الأحد، ٩ أكتوبر ٢٠١١

نصائح إخوانية – التربية

ثانياً: التربية:

ما يميز الإخوان عن غيرهم من الجماعات أو الأحزاب هو عملية "التربية"؛ فالجماعة قائمة في الأساس على تربية "الفرد المسلم" تربية إسلامية صحيحة في ثلاث مسارات أساسية هي: الإيماني التعبدي، والأخلاقي السلوكي، والدعوي الحركي.
لذا فإن تميز الإخوان الفعلي هو في وجود "أفراد" متخلقين بأخلاق الإسلام، وعباداته، ومنهجه في كل تصرفاتهم اليومية الحياتية منها والدعوية.
وأغلب المنتمين إلى الإخوان انضموا للجماعة بسبب الارتباط المباشر بفرد من أفرادها، والتأثر المباشر بسلوكيات هذا الفرد قبل أ ن يكون هذا الارتباط فكرياً أو دعوياً..
والناظر المتفحص في هذه الأيام لمنتج التربية عند الإخوان يشعر أن هناك خللا ما في جودة هذ المنتج، بما يؤثر على نظرة الناس للجماعة ككل، وعلى تقبل أو تفهم أفكارها، وخطابها السياسي أو الدعوي.
وهناك حاجة شديدة لمراجعة آليات التربية الموجودة حالياً لكي تراجع الجماعة منتجها من "الفرد المسلم" وهل هو متطابق حقاً مع أوصاف حسن البنا التي رآها لهذا الفرد وهي:
1- سليم العقيدة
2- صحيح العبادة
3- مجاهداً لنفسه
4- مثقف الفكر
5- قوي الجسم
6- متين الخلق
7- قادراً على الكسب
8- حريصاً على وقته
9- منظماً في شؤونه
10- نافعاً لغيره.

وسأحاول هنا أن أعرض بعض النصائح البسيطة لتطوير العملية التربوية داخل الجماعة من خلال وجهة نظري الشخصية وتجاربي العملية، مع قناعتي الشديدة أن العملية التربوية أكثر تعقيداً من أن تغيرها كلمات، أو تزينها حروف، أو تقيم عوجها مجموعة من الآليات؛ لأنها في النهاية مرتبطة بالنفس البشرية، وما يحيط بها من بيئة ومؤثرات داخلية وخارجية. "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها".

وتتلخص نصائحي في الآتي:


أ- إلغاء المناهج التربوية المغلقة والعودة إلى المناهج المفتوحة:

منذ عدة سنوات فضل الإخوان الأخذ بأسلوب في التربية معتمد على كتاب موحد للمستوى التربوي الواحد، يتم في هذا الكتاب عرض الأهداف العامة والمرحلية المطلوب تحقيقها عند الشخص المراد تربيته، مع عرض محتوى نظري ملخص للمادة التعليمية المراد تطبيقها، أو معرفتها، وهذا هو الأسلوب المعتمد حالياً في وزارة التعليم المصرية في المراحل ما قبل الجامعية.
ولهذه الطريقة عدة مشاكل:

  • من ناحية الشكل:
         * قد تكون طريقة صالحة للسن الصغيرة؛ لذا فهي مطبقة على المراحل ما قبل الجامعية فقط.
         * كما أنها طريقة تربوية مختلف في نجاعتها ونجاحها في تحقيق الأهداف المرجوة؛ لذا فإن المناهج الأمريكية - في حدود علمي - لا تعتمد على هذه الطريقة في التربية والتعليم.

  • من ناحية المضمون:
         * تحول المربِّي (القائم على عملية التربية) إلى مدرس تقليدي يهتم بترتيب الأفكار، وعرض المحتوى أكثر من اهتمامه بالغوص في المعاني، ودلالاتها التي تؤهله للإبداع مع أعضاء الحلقة في الاستنباط النظري، والتطبيق العملي لما يتم تدارسه.
         * تقدم محتوى نظرياً ضعيفاً يعتمد على التلخيص والتبويب؛ بما يفقد المعاني قوتها، وتأثيرها؛ فتلخيص كلمات صاحب الظلال في الكتب التربوية الحالية ما هو إلا تلخيص مخل يفقد الكلمة قوتها، والفكرة رونقها.
         * تؤصل لدى الأفراد ثقافة السطحية والقراءة السريعة "السندوتش" في تربية جيل أكثر ما يحتاجه هو العمق، والقراءة.
         * تؤصل لفكرة المصدر الواحد في التلقي التي تؤدي بدورها إلى الانغلاق، وعدم تقبل الرأي الآخر؛ فكتاب "الدولة العثمانية.. عوامل النهضة وأسباب السقوط" المقرر على أحد المستويات التربوية منحاز جداً لإبراز مناقب الدولة العثمانية وتعظيم كل أفعالها دون موازنة موضوعية، بينما هناك دراسات أخرى تظهر المثالب والعيوب، وكتب أخرى متوازنة؛ لذا فإن الاعتماد على كتاب واحد في التلقي يثبت نظرية واحدة، ويؤكد فكرة واحدة؛ بما يؤدي إلى ضيق الأفق، وضعف التحليل.
         * لا تراعي التباين الحقيقي بين الأفراد المنتسبين لنفس المستوى التربوي؛ فأستاذ الجامعة والعامل يدرسان نفس المنهج، وكذلك العالم الأزهري والملتحق بالمدارس الأجنبية، وأيضاً الشاب الصغير، والكهل العجوز، مع ما بين كل هؤلاء من تباينات شديدة في القدرة على التلقي، والاستيعاب، وكذلك في الاحتياجات التربوية والمعرفية لكل شريحة منهم.

 

  • من الناحية العملية:
         * أدت هذه الطريقة إلى انشغال الأفراد بمسمى المستوى التربوي الملتحقين به؛ مما أدى إلى بعض الحزازات النفسية، والمقارنات بين أشخاص موجودين في مستويات تربوية أعلى (إن صحت التسمية) مع عدم أهليتهم لهذا المستوى، وبين أشخاص آخرين على العكس من ذلك.
         * لم تقدم حلاً عملياً سليماً للتعامل مع من لم يتجاوزوا أهداف مرحلة ما، ولم ينتقلوا للمستوى التالي؛ لأنهم مضطرون لإعادة دراسة نفس المنهج مرة أخرى، مما يصيبهم بالإحباط، والضيق.

ولهذه الأسباب فإني أرى أن يحتوى المنهج التربوي لكل مستوى تربوي على أفكار عامة دون التقيد بمحتوى نظري موحد مع تقديم مقترحات بكتب متعددة، مضافاً إليها وسائل عملية لتحقيق الأهداف المرجوة حرصاً على تعميق النظرة التربوية، وزيادة النواحي المعرفية مع إعطاء مساحة من الإبداع للمسئول التربوي ليتعامل فيها مع المستوى الفعلي للحلقة التربوية القائم على تربية أفرادها، والله أعلى وأعلم.

ب- إعادة النظر في آليات التقييم التربوي:
يبقى التقييم التربوي الأساس الرئيس في ترميز فرد إخواني أو توليه مسئولية تربوية كانت أو إدارية، وضعف هذا التقييم قد يصعد بأناس يسيئون للجماعة أمام المجتمع، أو أمام أفراد الإخوان أنفسهم، وقد يُبعد أناساً لديهم من الكفاءة والقدرة ما ينهض بالجماعة والأمة كلها..
والآليات الحالية - من وجهة نظري - بها بعض المثالب مثل:
  • أنها آليات انطباعية شخصية أكثر منها موضوعية جماعية:
فانطباع شخص مسئول يظل هو الفيصل في تقييم فرد سلباً أو إيجاباً، فيكفي أن يُتهم فرد بأنه متطلع أو محب للظهور أو أنه معجب برأيه لكي يتم تقييم هذا الفرد بشكل سلبي رغم أن هذه الصفات تحديدا (وهي الأكثر شيوعا) غير ملموسة، وغير مدركة لأنها صفات قلوب لا دليل ماديا عليها، إلا أنها تلقى استجابة من القائمين على عملية التقييم، وتكفي لإبعاد شخص، أو تأخيره، خاصة وأن هذه الصفات تلصق غالباً بمن يريدون المناقشة، أو التحليل، أو من ذوي المبادرة المسارعين إلى الأفعال دون قيود التراتبية التنظيمية فيوصمون بذلك بسهولة، والعكس بالعكس.
  • أنها آليات نظرية منغلقة:
  • حين جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ يشهد عنده فقال له عمر: ائتِ بمن يعرِّفك؛ فجاء برجل، فقال له: هل تزكِّيه؟ هل عرفته؟ قال: نعم، فقال عمر: وكيف عرفته؟ هل جاورته المجاورة التي تعرف بها مدخله ومخرجه؟ قال: لا؛ قال عمر: هل عاملته بالدينار والدرهم اللذين تعرف بهما أمانة الرجال؟ قال: لا؛ فقال: هل سافرت معه السفر الذي يكشف عن أخلاق الرجال؟ قال: لا، فقال عمر بن الخطَّاب: فعلَّك رأيته في المسجد راكعاً ساجداً، فجئت تزكِّيه؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ فقال له عمر بن الخطاب: اذهب فأنت لا تعرفه، ويا رجل ائتني برجل يعرفك فهذا لا يعرفك!
    فالتقييم النظري المنغلق هو ما فعله هذا الرجل حين جاء يشهد لرجل بالصلاح، فقد رآه يصلي أو يحسن الركوع والسجود، وفي عصرنا أضف لها: أنه يحسن تنميق الكلام.. أنه يحفظ قدراً من القرآن.. أنه خدوم لإخوانه.. و...
    لذا فكما فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فمن غير المقبول أن يُقيَّم شخص دون مراجعة سلوكياته العامة مع كل الناس، ومعاملاته المادية، والتزامه في عمله بتحري الحلال والحرام، ويكتفي بتقييمه ببنود نظرية (ورد المحاسبة، أو حفظ القرآن، أو الانضباط الإخواني، أو انطباق الأفكار مع الجماعة)، أو بتقييمه بشكل منغلق (أي بأدائه وسط الإخوان دون عامة الناس)..
    لابد أن تكون هناك آلية صريحة لمراجعة سلوكيات الناس وأدائهم وسط عائلاتهم، وفي أعمالهم، ومع جيرانهم، وبين الناس حتى يتم تقييم الأفراد بشكل عملي إسلامي صحيح يبرز الأكثر إرضاء لله سبحانه وتعالى، والأكثر تطبيقاً لكتاب الله، والأكثر اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى تخرج الجماعة أفضل من فيها؛ لتنهض بالمجتمع وتقوده إلى الخير بإذن الله تعالى.

    ج- التوظيف الفعلي على مسار الحياة:
    يغلب على أعمالنا الحياتية أن تكون خارج النطاق الجغرافي للشعبة الإخوانية التي نعيش فيها؛ كما أن معظم أوقاتنا نقضيها في هذا العمل الحياتي، وكذلك فإن معظم معاملاتنا اليومية تكون مع زملاء العمل، ورغم ذلك فإن طبيعة التركيبة الإدارية الحالية للعمل الإخواني لا تنشغل بهذا المسار المهم والرئيس لمجرد أنه خارج النطاق الجغرافي للشعبة الإخوانية، وتبقى معاملات كل واحد منا مندرجة تحت الاجتهادات الشخصية، والقدرات الفردية.
    كما أن أفراد الإخوان غالباً ما يشعرون بالتقصير في العمل الإخواني داخل الشعبة؛ لضيق أوقاتهم ولعدم قدرتهم على الاستمرارية في متابعة شخص ما دعوياً، أو الارتباط بأهل الحي في عمل خدمي نظراً لتأخرهم الدائم في عملهم، أو انشغالهم المستمر بأعمالهم الخاصة؛ وبذلك نبقى في الدائرة المفرغة من اتهام بالتقصير من المسؤولين، والدفاع من الأفراد نظرا لضيق الوقت وقلة المعارف، وينحصر العمل الدعوي كما هو حاصل في كثير من الأحيان في حضور لقاء، أو حضور مؤتمر، أو لصق أوراق، أو تنفيذ تكليفات بما يفرغ الدعوة من مفومها الأساس وهو التواصل المباشر مع الناس.
    كما أن عدم التوظيف في مسار الحياة يفقد المسؤول التربوي القدرة على المتابعة الحقيقية لأثر التربية الحقيقي والذي يظهر أكثر ما يظهر في المعاملات الحياتية أكثر مما يظهر في التجمل داخل اللقاءات الإخوانية التي غالباً ما تكون خارج الأطر الثلاثة التي أشار إليها عمر بن الخطاب في قبول التزكية لشخص ما من شخص آخر.
    ولحل هذه المشكلة لا بد للقائمين على العمل من أن تتسع آفاقهم أكثر، وأن يعلموا أن الدعوة أكبر من أن تنحصر في مكان جغرافي تتم متابعة الأفراد في تحقيق مستهدفاته، كما أنها أكبر من وظيفة نسأل عنها أمام مسؤولينا الدعويين.
    د- الاشتراك الشهري:
    يتميز الإخوان المسلمون عن غيرهم من كل القوى السياسية بل وحتى الدعوية في التزام كل فرد منهم تم توثيقه ليكون عضواً في جماعة الإخوان المسلمين بدفع اشتراك شهري منتظم ذي نسبة مئوية من الدخل الشهري الذي يتحصل عليه هذا الفرد. يدفعه أعضاء الإخوان المسلمين محتسبين فيه وجه الله سبحانه وتعالى - والله حسيبهم - وقناعة منهم بحسن إدارة جماعتهم لهذه الأموال في مناشط الجماعة المختلفة من سياسية وتربوية ودعوية وخيرية وغيرها.
    وهذا الاشتراك يختلف من آن لآخر، فقد يصل في بعض الأحيان إلى 10% أو يزيد في حالة وجود سهم للمعتقلين، وكذلك سهم لفلسطين، وقد يقل عن ذلك في حالة اختفاء مثل هذه الظروف.. وكذلك قد يطلب في بعض الأحيان تبرع مفتوح - له حد أدنى - في حالة الانتخابات أو غيرها من المناشط التي تتطلب مزيداً من الأموال.
    وهذا الاشتراك مدعاة للفخر من الجماعة ككيان، ومن الأعضاء بانتمائهم الصادق لجماعتهم وإنفاقهم على مناشطها التي يحتسبونها لوجه الله تعالى.
    ولكن مع وجود مثل هذه النسبة العالية التي يدفعها كل واحد من أفراد الإخوان توجد مجموعة من السلبيات هي التي دفعتني للتفكير في تطوير فكرة هذا الاشتراك والتعديل في طريقته، وتتلخص هذه السلبيات في الآتي:
    1. معظم أفراد الإخوان - وخاصة الطبقة الوسطى العليا والدنيا منهم والتي يتشكل منها معظم أفراد الجماعة - لا يشاركون في أية أعمال خيرية في محيطهم أو من خلال دائرتهم القريبة أو البعيدة اكتفاء منهم بما يدفعونه للجماعة، وظنا منهم أن الجماعة تكفيهم هذا الفعل الخيري، أو الدعوي، أو التنموي؛ لأن في الجماعة لجان تقوم على هذه المهام. وهذه نقطة تخصم كثيراً من رصيد الإخوان كأفراد في محيطهم الذي ينتمون إليه، فعند فتح باب التبرع لمسجد أو مدرسة أو مستشفى أو ...، يتأخر أفراد الإخوان لأنهم يقتطعون جزءا كبيراً من دخلهم كاشتراك للجماعة التي ينتظر منها أن تقوم نيابة عنه بالمساهمة في مثل هذه المناشط، وقد يحدث هذا بنسبة أو أخرى داخل المحيط العائلي أيضاً مما يضيع التأثير الدعوي الحقيقي داخل دوائر الدعوة الطبيعية، وذات الأولوية.
    2. نسبة معتبرة من أعضاء الإخوان لا يدفعون النسبة المطلوبة منهم (وقد لا يدفع بعضهم تماماً)، إما لحاجة خاصة، وإما لاستكثارهم النسبة المفروضة؛ مما يؤدي إلى تهربهم بشكل أو بآخر، أو لجوئهم لوسائل التورية وغيرها مما يكون له أثر سيء في المردود التربوي لقضية البذل، والعطاء.
    3. نيابة الجماعة عن الأفراد في كل الأعمال الدعوية (بما فيها المالية) تعطل فيهم قضية المبادرة إلى فعل الخير، وهي قضية تربوية خطيرة؛ لأن أصل المبادرة إلى الطاعات هو عمل فردي بالأساس، وتموت هذه الخصيصة الإسلامية الفريدة (المبادرة) بالتفويض المطلق الذي يعطيه أفراد الجماعة لإدارة جماعتهم في تفويضهم في كل ما ينتظره المجتمع من أفراده.
      لذا فأنا أقترح مقترحاً بسيطاً يحفظ على الجماعة ما تمتاز به من سيولة مادية تمنحها الاستقلالية والقدرة على الفعل الجمعي الدعوي، كما يحفظ على الأفراد انتماءهم لجماعتهم وثقتهم فيها، وفي قادتها، وفي نفس الوقت يبقي للفرد مساحة من الحرية، والمبادرة الفردية في العمل الخيري أو التنموي في الدوائر الطبيعية المحيطة بأفراد الجماعة.

    ويتلخص هذا المقترح في:
    تقسيم الاشتراك الشهري للفرد إلى سهمين: سهم للجماعة تتصرف فيه وتنفق منه على كل مناشطها، وسهم للفرد نفسه ينفقه في أعمال الخير أو التنمية المتنوعة في محيطه الجغرافي أو العائلي أو المجتمعي بصفة عامة.
    فإن كان الفرد يدفع 10% للجماعة، فليدفع في هذه الحالة 5 % للجماعة، و5% ينفقها بنفسه (في حالة المناصفة).
    وليُتابَع أعضاء الإخوان في السهمين معاً: أي سهم الجماعة المسلَّم إليها من خلال مسئول الأسرة، وسهم الفرد نفسه المقدم للمجتمع بشكل مباشر ودون وسيط.


    والله الهادي إلى سواء السبيل.