الأحد، ٣٠ أغسطس ٢٠٠٩

لماذا نغترب؟

msafer الأصل فى الإنسان أن يحب وطنه (المكان والإنسان)، وأن يسعى للبقاء فيه.. اطمئناناً وأنساً، وأن يجاهد لرفعته وإعلاء شأنه..

ورغم ذلك فإن ملايين البشر يغتربون، ويتركون أوطانهم.. فمنهم المهاجر الذى لا ينوى العودة، ومنهم المسافر الذى يتشوق للرجوع، وما بين هذا وذاك تصانيف أخرى، ونوايا عديدة..

قد نغترب سعياً وراء الرزق – وهذا أكثره، وقد نغترب أملاً فى حياة أفضل، وقد نغترب هروباً من واقع أو تغييراً له، وقد نغترب بحثاً عن مجهول لا نعلمه أو سعادة لا نعرف كنهها.

وما أعلمه أن المصريين من أكثر شعوب الأرض ارتباطاً بوطنهم، وقد تكون هذه طبيعة البلدان الزراعية التى يرتبط أهلها بأرضهم، وزرعههم، ومياههم..

ورغم ذلك فإن المصريين هم أيضاً من أكثر شعوب الأرض اغتراباً، وترحالاً.. فأعداد مغتربيهم بالملايين شرقاً وغرباً..

إذن.. لماذا؟!

لماذا نغترب؟

ولأن مراكزنا البحثية لاهية، ولأن الإحصاءات فى بلادنا ترف؛ فإنك لا تعرف لسؤالك إجابة شافية، ولا تعرف للإجابات أسباباً كافية..

فلا أستطيع أن أجيب أنا نيابة عن ملايين المغتربين، ولكنى قد أحاول الإجابة عن نفسى، ولنفسى!

فقد التقيت شاباً مغترباً، سبقنى إلى الغربة منذ ثلاث سنوات، وسألنى السؤال ولكن بطريقة مختلفة.

فبعد أن سألنى عن أحوال البلد، وما يموج فيها.. عن ناسها، وأرضها، وحالها.. وبعد أن أجبته الإجابة التى يسمعها من كل مغترب جديد بازدياد الأمور سوءاً فى البشر كما فى الحجر، وفى الحال كما فى المآل، وفى النفوس كما فى العقول، وفى العدل كما فى الحقوق..

سألنى حينها مستنكراً أو مستفهماً: أليست غربتنا هروباً؟ وإن سافرنا نحن، وسافر غيرنا، فمن ينقذ هذا البلد، ومن يأخذ بيده ليرفعه من عثرته، بل كسرته؟!

أجبته الإجابات المعتادة، والتى كررها معى، ليؤكد لنفسه أنه مجبر، وأن السبل سدت فى طريقه، وأن الأمور لم تكن لتحتمل المزيد، و…..

وتركت لنفسى ما يخصنى من الإجابة..

فهل فعلاً هربت؟

وهل اخترت حظ النفس؟

لا أملك لذلك إجابة قاطعة، ولكنى أملك مجموعة من الظروف قد تساعد فى الحصول على إجابة سؤال: لماذا اغتربت؟

فأنا أزعم أنى لم أكن أملك خياراً آخر، فاخترت غربة، وتركت وطناً؛ لأنى قد وضعت نفسى (بأخطائى) فى زاوية مهنية لم تعطِ لى من الخيارات الكثير، بل صرت بهذه الأخطاء أسيراً لقرارات غيرى، وتبعاً لإرادات من ساقهم الله إلىّ رحمة بى..

كما أقر بأنى قد فشلت فى تغيير ما كنت أود تغييره، وأنى قد أصبت بنكسة فى الطريق الذى اخترته لتغيير الواقع الذى نحياه؛ فقد حاولت مراراً وتكراراً، وفشلت.. نعم فشلت.

فلقد صدمنى من لم أنتظر منهم الصدمات، وأصابنى من أمنت جانبهم، وكسرنى من اتكأت عليهم..

فعندما يلهو من يزعمون إرادة التغيير..

ويقسو من تنتظر منهم الرحمة..

ويغفل من تركن إليهم الأمة..

ويجهل من يحملون القناديل..

فلا بد أن تتوقف قليلاً، وأن تتريث فى مشيك، بل وأن تبتعد فترة لتقيم ما كان، وترتب لما سيكون..Pure_Heart

لا بد حينها أن تنظر فى مرآة نفسك، كما تفحصت مرآة غيرك..

كما لا بد أن تراجع الطريق (الذى لا تظن طريقاً غيره) لتتعرف على عثراته فتتجنبها، ولتشققاته فتنظر فى أسبابها..

فترة بحث عن وسيلة جديدة لذات الهدف، وعن مسار جديد لنفس الطريق يتجنب زلل ما كان، ويأمل فى صواب ما يكون..

كما أنى لى فيها أيضاً مآرب أخرى..

كانت هذه إجابتى لنفسى..

فهل يا ترى عرفت (أنا) لماذا اغتربت؟

إخوانى.. أخواتى

لم تكن هذه التدوينة زفرة ضاقت بها نفسى، فأردت إخراجها إلى الفضاء، ولكنها كانت سعياً صادقاً للحث على الإجابة عن أسئلة حياتنا الكبرى.

فكما يسأل المغتربون أنفسهم: لماذا نغترب؟

فلا بد أن يسأل المقيمون أنفسهم أيضاً: لماذا نقيم؟

الخميس، ٢٧ أغسطس ٢٠٠٩

أن تعيش وحيداً فى رمضان

من نفحات الله على عباده شهر رمضان.. شهر القرآن.. والتوبة إلى الله..

وهو الوقفة السنوية التى يحتاج إليها المسلمون (أمة وأفراداً) ليراجعوا فيها أنفسهم، وأحوالهم، ومدى قربهم من خالقهم، والتزامهم بتعاليمه، والاقتداء بنبيه فى الأقوال، والأفعال..

كما أنه شهر تجديد الإيمان، والعتق من النار..

وقد أتانى رمضان هذا العام – ولأول مرة فى حياتى – وأنا وحيد.. مفتقد لأهلى، وأحبائى.. بعيد عن أرضى، وناسى..

أتانى رمضان لهذا العام، وأنا فى غربة لم أعتدها.. غربة رفقة، وغربة مكان..

وقد يكون هذا الجو مثالياً لشهر العبادة.. شهر القرآن..

ففى مثل هذه الوحدة تتخفف من العوائق، وتتخلص من المشاكل، وتتجنب كثرة القيل، والقال، وكثرة السؤال..

وفى مثل هذه الغربة يتوفر الوقت، وتتوافر الراحة؛ ويستريح البدن؛ فيصفو القلب، وتسمو الروح، ويروق العقل..

ولمثل هذه الفرصة، تكثر من تلاوة القرآن، وتسرع الخطى إلى المساجد، وتسبق إلى الصف الأول، وتمكث إلى طلوع الشمس، وترطب لسانك بذكر الله.

حلم جميل قد يرد بخاطر كل واحد منكم أن تأتيه تلك الفرصة التى واتتنى فى هذا الشهر الكريم..

حلم جميل أن تفرغ للعبادة، وأن تقترب من الطاعة، وأن تبتعد عن المعاصى..

ولكن..

يرد الخاطر، وتـُستدعى الأحداث..

  • ألمثل هذا خلقنا الله؟!

  • علام نـُحاسَب إن عشنا منفردين؟!

  • ومتى نجاهد إن صرنا منعزلين؟!

  • وهل ننجو بأنفسنا؛ ولتغرق الأمة؟!

إخوانى.. أخواتى

يا من تكابدون، وتصبرون على أذى الناس؛ فتأسى على الأذى نفوسكم..

ويا من تكدون فى أعمالكم، وتسعون على أرزاقكم؛ فتعودون منهكين متعبين..

ويا من تصلون أهلكم وإن قاطعوكم؛ فتتألم لذلك قلوبكم..

ويا من تسهرون لمصالح الناس؛ فلا تـُشكرون..

ويا من تربون أبناءكم؛ وتقومونهم، فتنجحون تارة، وتخفقون أخرى..

ويا من تعايشون أزواجكم؛ فتفرحون، وتغضبون..

ويا من ...........

إلى كل هؤلاء:

هنيئاً لكم، وإن قـَلـَّت عباداتكم الظاهرة..

بشراكم؛ فهذه هى الحياة التى أرادها الله لنا..

أغبطكم.. وأدعو الله أن تعود إلىّ الحياة مرة أخرى..