الأحد، ١٣ سبتمبر ٢٠٠٩

رسائل إلى الدعاة – فى تحرى الحلال

بعض الملتزمين مصابون بانفصام عجيب فى الشخصية؛ تقف أمامه عاجزاً عن التفسير، أو التحليل.

Halal_Haram

  • أحد هؤلاء الملتزمين المفترضين حريص جداً على أن تكون مجسمات عرض الملابس (المانيكانات) مبتورة الرأس حتى لا تكون تمثالاً مكتملاً، وهذا شىء ممدوح؛ ولكن العجيب أن معظم محلاته وما فيها من مجسمات ما كانت إلا لعرض ملابس خليعة للشباب (ذكوراً، وإناثاً) لتوكيلات شركات أجنبية مشهورة، وعندما سألت أحد مساعديه عن ذلك، رد بأننا غير مسئولين عمن يشترى هذه الملابس، فليشتريها من يشاء لزوجته لتتزين بها فى البيت، ثم نصرخ فى النهاية شاكين من التبرج، والشباب المخنث!!

  • ومن هؤلاء: مَن خسرت الشركة التى أنشؤوها مشاركة مع أحد المتخصصين فى مجال عمل صناعى، ثم اختلفوا معه، فقرروا إغلاقها بعد شد وجذب، وبالطبع تم فى محضر التصفية تحديد من المسئول عن استلام مستحقات الشركة لدى عملائها، ومن المسئول عن تسديد مديونيات الشركة لمورديها،Halal_Haram_2 وتم التوقيع على ذلك، ثم أخل الطرف المسئول عن دفع مديونيات الموردين الأجانب؛ لأنهم الطرف الأضعف بالطبع، فلم تعد هناك وسائل اتصال موجودة، ولا موظفين، كما أن سمعة الشريك المتخصص هى التى ستـُضر؛ لأنهم فى النهاية مستثمرون، وكذلك كان الحال مع مورد مصرى؛ لأنه مؤدب و”ابن ناس”، ولم يرد أن يستغل ظروفاً خارجية تعرض لها هؤلاء المستثمرون، مع كونه قادراً أن يجرى لهم فضيحة تجرسهم، وتجبرهم على الدفع الفورى، هذا مع العلم أنهم يمتلكون الملايين رغم ما تعرضوا له من مشاكل فى استثماراتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!! ألا يدرك هؤلاء كم يصدون عن سبيل الله بأخذ حقوق هؤلاء غير المسلمين غصباً، وعدواناً؟ ألا يدرون أنهم بذلك شر ممثل لدعوة لبها العدل، والقسط؟!!

  • ومن المجالات التى يغفل عن تحرى الحلال فيها كثير من الملتزمين مجال تعبئة المواد الغذائية كالزيوت والسكر والأجبان وغيرها “تحت بير السلم”، ففى الأغلب الأعم يقوم تجار هذا oil المواد بتعبئة هذه المواد فى ظروف غير مراعية لقواعد الصحة العامة، ولا مطابقة للمواصفات القياسية، كشراء بواقى زيوت مصانع “الشيبسى” وتصفيتها،  وإعادة تعبئتها، وبيعها للمطاعم، أو كشراء الألبان غير المتأكد من مصدرها بناء على السعر لا على الجودة، وكذلك “اللانشون” و”البسطرمة”، وغيرها الكثير والكثير.. ومن المعلوم أن أحد أكبار أسباب أمراض السرطان، والفشل الكلوى، والكبدى فى مصر راجع إلى التلوث الغذائى الذى تسببه هذه الوسائل غير الشرعية فى تعبئة الطعمة المختلفة، فهل تساوى أرباح هذه التجارة لحظات ألم مريض واحد يشكو ربه ظلم الظالمين، وجشع الطامعين!!

  • ومن أخطر مسالك الحرام فى مصر هو التعامل مع الجهات الحكومية، واستسهال دفع الرشى للحصول على عملية، أو مقاولة، والتحجج الدائم بأن هذه طبيعة “السوء”،bribery وأننا مجبرون على ذلك، وقد يكون هذا صحيحاً إن كنت فعلاً مجبراً عليه بأن تأخذ المقاولة أو العملية بحقها، وتؤديها على أكمل وجه، ثم يظهر لك من يعطل إجراءات الاستلام دون أسباب؛ عندها قد تكون مضطراً.. أما أن تكثر من الهدايا لمسئولى المشتريات، وتلجأ لأساليب المعرفة المسبقة الرخيصة لأسعار المنافسين، أو أن تقلل من الخامات بالتواطؤ مع هذا الموظف أو ذاك؛ فهذا هو الحرام بعينه..

 

  • ومن الأمور المؤسفة أيضاً والمنتشرة فى ربوع بلادنا، وينساق فيها الملتزمون وراء العرف السىء، استحلال المال العام: كسرقة التيار الكهربى مثلاً عند عمل فرح، أو مأتم، ومثل: التعدى على الشارع العام بزيادة المساحة المقررة للمنزل المراد بناؤه، واقتطاع هذه الزيادة من الشارع العمومى، ومثل: التهربmal3am من دفع تذاكر القطار ما أمكن، ومثل: الحصول على ما ليس بحق، كحصول الطلاب غير المحتاجين على المعونات المفروضة للفقراء، أو السكن فى المدينة الجامعية لغير مستحقها بوساطة أو بتحايل أو بشىء من هذا القبيل.. وإن كان من الممكن فهم صدور ذلك من الجاهل، أو الفقير؛ فما مبرر المسلم الملتزم العارف لدينه، والقارئ لكتابه، والذى يعلم أن شهيداً دخل النار فى شملة أخذها بغير حق من غنيمة المسلمين، والذى يعلم قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إن الدنيا خضرة حلوة؛ فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورُب مُتخوِّض في مال الله ومال رسوله ليس له إلا النار يوم القيامة».

  • ومن النماذج المتكررة فى الفترة السابقة أن يعطى مجموعة من الملتزمين ملتزماً آخر مالاً لتشغيله على وعد بربح كبير، دون معرفة دقيقة بماهية هذا التشغيل، ويقوم الطرف الآخر (المُشغِّل) بتشغيل هذا المال عند طرف ثالث على وعد بربح أكبر؛ فيستفيد هو كطرف وسيط من فرق الربح، وتبدأ عملية توزيع الأرباح وينتشى الجميع بربح قد يصل فى بعض الأحيان إلى خمسين فى المائة، ويسرف الطرف الوسيط فى الإنفاق، والأخذ من مباهج الدنيا، حتى تقع الفأس فى الرأس، وتتوقف الأرباح، وتضيع الأصول، ويظل الجميع يصرخ، ويتم استدعاء من كانوا يوماً كباراً (ولم يستشاروا عند الاتفاق)، وتضيع أموال هذا، ويتوقف دفع أقساط ذلك، وينشغل الجميع فى قضية لم يتحر أصحاب المال فيها حلالاً، ولم يسألوا يوماً عن ميزانية، أو طبيعة عمل، ولم يتوقف الوسيط عن التظاهر كذباً بأنه رجل أعمال ماهر، وما هو إلا مضيع للأمانة، أما الطرف الثالث فلم يعرف أحد أصلاً فيم يعمل، ومن أين أتى بالأموال؟ وأين ذهبت؟ فهل يليق هذا بمن يريدون أن يقدموا نموذجاً جديداً يستحق الاقتداء من المسلمين!!

إخوانى.. أخواتى

إن الملتزمين بدين الله، وأحكامه ما زالوا أمل هذه الأمة، وما كان لهم ليتيهوا فى الأرض مع التائهين، ولا ليبتعدوا عن شرع الله مع المبتعدين..

فخطأ الملتزم يتعداه إلى غيره من الناس؛ فهو القدوة، والمثل؛ فإن انحرف عن الأمانة ضيعها الناس، وإن أكثر من التورية، كذب الناس، وإن مد يده إلى شبهة، استحل بها الحرام الناس..

فلنتق الله فى ديننا، وفى أمتنا، ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم:

«الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات: كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.».

الأربعاء، ٩ سبتمبر ٢٠٠٩

رسائل إلى الدعاة – فى حقوق وواجبات العمل (2)

لو وضع كل واحد منا نفسه مكان غيره لارتاح، وأراح غيره..bad_employee

ثانياً: رسالة إلى الموظفين:

  • الحضور والانصراف:

أ. محمد محافظ على إلقاء الدرس اليومى بعد الفجر فى فى رمضان، وبنشوفه فى الشغل (الحكومى) بس يوم قبض المرتب آخر كل شهر”..

هذا نموذج حقيقى أعرفه شخصياً، وكنت أشكك فى دقته بشكل أو بآخر؛ لأنى كنت أسمعه من س، ص غير الملتزمين! ولكن ما أكده لى هذه المرة سماعه من أستاذ آخر فاضل ساءه اختيار أ. محمد للترشيح فى إحدى الانتخابات.

وهذا مع العلم بأن وظيفة أ. محمد ليست وظيفة وهمية، أو أنها وظيفةEntry_time إدارية يقوم بها بها بدلاً من الواحد ألفاً، ولكنه فى وظيفة مهمة، غيابه عنها يؤثر على مصالح الناس، أو على الأقل يزيد الضغط على من هو أصغر منه سناً لقضاء حاجات الناس..

ولا أعرف كيف تطيب نفس أ. محمد للرزق الذى يقتات منه هو وأولاده، وكيف ينعم بالخيرات التى ينالها من عمله الخاص الذى يقتطع وقته من وقت عمله الحكومى..

قد يكون هذا نموذجاً صارخاً، وقد يفعله آخرون كثيرون، وخاصة فى المصالح الحكومية؛ ولكن لا يصح أن يصدر ممن يدعى التزاماً، ولا ممن يريد لهذا الأمة رفعة، وعزاً، أو ممن يسعى لإصلاح ما فسد فى مجتمعات المسلمين..

وهناك نماذج أقل حدة وهى كثيرة وللأسف مثل: تأخر المدرسين (مربى الأجيال) عن الذهاب لمدارسهم، أو “تزويغهم” رغم حاجة الطلاب إليهم، أو اهتمام الأطباء بعياداتهم، وترك المرضى للأطباء الممارسين غير المتخصصين، وعلى هذا فقس..

وحجج الجميع جاهزة: “الكل يفعل ذلك”، أو “على قد فلوسهم”..

ولا أدرى من يؤثر فى الآخر؟

المجتمع (العليل)، أم حملة لواء الدين والإصلاح؟!!!

  • الأمانة:

قد يكون جل الملتزمين من أكثر الناس أمانة، وهذه حقيقة؛ ولكن ما عاد مفهوم الأمانة هو الحفاظ على المال بشكل مباشر فقط، ولكن تعداه إلى مسارات، ومجالات أخرى..

فالحفاظ على أسرار العمل أمانة، وأعلم أحد المهندسين الملتزمين (أو هكذا يقول) فقد عمله (بفضيحة) لأنه أطاع رئيسه فى العمل بالتجسس على ملفات ما كان لهم الإطلاع عليها.

وتقليل نفقات الجهة التى تعمل بها أمانة؛ فليس من المقبول أن تسرف فى الإنفاق من مصروفات الشركة بحجة أنها غنية، ولا تفرق معهم، وهذا يحدث كثيراً للأسف!

والحفاظ على العهد أيضاً أمانة؛ فليس مقبولاً أن تنفق عليك شركة تدريباً، وتأهيلاً، وخبرة، ثم تتركها وقت أن تحتاج الشركة إلى خبراتك بمجرد أن تحصل على عرض أعلى، أو شركة أرقى! وأعلم أحد المهندسين الشباب رفض الالتزام بعهد زمانى مع الشركة التى بدأ العمل بها؛ لأنه قدم أوراقه فى جهة أخرى يرغب فى العمل بها، ورغم أن رفضه هذا كان سبباً فى فصله من الشركة؛ إلا أن موقفه كان صواباً حتى لا يضع نفسه بعد ذلك فى موقف خيانة العهد والأمانة..

والحفاظ على وقت العمل أيضاً أمانة؛ فلا يليق أبداً أن يستغل وقت العمل  فى استضافة الزملاء والأصدقاء والجلوس معهم لأوقات طويلة لترتيب أمر ما حياتياً كان أو دعوياً..

والحفاظ على مال الشركة بالطبع أمانة.. ومن المواقف الجميلة التى  سمعتها من صاحبها، بأنه شك فى عملية مالية قام بها أحد مندوبى Under_tableالشركة، فظل يتتبع الأمر حتى تأكد من شكوكه، واستطاع استرداد المبلغ، وإعادته إلى الشركة، ونصحناه بإبلاغ مديريه بذلك؛ لأنها أمانة..

وكثيراً ما يخطىء بعض مندوبى المشتريات بالذات بأن يقبلوا هدايا (عينية أو مالية) من الموردين، والمندوب يعلم تماماً أن هذه الهدية (الرشوة) ما كان ليأخذها لو كان يعمل فى وظيفة أخرى، وأنها استدراج من المورد لتفضيله على غيره من الموردين الآخرين فى العمليات اللاحقة..

وقد اشتكى لى ذات مرة أحد الأصدقاء من أن مندوبيه يفعلون ذلك دون حرج، وهو يعلم ذلك، ويسكت على مضض، والكارثة أن الملتزمين منهم بدأوا بتقليد نظرائهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

  • استخدام موارد الشركة

من الكوارث التى تصيب معظم الناس هى التساهل فى استخدام موارد شركته كالتليفون، والسيارة، وغيرهما..

وقد رأيت زميلاً (غير ملتزم) ذات مرة يدير انتخابات خاله (مستقل وطنى) فى أسوان من المكتب فى القاهرة طوال اليوم..Car-key-jammer

وتتصل بأحد زملائك الملتزمين من محمولك الشخصى، فيغلق عليك؛ ليتصل هو بك من تليفون العمل كى يوفر لك من حساب الشركة المؤتمن على مالها، أو يطمئن على أهله فى الأقاليم يومياً لنصف ساعة مثلاً من تليفون الشركة، وغير ذلك كثير..

وهذه الموارد كالمال العام تماماً، وما ينطبق على المال العام (الحكومى) ينطبق عليها مع الفارق فقط فى مدى الضرر، وتشعبه..

إخوانى.. أخواتى

قال صلى الله عليه وسلم:"العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع بيته" رواه الطبراني.

ولنعلم أيضاً أن "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به".

الاثنين، ٧ سبتمبر ٢٠٠٩

رسائل إلى الدعاة - فى حقوق وواجبات العمل (1)

ما أسهل أن تخطب فى الناس عن واجباتهم نحو الآخرين، ولكن ما أصعب الأمر حين يتعلق الأمر بواجباتك أنت! وما أشدها من صعوبة حين يتعلق الأمر بالمال.. زينة الحياة الدنيا..

employees أولاً: رسالة إلى أرباب الأعمال:

  • التأمين الاجتماعى:

عملت فى حياتى المهنية فى أكثر من شركة داخل مصر، كان من أصحابها الملتزم دينياً بل ويعد نفسه من الدعاة، ومنهم الشخص العادى بل غير المسلم أيضاً، ولم يتم التأمين علىّ اجتماعياً، وبالتالى طبياً إلا فى شركة واحدة (أصحابها مسيحى ومسلمان لا يدعيان التزاماً) أما الآخرون؛ فيتحايلون، ويدفعون رشى لموظفى التأمينات كى يتجنبوا التأمين على الموظفين، ولا يرون غضاضة فى ذلك، بل ويستحلونه؛ لأن الدولة تفعل كذا، وكذا، بل ويتفلسف البعض بأن التأمين فى الأصل حرام، رغم أنه تأمين من الدولة لمواطنيها (وهو واجب عليها) تلزم العامل ورب العمل بدفع أقساطه الشهرية حتى ينال معاشاً له ولأولاده حين تقاعده، أو إصابته، أو موته.

ولا أدرى كيف سيحاسب رب العمل (الداعية) نفسه حين يسقط حقmicrobus-accident معاش أحد موظفيه عند إصابته فى حادث قد يفضى به إلى الموت، أو حين يسقط حق رعايته الطبية (خصوصاً فى الأمراض المزمنة)؛ لأنه لم يتق الله، واستحل دفع الرشى جلباً لمكاسب أكثر، وتملصاً من واجبات نحو من جعله الله سبباً فى رزقهم..

وهناك صورة أدنى، وهى التأمين على الموظف بالحد الأدنى من الأجر، لكى يتجنب دفع مبالغ تأمينية كبيرة؛ مما يؤدى فى النهاية إلى تقليل المبلغ المدفوع للمعاش فى حالة الإصابة أو الوفاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقد يتحجج صاحب العمل بأن قانون العمل مجحف، وأن فصل عامل مهمل مؤمّن عليه قد يجر عليه مشاكل كبيرة هو فى غنى عنها، وقد يكون ذلك صحيحاً من زاوية، ولكنه تلبيس شيطان من نواح أخرى؛ لأن قانون العمل هذا يتيح لصاحب العمل أن يضع الموظف الجديد تحت الاختبار فترة من الزمن قبل التأمين عليه، كما أن صاحب العمل يكسب انتماء الموظف المؤمَّن عليه، وبالتالى يزداد ولاؤه للمكان، وتزداد مع ذلك إنتاجيته، مما يعود بالربح على الطرفين..

فعلى أصحاب العمل، وخصوصاً الدعاة منهم، أن يتقوا الله فى موظفيهم، وأن لا يضيعوا حقوقهم، لأجل مبالغ تافهة تزيد من أرباحهم؛ ولكنها تكون عليهم وبالاً فى الآخرة.

  • ساعات العمل الإضافية:

“سوق العمل كله كده”.. “هو عارف قبل ما يشتغل إن ساعات العمل حسب الظروف”.. “لو مش عاجبه غيره مش لاقى الفرصة دى”.. “…”

هذه هى الردود الجاهزة والمعلبة لأصحاب العمل حين يسألون عن بدل ساعات العمل الإضافية (overtime)..overtime

فقد رأيت من يستعبد موظفيه من التاسعة صباحاً حتى التاسعة أو العاشرة مساء، وقد يزيد فى المواسم، ولا يعطيهم قرشاً واحداً إضافياً مقابل هذا الاستعباد..

ويتجاهل هذا أن قانون العمل لا يسمح بذلك، كما يتجاهل أن ما أخذ بسيف الحياء فهو رد..

ولا يعلم رب العمل أيضاً أن هذا الموظف الذى يحرم من أسرته، ومن ممارسة حياته الطبيعية دون مقابل.. إنما يفعل ذلك وهو مضطر، وأن ما تحاول أن تحرمه عنه من حقوق، يأخذه منك فى صور أخرى قد تدرى بها، أو لا تدرى؛ مما يؤدى فى النهاية إلى تشوهات فى النفوس، وفى العمل نفسه، قد يكون رب العمل نفسه أول خاسريه.. إن لم يكن فى الدنيا، ففى الآخرة قطعاً..

  • المرتبات

فى ظل الأزمات التى يعيشها المجتمع المصرى، يبقى ثبات الدخل الشهرى أزمة كبرى للموظفين، وأسرهم..salary_1

وقد يتفهم الواحد منا ثبات المرتب فى شركة متعثرة، أو فى شركة صغرى ما زالت تحبو فى عالم الأعمال..

ولكن ما لا أفهمه هو ثبات هذا الدخل، أو زيادته زيادة طفيفة طبقاً لقانون العرض والطلب؛ فتجد الصيدلى مثلاً يحصل من الصيدلية التى يعمل فيها على أجر (500 جنيه أو ألف جنيه مثلاً) رغم أن الصيدلية تكبر، وتزداد أرباحها، بحجة أن الصيادلة كثيرون “وإن كان عاجب”.

وقد تجد مرتب المحاسب لا يتجاوز المئات من الجنيهات، رغم أنه يتعامل مع ميزانية بالملايين؛ لأن “سعر المحاسبين فى السوء كده”.

ولا أدرى عن أية دعوة نتكلم، وعن أية صدقات نخرج، ونحن نضغط اجتماعياً، ومادياً على من يساهمون فى زيادة دخولنا وأرباحنا التى نزكى، ونتصدق منها!!!

  • الأجازات

العمل عندنا 10 ساعات فى اليوم.. 6 أيام فى الأسبوع.. 52 أسبوع فى السنة”.. “لما تحتاج أجازة تبقى تفرج”..

أعرف أحد هؤلاء أرباب العمل (من طائفة الدعاة المزعومين) أجاب ضاحكاً حين سؤاله عن أجازة يوم رأس السنة الهجرية: “يعنى الرسول يتعب ويهاجر، وإحنا نقعد فى البيت”..vacancy

هكذا ببساطة فأنت مطالب بأن تتسول الأجازة؛ فلا قانون لها ولا حدود، وعليك أن تمتن إن وهبك صاحب العمل أجازة ليومين حين ترزق بمولود، وأن تقبل الأيادى حين تحصل على أسبوع أجازة للمصيف..

فلنعطِ للناس حقوقها من خلال لائحة مكتوبة تطبق على الجميع؛ فلا تضعهم فى حرج، ولا تحرم أولادهم، وأهليهم منهم؛ لأجل راحتك أنت أيها الداعية..

إخوانى.. أخواتى

هل بالله عليكم ترضى هذه المنظومة الله ورسوله؟ وهل كلامنا المعسول عن واجبات الدولة نحو مواطنيها ينسجم مع ما نفعله نحن مع موظفينا؟

أسئلة كثيرة.. وواقع مرير يحتاج إلى دعاة سلوك، لا دعاة وعظ وإرشاد..

الأحد، ٦ سبتمبر ٢٠٠٩

رسائل إلى الدعاة

message لم تكن الدعوة إلى الله يوماً حكراً على مجموعة من المسلمين دون غيرهم؛ ولكن أرادها الله لعموم المسلمين – كل على قدر استطاعته وعلمه.

كما أن الدعوة لم تكن يوماً منحصرة فى كلمات تقال على منبر، أو سطور تكتب فى صحيفة؛ ولكنها كانت بالكلمة تارة، وبالعمل مرات، وبالخطابة مرة، وبالسلوك مرات، وبالحجة مرة، وبالقدرة مرات..

ولم يشهد عصر سابق ما يعيشه عصرنا من كثرة منابر دعوة الكلمات: فمن منبر الجمعة، إلى دروس العلم، ومن شريط “الكاسيت” إلى أقراص “الفيديو”، ومن مسامع الإذاعة، إلى مشاهد “التليفزيون”.

ورغم ذلك يجمع الناس أن الأخلاق ازداد انهيارها - وإن كثر رواد المساجد، وأن الذمم استشرى فسادها – وإن علت بالدعاء الحناجر، وأن الأواصر تقطعت – وإن بانت من الإسلام المظاهر..

ولم أر سبباً لمثل هذا التناقض كغياب القدوة..

القدوة المتجسدة فى بشر نراهم، ونعايشهم.. يعملون، فنتأسى بفعالهم، ويعفون، فنزهد، ويسمون، فنرتقى، ويتواضعون، فنرق، ويتجردون، فنتحرى..

ولقد سلَّم دعاة الكلمات بهذا الغياب؛ فصاروا يستدعون القدوات من سالف الأزمان؛ وجميل الأفعال من صفحات التاريخ..

ولسان حالهم فى ذلك يقول: زمانكم زمان المعصية، وما عاد بينكم من به تقتدون، ومن بسيرته تقتفون، ونحن مثلكم، ولكنا نقرأ، وأنتم لا تقرؤون..

وتواطأ على ذلك جل الدعاة؛ لعجز فى أفهامهم، والمدعوين؛ لرغبة فى نفوسهم إلا من رحم ربك..

وقديماً قالوا: “فعل رجل فى ألف رجل خير من كلام ألف رجل فى رجل”..

فأين نحن من كلامنا؟ وأين أمتنا من فعالنا؟

وسأحاول فى هذه السلسة البسيطة أن أوجه رسائل للدعاة إلى الله، استخلصتها من مواقف عايشتها؛ وأثرت فىّ.. منها الإيجابى، ومنها السلبى..

ولتكن هذه الرسائل لنفسى، ولغيرى من باب “وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”.

أتوجه بها إلى صاحب العمل، كما إلى الموظف.. وإلى الزوج، كما إلى الزوجة.. وإلى الشاب، كما إلى الكبير..

والله هو الموفق، وهو الهادى إلى سواء السبيل..