الأربعاء، ١٦ مايو ٢٠٠٧

حكايات من فسادستان (2) - مصر تنافس الهند

كانت حكايتى الأولى من حكايات فسادستان على لسان شريف سائق البيجو..
أما حكاية هذه التدوينة فعلى لسانى أنا شخصياً..
حكاية فسادستانية حدثت لى، وحصلت لمئات إن لم يكن لآلاف من الشباب المصرى خلال الخمس سنوات الماضية..
- تبدأ الحكاية بإعلان عن مشروع (قومى!!!) بين وزارة الاتصالات وبعض الشركات العالمية الكبرى فى مجال تقنية المعلومات (مايكروسوفت، وIBM، وغيرهما) لتدريب خمسة آلاف شاب مصرى على تقنية المعلومات فى مجالات متعددة (Web Development، والتجارة الإليكترونية، والشبكات، والبرمجة، وقواعد البيانات، وغيرها).
- كنت وقتها أعمل مهندساً فى وظيفة مكتبية لإحدى الشركات الناجحة متوسطة الحجم فى القاهرة، فتقدمت للإعلان بحثاً عن تغيير مجالى المهنى الذى لا أحتفظ معه بعلاقة جيدة، ولحبى النسبى للعمل فى مجال البرمجة أو تقنية المعلومات بصفة عامة.
- تقدمت بأوراقى، ودخلت الامتحان، وأعجبنى أن يتم الامتحان فى اللغة، والخلفية البسيطة عن الكمبيوتر، وامتحان الذكاء (IQ).
- اجتزت الامتحان وحصلت فيه على درجة جيدة أهلتنى للالتحاق بالرنامج، واخترت مجال الـ Web Development الذى تشرف عليه شركة IBM.
- لم أبلغ شركتى بهذه التطورات حتى أطمئن لجدية البرنامج، وأعلم الترتيبات الخاصة به، وإمكانية التوفيق بينه وبين عملى.
- تم الإعلان عن لقاء تجميعى للناجحين فى قاعة إحدى المدارس بمدينة نصر، وحضرت هذا اللقاء الذى تكلم فيه أحد المسئولين من وزارة الاتصالات عن البرنامج، وكان كلامه ساحراً بمعنى الكلمة!!
- تحدث هذا الرجل بسلاسة عن مصر، وفرصها السانحة والكبيرة فى مجال البرمجة، وعن العقول المصرية، وإمكانياتها الخلاقة، وعن بعض التجارب لبعض الشركات الأجنبية الكبرى فى مجال تقنية المعلومات مع المبرمجين المصريين وعن اندهاش هذه الشركات من مستوى الأداء الذى قدمه المصريون مما جعلها ترفع عدد العاملين فى مكتبها فى القاهرة من 4 إلى 10، وهى فى طريقها لزيادتهم إلى 50 فرداً.
- وتحدث الرجل أيضاً عن أننا سوق واعد فى هذا المجال، وأننا الوحيدون المؤهلون لمنافسة الهند - التى كانت وقتها تصدر برامج بما يعادل 6 مليارات دولار تقريباً. فعلى حد قول الرجل: نحن لدينا العقول، ولدينا الرغبة والجدية الحكومية للاستمرار فى هذا المجال غير المكلف استثمارياً.
- عشت مع الرجل بكل حواسى - رغم عدم ثقتى فى أى مسئول حكومى؛ لكن حماسة الرجل، ومنطقيته فى الحديث أغرقانى فى الأوهام، والأحلام.
- رجعت من اللقاء التجميعى، وقد اتخذت قرارى بترك عملى رغم أنى قد حصلت عليه بعد عناء استمر عامين فى التنقل من عمل إلى آخر ما بين مهندس للمبيعات تارة، وبين مهندس تشغيل فى أحد المصانع الحربية تارة أخرى. وقد تركت العملين لضآلة المرتب، ولعدم قناعتى بعملى كمهندس للمبيعات، أو بالعمل فى مصنع حربى أضع فيه يدى على خدى طوال اليوم دون عمل، ودون تطور، وأحصل فى النهاية على 340 جنيهاً لا غير.. أصرفها كلها تقريباً فى المواصلات.
- كان قراراً قاسياً على نفسى، وعلى مستقبلى؛ ولكنى كنت على قناعة أن الطموحات لا تتحقق إلا بالمخاطرة.
- أبلغت صاحب العمل - الذى أكن له تقديراً شديداً - بقرارى، وطلب منى شاكراً أن أعمل معهم بالوقت (part time)، ووافقت.
- كنت قد اخترت مكاناً قريباً لسكنى؛ ولكنى فوجئت بوضعى فى أحد المراكز فى شبرا وتحديداً المظلات، وعلمت بعد ذلك أن أخطاء قد حصلت فى التوزيع، وأن التوزيع يتم حسب الترتيب فى نتيجة الامتحان؛ ولذا فمن حقى أن أتظلم من هذا الاختيار، وأن أغيره؛ ولكن بعد أن ذهبت إلى المركز التدريبى ارتحت نفسياً للمكان؛ فآثرت البقاء به.
- هنا بدأت المفاجآت تتوالى.. فقد فوجئت أن دور IBM فى الأمر إشرافى فقط؛ فليس لهم أى دور فى اختيار المدرسين (instructors).
- والمفاجأة الأخرى أن زملائى الذين قاربوا على الثلاثين متدرباً ليس بينهم إلا مهندسة واحدة؛ أما الباقون فعلاقتهم بالبرمجة، وتقنية المعلومات تقتصر على الشات، وكتابة الإيميلات، وهنا شعرت أن الأمر يسير فى الطريق الخطأ.
- والثالثة أن البرنامج التدريبى يشتمل على كل شىء تقريباً له علاقة بالكمبيوتر!!!، فالبرنامج يحتوى على الماود التدريبية التالية:
- مقدمة نظرية عن أنظمة التشغيل (operating system).
- البرامج المكتبية (الأوفيس).
- الكتابة باستخدام الـ HTML.
- مقدمة عن البرمجة (لغة C).
- الشبكات (Network).
- إدارة الشبكات (Windows 2000 Server) .
- لغات برمجة الويب التالية:
- Java Script.
- VB Script.
- Java.
- Perl.
- PHP.
- ASP.
- الكتابة الفنية بالإنجليزية (Technical Writing).
- إدارة المشروعات (Project Management).
- التسويق (Marketing).
- التجارة الإليكترونية (E-Commerce).
- كان هذا جنوناً بمعنى الكلمة أن ندرس كل هذه الأشياء فى 6 أشهر.. نعم فى ستة أشهر فقط.. ثلاثون كتاباً مطلوب منك أن تحصلهم فى هذه المدة الزمنية القصيرة، ورغم ذلك أقنعونا أن هذا هو ما يحدث فى الغرب، والدول المتقدمة!!! وأن طريقة تعليمنا فقط هى السبب فى عد تأقلمنا على هذا الوضع.
- قررت حينئذ عدم الذهاب لعملى السابق حتى بالوقت لكى أستطيع التفرغ لهذا البرنامج، رغم احتياجى المادى فى هذا الوقت.
- زاد من الوضع سوءاً أن معظم المدرسين كانت قدراتهم متواضعة إلا القليل منهم الذى قد نستفيد منه وقت الشرح؛ لكنه ولظروف وقت البرنامج المضغوط لا يستطيع أن يتواصل معنا.
- كانت علاقة زملائنا غير المهندسين بالبرمجة كعلاقتى بالطب تماماً؛ لذا فقد كان هناك فاقد كبير من الوقت فى شرح ما هو بدهى، وأساس فى هذا المجال.
- اكتشفت بعد فترة ليست طويلة أن الأمر لم يكن إلا صفقة تجارية غُرر بنا فيها.
- حتى الشهادات التى حصلنا عليها (CIW) أصبحت امتحاناتها محفوظة، ومكررة؛ حتى أنى أخذت من زملائى مجموعة من الأسئلة فى الامتحان الثانى لم تتجاوز الستين سؤالاً، جاء منها كل أسئلة الامتحان نصاً دون تغيير حرف واحد فى صيغة أى سؤال.
- أما المهزلة الكبرى فكانت فيما يسمى بمشروع التخرج.. فقد أخذنا الأمر بحماسة - لا نملك ترف التنازل عنها - أملاً فى تبنى الوزارة لأحد مشروعاتنا، وتطويرها كما قيل لنا، وبذل كل منا جهداً فى إطار الإمكانيات الفنية، والعلمية التى أتيحت لنا؛ وكانت الكارثة يوم عرض المشاريع..
- كان المُحكمون من غير ذوى المعرفة بالمجال الذى تدربنا فيه، فكانت تعليقاتهم من قبيل "البتاع ده شكله حلو"، أو "ده كان ممكن يبقى أحسن من كده"، أو "ده مالوش لازمة".
- وهنا تبخر آخر أمل.
- على هامش الستة أشهر كانت هناك بعض المحاولات من بعض الزملاء لتصعيد الأمر ضد إدارة المركز، وبالفعل تقدموا بشكوى للوزارة، ولشركة IBM؛ ولكنى كنت قد أدركت أن الأمر أكبر من ذلك، فقد ذهبوا بالشكوى للفاعل الرئيس الذى تسبب فى كل هذه المهازل، وما عدا ذلك من مشاكل فهى فروع من أصل.
- أنهينا فترة التدريب، وبقيت على اتصال ببعض الزملاء، وتأكدت منهم أن أياً من الدارسين لم يعمل فى مجال تقنية المعلومات أبداً؛ فمن كان محاسباً بقى محاسباً، ومن كان عاطلاً بقى عاطلاً، ومن كان مهندساً مثلى عاد مرة أخرى للبحث عن العمل فى مجاله الأصلى.
- كانت فترة عصيبة جداً تنم عن مدى التخلف، واللا تخطيط الذى نرسف فيه، ما دامت هذه العقول تدير هذا البلد.. عقول خربة لا يشغلها إلا تحقيق المكاسب المادية المباشرة، والعملات، والصفقات.
- لم يُحاسب أحد على هذه الأموال المهدرة، وعلى هذه الطاقات التى استهلكت دون تخطيط، ولا ترتيب..
- ومن الأمور المضحكة أن الوزارة كانت قد قررت لكل متدرب 300 جنيه شهرياً، عندما ذهبنا لصرفها فوجئنا أنها 240 جنيهاً فقط، لماذا؟ لأنهم خصموا ستين جنيهاً لحساب الضرائب!! ماذا؟ ضرائب.. إى والله .. ضرائب!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- كتبت كلاماً شبيهاً لما فى هذه التدوينة - للأسف لم أحتفظ به، وأرسلته للأستاذ/ جمال غطاس مدير صفحة تقنية المعلومات فى الأهرام، ورئيس تحرير مجلة لغة العصر لاحقاً.. أخبره فيه عم حدث، وممنياً نفسى أن يثار هذا الموضوع حتى يعاد النظر فيه..
- حدثته عن:
- العدد الكبير الذى تم اختياره دون أى تخطيط، أو ترتيب.
- نوعية الأفراد المختارين للتدريب.
- إهمال الوزارة.
- استهتار شركة IBM فى التعامل مع الأمر.
- عدم جاهزية السوق المصرى لاستيعاب هذا العدد الكبير من العاملين فى هذا المجال.
- فوجئت بعدها بأسبوعين بمقال للأستاذ/ جمال عن عظمة المشروع، وعن التطور الكبير الذى ستشهده مصر، وعن مدى الإنجاز الذى حققته الوزارة، وعن، وعن، وفى نفس الوقت تحدث عن المغرضين، والمشككين، و...
- كان مقاله أشبه بأغنية من أغانى النفاق الأزلى الذى تتمتع به مصر.
أظن أن ما حدث لا يحتاج تعليقاً..
إخوانى.. أخواتى
فى النهاية بقيتت الهند هنداً، وبقيت مصر ........ مصراً!!!!!

هناك تعليقان (٢):

  1. الفساد , الفساد , الفساد
    شعار الحزب الوطنى الديمقراطى
    وشعار النظام
    وشعار مواطنى النظام
    وربنا يخلصنا , ويحمينا

    ردحذف
  2. اخى محمد احنا فعلا فى نصب ستان وسرق ستان ونافق استان ومحدش بيفكر فى مصلحة البلد دى لان محدش بيتقى الله الا القليل اللهم اجعلنا من القليل وان شاء الله على ضحالة اللى حصلته فى هذه الدروره تنجح ولا تستسلم للفشل والبلد دى بلادنا

    ردحذف