الجهرية، speaker31 أو التراويح، أو التهجد، أو لدروس علم دون اعتبار لأحقية الناس (المرضى منهم والأصحاء) فى بيوتهم للهدوء والسكينة وراحة البال، ويتم استغلال حياء الناس من الحديث فى هذا الأمر؛ لأن الرد الجاهز “ده كلام ربنا.. اسمعه عشان تستفيد”!!!

  • حق الطريق

صار الشارع المصرى الآن من أكثر – إن لم يكن أكثر – شوارع الدنياً فوضى، وهمجية، ويكفيك نظرة على طريقة سير السيارات، أو على أرتال الزبالة، أو على الضوضاء لتدرك مدى فداحة المأساة التى نعيشها..

وقد يكون هذا مفهوماً فى بلد صار بلا قانون، أو صار قانونه مدى النفوذ، والقرب من دوائر السلطة..Garbage

أما أن ينساق ورء هذه الفوضى من يتحاكمون إلى القرآن، ويقتدون بالرسول، ومن كان لزاماً عليهم أن ينشؤوا دولة الإسلام فى قلوبهم لتقم على أرضهم فهذه هى الكارثة بعينها..

وانظر إلى الأمثلة التالية لتعرف مدى هذا الانسياق:

- ركن السيارات صف ثان وثالث ورابع طوال فترة صلاة التراويح مما يعطل المرور، ويعطل مصالح الناس..

- رمى المناديل وأكياس الشيبس وغيرها من زجاج السيارات..

- استخدام آلة التنبيه “الكلاكس” دون داعٍ..

- الحديث فى التليفون المحمول وقت القيادة مما يعرض حياة قائد السيارة وحياة الآخرين للخطر..

كما ينتشر أيضاً فى الشارع المصرى أمر مرذول آخر وهو الكتابة على الحوائط، ولصق مطبوعات الإعلانات بما يشعرك فى النهاية أنك تسير بين جدران مستشفى الأمراض العقلية؛ فتشعر بالتوتر، ويصاب بصرك بالإجهاد، وأعصابك بالتلف..

وللأسف يشترك فى ذلك الملتزمون فى دعايتهم الانتخابية، أو كتابتهم للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التى لا يلتفت إليها أحد وسط خضم الفوضى الإعلانية..Wall

وأذكر فى سنة من سنوات دراستى الجامعية أن حدث أمر جلل استدعى أن يطبع شباب التيار الإسلامى نماذج “اسطمبات” على سور الجامعة كله، وبالطبع تم ذلك فى السادسة صباحاً، ولم تمر أكثر من ساعة حتى تم طمس كل ما تم طبعه، فأصبح سور الجامعة لسنين عدة بعد ذلك مسخاً مشوهاً، ولم ير أحد ما كان مكتوباً تحت هذا الطمس الأمنى!!

وكل هذه الأشياء رغم بساطتها تقع فى دائرة أذى الطريق الذى عد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إماطته من شعب الإيمان، بل كانت أدناها، ولا أدرى هل يستقيم أن يقوم بالأعلى من أهمل الأدنى!!

  • الاعتـــذار

كنا يوماً فى تجهيز ساحة ملعب الكرة لصلاة العيد، وكانت أرضية الملعب من النجيلة الطبيعية التى تم زرعها حديثاً، ودخلنا من باب الملعب بسيارة “ربع نقل” تحمل الفراشة المعدة لتغطية أرضية الملعب، ونحن منهمكون فى حمل الفراشة ووضعها على أرضية الملعب، جاء مدير sorry2 النادى والمسئول عن الملعب وأبدى استياء شديداً جداً من دخول السيارة إلى أرض الملعب، وارتفع صوته، فبادرت بالاعتذار عن خطأ لم نتعمده بل غفلنا عنه، وأبلغته أننا سنخرج السيارة حالاً، وتم ذلك بالفعل؛ إلا أن أحد من أعتز بهم لامنى فى ذلك لوماً شديداً، وبأنه ما كان لى أن أعتذر لأننا لم نخطئ، كما أن الاعتذار سيزيد فى تعنتهم معنا، واستعلائهم علينا..

وهذه ثقافة غريبة على روحنا الإسلامية، ولكنها صارت معلماً من معالم الفهلوة المصرية التى ما كان ينبغى للدعاة أن يكونوا جزءا منها..

وكذلك كان الموقف فى حادثة “طز” الشهيرة؛ فرغم أن الموضوع تم تهويله والنفخ فيه؛ إلا أن الاعتذار عنه كان كفيلاً بإكبار صاحبه فى أعين الناس حتى ولو استغل ذلك المتنطعون؛ فالاعتذار ثقافة إسلامية أصيلة تعلمناها من أسلافنا الكرام، ولنا فى بلال، وأبى ذر خير عبرة..

ولذلك صار صعباً أن يعتذر كبير لصغير، أو أن يعتذر أستاذ لتلميذ، أو أن يعتذر زوج لزوجته؛ لأن الاعتذار أصبح معرة، والزمن كفيل بالعلاج!!!