الجمعة، ٢٥ مايو ٢٠٠٧

وزارة شؤون الكنيسة

كثيراً ما أرى فى طريق سفرى مسجداً فخماً ذا مئذنة عالية، وقبة ملونة قد أنفق عليه عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من الجنيهات، وذلك وسط مربع سكنى لا يتجاوز عدد بيوته الخمسة بيوت تقريباً إن لم يكن أقل.

وكنت أسأل نفسى:
أليس هذا تبذيراً يأباه الله عز وجل؟
ألم يكن من الأولى أن تذهب هذه الأموال لمستشفى ينقصه جهاز غسيل كلوى؟ أو إلى مدرسة تهالكت جدرانها، وقل عدد فصولها؟ أو إلى شباب يريدون الكسب، أو التعفف؟
أيرضى الله عز وجل ببناء بيته بهذه الآلاف المؤلفة، وهناك آلاف إن لم يكن ملايين من المسلمين يحتاجون من يسد جوعتهم، ويستر أجسادهم، ويداوى أبناءهم وآباءهم؟

وكما أعلم - ويعلم غيرى - أن الأحكام الشرعية قد تنتقل ما بين الحِل والحُرمة، والنـَدب والكراهة، والجواز باختلاف الحال، والزمان، والمكان؛ فقد يكون الشىء مندوباً فى موطن، ومكروهاً فى موطن آخر، وقد يكون حراماً فى موضع ثالثٍ، وهكذا..
فإن كان بناء المساجد مندوباً فى بقعة ليس بها مسجد، أو ضاق مسجدها بالمصلين؛ فإنه يصير مكروها فى بقعة أخرى امتلأت بالمساجد، حتى صار كل مسجد يستقبل عشرة أو عشرين مصلياً.

أذكر أنى قد شاركت فى وأد فكرة لإقامة صلاة الجمعة فى مصلى صغير بجوار منزلى فى بلدى؛ بأن أقنعت المصلين: بكون المصلى الذى لا يتسع بالكاد إلا لخمسة وعشرين مصلياً لا يصح أن يكون سبباً فى تفريق المسلمين عن صلاة هى أساساً لتجميع المسلمين على كلمة واحدة، ومنبر واحد، ومكان واحد.. قلت لهم أن المصلى كاف لتقام فيه الصلوات الخمسة، أما الجمعة فلتقم فى المسجد الجامع الذى لا يبعد عن مصلانا سوى مائتى متر، وقد اقتنعوا، والحمد لله، وظل المسجد حتى الآن للجماعة فقط دون الجمعة.
وما أعرفه أيضاً أن المبالغة فى تزيين المساجد مكروه، وأن المساجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسلفه الصالح كانت بسيطة فى بنائها، غير متكلفة ولا مُزَيـَّنة، وظل الوضع هكذا حتى جاء خلفاء بنى أمية، وخالفوا السنة بهذه المبالغة فى التزيين، والإنفاق على المساجد، وأجاز بعض الفقهاء ذلك حتى لا يقل شأن المساجد عن غيره من دور العبادة الأخرى؛ أى أن الأصل هو البساطة، وليس العكس.

أقول هذه المقدمة - الطويلة نسبياً - كمدخل أراه مناسباً لموضوع بناء الكنائس، وما يستصحبها دائماً من ضجيج، وجلبة، وصياح، وإصابات فى الأرواح، والمساكن، والعلاقات بين أهل البلد الواحد.

فأنا أرى أن الإسلام أحرص ما يكون على أن يقيم أهل الديانات الأخرى صلواتهم، وعباداتهم فى أماكن يجتمعون فيها آمنين مطمئنين ما دام ذلك فى إطار العبادة.
كما أن سلفنا الصالح قد فعلوا ذلك؛ فلم نسمع عن كنيسة هدمت، أو رهباناً شردوا.
وظل الأمر فى إطار واحد هو الاحتياج؛ فإن كثر أهل النصرانية فى مكان ظل مكان عبادتهم مصوناً محمياً من الدولة الإسلامية، ومن المسلمين أنفسهم، وإن انعدم هذا العدد بدخول أهل البلد فى الإسلام ما عاد هناك داعٍ لبقاء الكنيسة.
هكذا صار الأمر، واستقر الوضع؛ فبقى دير سانت كاترين كما هو، وبقيت كنيسة القيامة، وغيرهما شاهدين على عظمة هذا الدين، وعظمة أهله، ورفقهم بغير المسلمين فى مجتمع يسوده البر والقسط كما أمر الله بهما.

أما الآراء الشرعية التى قال بها بعض الفقهاء فى قديم الزمان فكانت اجتهاداً، لا نصاً.. اجتهاداً بنى على ظروف وعوامل بيئية، ومجتمعية، وظروف خارجية محيطة قد تضطهد المسلمين، وتمنع دعوة الله للوصول إلى الناس.
وهذه الفتاوى المبنية على الاجتهاد دون النص (القطعى الدلالة القطعى الثبوت) لا تلزم أحداً فى عصر غير العصر التى صدرت فيه، ولا بشراً غير البشر الذين عاشوا ظروفها. ويبقى دائما النص (قطعى الثبوت قطعى الدلالى) هو المنبع الصافى الذى نرجع إليه دائماً، نستشهد به، ونسير على دربه.

وأما تحريق البيوت بهذا الشكل الذى رأيناه على شاشات التليفزيون، فهو مما يخالف البر الذى أمرنا الله به، وعلمناه من فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع غير المسلمين فى المجتمع المسلم؛ فهو فعل يستحق صاحبه العقاب، بل والعقاب الشديد لأنه قد آذى أبرياء، واقتحم عليهم بيوتهم، ودورهم بشكل همجى لم نعلمه قط من مسلم صحيح الإسلام، ومؤمن صحيح الإيمان.
فأنا أحسب أن هذه الأفعال ما هى إلا أفعال غوغاء، يحركها التعصب لا الدين.. يحركها حب الذات لا حب الله.. يحركها الجهل لا العلم.. يحركها الكره لا الدعوة..

قد يسأل قارئ عن العلاقة بين المقدمة، وبين صلب الموضوع، والعنوان؛ ولكن من يدقق النظر فى الأمر، سيجد أن الحل ما هو إلا بقانون واحد لبناء دور العبادة يحكمه قاعدة واحدة فقط هى الحاجة.. حاجة المكان، وأهل المكان؛ فإن كان المكان غير محتاج لبناء مسجد فليمنع بناء المسجد؛ وإن المكان محتاجاً لبناء كنيسة فلتبنى الكنيسة.

ما المانع فى ذلك؟
هل يغضب أحداً أن يجد الآخر مكاناً يتعبد فيه بطريقته التى سيحاسبه الله فقط عليها؟

هذا ما أعتقده وأراه قابلاً للتنفيذ؛ ولكن كى لا يكون الكلام تحليقاً فى دنيا الأوهام، وبعيداً عن أرض الواقع فإن هناك بعض الأمور التى تحتاج إلى تحرير:

أولها: أن الدولة صارت خصماً للطرفين.. للمسلمين، وللمسيحيين على السواء؛ فالأولون يرون الدولة خاضعة لحرب عالمية على الإسلام، وعلى مناسكه، وشعائره، وأحكامه وتشريعاته، والآخرون يرون الدولة إسلامية تضطهد أبناء الكنيسة، وتحرمهم من الوظائف، ودور العبادة، وتسكت على ما يسمونه خطفاً لأبنائهم، وبناتهم.
لذا فالدولة بوضعها الحالى غير مؤتمنة على تطبيق هذا القانون الذى لا بد أن يسرى على الجميع، دون شك، ولا اتهام..
دولة قوية لا يحكمها إلا القانون؛ فلا يستطيع أن يغيرها تليفون من مسئول، ولا تقرير من جهاز أمنى موتور.
لذا فالمسلمون، والمسيحيون محتاجون إلى تغيير الوضع القائم الذى يهدم فكرة القانون من أساسها.. يهدم فكرة العدل، والمساواة.

ثانيها: أن الكنيسة صارت تتعامل على أن لها شعباً اسمه شعب الكنيسة، وصارت هذه الكلمة متداولة على صفحات الجرائد؛ رغم أن هذه الكلمة تهدم فكرة المواطنة التى ما فتأ المفكرون الأقباط، والعلمانيون فى الطنطنة بها، وحولها ليل نهار..
فأى مواطنة إذن وهناك شعب داخل شعب.. وشعب له قيادة يتعامل معها على أنها الكفيلة بحمايته، وطلب حقه من الدولة الأم.

ثالثها: أن شؤون الكنيسة لا بد أن تكون جزءاً من هذه الدولة المنشودة.. دولة القانون، والمساواة..
وبالتالى فشؤون الكنيسة لا بد أن تتابعها وزارة من وزارات الدولة، لا جهاز أمن الدولة؛ وبالتالى فهذه الوزارة تتولى متابعة ما يحدث داخل الكنيسة شأنها شأن المساجد التابعة لوزارة الأوقاف (أو وزارة شئون الأزهر كما نأمل فى الدولة المأمولة)..
تخضع هذه الوزارة، ووزيرها لرقابة مجلس الشعب شأنها شأن سائر الوزارات، ويُقوَّم الخلل فيها كما فى غيرها.. تخضع للجهاز المركزى للمحاسبات كما تخضع كافة أجهزة الدولة.. تعرف الميزانيات، والتبرعات من أين أتت؟ وفيم أنفقت؟
يحصل منتسبوها، ورجال الدين فيها على مرتباتهم من أوقاف هذه الكنيسة الخاضعة للدولة، ويخضعون لنفس الدرجات المالية التى يخضع لها زملاؤهم من المسلمين.
وبهذا تختفى الخرافات، والأساطير، والحكايات التى تروى عن الكنائس وما يحدث بداخلها، وما ينفق عليها.

رابعها: أن يعلم كل طرف من الطرفين أن التدين نعمة، لا نقمة.. وأن إبعاد الدين عن ساحة المسلمين هو خطر على المسيحيين؛ وأن إبعاد الدين عن حياة المسيحيين هو خطر على المسلمين؛ لأن الجهل حينها سيكون هو الحكم، وأن التعصب حينها سيكون هو الشرر الذى تنلدع منه نار الطائفية.

خامسها: أن تبتعد الكنيسة، والأزهر عن القيام بدور التابع فى الحياة السياسية؛ وذلك بمساندة طرف دون طرف، أو الوقوف مع حزب على حزب آخر.
ولتلعب وقتها المؤسستان دورهما ككيانين مستقلين يدفعان الأمة فيما اتفقت عليه من حفاظ على قيمها، وأخلاقها، والوقوف ضد أعدائها، وليبتعدا عن الحزبية الضيقة التى تستغلها الدولة الحالية فى إقصاء منافسيها.
ولكى أكون أكثر وضوحاً فإن ما فعله الأزهر، والكنيسة فى الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية الماضيتين أمر يثير الفرقة، ويثير الحساسية لدى الطرفين.

هذا ما أردت أن أقوله فى هذه الأزمة التى تكررت كثيراً، وستتكرر أكثر إذا ما لم تحرر مثل هذه الأمور التى تزيد الاحتقان، وتنفخ فى الرماد.
والله من وراء القصد..
والسلام

الاثنين، ٢١ مايو ٢٠٠٧

الكشف عن وثيقة خطيرة للإخوان - أركان الإيمان الستة

فى ضربة جديدة وجهها الصحفى الكبير (فى السن!) حمدى بيه رزق (وبيه هذه بحكم الوظيفة) من خلال مجلة "المصور" التى اعتادت كشف أسرار ووثائق جماعة الإخوان (المحظورة!) الوثيقة تلو الوثيقة..

كشفت المجلة - والتى يزيد عدد قرائها عن الخمسة قراء للعدد الواحد، وعن العشرة فى حالة الأعداد الخاصة بكشف الوثائق التى ينفرد بها دائما هذا الصحفى الكبير (فى السن!) - فى عددها الأخير عن وثيقة جديدة من وثائق الإخوان تحمل عنوان "جامعة الأزهر - كلية أصول الدين".

وتعد هذه الوثيقة هى الوثيقة الثانية التى تكشفها المجلة لقرائها (الذين يتجاوزون الخمسة، أو العشرة) بعد كشف "وثيقة التمكين" التى صدرت مذيلة بتوقيع النائب الثانى للمرشد (إى والله: توقيع بخط اليد!!!)، والتى علاها عنوان موقع الإخوان (ikhwanonline.com) رغم إنشاء الموقع بعد تاريخ الوثيقة بعشرة أعوام (نعم، بعشرة أعوام!!!!!!)، والتى كشفها الصحفى (ذو الشعر الأبيض) منذ أعوام قلائل، رغم اعتماد الجماعة لهذه الوثيقة منذ 15 عاماً على حد تاريخ الوثيقة..

والوثيقة الجديدة لجماعة الإخوان هى خطة اختراق جامعة الأزهر عامة، وكلية أصول الدين خاصة..

هذه الوثيقة - ويا لهول ما فيها - كشفت النقاب عن سر جديد من أسرار هذه الجماعة، وهو أن لديها أركاناً تسمى أركان الإيمان!!!!..
أينعم! أركان الإيمان!!!!
أقول: أركان الإيمان!!!!!

وقد تساءل الصحفى الكبير (فى السن!) عن ماهية أركان الإيمان تلك..
وهل هذه الأركان هى نفس أركان الإسلام، أم أنها أركان جديدة خاصة بالجماعة؟
وإن كانت هى نفس أركان الإسلام، فما هو الركن السادس؟ ولماذا سميت بأركان الإيمان؟
وهل الركن السادس هو الإيمان بالإخوان؟
أسئلة كثيرة طرحا الصحفى الكبير (فى السن!) على قارئى المجلة (الذين يتجاوزون الخمسة بقليل) فاضحاً جماعة الإخوان، وأهدافها الخفية، ومدى علاقتها بالدين الذى تدعى الإيمان به.

وأنا من هذا المنبر، وإيماناً بدورى فى المجتمع، وحرصاً على الحقيقة (ولا شىء غير الحقيقة) أطالب جماعة الإخوان بالكشف عن هذه الأركان فوراً، وأن تصدر الجماعة بياناً للأمة توضح فيه:
1- ما هى أركان الإيمان؟
2- ولماذا اختصت الجماعة أفرادها فى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بتعلم هذه الأركان؟
3- وما الفارق بينها وبين أركان الإسلام؟
4- وإن كانت هى نفس الأركان: فلماذا اختارت لها هذا الاسم؟
5- وفى هذه الحالة: فما هو الركن السادس؟

وأنا أحذر قيادة الجماعة من التعامل باستهتار مع هذه القضية الخطيرة التى تمس أصلاً من أصول الدين، وتمس أفرادها الذين اتهمتهم هذه الوثيقة بتعلم أركان الإيمان!!!!!!

كما أدعو أبناء الإخوان - المدونين منهم والمدونات، والقارئين منهم والقارئات، الشباب منهم والشابات - إلى التظاهر أمام مكتب الإرشاد لتبيان الحقيقة كاملة عن أركان الإيمان، ومحاسبة واضع هذه الوثيقة بعد الكشف عن اسمه..

كما أطالب الأزهر بأن يضطلع بدوره التاريخى فى فضح الإخوان، والتحذير من خطرهم؛ لإيمانهم بأركان الإيمان الستة، والتى تختلف بدورها عن أركان الإسلام الخمسة.. وأدعو شيخ الأزهر ورئيس جامعته (بعد أن يفرغ من القضاء على طلبة الإخوان فى الجامعة) ومفتى الديار المصرية إلى التصدى لهذه الفئة المؤمنة (بأركان الإيمان الستة) لما فيها من خطر عظيم على وحدة الأمة، والدين، والوطنية!!!!

وإنى إذ أحيى هذا الصحفى الكبير (فى السن!) على مجهوداته فى كشف وثائق هذه الجماعة تباعاً؛ فإنى أدعو إلى استحداث جائزة "هبل تيرز" للتميز الصحفى والتى تناظر جائزة "بوليترز" الأمريكية الشهيرة..
وأطالب بأن يكون أول الحاصلين عليها هو هذا الصحفى الكبير (فى السن!) على أن يمنح هذه الجائزة بوصفه: حامى حمى الإيمان، وكاشف البدع، والإخوان.

والله من وراء القصد..
والسلام

الأربعاء، ١٦ مايو ٢٠٠٧

حكايات من فسادستان (2) - مصر تنافس الهند

كانت حكايتى الأولى من حكايات فسادستان على لسان شريف سائق البيجو..
أما حكاية هذه التدوينة فعلى لسانى أنا شخصياً..
حكاية فسادستانية حدثت لى، وحصلت لمئات إن لم يكن لآلاف من الشباب المصرى خلال الخمس سنوات الماضية..
- تبدأ الحكاية بإعلان عن مشروع (قومى!!!) بين وزارة الاتصالات وبعض الشركات العالمية الكبرى فى مجال تقنية المعلومات (مايكروسوفت، وIBM، وغيرهما) لتدريب خمسة آلاف شاب مصرى على تقنية المعلومات فى مجالات متعددة (Web Development، والتجارة الإليكترونية، والشبكات، والبرمجة، وقواعد البيانات، وغيرها).
- كنت وقتها أعمل مهندساً فى وظيفة مكتبية لإحدى الشركات الناجحة متوسطة الحجم فى القاهرة، فتقدمت للإعلان بحثاً عن تغيير مجالى المهنى الذى لا أحتفظ معه بعلاقة جيدة، ولحبى النسبى للعمل فى مجال البرمجة أو تقنية المعلومات بصفة عامة.
- تقدمت بأوراقى، ودخلت الامتحان، وأعجبنى أن يتم الامتحان فى اللغة، والخلفية البسيطة عن الكمبيوتر، وامتحان الذكاء (IQ).
- اجتزت الامتحان وحصلت فيه على درجة جيدة أهلتنى للالتحاق بالرنامج، واخترت مجال الـ Web Development الذى تشرف عليه شركة IBM.
- لم أبلغ شركتى بهذه التطورات حتى أطمئن لجدية البرنامج، وأعلم الترتيبات الخاصة به، وإمكانية التوفيق بينه وبين عملى.
- تم الإعلان عن لقاء تجميعى للناجحين فى قاعة إحدى المدارس بمدينة نصر، وحضرت هذا اللقاء الذى تكلم فيه أحد المسئولين من وزارة الاتصالات عن البرنامج، وكان كلامه ساحراً بمعنى الكلمة!!
- تحدث هذا الرجل بسلاسة عن مصر، وفرصها السانحة والكبيرة فى مجال البرمجة، وعن العقول المصرية، وإمكانياتها الخلاقة، وعن بعض التجارب لبعض الشركات الأجنبية الكبرى فى مجال تقنية المعلومات مع المبرمجين المصريين وعن اندهاش هذه الشركات من مستوى الأداء الذى قدمه المصريون مما جعلها ترفع عدد العاملين فى مكتبها فى القاهرة من 4 إلى 10، وهى فى طريقها لزيادتهم إلى 50 فرداً.
- وتحدث الرجل أيضاً عن أننا سوق واعد فى هذا المجال، وأننا الوحيدون المؤهلون لمنافسة الهند - التى كانت وقتها تصدر برامج بما يعادل 6 مليارات دولار تقريباً. فعلى حد قول الرجل: نحن لدينا العقول، ولدينا الرغبة والجدية الحكومية للاستمرار فى هذا المجال غير المكلف استثمارياً.
- عشت مع الرجل بكل حواسى - رغم عدم ثقتى فى أى مسئول حكومى؛ لكن حماسة الرجل، ومنطقيته فى الحديث أغرقانى فى الأوهام، والأحلام.
- رجعت من اللقاء التجميعى، وقد اتخذت قرارى بترك عملى رغم أنى قد حصلت عليه بعد عناء استمر عامين فى التنقل من عمل إلى آخر ما بين مهندس للمبيعات تارة، وبين مهندس تشغيل فى أحد المصانع الحربية تارة أخرى. وقد تركت العملين لضآلة المرتب، ولعدم قناعتى بعملى كمهندس للمبيعات، أو بالعمل فى مصنع حربى أضع فيه يدى على خدى طوال اليوم دون عمل، ودون تطور، وأحصل فى النهاية على 340 جنيهاً لا غير.. أصرفها كلها تقريباً فى المواصلات.
- كان قراراً قاسياً على نفسى، وعلى مستقبلى؛ ولكنى كنت على قناعة أن الطموحات لا تتحقق إلا بالمخاطرة.
- أبلغت صاحب العمل - الذى أكن له تقديراً شديداً - بقرارى، وطلب منى شاكراً أن أعمل معهم بالوقت (part time)، ووافقت.
- كنت قد اخترت مكاناً قريباً لسكنى؛ ولكنى فوجئت بوضعى فى أحد المراكز فى شبرا وتحديداً المظلات، وعلمت بعد ذلك أن أخطاء قد حصلت فى التوزيع، وأن التوزيع يتم حسب الترتيب فى نتيجة الامتحان؛ ولذا فمن حقى أن أتظلم من هذا الاختيار، وأن أغيره؛ ولكن بعد أن ذهبت إلى المركز التدريبى ارتحت نفسياً للمكان؛ فآثرت البقاء به.
- هنا بدأت المفاجآت تتوالى.. فقد فوجئت أن دور IBM فى الأمر إشرافى فقط؛ فليس لهم أى دور فى اختيار المدرسين (instructors).
- والمفاجأة الأخرى أن زملائى الذين قاربوا على الثلاثين متدرباً ليس بينهم إلا مهندسة واحدة؛ أما الباقون فعلاقتهم بالبرمجة، وتقنية المعلومات تقتصر على الشات، وكتابة الإيميلات، وهنا شعرت أن الأمر يسير فى الطريق الخطأ.
- والثالثة أن البرنامج التدريبى يشتمل على كل شىء تقريباً له علاقة بالكمبيوتر!!!، فالبرنامج يحتوى على الماود التدريبية التالية:
- مقدمة نظرية عن أنظمة التشغيل (operating system).
- البرامج المكتبية (الأوفيس).
- الكتابة باستخدام الـ HTML.
- مقدمة عن البرمجة (لغة C).
- الشبكات (Network).
- إدارة الشبكات (Windows 2000 Server) .
- لغات برمجة الويب التالية:
- Java Script.
- VB Script.
- Java.
- Perl.
- PHP.
- ASP.
- الكتابة الفنية بالإنجليزية (Technical Writing).
- إدارة المشروعات (Project Management).
- التسويق (Marketing).
- التجارة الإليكترونية (E-Commerce).
- كان هذا جنوناً بمعنى الكلمة أن ندرس كل هذه الأشياء فى 6 أشهر.. نعم فى ستة أشهر فقط.. ثلاثون كتاباً مطلوب منك أن تحصلهم فى هذه المدة الزمنية القصيرة، ورغم ذلك أقنعونا أن هذا هو ما يحدث فى الغرب، والدول المتقدمة!!! وأن طريقة تعليمنا فقط هى السبب فى عد تأقلمنا على هذا الوضع.
- قررت حينئذ عدم الذهاب لعملى السابق حتى بالوقت لكى أستطيع التفرغ لهذا البرنامج، رغم احتياجى المادى فى هذا الوقت.
- زاد من الوضع سوءاً أن معظم المدرسين كانت قدراتهم متواضعة إلا القليل منهم الذى قد نستفيد منه وقت الشرح؛ لكنه ولظروف وقت البرنامج المضغوط لا يستطيع أن يتواصل معنا.
- كانت علاقة زملائنا غير المهندسين بالبرمجة كعلاقتى بالطب تماماً؛ لذا فقد كان هناك فاقد كبير من الوقت فى شرح ما هو بدهى، وأساس فى هذا المجال.
- اكتشفت بعد فترة ليست طويلة أن الأمر لم يكن إلا صفقة تجارية غُرر بنا فيها.
- حتى الشهادات التى حصلنا عليها (CIW) أصبحت امتحاناتها محفوظة، ومكررة؛ حتى أنى أخذت من زملائى مجموعة من الأسئلة فى الامتحان الثانى لم تتجاوز الستين سؤالاً، جاء منها كل أسئلة الامتحان نصاً دون تغيير حرف واحد فى صيغة أى سؤال.
- أما المهزلة الكبرى فكانت فيما يسمى بمشروع التخرج.. فقد أخذنا الأمر بحماسة - لا نملك ترف التنازل عنها - أملاً فى تبنى الوزارة لأحد مشروعاتنا، وتطويرها كما قيل لنا، وبذل كل منا جهداً فى إطار الإمكانيات الفنية، والعلمية التى أتيحت لنا؛ وكانت الكارثة يوم عرض المشاريع..
- كان المُحكمون من غير ذوى المعرفة بالمجال الذى تدربنا فيه، فكانت تعليقاتهم من قبيل "البتاع ده شكله حلو"، أو "ده كان ممكن يبقى أحسن من كده"، أو "ده مالوش لازمة".
- وهنا تبخر آخر أمل.
- على هامش الستة أشهر كانت هناك بعض المحاولات من بعض الزملاء لتصعيد الأمر ضد إدارة المركز، وبالفعل تقدموا بشكوى للوزارة، ولشركة IBM؛ ولكنى كنت قد أدركت أن الأمر أكبر من ذلك، فقد ذهبوا بالشكوى للفاعل الرئيس الذى تسبب فى كل هذه المهازل، وما عدا ذلك من مشاكل فهى فروع من أصل.
- أنهينا فترة التدريب، وبقيت على اتصال ببعض الزملاء، وتأكدت منهم أن أياً من الدارسين لم يعمل فى مجال تقنية المعلومات أبداً؛ فمن كان محاسباً بقى محاسباً، ومن كان عاطلاً بقى عاطلاً، ومن كان مهندساً مثلى عاد مرة أخرى للبحث عن العمل فى مجاله الأصلى.
- كانت فترة عصيبة جداً تنم عن مدى التخلف، واللا تخطيط الذى نرسف فيه، ما دامت هذه العقول تدير هذا البلد.. عقول خربة لا يشغلها إلا تحقيق المكاسب المادية المباشرة، والعملات، والصفقات.
- لم يُحاسب أحد على هذه الأموال المهدرة، وعلى هذه الطاقات التى استهلكت دون تخطيط، ولا ترتيب..
- ومن الأمور المضحكة أن الوزارة كانت قد قررت لكل متدرب 300 جنيه شهرياً، عندما ذهبنا لصرفها فوجئنا أنها 240 جنيهاً فقط، لماذا؟ لأنهم خصموا ستين جنيهاً لحساب الضرائب!! ماذا؟ ضرائب.. إى والله .. ضرائب!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- كتبت كلاماً شبيهاً لما فى هذه التدوينة - للأسف لم أحتفظ به، وأرسلته للأستاذ/ جمال غطاس مدير صفحة تقنية المعلومات فى الأهرام، ورئيس تحرير مجلة لغة العصر لاحقاً.. أخبره فيه عم حدث، وممنياً نفسى أن يثار هذا الموضوع حتى يعاد النظر فيه..
- حدثته عن:
- العدد الكبير الذى تم اختياره دون أى تخطيط، أو ترتيب.
- نوعية الأفراد المختارين للتدريب.
- إهمال الوزارة.
- استهتار شركة IBM فى التعامل مع الأمر.
- عدم جاهزية السوق المصرى لاستيعاب هذا العدد الكبير من العاملين فى هذا المجال.
- فوجئت بعدها بأسبوعين بمقال للأستاذ/ جمال عن عظمة المشروع، وعن التطور الكبير الذى ستشهده مصر، وعن مدى الإنجاز الذى حققته الوزارة، وعن، وعن، وفى نفس الوقت تحدث عن المغرضين، والمشككين، و...
- كان مقاله أشبه بأغنية من أغانى النفاق الأزلى الذى تتمتع به مصر.
أظن أن ما حدث لا يحتاج تعليقاً..
إخوانى.. أخواتى
فى النهاية بقيتت الهند هنداً، وبقيت مصر ........ مصراً!!!!!

الثلاثاء، ١٥ مايو ٢٠٠٧

القضاء على القضاء = القضاء على الدولة


ما حدث فى المحكمة الإدارية العليا يوم الاثنين الماضى يسير بنا فى طريق الانهيار النهائى لمصر التى كانت تحتفظ بقدر يسير من مكونات ما يطلق عليه لفظ "الدولة" فى هذه المنطقة من العالم.

كان لدينا قضاء نتباهى به، وإليه نلجأ حين تظلمنا السلطة التنفيذية الغاشمة..

كنا نتباهى بأن لدينا قضاء يجبر رأس الدولة إلى اللجوء للقضاء الاستثنائى؛ لأنه لا يستطيع السيطرة على القضاء الطبيعى..

نعم، أقولها وبكل حسرة: كنا.. كنا!!!
نعم، ما زال لدينا قضاة شرفاء، ما زال لدينا الخضيرى، والبسطويسى، ومكى، والحسينى، وغيرهم، وغيرهم..

ولكن لم يعد لدينا قضاء بالشكل الذى كان..

ولنقرأ هذه العناوين الصغيرة من الصحف لنعرف ما وصل إليه قضاؤنا الذى كان.


- رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى هو رئيس نادى السيارات.

- وزير العدل يستخدم أصبعه بصورة غير مهذبة داخل مجلس الشعب.

- وزير العدل، ورئيس المحكمة الدستورية العليا السابق يرفض تنفيذ أحكام القضاء الإدارى.

- النائب العام الحالى كان عضواً سابقاً بمجلس إدارة النادى الأهلى.

- النائب العام السابق واللاحق لم يحققا فى أى قضية ضد الحكومة، وضد التعذيب، وضد التزوير حتى ولو من باب ذر الرماد فى العيون.

- قاضى النقض فى دائرة دمنهور يقول أن الانتخابات لم تزور، رغم إقراره بأن أكثر من ثمانين بالمائة من استمارات فرز اللجان الفرعية غير موقعة من القضاة الذين ترأسوها أى أنها قد بدلت من قبل وزارة الداخلية.

- الدائرة القضائية التى حكمت بتأييد الحجز على أموال الإخوان المحالين للمحكمة العسكرية هى نفس الدائرة بأعضائها التى حكمت على سعد الدين إبراهيم، وعلى صحفييى الشعب، وعلى صحفييى المصرى اليوم، وعلى أيمن نور (طبعاً مصادفة عجيبة جداً!!!!)، وعضو اليمين فى الدائرة هو الذى قام - بحسب قائمة نقابة المحامين - بتزوير انتخابات دائرتى كرداسة، والمنصورة.

- لأول مرة فى تاريخ المحكمة الإدارية العليا يتم الحكم فى طعن على حكم من القضاء الإدارى خلال أسبوع واحد.

- كل أعضاء دائرة المحكمة الإدارية العليا التى خصصت لإلغاء طعن محكمة القضاء الإدارى موظفون لدى وزارت حكومية.

- إحدى القاضيات الجدد اللاتى تم تعيينهن فى سلك القضاء حصلت على ليسانس الحقوق فى أكثر من عشر سنوات؛ ولكن لأنها بنت أحد مستشارى الحكومة فقد تم تعيينها قاضية!!!!!

ترى ماذا بقى للقضاء بعد ذلك؟!!

وترى: ماذا بقى للدولة التى انهارت سلطتها التشريعية الحقيقية منذ ثورة يوليو، وانهارت سلطتها التنفيذية؟!!.

ترى: ماذا بقى إذن لهذه الدولة من دعائم؟!!

هل بقيت لها العصا؟!!

أم بقيت لها السجون؟!!

إخوانى.. أخواتى

إن وطننا الذى أحببناه ينهار، وتتقوض دعائمه؛ فهل بقى لنا من حجة نخفى بها تخاذلنا؟

طريقنا طويل؛ ولكن لابد أن نسير فيه، ونصبر عليه، ونعيش له.


إخوانى.. أخواتى

هذه بلدكم، فلا تتأخروا فى إنقاذها.