الاثنين، ١٤ مارس ٢٠١١

الشعب يريد إسقاط الوصاية

ظل الشعب المصري مبتلى دائماً بمن يعطون لأنفسهم حق الوصاية عليه..

حدث هذا بعد ثورة 1919م من الوفديين الذين أعطوا لأنفسهم حق الوصاية على شعب طلب الاستقلال التام مقابل الموت الزؤام؛ فتفاوضوا نيابة عنه على ديمقراطية شكلية مقابل بقاء الاحتلال.

وتكرر هذا مع الضباط الأحرار الذين حملهم الشعب على أعناقه بعد تفكيكهم لقلاع الملكية الفاسدة البغيضة؛ ففرضوا الوصاية عليه، وسمحوا لأنفسهم باختيار مسار الحياة الذي حددوه للمصريين، كما سمحوا لأنفسهم بأن يقسموا المصريين بين موال للثورة له الحق في الحياة، وبين عدو لها ليس له حق في استنشاق هوائها.

وكامتداد لثورة يوليو، استمرت الوصاية؛ ففرض كل رئيس على المصريين أن يعيشوا بالطريقة التي يحددها هو حال حياته، وأن يحدد لهم من يحكمهم بعد مماته.

وكما كانت هناك وصاية من العسكر أو من السياسيين، كانت وصاية المثقفين والإعلاميين القريبين من السلطة أكبر؛ فهم وإن كانوا لا يمسكون بزمام السلطة إلا أنهم يمسكون بالقلم، فهم – كما يظنون – درة العقد، ورمز العلم، والأدب؛ فقد قرؤوا ما لم يقرءه الشعب، وفهموا ما لم يفهمه العامة، وتواصلوا مع المدنية الحديثة؛ فباتوا بما يقرؤون ويكتبون ويفهمون أولى بالوصاية على شعب جاهل – من وجهة نظرهم – حتى ولوا نال كثير من أبنائه درجات علمية.

وكانت حجة جميع الأوصياء أن الشعب المصري غير مؤهل لحكم نفسه، أو أن قيم الديمقراطية وثقافتها، وقيم الحرية، وغايتها لم تتأصل بعد في نفوس المصريين، فاتفق الجميع ضمناً على عدم أهلية هذا الشعب في اختيار من يحكمه، أو حتى اختيار من يمثله في رقابة من يحكمه؛ فالشعب في نظرهم: جاهل ساذج، يخدع بالدين تارة، وبالمال تارة، وبالعصبية القبلية أو العائلية تارة أخرى.

وعندما جاءت ثورة 25 يناير لتقذف بمجموعة من الأوصياء بعيداً عن طريق الشعب المصري؛ ليستعيد الشعب زمام نفسه، وليتسلم الراية التي سلبت منه دهوراً عدة؛ فإذا بمن كانوا بالأمس يعارضون فرض الوصاية، ويتهمون العهد البائد باغتصاب السلطة من صاحبها الأصيل (الشعب).. إذا بهم يكررون نفس الكلمات، ونفس الترنيمات التي رددها الأوصياء السابقون، وإن كانت في صورة أكثر تنميقاً، وأبلغ تعبيراً؛ ولكن تبقى الغاية واحدة.

فالأوصياء الجدد يرون أن الشعب – نظراً لجهله ولقصوره – سيعيد إلى الحكم من انتفض عليه، وسيسلم أمره مرة أخرى لقاء ورقة من الجنيهات، أو نظير ولاء لعصبية من العصبيات، أو تأثراً بشعار ديني يدغدغ مشاعره – وهو الساذج الغافل!!

ولحرص هؤلاء الأوصياء على مسار الديمقراطية (!)، وخوفاً عليها ممن سيستغلونها، ويخطفونها (!)؛ فإنهم يدعون العسكر إلى البقاء في مواقعهم، أو تسليم الراية لعدد منهم (الأوصياء) حتى يحافظوا على الديمقراطية، وحتى يضمنوا ألا يسلم الشعب زمام حكمه بعيداً عمن يختاره الأوصياء ومن عاونهم.

وبالطبع يقف كالعادة مع الأوصياء الجدد من درجوا على تسمية أنفسهم بالمثقفين الواعين الفاهمين لما يجهله الدهماء من العامة، فكما كانوا قبلاً مع سلطة سقطت، فإنهم الآن يدافعون عن مكان لهم في ثنايا سلطة تريد أن تتشكل؛ ليبقوا دائماً في الصدارة يحللون، ويكتبون، ويطلون على الشاشات، ويملؤون الجيوب بما خف وزنه، وعلت قيمته.

والغريب أن هؤلاء الأوصياء الجدد وتابعيهم لم يكونوا يوماً من ذوي الشعبية الجارفة، فكبيرهم عندما دعا إلى مطالب سبعة اتفق عليها الأولون والآخرون لم يوقع له على هذه المطالب على موقعه الإليكتروني الذي أنشأه أتباعه سوى ثمانين ألفاً فقط، بينما اقترب العدد من المليون على موقع آخر دعا إليه بعض ممن قاوموا الوصاية السابقة بين الناس ووسطهم، وليس من شاشات التليفزيون؛ أو من خلال الحوارات الصحفية؛ وهذا قد يفسرهم حرصهم الشديد على فرض وصاية جديدة تأتي بهم وحدهم دون غيرهم.

إن أوصياء الإعلام الذين يدفعون دفعاً نحو فرض وصاية جديدة بأقطاب جديدة، هم أنفسهم من كانوا بالأمس القريب يتناولون ما لذ وطاب على موائد أركان نظام انهارت دعائمه - حتى وإن بدوا في صورة معارضة، وكانوا وقت الثورة يمسكون العصا من منتصفها؛ لأنهم بحكم المهنة يحاولون معرفة اتجاه الريح، فيميلون معها حتى لا تغرق المركب بهم، أو يسقطون منها إلى الأبد، فقد كانت كبيرتهم تهاجم قناة الجزيرة بضراوة وقت الثورة وتتهمها في مهنيتها – لأنها تنقل الحقيقة التي لا يريدون للناس رؤيتها إلا من زاوية مصالحهم، ولكنها في ذات الوقت تترك مقالاً أو اثنين لمن يهاجمون النظام بضراوة لعل الريح تذهب بالسفينة إلى اتجاه غير الذي كانت فيه، كما أن هذه الصحيفة المصرية التي تشن حملة دعائية ضارية حالياً في اتجاه واحد ضد التعديلات الدستورية هي نفسها من ادعت – كذباً – بعد خطاب العاطفة الثاني للرئيس السابق أن الإخوان منعوا الناس من الخروج من الميدان، وأنهم يعنفون كل من طرح هذه الفكرة في الميدان؛ لأن الرياح بدت وقتها في اتجاه النظام السابق.

أدرك تماماً أن بعضاً ممن يدافعون عن سيناريو إطالة الفترة الانتقالية، وتأجيل الانتخابات البرلمانية، وإبقاء الجيش في السلطة، أو تشكيل مجلس رئاسة (وصاية) جديد إنما يفعلون ذلك حرصاً على بلدهم – من وجهة نظرهم التي يؤمنون بها؛ لذا فإني أذكرهم بأن الشعب العظيم الذي علّم العالم على مر الزمن، وقام بهذه الثورة الفارقة في تاريخه هو الوحيد المنوط به اختيار من يحكمه دون صنع "ديكتاتور" جديد حتى ولو بدا في صورة ديمقراطية، وأن التعجيل في ذلك هو الضمانة الوحيدة لعودة السلطة لأصحابها الأصليين، كما أني أدعو هؤلاء الخائفين على بلدهم والساعين لنهضته أن يثقوا في شعبهم الذي لم يأمن له يوماً حاكم ظالم؛ فزورت كل الانتخابات السابقة رغم الأموال، والعصبيات؛ لأنهم (الحكام السابقين) كانوا يدركون تماماً أن الشعب سيلفظهم في أية انتخابات سليمة؛ فلا معنى إذن للخوف البادي على وجوهكم من عودة هؤلاء الطواغيت مرة أخرى ما دام الأمر سيظل بيد الشعب دائماً وأبداً بإذن الله.

إخواني.. أخواتي

أدعوا الناس جميعاً إلى التنبه أن نذر وصاية جديدة تفرض نفسها على المصريين بادية في التشكل، وأن من يدفعون نحو هذه الوصاية هم أناس يريدون أن يظلوا في الصدارة دائماً يساندهم كثير ممن لا يريدون الخير لهذا البلد، ولا يريدون له أن يحكم نفسه بنفسه، أو أن يختار الطريقة، والعقد الاجتماعي الذي يحكم به، وأظن أن السبيل الوحيد لذلك هو التعجيل بتسليم السلطة للشعب.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

الجمعة، ١١ مارس ٢٠١١

إطالة الفترة الانتقالية لمصلحة من؟!

72652649-tahrir-square

غير قادر حتى الآن على استيعاب مبررات طلب إطالة المرحلة الانتقالية، والإلحاح عليها بهذا الشكل الغريب من بعض السياسيين، والإعلاميين، والكتاب..

لا أستوعب فكرة الإلحاح على إرجاء وجود مؤسسة تشريعية منتخبة تراقب عملية انتقال مؤسسية لدستور جديد..

ماذا تعني فكرة الإطالة؟ وماذا يراد من الإلحاح على هذا الإرجاء؟!

هل نريد أن يظل الجيش متورطاً في هذا الكم من التفاصيل اليومية لإدارة شئون البلاد، وألا يرجع لثكناته للقيام بمهمته الأساسية؟

هل نريد أن تطول فترة عدم الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي؟

ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، ولأنني سأفترض – مضطراً – البراءة في أصحاب هذا الاقتراح العجيب؛ فسأحاول مناقشة هذه الفكرة، وتبيان وجهة نظري فيها..

فالاقتراحات المقدمة من أصحاب هذا الاتجاه هي:

1- إقامة مجلس رئاسي مشترك من شخصيات مدنية وعسكرية يعمل من خلال إعلان دستوري مؤقت لإدارة الفترة الانتقالية.

2- عمل دستور جديد للبلاد من خلال لجنة معينة من قبل المجلس الرئاسي، أو من خلال جمعية تأسيسية منتخبة (هناك تباين في الآراء حول هذه النقطة).

3- عمل انتخابات رئاسية وفقاً للدستور الجديد.

4- يتولى الرئيس الجديد أمور البلاد، ويدعو لانتخابات تشريعية وفقاً للدستور الجديد.

5- تستمر هذه الفترة الانتقالية 18 شهراً (أو أكثر)، على أن تتم الانتخابات الرئاسية خلال فترة تتراوح من 6 أشهر إلى 12 شهراً.

أما المبررات المقدمة لقبول هذه الاقتراحات فهي:

1- سقوط الدستور كاملاً؛ فلا شرعية لدستور أسقطته الثورة.

2- إعطاء الفرصة لتشكل قوى سياسية جديدة معبرة عن الثورة تستطيع الانتشار في الشارع المصري خوفاً من عودة فلول الحزب الوطني إلى الواجهة السياسية من خلال المال، أو سيطرة الإخوان على البرلمان لقدراتهم التنظيمية العالية؛ مما يعيدنا إلى المربع رقم صفر مرة أخرى.

وقد تبدو الاقتراحات ومبرراتها من الناحية الشكلية مقبولة، بل ومنطقية للوهلة الأولى؛ ولذا فلنناقشها بتمعن لنحاول أن نظهر ما بها من عوار، أو من خيال، أو أغراض قد تخفى على الكثيرين.

وأوضح أفكاري حول هذه النقاط كالتالي:

1- المجلس الرئاسي:

  • على أي أساس سيتم اختيار أعضائه؟ ومن سيختارهم؟ وهل سيحدث عليهم إجماع وطني (وهي كلمة خيالية في العمل السياسي)؟
  • هل سيحافظ المجلس على التوازن الطائفي (كما حدث في العراق بعد الاحتلال الأمريكي)؟ أم على التوازن النوعي (رجال ونساء)؟ أم على التوازن السياسي؟
  • أي شرعية ستحصن قرارات المجلس؟ هل شرعية الثورة (التي لم تنتخبهم)؟ أم شرعية الجيش (الذي يراد له العودة إلى الثكنات)؟ أم القوة الأمنية مرة أخرى؟

2- الدستور الجديد:

  • الدساتير توضع وفقاً للتوجهات، والأفكار السائدة، والقوى المؤثرة في عموم الشارع الذي يرتضي الدستور؛ فأين هذه القوى؟ ومن يحددها؟ وعلى أي أساس ستحدد؟
  • تعيين لجنة لوضع الدستور سيثير من المشاكل، وعدم التوافق على أشخاصه ومدى تعبيرهم عن قوى الشارع الحقيقية (غير المعرفة وفقاً لانتخابات) أكثر مما سيثار حول المواد وما تحتويه من نقاط، وألفاظ؛ مما يضيع الجهود في دائرة مفرغة من الاعتراضات، ومحاولات إثبات الوجود من قوى همشت في التمثيل، أو من قوى خائفة من توجهات اللجنة المعينة.
  • الانتخاب المباشر لجمعية تأسيسية سينسف مبرر الانتظار لحين تشكل قوى سياسية جديدة (!) كما أنه سيثير سؤالاً عن كيفية اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية بالانتخاب المباشر: فهل سننتخب أعضاء الجمعية مرة واحدة؟ فيختار الناخب مثلاً كل أعضاء الجمعية المائة أو الأكثر أو الأقل مرة واحدة (وهو شيء مستحيل عملياً)، أم سيتم الانتخاب جغرافياً؟ فيختار الناخب ممثلاً لمحافظته أو لدائرته، مما يحول الجمعية من جمعية تأسيسية فنية إلى جمعية سياسية قد تأتي أيضاً بأصحاب المال، أو القدرة على التنظيم مع خطورة ذلك في حالة اختيار من يشكلون دستوراً جديداً دائماً للدولة العصرية المرغوبة.

3- انتخابات رئاسية أولاً:

  • هل يعقل أن توضع كل السلطات والآمال في جعبة شخص واحد (حتى ولو كان منتخباً) دون وجود أية سلطة تشريعية ورقابية منتخبة؟ فيستفرد بالسلطة لحين إجراء انتخابات تشريعية يراد لها أن تؤجل عاماً ونصف العام، أو عاماً بعد انتخاب الرئيس!!!!
  • هل سيختفي "بعبع" القوى المالية لرجال الأعمال (فلول الحزب الوطني)، أو "بعبع" القوى المنظمة في انتخابات الرئاسة؟ أم أن أثرهما سيكون أكثر في انتخابات تشمل البلاد عرضاً وطولاً، وفي انتخابات يزداد فيها تأثير الإعلام والقدرة على الإنفاق، من أية انتخابات تمثيلية أخرى!!!

4- انتخابات تشريعية بعد عام ونصف:

  • من يضمن كفاية المدة المقترحة لتشكل هذه القوى السياسية؟ وإذا لم تكن كافية وبقي الإخوان على قوة تنظيمهم، ولم يختف أصحاب المال عن الساحة؛ فما العمل إذن؟ هل يؤجل الرئيس المنفرد بالسلطة الانتخابات خشية من سرقة الثورة؟ أم يمنع حينها هؤلاء وأولئك من الانتخابات خوفاً من انحراف المسار الديمقراطي!!
  • أين تتشكل هذه القوى؟ هل ستتشكل بالبرامج التليفزيونية و"التوك شو"، أم بالاعتصامات التحريرية؟ أم بالقدرات المالية والتنظيمية التي ستبرز من يستطيع الدفع الأكثر، والتنظيم الأعلى، ونعود حينها للصراخ من جديد أن القوى الجديدة اختطفت من أصحاب المال والتنظيم!!!
  • أليس هذا المبرر اتهاماً صريحاً للشعب المصري بعدم أهليته وجاهزيته لاختيار من ينوب عنه؟ وهو نفس مبرر عمر سليمان وأحمد نظيف سابقاً من غياب ثقافة الديمقراطية عن المجتمع المصري مما استدعى تزوير الانتخابات خوفاً على سرقة الديمقراطية!!!!
  • الانتخابات هي الآلية الوحيدة لإفراز قوى حية ترتبط بالمجتمع، وتلتحم به؛ لذا فإن الانتخابات الأولى ستشكل قطعاً قوى جديدة ستتعلم من أخطائها، وتعيد ترتيب أوراقها في أي انتخابات لاحقة؛ مما يفرز قوى طبيعية تختبر من خلال الأفعال لا الأقوال والخطب العصماء.

إن هذه النقاط وما تحتويها من أسباب لا تدع عندي مجالاً للشك في أن الطريق السليم لنجاح الثورة، وإقامة دولة ديمقراطية عصرية معبرة عن قوى المجتمع لا يكتمل إلا بالسير قدماً وبسرعة في:

1- انتقال سريع للسلطة من الجيش إلى مؤسسات منتخبة (برلمانية ورئاسية).

2- اعتماد مرجعية الشعب فقط في اختيار ممثليه وحكامه دون تفويض لأحد.

3- تشكيل دستور جديد معبر عن الاتجاه الغالب والقوى المؤثرة في المجتمع من خلال فرز انتخابي لهذه القوى والأفكار ومدى تواجدها في الشارع.

4- الثقة التامة في قدرة الشعب المصري العظيم الذي أزاح نظاماً "ديكتاتورياً" فاسداً على انتخاب من يعبر عنه، ويمثل طموحاته، والثقة أيضاً في قدرته على الإطاحة بمن لا يعبر عن هذه الطوحات، أو يؤدي هذه الأمانة.

لذا فإنني أدعو الشعب المصري إلى الموافقة على التعديلات الدستورية المقترحة كمرحلة انتقالية تؤسس لمرجعية شعبية قادرة على بناء مصر الحديثة.

والله الهادي إلى سواء السبيل.