الجمعة، ١٤ ديسمبر ٢٠٠٧

طلبة الأزهر، والتاسع من ديسمبر






التاسع من شهر ديسمبر يوم مشهود في تاريخ الحركة الطلابية في جامعة الأزهر..

ففي هذا اليوم من عامي 2006، و2007 للميلاد شهدت جامعة الأزهر حدثين طلابيين شديدى الأهمية:

كان الأول عرضاً رياضياً قام به طلاب الإخوان المسلمين في الجامعة.. ارتدوا فيه أقنعة سوداء على الوجوه، وقدموا فيه عروضاً
للعبة "الكاراتيه" في ساحة الجامعة، وأمام كاميرات وسائل الإعلام ضمن اعتصام بدؤوه في المدينة الجامعية، وتواصل داخل أسوار الحرم الجامعي..

وكان الثاني وقفة صامتة وقف فيها الطلاب مكممي الأفواه بلاصق أبيض، ومكبلي الأيدي بشريط أبيض يربط أيديهم تعبيراً عن حالة التضييق التي يعيشونها داخل الجامعة - منذ أحداث العام الماضي - والتي كان آخرها هذا العام اعتقال 22 طالباً من زملائهم، وتحويل عدد كبير منهم إلى مجالس تأديبية قبل امتحانات الفصل الدراسي الأول.

إذن نحن أمام مشهدين متناقضين.. اختلف فيهما الأسلوب، بل واختلفت فيهما الألوان المستخدمة..

الأول أثار فزعاً – وإن كان مصطنعاً – من بعض المتابعين للشأن المصري، وقلقاً طبيعياً لدى البعض الآخر من النخبة المصرية، وفى وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت من هؤلاء الطلاب ميليشيا – مزعومة - تحركها أيدٍ من الخارج، وتتلقى تدريبات عسكرية..

والثاني كان رد فعل حضاري.. جذب وسائل الإعلام، ولكن تم تجاهله من النخبة، والكتاب، والمتابعين للشأن العام.


كان الأول تعبيراً ساذجاً من طلاب تنقصهم الخبرة، وحرَّكهم غضبهم، وخوفهم من ردود أفعال أمنية قريبة الشبه بما حدث في جامعة عين شمس؛ فأرادوا أن يوصلوا رسالة خاطئة لجهات الأمن: بأننا لن نسمح بدخول "بلطجية" إلى جامعة الأزهر؛ فنحن أشد قوة، وأكثر عدداً، وأقوى شكيمة.
كانت الرسالة خاطئة.. وكانت الوسيلة أكثر خطأ..

وكان الترصد بهؤلاء الطلاب جاهزاً، والأقلام مسنونة، وعرائض الاتهام معلقة؛ فانطلقت الأقلام، والفضائيات لتتسابق في ذبح هؤلاء الطلاب دون رحمة، ولا شفقة؛ فانتهكت حرماتهم، وألقوا في غياهب السجن شهوراً عدة دونما اعتبار للظروف التي أقاموا فيها عرضهم، ودونما اعتبار لوقت امتحاناتهم، أو ظروفهم الأسرية شديدة البؤس.

ورغم أن القضاء المصري قد أنصف هؤلاء الطلاب، وأقر ببراءتهم من التهم التي وجهت إليهم أولاً، ومن حرمانهم من دخول امتحانات الفصل الدراسي ثانياً، إلا أن الإعلام الذي سلخهم بألسنة شداد لم يقترب من معاناتهم، ومعاناة أسرهم، ومن الظروف اللا إنسانية التي عاشوا فيها بعد الأحداث..
وجاء التاسع من ديسمبر لعام 2007 ليعبر الطلاب فيه عن اعتراضهم على اعتقال زملاء لهم اقتحمت مساكنهم ليلاً، وتم اعتقالهم دون جريرة..

وكان الاعتراض هذه المرة بالصمت، وبكمامات على الأفواه، وبأكبال في الأيدي..

كان التعبير حضارياً، وكان الطلاب فيه هم الأعلى صوتاً رغم صمتهم، والأكثر قوة رغم ضعفهم..
قابلوا رفض رئيس جامعتهم للحوار معهم بتكميم الأفواه.. وقابلوا اعتقال زملائهم بتكبيل الأيدي..

كانت الوقفة مهيبة، والأسلوب معبراً، واللون الأبيض للأكمة والأكبال رامزاً..
كان الصمت، والأكمة، والأكبال، واللون الأبيض رامزين للبراءة الطلابية العفوية، ورامزين لحال الطلاب، ولحال الجامعة..

لقد أظهرت الوقفة الحضارية من الجاني، ومن المجني عليه..
أظهرت الوقفة الصامتة من هم الميليشيا، ومن هم الطلاب..

ورغم حضور الإعلام، وتصويره لهذه الوقفة؛ إلا أن النخبة المصرية صمتت صمتاً مطبقاً.. لا كصمت الطلاب؛ ولكن كصمت الساكت عن الحق، والمشارك فى الجريمة..

شارك صمت هذه النخبة فى جريمة اغتيال الحياة الطلابية المصرية، وتحويل الجامعة إلى ثكنة عسكرية يوأد فيه شباب الأمة، وعماد نهضتها، وتغتال فيها الأحلام فى مهدها لشباب غض يحاول أن يشكل مستقبله، وتنتظره الأمة لتخرج من كبوتها.

وبدوري أتساءل:
ألم تكن هذه الوقفة فرصة يشير إليها هؤلاء النخبة؛ ليتعلم منها الطلاب – في الأزهر وغير الأزهر – أن رقى الوسيلة هو جزء من الحق المراد إظهاره؟!!

أليست هذه الوقفة فرصة تستحق الاهتبال ممن يحبون هذا الوطن، ويخشون عليه؛ ليرفعوا راية مناصرة القضايا الطلابية، ولتسليط الضوء عليها؟!!

ألا يحتاج الشباب في خضم هذه الحالة التي تعيشها الأمة إلى من يأخذ بأيديهم، ويقول لهم: إن ما فعله زملاؤكم هو الطريق الواجب الإتباع، وأن إيجابيتكم في الدفاع عن قضاياكم ليست بالصوت العالي، ولا بالملابس السوداء، وليست أيضاً بوقف الحركة، والنشاط لاسترداد ما ترونه من حقوق؟!!

ترى: هل سيتعلم من يحبون هذا البلد من طلبة الأزهر؟

وهل سيتعلمون من تاريخ التاسع من ديسمبر؟

السبت، ١٧ نوفمبر ٢٠٠٧

هانى بشر، والموهوبون

وعد بلفور..
ذلك الوعد الذى تعرفنا عليه فى مدارسنا بأنه "إعطاءٌ ممن لا يملك لمن لا يستحق"..
ذلك الوعد الذى قدمت قناة الجزيرة عنه "فيلماً" وثائقياً فى الذكرى التسعين لصدوره.
قرأت الإعلان عن "الفيلم" فى موقع "الجزيرة.نت"، وذُكر فى الإعلان أن المُعد هو "هانى بشر"..
تشككت حينها بأن يكون "هانى بشر" هذا هو ابن الدكتور المهندس/ محمد على بشر عضو مكتب الإرشاد والمحال حالياً للمحاكمة العسكرية.
كنت حريصاً على مشاهدة "الفيلم"؛ إلا أن نصفه قد فاتنى؛ ولكنى تأكدت بعد المشاهدة أن المُعد والمُخرج والمُنتج وأحد المشاركين فى التعليق هو "هانى بشر" ابن الدكتور "محمد على بشر".
كنت سعيداً جداً بذلك لأنى رأيت "هانى بشر" سابقاً فى قناة الحوار بعد تحويل والده للمحاكمة العسكرية، وأعجبت به جداً لثقافته الغزيرة، ولغته السليمة، وثقته بنفسه، وقدرته الإعلامية المبهرة.
رغم سعادتى؛ إلا أن شجوناً قد غمرتنى، وحزنى قد عمنى على المواهب التى تدفن فى مصر دفناً فى أحيان، وتسحق سحقاً فى أحيان أخرى..
وسألت نفسى: ترى كم "هانى بشر" قد تم دفن موهبته فى مصر عموماً، وداخل الإخوان خصوصاً؟!!
ترى كم "هانى بشر" تم شغله بواجبات تنفيذية، وبعمل لا يتناسب مع موهبته؟!!
كم "هانى بشر" وأدنا موهبته فى مهدها، واتهمناه بأنه لا يسمع، ولا يطيع؟!!
كم "هانى بشر" اتهمناه بحب الظهور، وبأنه يحتاج إلى قدر من التربية أولاً حتى يعمل فى المجال الذى يبدع فيه؟!!

وعلى الجانب الآخر:
هل هناك تنمية للموهوبين أصلاً؟
وهل هناك بحث عنهم بداية؟
وهل هناك برامج لإعدادهم، والاستفادة منهم، ووضعهم فى محاضن خاصة ترعاهم، وتوفر لهم المسارات التى تحتويهم، وتدربهم وتنميهم؟
تذكرت ما قاله د/ عبد المنعم أبو الفتوح ذات مرة بأن الإخوان كانوا يبحثون عن تخصص دقيق؛ ولم يأتهم ردٌ بتوفر هذا التخصص داخل الإخوان، وفوجىء بعدها بستة أشهر حين لقائه ببعض الإخوان أن من بينهم من هو باحث فى هذا التخصص الدقيق الذى كانوا يبحثون عنه؛ غير أن أحداً لم يطلب من هذا الباحث شيئاً يخص عمله الذى تخصص فيه.
ما ذكره د/ عبد المنعم هو باختصار: تعبير بسيط عن ضعف الاهتمام الذى يلقاه المتخصصون، والموهوبون داخل المجتمع المصرى عموماً، والإخوان – بطبيعة الحال – جزء من هذا المجتمع.

أعرف أيضاً من يصر على أن يـُشَغـِّل موهوبين فى مجال "الجرافيكس"، و"الميديا" فى مجال الأشبال مثلاً، أو مجال "الطلبة"، أو "البر"، ويرى أن ذلك هو السبيل الوحيد لتربيتهم، ولممارستهم الدعوة.

أنا لا أطرح هذا الأمر للنقد الذاتى، ولا أريد أن أستطرد فى ذكر الأمثلة، والردود عليها؛ لكن ما أريده هو أن نبدأ حواراً بناءً، وإيجابياً حول التعامل مع هذه المواهب، واكتشافها، واستثمارها..
ما أريده هو أن نقدم حلولاً عملية لاستثمار المواهب فى مجتمعنا العام، والخاص.. فى مجتمعنا الكبير، والصغير..
ولنجعل من ذلك فرصة لجعل مدوناتنا أكثر إيجابية، والانتقال من مرحلة "النقد الذاتى" إلى مرحلة "البناء الذاتى".

لا أريد دفاعاً، ولا أريد هجوماً؛ بل أريد نقاشاً يبحث فى:
- تعريف الموهوبين.
- كيفية اكتشافهم.
- المعوقات التى تمنع من استثمار مواهبهم.
- كيفية دعمهم.
- استثمار مواهبهم وتوظيفها التوظيف الصحيح.

كما أريد أن أؤكد أن هذه النقطة قد طرحها شيخنا العلامة القرضاوى قبل ذلك فى مذكراته حين قال: "لقد التقطني الإخوان، فوجهوني في نشر الدعوة هنا وهناك، واعتصروني اعتصاراً، دون أن يكون لهم أدنى اهتمام لتوجيه مثلي إلى ما يجب أن يقرأه وأن يعده للقاءاته ومحاضراته في البلدان المختلفة. فكنت أنا الذي أختار الموضوع، وأحدد عناصره، وأملأ فراغه بما يتراءى لي، وأقرأ له في إطار ما لدي من كتب وهي محدودة جدا في ذلك الوقت.
صحيح أنه كان عندي من الوسائل والإمكانات الشخصية ما يشد الناس إلي، ولكن كان يمكن أن يكون أدائي أفضل، وإنتاجي أغزر، وموضوعاتي أخصب، لو كان معها التوجيه والتنظيم والإعداد العلمي. ثم التقويم والمراجعة للدعاة وأدائهم وأثرهم في كل مدة من الزمن، كل ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو سنة."

كلام شيخنا "القرضاوى" كان عن استثمار موهبته، وعدم تنميتها؛ فما بالنا بإغفال الموهبة من الأساس، بل وعدم الاعتراف بها، وبالتالى استثمارها.
لذا فطرح الأمر ليس جديداً، وليس خاصاً بهذه الفترة الزمنية التى نعيش فيها، وليس شأنا خاصاً يناقش فقط داخل الغرف المغلقة؛ بل هو شأن عام للمجتمع كله.

إخوانى.. أخواتى
أدعوكم للمشاركة فى هذا الحوار على مدونتى، أو على مدوناتكم؛ وليكن الأمل فى المستقبل، والنظرة الإيجابية البناءة هى دافعنا فى النقاش، والتحاور.

الخميس، ١ نوفمبر ٢٠٠٧

شاهد على لقاء د. مرسى مع المدونين

"السلام عليكم و رحمة الله ازيكم يا اخواننا يارب كلكم تكونوا بخير
---------
ان شاء الله فيه بكره السبت معاد مع الدكتور محمد مرسي هو طلب اللقاء بالمدونين و طبعا حضراتكم من أكتر المدونين المؤثرين في وسط مدوني الاخوان
اخواننا او اخواتنا اللي هتوصل لهم الرسالة دي .. فهم مدعوين للقاء الدكتور مرسي"

كان هذا هو نص الدعوة التى تلقيتها على بريدى الشخصى لحضور لقاء د. مرسى مع المدونين..
كنت مشغولاً فى هذا اليوم، وترددت كثيرا فى الحضور، وفكرت فعلاً فى مدى جدوى اللقاء، وهل هناك من حاجة لإجراء مثل هذا الحوار بين أحد قياديى الجماعة، وبين رافد جديد من روافدها – إن صح التعبير – وهم المدونون؟
ترددى لم يكن بسب عدم جدوى اللقاء؛ ولكن بسبب خوفى من ضياع فرصة كهذه فى مهاترات من جهة بعض المدونين، وفى تقليدية ترفض لغة الشباب الجديدة وجرأتها من قبل أحد قيادى الجماعة.
استشرت أحد من أثق بهم فى الأمر؛ وشجعنى على الحضور؛ وأكد على أهمية حضورى.
وعزمت على الذهاب وفى ذهنى أكثر من نية:
أولها: الحوار ذاته حول الجماعة، وأدائها فى الفترة الأخيرة، والذى أراه ضعيفاً على محاور كثيرة – داخلية وخارجية.
ثانيها: معرفة عدد من المدونين الذين التقيت بكتاباتهم، ولم ألتق بهم مباشرة، وهى فرصة قد لا تتكرر.
ثالثها: محاولة أن أكون طرفاً وسطاً فى حوار توقعته مشتعلاً بين جيلين، وفكرين مختلفين.

توكلت على الله، وذهبت رغم ضيقى من قيام أحد شباب الإخوان الصحفيين بالتعامل مع الأمر على أنه سبق صحفى لا بد من اغتنامه؛ فأشار إلى الأمر فى جريدة الدستور، ووضع بعض البهارات حول الخبر؛ وذلك من نوعية "محاولة الاحتواء"، و"التمرد"، و"التيار السلفى الجديد داخل الجماعة"، وهكذا..


وصلت إلى مكان اللقاء فى تمام الساعة الخامسة، وكنت أول الحاضرين، ثم ازداد العدد تدريجياً حتى وصل على ما أظن إلى ما يقرب من 20 – 25 مدوناً ومدونة من مدونى شباب الإخوان.
وصل د. مرسى فى حوالى الساعة الخامسة والنصف، وسلم على الجميع، واصطففنا بعد انتظار قليل خلفه لصلاة المغرب.. بعدها صلى د. مرسى والمغتربون من الحاضرين صلاة العشاء قصراً مع الجمع.


فى خلال هذه الفترة تحدثت مع بعض الشباب الذين أبدوا امتعاضاً شديداً من شيئين:
الأول: الخبر الذى نشر فى "الدستور"، وخصوصاً بهذا الشكل الغريب.
الثانى: عدم حضور من قادوا حملة النقد الذاتى العلنى لتصرفات الجماعة رغم محاولات بعض المدونين التأثير عليهم، وإقناعهم بالحضور.


كان من ملاحظاتى أيضاً أن الحضور جميعاً من الشباب، والشابات لم ينتهوا من دراستهم الجامعية بعد، ما عدا كاتب هذه السطور، وصاحب مدونة "شباب الإخوان"، وهو شىء قد أسعدنى كثيراً، وإن كان قد أذهلنى أكثر.
انتقلنا بعد الصلاة إلى صالة أوسع، وبدأ الدكتور/ محمد فى التعرف علينا فرداً فرداً، ومعرفة أسماء المدونات فى جو بسيط، وغير متكلف، وأبدى تعجبه من أسماء بعض المدونات، وبدا من الأمر أن متابعات الدكتور/ مرسى للمدونات تكاد تكون منعدمة.
بدأ الدكتور/ مرسى حديثه بمقدمة طويلة جداً أصابت معظم الحضور بالقلق من نوعية اللقاء، وهل هى محاضرة؟ أم توجيه؟ أم كما قال صاحبنا "الدستورى" أنها محاولة احتواء؟!!
كانت المقدمة تتحدث عن نقطتين رئيستين:

الأولى: أن المعرفة هى الركن الأساس فى التعامل مع أى قضية سواء كانت مشكلة تحتاج لمن يتصدى لحلها، أو إصلاحها، أو كانت مقترحاً لتطوير، أو تحسين.
الثانية: الواقعية فى الطرح، والاتجاه دائماً نحو الحلول العملية لا النظرية هو أقرب الطرق للإصلاح، وضرب مثلاً على ذلك بمقولة كمال الشاذلى لنواب الإخوان - فى إحدى المرات داخل مجلس الشعب – ما أسهل أن تعارضوا، أو أن تقولوا أن هذا خطأ، أو أن هذا فاسد؛ لكن نحن نريد منكم أن تقدموا حلولاً لا كلاماً؛ ورغم أن هذا الكلام لم يقصد به كمال "بيه" حلولاً، ولا إصلاحاً؛ ولكنها فى النهاية كلمة حق أريد بها باطل – وهذا التعليق من عندى، وليس من عند الدكتور/ محمد.
كانت هاتان النقطتان محور كلام الدكتور/ مرسى، ودندن حولهما بضرب لأمثلة لحال البلد، والفساد الذى يعتريها، وأنها وصلت إلى مرحلة من الفساد غير متخيلة أبداً، وكان من أمثلة ذلك الصرف الصناعى الذى يصرف فى النيل، ويستخدم بالتالى كماء لرى المحاصيل، رغم احتوائه على مواد صلبة مضرة جداً على صحة الإنسان، والتى تؤدى بالتالى إلى أمراض السرطان والكبد وغيرها.

بعد المقدمة الطويلة، والتى اعتذر الدكتور عن طولها.. بدأ حوار مفتوح مع شباب المدونين؛ وكان بالطبع السؤال الأول حول اللقاء، وما الهدف منه؟ وكيف تصنف قيادة الجماعة شباب المدونين؟ وهل تراهم متمردين؟
كانت إجابة د/ مرسى مفاجأة للجميع؛ فقد نفى أنه من دعى للحوار، أو أنه تعمد دعوة المدونين للحوار، بل كل ما فى الأمر أنه قد بلغه أن مجموعة من شباب المدونين يودون لقاء أحد قيادات الجماعة؛ فرحب بذلك وتم ترتيب اللقاء.
أما بالنسبة لموضوع تصنيف هؤلاء الشباب؛ فكانت المفاجأة الأكبر ألا تصنيف لهم، وأن ما يكتبونه هو شىء صحى جداً؛ بل إنه اعترض على من طلب أن يكون التدوين موجهاً لخارج الإخوان، أما الحديث عن الداخل فمكانه الإخوان فقط..
وقال فى ذلك: ما المانع أن يطرح كل منكم رأيه على مدونته فى كل الأمور العامة التى تخص الإخوان، وغير الإخوان، وضرب مثالاً لذلك بالحزب، والنقاش المفتوح حوله، وشجع على نقده علناً على المدونات..
وضح من إجابة الدكتور/ محمد أن موضوع النقد الذاتى، وما طرح فيه علناً لم يكن على علم بتفاصيله؛ ولكنه قال – معنى لا نصاً: إن الإنسان دائماً فى حاجة لأن يتعلم، ويعرف، ويخطأ؛ ولا داعى للقلق من لفظ زائد هنا أو هناك، والشاب بطبيعته مندفع، ومتحمس - وحماسته تلك مطلوبة.. والشيخ بطبيعته حذر وهادئ – وهدوءه كذلك مطلوب..
وكما أن الشباب مطلوب منهم أن يتقبلوا هدوء الشيوخ، فكذلك الشيوخ مطلوب منهم أن يتقبلوا طبيعة الشباب.

وسار الحوار على هذا المنوال؛ فلم يتبرم د. مرسى من نقد، أو اختلاف فى وجهات النظر؛ كما لم يخرج الشباب عن آداب الحوار التى كنت أخشى أن تفقد فى مثل هذا اللقاء.
استأذن البنات فى الانصراف مبكراً حتى لا يتأخرن، وفاتحن الدكتور قبلها فيما يتعلق بالعمل النسائى، وضعفه داخل الجماعة، وعدم الاهتمام الكافى بهن، وكذلك شكون من ضعف تكوين الأخوات من الناحية الثقافية والسياسية، وضربن أمثلة على ذلك فى أعمال الجامعة، وكيف أن الأخوات يهتممن بالحشد، لا بالكيف، وبالعدد لا بالعدة.
ولم ينكر كلامهن الدكتور/ مرسى؛ ولكنه طلب منهن أن يحددن لقاء خاصاً يتحدثن فيه عن هذه الأمور بالتفصيل، ورؤيتهن للحل.

انصرف البنات إذن قبل الحديث بتفصيل جزئى عن الحزب، وعن الاعتراضات القائمة عليه، وعن عدم توزيعه على قواعد الجماعة حتى يستطيع شباب الإخوان أن يتحدثوا مع المجتمع فى تفصيلاته دون حرج عدم المعرفة.
وأجاب الدكتور بأن مكتب الإرشاد ترك للمكاتب الإدارية تحديد مستوى النقاش، والطرح؛ فمنها من وزعه بصورة أوسع على القواعد، ومنها من قصره على أعضاء المكتب فقط، ورغم ذلك تأخر استلام التعليقات على الحزب من المكاتب الإدارية بتأخير وصل إلى ثلاثة أشهر بعد أن كان الاتفاق على أسبوعين فقط.

دار الحوار، واختلفت فيه أنا وبعض الزملاء مع الدكتور فى قضية رئاسة المرأة، وغير المسلم، وقلنا له أن الولاية العامة غير متحققة فى الدساتير حتى على المستوى القطرى؛ لأن الرئيس ما هو إلا فرد تحكمه مؤسسات، وسلطات متعددة؛ وبالتالى فلم تعد له تلك السلطة السابقة التى يمنع فيها غير المسلم من ولايتها.
وكانت المفاجأة بالنسبة لى أن الدكتور/ محمد موافق على هذا الكلام، وأن اجتهاد الدكتور العوا وغيره حول الرئيس القطرى فى الدولة الحديثة صحيح على المستوى النظرى؛ ولكن الخلاف حول أن دستورنا الحالى سلطات الرئيس فيه مطلقة، وهى دون جدال ولاية عامة دون ريب؛ لذا فإن تولى غير المسلم لهذه الولاية العامة مرفوض شرعاً؛ أما إذا تحققت دولة المؤسسات تلك فالأمر حينها يختلف، ويحتاج إلى اجتهاد جديد.
ورغم اختلافى مع هذا الرأى؛ لأن البرنامج فى النهاية يطرح رؤية مستقبلية، وليست آنية؛ إلا أن الرد فاجئنى، وأن النقاش داخل مكتب الإرشاد كان أعمق مما تصورت، وأن الرأى الغالب كان بسبب هذه الرؤية للولاية العامة الحالية.
وعندما أثار البعض أن السكوت عن هاتين النقطتين كان أفضل، أجاب الدكتور بأن هذه النقطة طرحت وتم التصويت عليها وكانت الغالبية مع الوضوح والصراحة فى طرح الرأى الذى تم الاتفاق عليه بأغلبية الأصوات.

اتفقت مع هذا الرأى الأخير رغم اختلافى مع النقاط الشكلية التى طرحها الحزب، وأثارت زوبعة من لا زوبعة فى دولة كانت مسلمة، وستظل مسلمة – شاء من شاء، أو أبى من أبى.

إخوانى.. أخواتى

كانت هذه محاولة من الذاكرة لطرح ما دار فى هذا الحوار الجميل، والراقى بين رجل تعدى الخمسين عاماً، وحاصل على درجة الدكتوراة فى الهندسة من الولايات المتحدة الأمريكية.. رجل ذى عزيمة قوية كما كنت أسمع عنها من بعض زملائى الشرقاويين، وكيف أنه كان محاضراً للطلاب فى كلية الهندسة بجامعة الزقازيق فى صباح اليوم التالى مباشرة لمهزلة تزوير انتخابات دائرة الزقازيق رغم إعلان النتيجة فجراً بعد يوم عصيب..
حوار بين هذا الرجل العظيم، وبين مجموعة من الشباب الصغير الذى يحق لجماعة الإخوان أن تفاخر بهم أمتها، ومنافسيها بأن لديها هذا الشباب الناضج الثائر المتحمس، الذى يريد لأمته أن تنهض دون أن يقيد نفسه فقط فى إطار الجماعة وقيودها الطبيعية، بل خرج إلى أهله، ووطنه الذى هو منهم، وهم منه.

وخرجت أنا من هذا الحوار، وأنا سعيد بهذه الروح الجميلة التى كسرت قيد التنظيم، وضوابطه بدعوة جاءتنى على بريدى الإليكترونى لألتقى فيها بقيادى من قيادات الجماعة.
يتبقى فى النهاية أن تتواصل مثل هذه اللقاءات، وأن تتحسن آلية التواصل بين أفراد الجماعة وقيادتها.

ملحوظة أخيرة: ما ذكر فى جريدة الدستور حول طلب شباب الإخوان من د. مرسى أن يقلدوا الحزب الوطنى فيما يسمى بالانتخابات القاعدية وهم جرى فى خيال كاتـِبَيه، وأكتفى بما ذكره أحمد عبد الفتاح فى مدونته.

والسلام

الجمعة، ٢٤ أغسطس ٢٠٠٧

ناصر وناصر




ناصر عبد الله، وناصر جاد الله..

سباك، ونجار..

مسلم، وقبطى..

شابان مصريان جمعهما الاسم، والعمل اليدوى، وطريقة الموت..

شاء الله لهما أن يجسدا الوحدة الوطنية المصرية الحقيقية بين مسلميها، ومسيحييها، دون شعارات، ولا هتافات من نوعية "تحيا الهلال مع الصليب"، ولا من نوعية قـُبلات "شنودة" و"طنطاوى"..

مَثـَّل هذان الشابان صورة المشاركة الحقيقية التى يلتقى عليها كل أفراد الأمة المصرية المغلوبة على أمرها..

لم يكن مصرعهما فى مظاهرة همجية تستدعى "شارون" لحماية الأقباط، ولا فى تصرفات عبثية تحرق بيوتاً لمنع بناء كنيسة..

قـُتل الشابان على يد الزبانية.. زبانية الدنيا.. الذين يسومون المصريين كافة أنواع العذاب الدنيوى..

اشترك الشابان فى رفضهما إتاوة دَرَك النظام الفاسد، واشتركا فى رفض تهديدات ووعيد المجرمين.. مجرمى الفزع المصرى..

نال أحدهما شرف القتل برميه من شباك شقته المتواضعة فى العمرانية، ونال الثانى هذا الشرف فى أحد سلخانات حبيب العادلى فى المنصورة بعد سحله على أرض قريته تلبانة..

ترى ما هى الوحدة الوطنية إن لم تكن ما مثله ناصر عبد الله، وناصر جاد الله؟!!

أليست وحدة المصير خير مثال للوطنية، وخير معبر عن وحدة الوطن الواحد؟!!

الغريب أنى لم أسمع صوتاً لمطنطنى الوحدة الوطنية، ووحدة "الهلال والصليب"، ووحدة عنصرى الأمة..

اختفوا كما يختفى السراب..

اختفى "مايكل منير"، و"كرم جبر"، كما اختفى "نجيب جبرائيل"، و"عبد الله كمال".

ومن قبل هؤلاء اختفى "شنودة"، و"طنطاوى"..

إخوانى.. أخواتى

فليكن شعار وحدتنا الوطنية "ناصر، وناصر"..
ولنعلم أن مهمتنا الواجبة هى التصدى لهؤلاء القتلة المجرمين..

السبت، ١٨ أغسطس ٢٠٠٧

لكِ الله يا مصر


هذه العصابة التى تحكم مصر لم يكفها بلداً مخرباً، وأرضاً قاحلة، وفوضى عارمة، وشباباً هرِماً، ونفوساً يائسة، و....
لم يكفها مالاً منهوباً، وأراضٍ مغتصبة، و....
لم يكفها حرقى قطارات متهالكة، وغرقى عبارات مخالفة، وقتلى طائرات ساقطة، و....
لم يكفها مياهاً ملوثة، وأطعمة مسرطنة، و....
لم يكفها ملايين الموتى من مرضى السرطان، والتليف الكبدى، والفشل الكلوى، و....
لم يكفها تقزيم مصر أمام رعاة البقر، وقتلة الأنبياء، و....

لم يكفِ هذه العصابة كل ذلك الفساد، والنهب، والقتل، والتدمير..
لم يرضهم كل ذلك، وبقى الأرق يقض مضاجهم، والسهاد يمنع النوم عن أعينهم؛ فقد بقى من يقول لا، وظل من لم يفقد الأمل صامداً شامخاً..

ظل من يرفض الخنوع لبيع مصر، وخراب مصر..

ظل عصام العريان، وخيرت الشاطر وإخوانهما يجابهون - بالفعل لا بالكلام - طغمة فاسدة، ومخططات مدمرة..

ظلوا رافعين للراية.. راية الصمود، والتحدى..
ظلوا رافعين لراية "لن نستسلم، ولن نلين"..

ظلوا - بالفعل لا بالكلام - فى الساحة يُربّون الشباب، ويبثون الأمل فى النفوس، ويتحدون تزوير الانتخابات، ويتحدون دسترة الطوارئ..

ظلوا يبثون الأمل فى نفوس هذا الشعب المسكين، الذى تريد له العصابة الحاكمة أن يستسلم، وأن يرضخ لوهم صنعته هذه العصابة بأنهم أصحاب الأرزاق يهبونها من يشاءون، ويمنعونها عمّن ينبذون!! وأن النفوس بأيدى جلاديهم يبقون منها حياً من يشاءون، ويقتلون منها من يريدون!!

بقيت إذن معركة لم ينتصر فيها هؤلاء الطغاة.. معركة الإرادة التى ما زالت فى صدور الشرفاء الذين ما زالوا يبثون الأمل فى صدور باقى المصريين..

"أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"
هذا هو الحل، هذا هو الطريق..

فليخرج إذن خيرت الشاطر، وعصام حشيش، وصلاح الدسوقى، وإخوانهم..
وليخرج عصام العريان، ومحيى الزايط، وحمدى إبراهيم، وإخوانهم..

فليخرجوا لأنهم أناس يتطهرون؛ بل ويريدون أن ينقلوا هذه العدوى لعبيدنا الذين نحكمهم، وننهبهم، ونقتلهم..

فليخرجوا إذن؛ لتبق لنا الساحة خالية، ولكى يكتمل مخطط قتل النفوس، وقتل الإرادة..
فليخرجوا إذن؛ ليكتمل بيع مصر لملاكها الجدد منا، ومن أحبابنا من الصهاينة، والأمريكان..
فليخرجوا إذن؛ ليرضى عنا أسيادنا فى البيت الأبيض، ولكى يحفظوا لنا مقاعدنا من ثورة شعب بئيس فقير..

إخوانى.. أخواتى
لن نستسلم..
لن نلين..

ولكِ الله يا مصر..

الثلاثاء، ٣ يوليو ٢٠٠٧

فاصل

كثيراً ما يبحث الإنسان عن فترة راحة يستريح فيها من همومه، وأعبائه..
يبحث فيها عن الهدوء، والمراجعة..
يبحث فيها عن وقفة يقيم فيها نفسه، وحياته..
يقيم فيها مواقفه، وتعاملاته..

وغالباً ما يفتقد الإنسان هذه الفرصة؛ إما بسبب كثرة انشغالاته، ومسئولياته، أو بسبب عجزه عن التفكير وقت التنفيذ، والمسئوليات.

هكذا هى الدنيا.. يدور الإنسان فيها كما يدور الطحين تحت الرحى - إلا من رحم ربك.
ينتقل الإنسان فيها من مرحلة إلى أخرى؛ فتحركه الأحداث، وتمور به الخطوب، وهو لا يستطيع الفكاك، ولا فرصة لديه لالتقاط الأنفاس..

أما أنا فقد جاءتنى هذه الفرصة سانحة.. جاءتنى فرصة السفر خارج مصر فترة وجيزة من الزمن؛ لعمل مؤقت..
وأظن أن هذه فرصة عمرى؛ لألتقط الأنفاس، وأتأمل فى حالى، ومآلى.. وأتدبر ما حولى دون ضغط، ولا عجلة..
قد تكون فرصة أبتعد فيها عن الأحداث؛ حتى أستطيع أن أكون من المؤثرين فيها، لا المؤثرة فيهم.

لذا فأنا أدعو الله عز وجل:

1- أن أعيد النظر فى علاقتى بخالقى - جل فى علاه - الذى يصبر علىّ كثيراً، وأنا ....

* فرصة جاءت إلىّ على طبق من ذهب أتخفف فيها من بعض المسئوليات حتى أتقرب إليه أكثر، وحتى أتذلل إليه أكثر، وحتى أدعوه أكثر وأكثر..

* فرصة أزيد فيها من عباداتى، ونوافلى، وطاعاتى حتى أعود إلى ما يحبه ربى، ويرضاه..

* فرصة كى أرتبط بكتاب الله تلاوة وحفظاً وفهماً وتدبراً بعد فترة من الجفاء منى.

2- وأن أعود للقراءة التى أحبها بعيداً عن قراءة الصحف السيّارة التى تـُضيِّع منى حبى للقراءة العميقة، والمتأنية.

3- وأن أُقيِّم الفترة السابقة من حياتى.. كيف كانت؟ ثم كيف أصبحت؟ وأسأل نفسى عمن أحبهم: هل قصرت فى حقهم؟ أم قصروا فى حقى؟ وأحاسب نفسى عما ارتكبته من أخطاء، وكيف أصلح هذه الأخطاء.

4- وأن أطوِّر نفسى فى مهنتى، وأن أعيش تحدياً مهنياً أثبت فيه ذاتى، وأستعيد فيه ثقتى بنفسى.

5- وأن أعايش أفراداً مختلفين، وأن أرى بيئة مختلفة، فأزداد خبرة، وأزداد معرفة.

6- وأن أعيش فى بيئة مغلقة؛ فأقدر نعمة البيئة التى أعيش فيها، فأشكر الله على نعمائه، وتقل انتقاداتى لواقعى الذى أعيش فيه، وظروفى التى تحيط بى.

7- وأن أفكر فى المستقبل الشخصى، والعام، وكيف أستطيع أن أخطط له، وأن أطوره بعيداً عن واقع العمل الذى يجعلك منقاداً للتنفيذ لا التخطيط.

8- وأن أدعو لأمى التى ستجرى عملية جراحية وأنا بعيد عنها؛ فقد يتقبل الله دعائى وأنا مسافر؛ ولكى أدرك قيمتها التى ما من شىء يظنه الناس فىً حسناً إلا كان منها، ومن تربيتها.

9- وأن أترك قليلاً أولادى، وزوجتى الحبيبة، التى سأفتقد رأيها، وقلقها علىّ؛ كى لا يصبح ما تفعله مألوفاً؛ فأنسى شكر ربى عليه، وأنسى تقديرى لها.

هذا ما آمله، وهذا ما أرغب فيه، فهل سأناله؟ أم أنها الأمانىّ؟

بإذن الله لن تكون أمانى، بل ستكون واقعاً أحاول أن أكوّنه بحول الله وقوته.

إخوانى.. أخواتى
لا تنسونى من دعائكم، وسامحونى على كل ذنب اقترفته فى حق أحد منكم؛ فأنا فى حاجة شديدة لهذا الدعاء.

الخميس، ٢١ يونيو ٢٠٠٧

خواطر فلسطينية

عشت بكل أحاسيسى فى الفترة الماضية مع ما يحدث فى فلسطين الحبيبة..

وكنت أريد أن أدون ما فى خاطرى حول ذلك الموضوع؛ ولكنى ترددت لأكثر من مرة حتى آثرت أن أجمع خواطرى فى تدوينة واحدة حول الأحداث وما رافقها من تعليقات، وتحليلات.


(1) "هو بغباوته"

كلما سنحت لى الفرصة لأرى، أو أقرأ ما ينشره الإعلام العربى الرسمى - وفى مقدمته الإعلام المصرى - أتذكر على الفور المشاهد التمثيلية للممثل "إسماعيل ياسين"، ويظهر فيها بغباوة منقطعة النظير؛ هذه الغباوة تمكنه من تكرار نفس الأخطاء بنفس "السيناريو" دون كلل، ولا ملل.

أقرأ لمصطفى الفقى - المزوِّر، ومحمد عبد المنعم - السكرتير الرئاسى للمعلومات سابقاً - عن أن حماس صناعة إسرائيلية؛ وأن المخابرات الصهيونية أنشاتها حتى تنافس حركة فتح، إلى آخره من الكلام السمج فأشعر بأن هؤلاء هم نسخ مختلفة من شخصيات "إسماعيل ياسين" ولكن على هيئة جديدة هى هيئة المفكر، والمحلل.

وهؤلاء، ومن صنعهم، لم يستطيعوا أن يدركوا بعد أن كلامهم عن أى جهة بصورة سلبية يرفعها فى مكانة عالية بين الناس؛ لأنهم منبوذون، ومكروهون، ومُدانون..

ولسان الحال يقول:

وإذا أتتك مذمتى من ناقص.. فهى الشهادة لى بأنى كامل

لذا فعندما أقرأ كتابات أمثال هؤلاء، ومن على شاكلتهم (محمد على إبراهيم، وأسامة سرايا، وكرم جبر، وعبد الله كمال، وممتاز القط، و....) أفرح فرحاً شديداً؛ لأن كل ما يبثه هؤلاء فى الناس يؤتى عكسه تماماً.

فعلوا ذلك فى انتخابات مجلس الشعب، وفعلوها فى مهازل الاستفتاء، ويفعلونها مع الإخوان، وكفاية، ويفعلونها مع كل شريف فى هذا البلد، وغيره؛ ويفعلونها الآن مع حماس..

يريدون التشويه، فتزداد الصورة نصاعة..

ويريدون التلفيق؛ فيبحث الناس عن الحقائق..

لذا فأنا لا أدرى هل "إسماعيل ياسين" هو الممثل الوحيد الذين يجيدون تمثيل أدواره، أم أن جراب الحاوى ما زال مليئاً بالقرود.


(2) المدينة الفاضلة

كم أشعر بالأسى حين أرى كتاباً، أو أشخاصاً أحبهم، أو أشعر بصدق فى كلماتهم.. محلقين فى دنيا غير دنيا الواقع التى نحياها..

حين يصرون على أن يعيشوا فى وهم اسمه "المدينة الفاضلة" أو "اليوتوبيا" كما أسماها الفلاسفة القدماء..

حين يبحث هؤلاء عن أن يعيش الناس فى سلام.. متحابين.. متوادين.. حيث لا يجدون كُرهاً، ولا بغضاً، ولا قتلاً، ولا كذباً، ولا خيانة..

أشعر بهذا الشعور حين أسمع، أو أقرأ لمن أعياهم ما حدث فى فلسطين؛ فوصموا الجميع وصماً واحداً، واتهموا الجميع اتهاماً واحداً..

يسألون عن البراءة فى دنيانا التى جعل الله فيها الخير، والشر.. وجعل فيها الحق والباطل..

وجعل فيها: {ولولا دفع الله الناس بعضَهم ببعضٍ لهُدِّمت صوامعُ وبـِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يُذكر فيها اسمُ الله كثيراً}..

يريدون للدنيا أن تنصلح بلا جهاد، ولا جهد، ولا مشقة..

يريدون للحق أن يرتفع دون تضحيات، أو عقبات..

يريدون أن يريحوا بالهم من عناء اتخاذ المواقف؛ فيستسهلون لعن الدنيا والزمان، ومن فيهما..

يريدون أن يغيبوا عن الواقع؛ ليظلوا فى دنيا الأوهام التى لن تأتى أبداً أبداً..

إلى كل هؤلاء أقول:

لن تشفع لكم براؤتكم، ولن يشفع لكم حسن نياتكم..

الدنيا موقف؛ فاتخذوه حتى يتغير الحال الذى سنظل فيه ما دمتم تمصمصون الشفاه، وتلعنون الحال.

{واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.


(3) المتألق

ما زال الأستاذ/ فهمى هويدى يتحفنا بقلمه الرائع، وبعقله الفذ، وبمعلوماته الثرية فى كل ما يحيط بنا من أحداث، أو يلم بنا من مصائب..

ينتقل بك من نقطة إلى أخرى، ومن تحليل لآخر؛ فلا تملك إلا أن تقتنع، ولا تستطيع إلا أن توافق على ما يقول..

وكانت رائعتاه الجديدتان عن أحداث فلسطين الحبيبة والمعنونتان "محاولة لفهم ما جرى في غزة "، و"تقصي الحقيقة واجب الوقت " بلسماً شافياً لمن أراد أن يعرف الحقيقة، أو من اعتلاه الهم بسبب كم الكذب، والتلفيق فى وسائل الإعلام الرسمية منها وغير الرسمية.

كان كعادته وأستاذيته دقيقاً، ومحدداً فى تحليله، يحلل فى إطار معلومات يستقيها من مصادره الخاصة تارة، ومن مصادر الصحافة العالمية تارة أخرى..

وكان صاحب خلق قويم.. عفاً فى نقده رغم قوة ما يطرح.. نبيلاً فى اتهاماته.. يبغى الحقيقة، ويبغى الوئام قبل تسجيل المواقف لصالح هذا الطرف، أو ذاك..

أشعر أن هذا الرجل قد بلغ الذروة بأخلاقه، وفروسيته، وقدراته البارعة؛ فلم يتنازل أبداً عما يؤمن به؛ ولم يكن يوماً فى الطابور الخامس للسلطة الرابعة..

بارك الله فى هذا الرجل، وتقبل منه كل جهده، وصدقه، وثبته دائماً على الحق حيث كان.


(4) نعم.. أخطأ شباب القسام

حين ارتفع علم حماس على مبانى الأمن الوقائى كان هذا خطأً (وإن كان فردياً)..

وحين وصف ما حدث بأنه كفتح مكة؛ كان خطأ يستوجب الاعتذار..

وحين قـُتل القاتل سميح المدهون علناً وأمام الكاميرات؛ فذاك خطأ ثالث..

أعلم أن ما حدث لم يكن مرتباً؛ وأن ما فعله الآخرون أضعاف أضعاف ما فعله أبناء القسام؛ ولكن ديننا علمنا أن ننصح المخطئ، وعلمنا أن نرى الخطأ خطأ، وأن نرى الصواب صواباً..

والسلام

السبت، ١٦ يونيو ٢٠٠٧

إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله

يا ربُ..
أشكو إليك ضعفى، وعجزى..
أشكو إليك حالى، وقلة حيلتى..
أشكو إليك غفلتى، ولهوى..

يا ربُ..
لا أشكو إليك عباداً فقراء أنت أعلم بحالهم منى..
ولكنى أشكو إليك نفسى التى بين جنبىّ..

أشكو إليك وقد سبقنى بالشكوى إليك..
قلب يشكو قسوة..
وعينان تشكوان جموداً..
وعقل يشكو عجباً..
ولسان يشكو زلة، بل زلات..
وبدن يشكو إهمالاً..

أشكو إليك، وقد سبقنى:
قرآن يشكو هجراناً..
ووقت سحر يشكو استرخاءً..
وفجر يشكو تقصيراً..
وذكر يشكو نسياناً..
أشكو إليك وأنت أعلم بحالى منى..

أشكو إليك وقد غرنى حلمك، وصبرك..
أشكو إليك وقد غرنى عفوك، وغفرانك..
أشكو إليك، وأنا راجٍ لرحمتك، وخائف من عذابك..
أشكو إليك، وأنا الضعيف الفقير الذليل، وأنت القوى الغنى العزيز..

يا ربى..
"إلا تغفر لى وترحمنى أكن من الخاسرين"

السبت، ٢ يونيو ٢٠٠٧

مذكرات ومغامرات مندوب - 3

بعد أحداث الجزء الثانى

حادثت القاضى قبل قفل الصناديق عن رغبتى فى حضور الفرز؛ فأخبرنى بصعوبة ذلك لأن الضباط يدققون بصورة شديدة فى الداخلين للجنة الفرز، وأخبرنى أن مشادة حدثت بينه وبين أحد الضباط فى الجولة الأولى بسبب منع أحد سكرتارية اللجنة من الدخول، ودخل السكرتير فى النهاية بصعوبة.
طلبت منه بأن يدعنى أحاول، وقلت له: لن أسبب لك أى إحراج فى حالة حدوث أى موقف من ضباط الأمن، وسأتحمل المسئولية بمفردى عن هذه المحاولة.
وافق القاضى.. ودخلت فى مرحلة الجد؛ فالأمر من الممكن أن يصل إلى الاعتداء البدنى، فالضباط فى بلدنا مصر (أم الدنيا) لا يجيدون التعامل مع البشر؛ فبعضهم - للأسف - يحمل العصا والسلاح فى عقله قبل يده. كما أنهم يتعلمون فى كلية الشرطة أن الناس كـ "السوستة" إذا لم تضغط عليها قفزت فى وجهك. هذا على مستوى الضباط، أما على مستوى جنود الأمن المركزى فحدث ولا حرج، "اضرب" هذه هى كلمة السر التى قد لا ترى الدنيا بعدها أبداً.
هذه الخواطر عن ضباط وجنود الأمن المركزى لم ترد على خاطرى وقتها؛ لأنها لو وردت لما فكرت فى خوض التجربة، فالتفكير الكثير يساوى التراجع، هكذا طبيعة الإنسان.
كل ما ورد فى خاطرى وقتها أن أفكر فى الخطة التى تقودنى إلى لجنة الفرز.
اقتربت الساعة من السابعة مساء، وبدأ القاضى فى تقفيل محضر اللجنة بأن قام بعدّ أوراق التصويت الباقية دون تصويت وخصمها من العدد الأصلى لأوراق التصويت؛ ليسجل عدد من قاموا بالتصويت، وكذلك عدد الغائبين..
قام القاضى بذلك ومعه المندوب "الفهلوى"، أما الآخر فهو "لخمة" ويكفيه أنه قد أكل طوال اليوم.
وأحضر القاضى الشمع الأحمر وبدأوا فى تسخينه لتشميع الصناديق، ودخلت كاميرا إحدى القنوات الفضائية لتسجل عملية غلق الصناديق، وبالفعل تم تشميع الصندوق، وكانت الدقائق تمر بأسرع من وقتها الطبيعى لحرصى الشديد على إتمام المغامرة.
وقبل أن نبدأ فى التحرك فوجئنا بالسكرتير "اللخمة" قد غيّـر ملابسه، ولبس جلباباً، ففوجىء به القاضى هكذا، وقال له: ما هذا الذى تلبسه، هل تريد أن يمنعوك من الدخول؟ وأمره بتغيير ملابسه مرة أخرى.
فى هذه اللحظة كنت قد رتبت خطتى بأن أحمل الصندوق من إحدى يديه، على أن يحمل اليد الأخرى السكرتير "الفهلوى"، أما أخونا "اللخمة" فجعلته ورائى؛ فشكله لا يشير أبداً أنه من الإخوان؛ لذا فلن يفكر أحد أن يبعده عن المكان.
وبالفعل نفذت هذه الخطة وخرجت من اللجنة الفرعية حاملاً الصندوق من إحدى يديه، ونزلت السلالم، وقلبى يدق بشدة حرصاً على أن يتم الأمر دون مشاكل.
ومرت الأمور بسلام حتى خرجت من باب المدرسة التى كانت تتواجد بها اللجان الفرعية واقتربت من باب السيارة التى ستحمل صندوق هذه اللجنة، ووجدت ضابط الأمن فى حالة توتر شديد وقد جاء بمدد من الأمن لحماية الصناديق، والضابط يصرخ بأعلى صوته محذراً ومنبهاً جنوده بألا يزيد العدد فى كل سيارة عن اثنين يحملان الصندوق ومعهما القاضى.. وسمعت هذه التحذيرات وعلا صوت دقات قلبى، ودخلت السيارة محاولاً إظهار الثقة، وعدم التوتر، حتى فتح باب السيارة وتقدمت إلى المقعد الخلفى للسائق ومعى الصندوق وكنت حريصاً أن أكون بالداخل والصندوق بجانبى؛ حتى أختفى عن الأعين، ودخل أمينا اللجنة الآخرين على الكراسى الخلفية وجلس القاضى بجوار السائق على المقعد الأمامى.. وأغلق الباب.
ويبدو أن التوتر الذى كان عليه رجال الأمن أعمى أعينهم عنى.. كما أن وجودى بجوار الصندوق من الناحية الأخرى من الباب أظهر المقعد المجاور لباب السيارة خالياً إلا من الصندوق.
وانطلقت السيارة مخترقة الجموع التى أحاطت بالسيارات الحاملة للصناديق.
سارت السيارة فى طريقها حتى اقتربت من قسم الشرطة، وبداية من هذا المكان وجدت حشوداً من سيارات الأمن المركزى، وسيارات القوات الخاصة.
اخترقت سيارتنا هذه الجموع، وأنا أكثر من الاستغفار حتى تمر هذه اللحظات التى تتثاقل، واقتربت السيارة شيئاً فشيئاً من مقر لجنة الفرز، وبدأت أرى ضباط الشرطة من كل صنف ونوع.. رتباً عليا ورتباً صغرى.. قوات خاصة وقوات عامة.. ملابس سوداء وملابس نظامية.. عصى مكهربة وغير مكهربة.. خِـوذ وسواتر.
كأنها الحرب بعينها، وأنا أجول بناظرى هكذا حاولت أن أُثبـّت نفسى، وأن أكثر من الاستغفار حتى تمر الأمور بسلام.. خاصة أن كشفى فى هذه الحالة سيرينى "النجوم فى عز الظهر" كما يقولون، كما أنى "سآكل ضرباً ما أكلوش حمار فى مطلع" والله وحده يعلم ماذا سيحدث بعد ذلك، فلن يكون لى دية وقتها.. وقفنا أمام حاجز الأمن الأول، وبدأنا فى النزول من السيارة.. كنت حريصاً طبعاً على أن أحمل إحدى يدى الصندوق حتى لا أنكشف، وحمل اليد الأخرى الأمين "الفهلوى"، ومشى أمامنا القاضى، ووجدت الأمين "اللخمة" يمشى وراءى ويحاول أن يأخذ يد الصندوق منى ويقول لى: سيمنعوننى من الدخول، فقلت له بصوت خفيض: اصبر قليلاً وسنمر بإذن الله.
وبالفعل مررنا بحول الله وقوته من الحاجز الأول وأمامنا القاضى.
وكان مرورنا من الحاجز الأول هو الفيصل، فقد كانت الحواجز التالية أخف حدة ووطأة من هذا الحاجز، رغم أن الوجوه الأمنية مرعبة فعلاً، وتشعر فى عيونها بالترصد والشرر؛ ولكن قدرة الله - سبحانه وتعالى غالبة.
دخلت باب مقر الفرز، ثم دخلت الصوان المخصص لفرز الصناديق فى فناء المدرسة الصناعية، ووجدته عبارة عن عدد من "الديسكات" يساوى أو يزيد قليلاً عن عدد اللجان الفرعية، وفى الأمام هناك حاجز من الخشب يجلس خلفه رئيس اللجنة العامة ومعه بعض الأشخاص أظنهم سكرتارية اللجنة العامة، كما يوجد خلف هذا الحاجز - المحاط من جوانبه الأربعة - منصة علوية عليها مجموعة من المقاعد، ومنضدة مستطيلة الشكل.
كنا من أوائل الداخلين إلى لجنة الفرز بالصناديق، وصلنا إلى "ديسك" لا هو بالبعيد عن مكان رئيس اللجنة العامة، ولا هو بالقريب من باب الصوان.
وكان هذا مكان آمن بالنسبة لى حتى أبتعد عن رجال "فزع الدولة" الذين لم ألحظهم فى البداية، ولكنى بدأت أرى وجوههم وعيونهم المترقبة بالتدريج.
وضعنا الصندوق على الديسك، وقال لى القاضى بمجرد أن استقر بنا المقام: "إنت بركة"، قلت له: "الحمد لله إنها عدت على خير".
بدأ القاضى بفض الشمع الأحمر، وفتح الصندوق بمفتاح القفل الذى كان معه، وبدأ فى رص الأوراق أعلى "الديسك"، وقد كان منظما ومتمرساً للغاية.
فقد بدأ فى عد الأوراق حتى يتأكد من مطابقتها للرقم الذى دونه فى محضر اللجنة الفرعية، ثم بدأ فى استبعاد الأصوات غير الصحيحة، وهى التى لم تصوت لمرشح فئات وآخر عمال، أو الذى اختار أكثر من مرشحين، أو الذى ترك الورقة فارغة.
وكانت الأصوات الباطلة أقل من أصابع اليد الواحدة، وكان أحد هذه الأصوات لـ "ابن البلد".. نعم والله لـ "ابن البلد" فقد كتب صاحبنا اسمه على ورقة الترشيح.. وقلت فى نفسى: "ربنا يسهل لعبيده!!!".
ثم بدأ القاضى فى تجهيز محضر الفرز النهائى للجنة الفرعية بأن كتب فيه البيانات الرئيسة، وهى اسمه واسمَى الأمينين، وعدد الأصوات الصحيحة وعدد الأصوات الباطلة، ثم بدأ الفرز والتسجيل فى نفس الوقت.
كان القاضى يـُدوّن والأمين "الفهلوى" يمليه الأصوات واحداً تلو الآخر، وبعد عدد قليل من الأصوات طلب القاضى من الأمين الفرز من البداية.. ويبدو أنه قد فعل ذلك ليتأكد أن الأمين لا يَغُـش، وبالفعل عد الأصوات من جديد وطابقها بما كتبه فى المرة الأولى، وكانت لفتة ذكية من قاض يرعى ربه، ويخشى المسئولية.
استمر الفرز وأنا أقف مراقباً، والأمور تكاد تكون محسومة للمهندس/ إبراهيم أبو عوف، فأمام كل صوتين للمهندس/ إبراهيم هناك صوت واحد للمستشار/ محمد موسى، وكذلك كانت الأمور على مقعد العمال: اثنان لناجى عبد المنعم، وواحد لمحمود نبيه مرشَحَى الحزب "إزاى ما تعرفش".
وقد أثار هذا عجبى، وكيف اختار ثلث الناس مرشح الحزب الوطنى الذى اشتكوا لطوب الأرض أنه لا يخدم أحداً، كما أنه ترزى القوانين الأول بحكم كونه رئيساً للجنة الدستورية فى المجلس السابق، ولكن يبدو أن هذا دلالة على أن أصحاب المصالح والمتربحين من بقاء هؤلاء ما زالوا كثراً، يشمل ذلك أعضاء المجالس المحلية، والراغبين فى الترقيات، والطامحين وغيرهم.. ولك الله يا مصر!!!
أثناء الفرز وجدت فجأة ...... مخبر أمن الدولة "ولا فخر"، قلت: آهٍ.. آه، لقد انكشفت، وترددت بين البعد عن مكان فرز الصندوق الخاص بى وبين أن أبقى فى مكانى.. خاصة أن صاحبنا .... قد وصل بالفعل إلى "الديسك" الذى يفرز عليه صندوقى، حسمت أمرى بالبقاء مكانى دون حركة كى لا أثير انتباهه، وبالفعل تأكدت من عدم معرفته بى، وانشغاله بنتيجة الفرز، وملاحظة حركة الأصوات وفى أى اتجاه تسير..
وقفت على أعصابى خشية أن يسألنى: من أنا؟ خاصة وأنا لا أحوز توكيلاً بدخول لجنة الفرز.
بدأت أتنبه أخيراً أن باقى الصناديق قد دخلت، وأن المحامين الحائزين على توكيلات الفرز ومعهم المرشحون بالفعل داخل اللجنة، وبدأت أسمع أصواتاً عالية، ومشادة لسانية حول إعلان نتيجة الصناديق الفرعية صندوقاً صندوقاً بناء على توصية نادى القضاة، وقد رفض رئيس اللجنة العامة ذلك، وهو أمر غريب يثير الريبة.
حاول المحامون كثيراً؛ ولكن القاضى أصر على موقفه.. وهنا اقتربت أكثر من المقدمة حيث رئيس اللجنة العامة والمرشحون والمحامون، وأمام ضغط المحامين، وإصرار القاضى على موقفه.. فاجأ القاضى "رئيس اللجنة العامة" الجميع بأمره الأمن بإبعاد كل المحامين عن الحاجز الذى يجلس خلفه.. على أن يبقى فقط المرشحون الأربعة أمام الحاجز وليس داخله.. أى أنهم بعيدون أيضاً عن مكان تجميع الأصوات النهائية.
طبعاً لم يمانع فى ذلك إلا المهندس/ إبراهيم أبو عوف، فالمستشار/ محمد موسى كان يجلس فى مؤخرة الصوان بجوار ضباط الأمن وأفراد "أمن الدولة"، وناجى عبد المنعم يعرف أصول اللعبة جيداً، فلا داعى للممانعة، ومحمود نبيه دخل إطار اللعبة وأصبح من أصحابها.
كان بالفعل موقف "رئيس اللجنة العامة" غريباً، وكان دلالة على تعمد غياب الشفافية، ولكن فللنتظر ولنرى.
بدأ وكلاء المهندس/ إبراهيم وأنا معهم فى رصد نتائج الصناديق الفرعية وملئها فى الجدول المجهز مسبقاً لذلك، وكنا نحاول أن نرصد كل الصناديق، وتجميعها أولاً بأول، وقد كان لبعض القضاة موقفاً رائعاً حيث كانوا ينادوننا لنحصل على نتائج الصناديق من واقع المحضر النهائى للفرز للجانهم الفرعية..
ولكن كان على الجانب الآخر رجال "فزع الدولة" يحاولون إثارة الرعب بيننا بأن يبعدونا قدر المستطاع عن الصناديق ونتائجها حتى لا نثير مشاكل إذا حدث تلاعب، وقاد هذه الحملة شخص غامض ضخم الجثة يلبس "بدلة" ويتردد على القاضى ويخرج من عنده إلينا ليصرخ ويبعد الوكلاء عن القضاة "رؤساء اللجان الفرعية".
لم يخل الأمر من بعض الطرائف فى طريقة فرز بعض القضاة لصناديقهم - أظنهم من هيئة قضايا الدولة، فقد ظل أحدهم يفرز صندوقه أكثر من ساعتين كاملتين، أو يزيد، بأن يعد الأصوات أولاً ثم يعد أصوات أحد المرشحين على حدة، ثم يعيد الفرز مرة أخرى لمرشح آخر، وهكذا أى أنه فرز الأصوات أربعة مرات، ثم دون كل ذلك فى ورقة بيضاء "درافت"، ثم جمعها فى النهاية فى المحضر النهائى، ولم يخل الأمر بالطبع من الخطأ فى الجمع، فيقوم بالفرز مرة أخرى.. ورغم طرافة الموضوع إنه يدل على حرص القضاة على إخراج النتيجة بما يرضى الله عز وجل.
وكانت النتائج تشير إلى فوز كاسح للمهندس/ إبراهيم أبو عوف، والمحاسب/ محمود نبيه.
ولكن كان للأرقام بعض الدلالات منها:
1- أحد صناديق بلد مرشح الحزب الوطنى الأصلى (العضو السابق) كان بها 818 صوتاً، وهو رقم غريب جداً لا أعرف متى دخل هذا العدد خلال ساعات التصويت الإحدى عشرة - منها 814 صوتاً لمرشَحى الحزب الأصليين، وهو أمر محزن أن تنتخب هذه النسبة الهائلة من يعلمون أنه ترزى القوانين سيئة السمعة!!!
2- كانت صناديق بلد مرشح الحزب فئات (رئيس اللجنة الدستورية) مفاجئة إذ قسمت أصوات مقعد العمال فيها على المرشحين وإن مالت الكفة لمرشح الحزب الجديد (بعد نتيجة الجولة الأولى)، وهو ما صدم العضو السابق وشعر على إثرها بالخيانة (ونعم المبادئ!!!).
3- أن نتيجة المرشح الفئات للحزب الوطنى فى الجولة الأولى منطقية (رغم ما أثير من شكوك)، فقد حصل على أصوات بلده كاملة تقريباً، وكذلك حصل على أصوات بلد مرشح الحزب عمال كاملة تقريباً، والبلدان تقترب الأصوات فيهما من العشرة آلاف صوت، بالإضافة إلى حصوله على أصوات أصحاب المصالح فى كل بلد.. مما يرجح أن السبعة عشر ألف صوت كانت حقيقية.

استمرت الاتصالات من الزملاء بالخارج لمعرفة الأخبار أولا بأول، والاطمئنان على النتيجة، وموقف رئيس اللجنة العامة، ونحن نبلغهم أولاً بأول بمدى تقدم المهندس/ إبراهيم حتى رصدنا حوالى مائة صندوق من ضمن الصناديق التى تتجاوز المائة والستين صندوقاً..
أى أن ستين صندوقاً على الأقل قد فلتت منا دون رصد، وكان ذلك بسبب قلة عددنا، وجو الرعب الذى ساد القاعة، وتراخى بعض الوكلاء الذين اكتفوا بالكلام مع المرشحين الآخرين، وتركوا مهمتهم الرئيسة وهى رصد الأصوات.
وكان هذا دلالة أيضاً على أن نتيجة الفرز فى الجولى الأولى القائمة على التجميع غير دقيقة؛ لأن عدم الحصول على نتائج هذا العدد من الصناديق فى الجولة الثانية حيث المرشحين الأربعة فقط، يؤكد عدم القدرة على الحصول على نتيجة عدد أكبر من الصناديق فى الجولة الأولى حيث المرشحين الاثنى عشر على ما أذكر.
حاولنا ألا نشعر أحداً بذلك، لأن معرفة ذلك قد تسهل الأمر على من يريد قلب النتيجة.
كانت النتيجة فى الصناديق التى تم فرزها تشير إلى حصول المهندس/ إبراهيم على 20000 صوت تقريباً فى مقابل 13000 تقريباً للمستشار/ موسى، وكانت النتيجة قريبة من ذلك على مقعد العمال، والسبق للمحاسب/ محمود نبيه.
زادت الاتصالات، وانتهى الفرز الفرعى تماماً، وسكرتارية رئيس اللجنة العامة يفضون مظاريف اللجان الفرعية ويدونونها ونحن بعيد عنهم، لا نعرف ماذا يدور.. والشخص الغامض يدخل إلى رئيس اللجنة العامة يحادثه حديثاً يطول فى بعض الأحيان، ويقصر فى البعض الآخر..
ثم يعود هذا الرجل الغامض إلى مؤخرة "الصوان" حيث المستشار/ محمد موسى، وكأن شيئاً يدبر.
وإخواننا بالخارج يرفعون أصواتهم بالدعاء، وتثبيت القضاة بالقول: "إن فى مصر قضاة لا يخشون إلا الله"، وللأسف لم نتبين شيئاً من هذا الدعاء.. لم نسمع إلا أصواتاً غير واضحة المعالم تتردد فى فضاء المدرسة.. وكانت كما قالى لى الإخوان بعد ذلك تهز جبالاً صماً وقلوباً غلفاً، وكما قال لهم أحد العامة من الناس: "لو سمعها كافر لما غير النتيجة أبداً".
الدقائق تمر بطيئة، وأنظارنا متجهة نحو "رئيس اللجنة العامة".. نحاول أن نتلمس أى شىء، ولكن هيهات فهو بعيد عنا، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه.
كل حركة نحسبها، وكل رنة تليفون محمول تتبعها مكالمة يجريها رئيس اللجنة العامة تشعرنا بالخيانة.. تشعرنا أن شيئاً ما يدبر. ما الذى يمنع النتيجة من أن تعلن، فالتجميع لا يأخذ كل هذا الوقت..
أمن الدولة يمنعنا من التجول داخل الفناء، يحصرنا جميعا فى ركن واحد، قلنا: إنها الخديعة إذن، وكما قال أحد الإخوان "دا إحنا هانضرب ضرب!!!".
نتلمس نتائج الدوائر الأخرى عل نسيماً يريح القلوب، وفوزاً يثلج الصدور، وبالفعل جاءنا الخبر الأول بفوز أحد الإخوان فى إحدى دوائر سوهاج.. واستبشرنا خيراً، وقلنا بإذن الله تكون البداية.
وبدأ "رئيس اللجنة العامة" يلملم أوراقه، وفجأة وجدنا رتلاً جديداً من القوات الخاصة يدخل لجنة الفرز، ويقترب من مكان المنصة ويدخل إليها ويحيط بالقاضى، بشكل يثير الرعب، ويبعث على الريبة، ويقف المهندس/ إبراهيم على أحد الكراسى موجها كلامه إلى القاضى "رئيس اللجنة العامة" بأنه يمنعه من حقه القانونى من الإطلاع على الفرز، فيصرخ القاضى موجهاً كلامه إلى المهندس/ إبراهيم بأن ينزل، فيتجاوب معه كى لا يزيد الأمور اشتعالاً.
وهنا يعتلى القاضى المنصة ويمسك بيده الأوراق، ويفتح السماعات الداخلية، ونبدأ فى الدعاء، فيوجه كلامه إلينا: أتدعون علىّ، فنقول له بصوت واحد: لا، ويرتفع صوت المهندس/ إبراهيم أبو عوف بالدعاء: "اللهم أجرِ الحق على لسانه.. اللهم أجرِ الحق على لسانه.. اللهم أجرِ الحق على لسانه" وأمـّنـّا وراءه.
وبدأ "رئيس اللجنة العامة" فى الكلام مبتدئاً بالكلام التقليدى بأنه قد تم دعوة الناخبين البالغ عددهم .... فى دائرة منية النصر، وكان عدد الأصوات الصحيحة 57 ألف صوت وبعض المئات... وعدد الأصوات الباطلة ... وأن النتيجة بترتيب الأسماء فى ورقة الاقتراع هى:
1- المستشار/ محمد محمد موسى، وحصل على 18 ألف صوتا وبعض المئات من الأصوات - لا أذكرها.
2- المحاسب/ ناجى عبد المنعم إبراهيم وحصل على ما يقرب من نفس الرقم تقريباً.
3- المهندس/ إبراهيم أبو عوف وحصل على 28 ألف صوت و....
وعند هذه الكلمة لم يسمع أحد شيئاً فكان التكبير والتهليل يملآن الفناء.
جريت فرحاً - لا أعرف إلى أين - نظرت حوالى وجدت الجميع فى حالة عدم تصديق، وقام البعض بحمل المهندس/ إبراهيم وجرى به، وكذلك المرشح الثانى المحاسب/ محمود نبيه، وجرينا بصورة عشوائية، تطير الفرحة بنا، قبل أن نطير بها.
اتصل بى أحد الزملاء من الخارج يسألنى عن النتيجة فأخبرته بها، لم يصدق فأقسمت له أن القاضى أعلنها فعلاً، أغلقت معه فإذا بزميل آخر من محافظة أخرى يتصل بى يطمأن، فأخبرته وفرحته.
طرت فرحاً، اتصلت بزوجتى، وأهلى، وأحد أصدقائى أطمئنهم جميعاً.
الله أكبر.. ولله الحمد
هكذا كان يعلو صوت الجميع.
اخترقت جموع الأمن جرياً لعلى أسبق بإبلاغ الخبر إلى الأحباب القلقين فى الخارج، لم أجد أحداً، بحثت عنهم لم أجدهم..
وجدت بعض النساء فى "البلكونات" يسألننى عن النتيجة فأخبرتهن بها..
الجميع لا يصدق.. الجميع يكتم فرحه.. خوفاً من أن تكون كذبة تصدمهم بعد ذلك..
علمت أن الإخوان فى الخارج منعوا أى أحد من الاحتفال بالفوز حتى يتبينوا الخبر..
وها قد جاء الخبر ووجدتهم أخيراً، فقد أبقوا أنفسهم - بارك الله فيهم - بين الحقول عل صوت الدعاء يعلو فيصل إلى قلب، فيخشى الله ويظهر الحق.
وجدتهم يدعون، ويحمدون الله على نعمائه، ويشكرون كل من ساهم فى إظهار الحق، حتى الأمن لم يغفلوه من الدعاء، وهذه هى أخلاق الدعاة تحمل الخير لكل الناس، ولا تحمل الضغينة لأحد مهما كان عداؤه.
هنا لم تكن النهاية.. بل كانت بداية مسئولية تنتظر من يحملها بأمانة.. هنا كانت بداية الخطوة الأولى نحو غياب أهل المصالح.. الذين يعملون لأنفسهم، وعلى حساب وطنهم، وظهور من اختصهم الله بقضاء حوائج الناس..
نعم.. سيكون الطريق طويلاً، ولكن ما دامت أولى خطواته قد بدأت ستتلوها بإذن الله خطوات وخطوات..
والله أكبر.. ولله الحمد..

مذكرات ومغامرات مندوب - 2

بعد أحداث الجزء الأول

سأل الضابط أحد القضاة عن إمكانية دخولنا إلى المدرسة حيث مقر عدد من اللجان الفرعية، فأذن لنا بالدخول؛ فحمدت الله سبحانه وتعالى على نعمه، وشعرت بأن الحلم قد بدأ يتحقق وأنى سأكون فى أمان.
دخلت اللجنة بالفعل وتعرفت على القاضى الموجود باللجنة، وكان من حظى والحمد لله أن كان رئيساً لمحكمة جنايات.. قاض جليل فى نهاية العقد السادس من عمره؛ فاستبشرت خيراً بصحبتى لهذا الرجل.

كما تعرفت على أمينى سر اللجنة وهما موظفان عموميان من إحدى قرى محافظة الشرقية، تلمس فى وجوههما الطيبة الشرقاوية المعروفة.
وقد كنت أول مندوب فى لجنتى حيث لم يأت باقى المندوبين الممثلين لباقى مرشحى الإعادة.
قدمت للقاضى التوكيل الخاص بى من م/ إبراهيم أبو عوف (وهو من كشف خلال عضويته بالمجلس فضيحة القمح المسرطن) ، (وبالطبع كان هذا التوكيل صادراً من سجل مدنى المنزلة، وليس من سجل مدنى منية النصر حتى لا يرفض موظفو السجل اعتماده؛ لأننا كما نعرف فى بلد القانون!!) فسجله عنده فى السجلات الخاصة باللجنة، وسرعان ما أتى أحد المندوبين الآخرين، فسجل اسمه، وبذلك وقعنا على المحضر الرسمى للجنة، وقمنا بالتصويت قبل حضور الناخبين، وبالطبع كان أول صوت فى اللجنة للمهندس/ إبراهيم وهو بالطبع صوتى، وقلت: "افتتاحها مسك" إن شاء الله.
كان باقى اليوم مملاً.. حيث غاب المُصوتون؛ لأن المرشح "ابن البلد" قد خرج فى الجولة الأولى (وكأن المرشحين الآخرين من جمهورية الواق واق مثلاً)؛ فأصيب أهل البلد بالإحباط، ورفضوا الحضور، وقد حكى لى الإخوان أنهم يحاولون إخراج الناس بأى شكل؛ ولكن الرفض كان هو السائد.
فقد أثار (ابن البلد) الناس، وحفزهم لانتخابه (كى ينال حظ التصفيق فى المجلس لقرارات الحزب الوطنى المخربة للبلد)، ولكن لأنه "ابن بلدنا" لم يحصل على أصوات من البلاد الأخرى لأن لديهم "ابن بلدهم" أيضاً، وهذا من عميق الفكر الذى حبا الله به عباده!!!
وهو أمر غريب جداً أن تتحول مصر إلى مجموعة من البلاد، تسعى كل بلد إلى نفسها وحظها وأبنائها على حساب المصلحة العامة!!
ولكن على العموم هذه آفة الانتخابات فى مصر حيث تعلو العصبيات، ويغيب صوت العقل.
واستمر اليوم هكذا حيث زاد عدد الناخبين طوال اليوم فى لجنتى - بعد المجهودات المضنية التى بذلت لإحضار الناس - عن حوالى 150 ناخباً بقليل، وذلك بمعدل 15 ناخب فى الساعة الواحدة، مما جعل اليوم مملاً فعلاً.
ولكن رغم هذا الملل فقد رأيت المرشح (ابن البلد) وهو يمر على اللجان (لماذا؟!!!) وهو يخبر القضاة بأنه قد ظلم، وأنه صاحب الحق فى الإعادة، وأنه...، وأنه...، وقلت فى نفسى: لله فى خلقه شئون.
والغريب بأنى قد سمعت بأنه انتخب وبصوت عال مرشح الحزب الوطنى قائلاً: "وآدى صوتى للى زوروا له الانتخابات". ولأترك هذه بلا تعليق!!!!!!!
واسترجعت ما سمعته فى مؤتمرات (ابن البلد) من أحد المتحدثين (المتسلِّفين) من أن "ابن البلد" له ثلاثة حقوق (بالشرع طبعاً) حق الجيرة وحق الإسلام وحق القرابة (وهى والله نكتة لا تستحق التعليق).
وما سمعته (نقلاً) من أن أحد مشايخ الأوقاف (العلماء!!!) قد وصفه بأنه سابع(!!!) الخلفاء الراشدين (يا هوووووووووه!!!).
كما تذكرت كم التخويف الذى بثه أنصار (ابن البلد) للإخوان.. من التهديد الصريح بالضرب والإيذاء للنساء قبل الرجال لكل من يحاول منهم (فى الجولة الأولى) من الاقتراب من اللجان (كأنهم الصهاينة!!!).
رأيت كل ذلك أمام عينى وأنا أشاهد (ابن البلد)، وقلت: غفر الله للجميع.
كما أنى قد تعرفت على القاضى الفاضل بصورة أكبر بعد أن تجاذبنا أطراف الحديث، وعرفت منه أنه إنسان متدين جداً، وكذلك زوجه وأولاده.. وحمدت الله أن مصر ما زال بها أمثال هؤلاء الناس العظماء.
أما أمناء سر اللجنة فكانوا حكاية..
الأول كان لا يكف عن الأكل طوال اليوم، عرض عليه القاضى من طعامه فأكل، وعرض عليه أحد المندوبين فأكل، وكان معه طعامه الخاص به فأكل منه أيضاً.
وبالمناسبة فقد نسى الإخوان أن يحضروا لى طعاماً طوال اليوم؛ فظللت جوعاناً طوال اليوم، فقلت: الحمد لله!!!!
أما الثانى فقد كان ممن يسمون بـ "الفهلوية"، وممن يحبون الحكايات، والحديث عن البطولات.
ومن حكاياته: كيف شارك فى تزوير انتخابات الرئاسة، ووضع الأصوات بيده فى الصناديق، وكيف كان يشارك فى تزوير الانتخابات السابقة قبل إشراف القضاة، لذا فقد أصبح متخصصاً فى التزوير (بئس التخصص).
وقد اتهمنى هذا "الفهلوى" بأنى "مش مفتح دماغى" و"مش مطأطأ"؛ لأنى عطلته عن خداع القاضى أكثر من مرة بالوقوف على رأسه عند البحث عن أحد الأسماء؛ لأن سيادة الأمين كان يريد لحاملى الأسماء الخاطئة (أو المزورة) أن يوقعوا مكان أسماء أخرى مستغلاً بعد القاضى عنه عند البحث عن الأسماء.
وقال لى: أنه يفعل ذلك للمصلحة؛ لأن الحزب الوطنى يزور، ويمنع الناس من الدخول، و...؛ فأخبرته: أنى مستغن عن شرف "تفتيح الدماغ" و"الطأطأة" لأنها ليست من أخلاقنا ولا من ديننا.
ومن الأحداث المثيرة المحزنة فى هذا اليوم اتصال بعض الزملاء لإخبارى بما حدث فى برمبال - بلد مرشح الإخوان - من ضرب بالرصاص الحى، وإصابة بعض الأهالى بإصابات خطيرة، وحاجة بعضهم العاجلة لنقل الدم لتعويض النزف..
وقلت: يا سبحان الله.. أيقتل الناس بهذه السهولة؟ ولأجل ماذا؟
هل عضوية مجلس الشعب تستحق أن تسفك الدماء من أجلها؟
ألهذا الحد يخافون من الحرية؟ يخافون من كشف الفساد؟

زاد ذلك من قناعتى بحاجتهم فى هذا المجلس إلى مجموعة من المصفقين.. تحمى الفساد وتصفق له.. تصفق لتفويض البلد بمن فيها لشخص واحد..
مجموعة من المطبلين.. تحمى نهب المال العام.. تحمى "ممدوح إسماعيل" قاتل الناس فى عباراته المتهالكة.. تحمى صاحب شركات "الفياجرا" المهربة.
مجموعة من المتواطئين.. تحمى قانون الطوارئ، واعتقال الناس فى منتصف الليل.. تحمى وزارة الداخلية التى تفزع الناس فى أقسام الشرطة بدلا من أن تؤمنهم.
هذا هو عضو مجلس الشعب الذى يريدونه.. ولا فرق لديهم أن يكون هذا العضو "ابناً للبلد" أو مرشحاً للحزب الوطنى.. المهم: أنه سيبصم دون أن يقرأ.
فالأمر إذن يستحق سفك الدماء، وتزوير الكشوف، وترويع الآمنين..
قلت: {ليت قومى يعلمون}.
عشت فى هذه اللحظات فى قلق عميق خوفاً على هؤلاء المصابين، وخوفاً من أن تزهق نفس؛ فتشكو إلى بارئها ظلم الظالمين، وظلم من ساندهم بالصمت أو بالتأييد.
لم أطمئن على المصابين إلا بعد انتهاء اليوم، وإن كان القلق لم يزل نهائياً؛ لأنهم قد نقلوا إلى مستشفى الطوارئ فى المنصورة، ودعوت الله لهم بالشفاء.
ومما أتذكره فى هذا اليوم ما قاله مندوب مرشح الحزب الوطنى "عمال" أن بلد مرشح العمال المنافس (الذى أصبح أيضاً "وطنى"!!!) واسمها الكردى تعطى أصواتها لمرشح الحزب الوطنى "فئات"، وبلد مرشح الحزب "فئات" واسمها "البجلات" تعطى مرشح العمال "اللى ماكانش وطنى وبعدين بقى وطنى"، "طبعأً ماحدش فاهم حاجة"، ولا تعطى مرشح الحزب الأصلى، وقلت له: إن هذا متوقع من أصحاب الفكر الجديـــــــــــــد؛ فالحزب الوطنى ما هو إلا مجموعة من أصحاب المصالح لا يربط بينها إلا رابط هذه المصالح؛ فالقيمة هى المصلحة الشخصية حيث كانت.
وأيضاً مر رئيس اللجنة العامة على المدرسة، ووجدته قاضياً صغير السن، مما أثار الاستغراب فى نفسى.. كيف يرأس هذا القاضى الصغير اللجنة العامة، فى حين يرأس قاض جليل رئيس لمحكمة جنايات لجنة فرعية..
سألت القاضى هذا السؤال؛ فأخبرنى أن هذا القاضى (رئيس اللجنة العامة) كان وكيلا للنيابة تحت رئاسته وقت أن كان رئيساً لمحكمة!!!
ولكنه قال لى أن هذا الأمور لا تفرق معه، وهو يؤدى واجبه بما يرضى الله سبحانه وتعالى وفقط.
أقلقنى هذا الأمر، وزاد الشكوك التى أثيرت حول تغيير النتيجة فى الجولة الأولى، ولكنى كنت أدرك أن الله سبحانه وتعالى هو الذى يدبر مهما دبر الآخرون.
ونظراً لثقتى فى القاضى، ونظراً لهدوء الجو فقد تحركت بحرية، وخرجت من اللجنة أكثر من مرة.. مرتين لصلاتى الظهر والعصر، ومرة للطعام حيث ذهبت لبعض أقاربى للغداء معهم (بعد أن نسينى الإخوان) وقد كان ذلك قبل غلق اللجنة بساعة تقريباً.
وعدت وقتها إلى القاضى وبدأت أحادثه حول مغامرة جديدة رغبت فى فعلها.
هذه الرغبة هى دخول لجنة الفرز..
فأخبرنى القاضى بـ ...


وعند ذلك تبدأ أحداث الجزء الثالث.

مذكرات ومغامرات مندوب - 1

فى ظل أجواء انتخابات مجلس الشورى الحالية، وما يصاحبها من أفلام هزلية تقوم بتمثيلها، وتأليفها، وإخراجها حكومتنا السنية..
وفى ظل أجواء احتدام النقاش حول
شعار "الإسلام هو الحل" فى ساحة المدونات، ثم على صفحات الجرائد الموضوعية جداً!!!
وفى ظل عدم رغبتى فى الخوض فى هذا النقاش الذى أراه مثمراً، وبناءً؛ إلا أن فتحه فى هذا الوقت قد جانب الصواب؛ لأن الأولى كان فى طرح الأمر للنقاش قبل اتخاذ قرار بشأن انتخابات الشورى، وتحديد شعار الإخوان الانتخابى فيها، أو أن يؤجل الأمر حتى تنتهى هذه الانتخابات وبهذا تدخل المناقشة فى إطار التقويم، والتصحيح..
فى ظل هذه الأجواء أردت تذكر آخر انتخابات نيابية فى مصر، والتى تمت فى عام 2005 فى ظل آخر إشراف قضائى على الانتخابات..
أتذكر فيها دورى كمندوب فى لجنة فرعية فى إحدى دوائر محافظة الدقهلية فى صورة هوامش، ومغامرات كتبتها من قبل فى موقع
صوت منية النصر.


والآن أترككم مع:

مذكرات ومغامرات مندوب (1)

المكان: لجنة (..) بمدرسة (..)
الزمان: 7/12/2005
الحدث: جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشعب 2005

كانت الأجواء المحيطة بهذا التحقيق - أو بمعنى أدق هذه المغامرة - ملتهبة جداً..
فهى مغامرة أن تكون مندوباً فى لجنة فرعية فى انتخابات مصرية (لأنها طبعاً أم الدنيا)، ومجازفة أن يكون ذلك لأحد مرشحى الإخوان المسلمين..
ولكيلا أطيل عليكم؛ أدخل فى التفاصيل:
أنا مندوب لجنة فرعية لمرشح الإخوان فى دائرة منية النصر؛ والمنافس هنا هو رئيس اللجنة الدستورية السابق فى مجلس الشعب المصرى (طبعاً حصلنا الرعب)؛ وكما تعلمون فإن اللاعب الرئيس فى الانتخابات المصرية (النزيهة جداً) هو أمن الدولة (أقصد أمن النظام طبعاً).
المهم.. عرفت ليلة الأربعاء - بعد أن رجعت من القاهرة - دورى المطلوب وهو أن أكون مندوباً داخل اللجنة الفرعية المقيد بها اسمى فى الجدول الانتخابى، وقلت لنفسى: الحمد لله، سأكون فى أمان فأنا تحت حراسة القاضى ولن يجرؤ أحد من أمن (..) أن يقترب منى.
وطبعاً كان هذا من قبيل التمنى لا من قبيل الحقيقة؛ فأنت فى مصر (أم الدنيا) لا تدرك مصيرك المحتوم، ولا قانون يحميك ولا "يحزنون" فهم القانون والقانون هم.
وبالطبع لأننا فى بلد الأمن والأمان طُلب منا ألا نبيت فى بيوتنا؛ حتى لا تتشرف بيوتنا بحماة الوطن، وزوار الليل فى وقت السحر (طبعاً لعقاب الأخ النائم لأنه لم يستيقظ لقيام الليل). ولكنى قلت لنفسى: أنا "غلبان"، وأعيش فى القاهرة.. وما أنا إلا فرد ضعيف غير معروف لـ "حماة الوطن"، كما أنى ما زلت مشروع أخ يمشى بداخل "الحيط"؛ ولذلك قررت أن أنام فى البيت.
وكان الترتيب أن يلتقى كل مجموعة من مندوبى اللجان الفرعية فى مكان ما بعيداً عن الأعين، وذلك فى الصباح الباكر حتى نصل إلى أرض المعركة (أقصد المدرسة)..
وكان مكان اللقاء عند ...
عند ...
(اللهم احفظنا) المقابر، إى والله فى المقابر، ويبدو أن هذا إدراك من الإخوان للنهاية المحتملة للمعركة (أقصد هذه المرة: الانتخابات).
ذهبت إلى أرض المأوى والمستقر (إن آجلا أو عاجلا) فى الساعة المحددة، ودخلت وأنا مرعوب (هذه طبعاً بداية الشجاعة) فقد كنت بمفردى، وزاد هذا من رعبى، وارتعشت الأيدى، وتخلخلت الركب، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، حتى سمعت صوتاً قريباً، فقلت: الحمد لله.. "هى كانت ناقصة رعب".. أليس كافياً أننى مندوب فى لجنة.. "كمان" يتركوننى بمفردى.
طبعاً لكيلا أطيل عليكم (هكذا يقولها كل المشايخ المحبوبين!! على المنابر) قابلت بعض المندوبين الذين وصلوا قبلى - ولكن إلى مكان غير الذى أتيت إليه - وأفهمونى أن مجموعتى من المندوبين فى مكان آخر، فذهبت إليهم شجاعاً مقداماً (!!) ناطقاً بالشهادتين وممنياً نفسى بحماية القاضى (طبعاً لو دخلت اللجنة أصلاً).
ووصلنا بعد فترة هى فى عمر الزمن قصيرة، وعلى نفسى كانت كالدهر إلى أقرب مكان من اللجنة، وفوجئت أن إحدى القنوات الفضائية تثبت محطة الإرسال الخاصة بها هناك، وهنا قلت لنفسى: الله أكبر، سندخل اللجنة مكبرين ومهللين تحت حماية مراسلى هذه القناة، وهنا ثبتت الأقدام، وانتصب الجسد، وتحركت الأقدام.
وإن كانت نفسى (الموسوسة) ذكرتنى بقولها: أنسيت أن الفضائيات كانت فى كفر شكر وقبلها فى الإسكندرية، ولم يمنع ذلك حماة الوطن (!!) من حماية الوطن من أمثالنا (أقصد ....).
واقتربت أكثر من اللجنة ومعى زميلان وفوجئت أن قوات الأمن ما هى إلا ضابط برتبة ملازم أول، وجنديان أو ثلاثة على ما أذكر.. وتنفست الصعداء.. واستجمعت كل قواى (التى كانت كل واحدة منها منفصلة عن الأخرى) وذهبت إلى الضابط وقلت له: أنا مندوب وأريد دخول اللجنة، فكلمنى بكل أدب وقال: ممنوع دخول المندوبين حتى يأتى كل القضاة أو يأذن الحاضرون منهم بالدخول.. فاحترمت نفسى طبعاً، وقلت: فلننتظر.
كانت الساعة وقتها تسبق الثامنة بعشر دقائق تقريباً، فاستعنت بالله وقلت: اللهم اكفناهم بما شئت وكيف شئت.. وتسامرت مع بعض الزملاء قبل الدخول.
حتى حانت الساعة الثامنة، فذهبت عندها مرة أخرى إلى باب المدرسة، وتحدثت مع الضابط ثانية بشأن الدخول؛ خاصة وأن هذا هو موعد فتح الصناديق، ولا بد أن ندخل قبل الناخبين حتى نعد محضر اللجنة الفرعية مع القاضى رئيس اللجنة، فالتفت الضابط لأحد القضاة وسأله ....

وعند ذلك تبدأ أحداث الجزء الثانى..

الجمعة، ٢٥ مايو ٢٠٠٧

وزارة شؤون الكنيسة

كثيراً ما أرى فى طريق سفرى مسجداً فخماً ذا مئذنة عالية، وقبة ملونة قد أنفق عليه عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من الجنيهات، وذلك وسط مربع سكنى لا يتجاوز عدد بيوته الخمسة بيوت تقريباً إن لم يكن أقل.

وكنت أسأل نفسى:
أليس هذا تبذيراً يأباه الله عز وجل؟
ألم يكن من الأولى أن تذهب هذه الأموال لمستشفى ينقصه جهاز غسيل كلوى؟ أو إلى مدرسة تهالكت جدرانها، وقل عدد فصولها؟ أو إلى شباب يريدون الكسب، أو التعفف؟
أيرضى الله عز وجل ببناء بيته بهذه الآلاف المؤلفة، وهناك آلاف إن لم يكن ملايين من المسلمين يحتاجون من يسد جوعتهم، ويستر أجسادهم، ويداوى أبناءهم وآباءهم؟

وكما أعلم - ويعلم غيرى - أن الأحكام الشرعية قد تنتقل ما بين الحِل والحُرمة، والنـَدب والكراهة، والجواز باختلاف الحال، والزمان، والمكان؛ فقد يكون الشىء مندوباً فى موطن، ومكروهاً فى موطن آخر، وقد يكون حراماً فى موضع ثالثٍ، وهكذا..
فإن كان بناء المساجد مندوباً فى بقعة ليس بها مسجد، أو ضاق مسجدها بالمصلين؛ فإنه يصير مكروها فى بقعة أخرى امتلأت بالمساجد، حتى صار كل مسجد يستقبل عشرة أو عشرين مصلياً.

أذكر أنى قد شاركت فى وأد فكرة لإقامة صلاة الجمعة فى مصلى صغير بجوار منزلى فى بلدى؛ بأن أقنعت المصلين: بكون المصلى الذى لا يتسع بالكاد إلا لخمسة وعشرين مصلياً لا يصح أن يكون سبباً فى تفريق المسلمين عن صلاة هى أساساً لتجميع المسلمين على كلمة واحدة، ومنبر واحد، ومكان واحد.. قلت لهم أن المصلى كاف لتقام فيه الصلوات الخمسة، أما الجمعة فلتقم فى المسجد الجامع الذى لا يبعد عن مصلانا سوى مائتى متر، وقد اقتنعوا، والحمد لله، وظل المسجد حتى الآن للجماعة فقط دون الجمعة.
وما أعرفه أيضاً أن المبالغة فى تزيين المساجد مكروه، وأن المساجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسلفه الصالح كانت بسيطة فى بنائها، غير متكلفة ولا مُزَيـَّنة، وظل الوضع هكذا حتى جاء خلفاء بنى أمية، وخالفوا السنة بهذه المبالغة فى التزيين، والإنفاق على المساجد، وأجاز بعض الفقهاء ذلك حتى لا يقل شأن المساجد عن غيره من دور العبادة الأخرى؛ أى أن الأصل هو البساطة، وليس العكس.

أقول هذه المقدمة - الطويلة نسبياً - كمدخل أراه مناسباً لموضوع بناء الكنائس، وما يستصحبها دائماً من ضجيج، وجلبة، وصياح، وإصابات فى الأرواح، والمساكن، والعلاقات بين أهل البلد الواحد.

فأنا أرى أن الإسلام أحرص ما يكون على أن يقيم أهل الديانات الأخرى صلواتهم، وعباداتهم فى أماكن يجتمعون فيها آمنين مطمئنين ما دام ذلك فى إطار العبادة.
كما أن سلفنا الصالح قد فعلوا ذلك؛ فلم نسمع عن كنيسة هدمت، أو رهباناً شردوا.
وظل الأمر فى إطار واحد هو الاحتياج؛ فإن كثر أهل النصرانية فى مكان ظل مكان عبادتهم مصوناً محمياً من الدولة الإسلامية، ومن المسلمين أنفسهم، وإن انعدم هذا العدد بدخول أهل البلد فى الإسلام ما عاد هناك داعٍ لبقاء الكنيسة.
هكذا صار الأمر، واستقر الوضع؛ فبقى دير سانت كاترين كما هو، وبقيت كنيسة القيامة، وغيرهما شاهدين على عظمة هذا الدين، وعظمة أهله، ورفقهم بغير المسلمين فى مجتمع يسوده البر والقسط كما أمر الله بهما.

أما الآراء الشرعية التى قال بها بعض الفقهاء فى قديم الزمان فكانت اجتهاداً، لا نصاً.. اجتهاداً بنى على ظروف وعوامل بيئية، ومجتمعية، وظروف خارجية محيطة قد تضطهد المسلمين، وتمنع دعوة الله للوصول إلى الناس.
وهذه الفتاوى المبنية على الاجتهاد دون النص (القطعى الدلالة القطعى الثبوت) لا تلزم أحداً فى عصر غير العصر التى صدرت فيه، ولا بشراً غير البشر الذين عاشوا ظروفها. ويبقى دائما النص (قطعى الثبوت قطعى الدلالى) هو المنبع الصافى الذى نرجع إليه دائماً، نستشهد به، ونسير على دربه.

وأما تحريق البيوت بهذا الشكل الذى رأيناه على شاشات التليفزيون، فهو مما يخالف البر الذى أمرنا الله به، وعلمناه من فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع غير المسلمين فى المجتمع المسلم؛ فهو فعل يستحق صاحبه العقاب، بل والعقاب الشديد لأنه قد آذى أبرياء، واقتحم عليهم بيوتهم، ودورهم بشكل همجى لم نعلمه قط من مسلم صحيح الإسلام، ومؤمن صحيح الإيمان.
فأنا أحسب أن هذه الأفعال ما هى إلا أفعال غوغاء، يحركها التعصب لا الدين.. يحركها حب الذات لا حب الله.. يحركها الجهل لا العلم.. يحركها الكره لا الدعوة..

قد يسأل قارئ عن العلاقة بين المقدمة، وبين صلب الموضوع، والعنوان؛ ولكن من يدقق النظر فى الأمر، سيجد أن الحل ما هو إلا بقانون واحد لبناء دور العبادة يحكمه قاعدة واحدة فقط هى الحاجة.. حاجة المكان، وأهل المكان؛ فإن كان المكان غير محتاج لبناء مسجد فليمنع بناء المسجد؛ وإن المكان محتاجاً لبناء كنيسة فلتبنى الكنيسة.

ما المانع فى ذلك؟
هل يغضب أحداً أن يجد الآخر مكاناً يتعبد فيه بطريقته التى سيحاسبه الله فقط عليها؟

هذا ما أعتقده وأراه قابلاً للتنفيذ؛ ولكن كى لا يكون الكلام تحليقاً فى دنيا الأوهام، وبعيداً عن أرض الواقع فإن هناك بعض الأمور التى تحتاج إلى تحرير:

أولها: أن الدولة صارت خصماً للطرفين.. للمسلمين، وللمسيحيين على السواء؛ فالأولون يرون الدولة خاضعة لحرب عالمية على الإسلام، وعلى مناسكه، وشعائره، وأحكامه وتشريعاته، والآخرون يرون الدولة إسلامية تضطهد أبناء الكنيسة، وتحرمهم من الوظائف، ودور العبادة، وتسكت على ما يسمونه خطفاً لأبنائهم، وبناتهم.
لذا فالدولة بوضعها الحالى غير مؤتمنة على تطبيق هذا القانون الذى لا بد أن يسرى على الجميع، دون شك، ولا اتهام..
دولة قوية لا يحكمها إلا القانون؛ فلا يستطيع أن يغيرها تليفون من مسئول، ولا تقرير من جهاز أمنى موتور.
لذا فالمسلمون، والمسيحيون محتاجون إلى تغيير الوضع القائم الذى يهدم فكرة القانون من أساسها.. يهدم فكرة العدل، والمساواة.

ثانيها: أن الكنيسة صارت تتعامل على أن لها شعباً اسمه شعب الكنيسة، وصارت هذه الكلمة متداولة على صفحات الجرائد؛ رغم أن هذه الكلمة تهدم فكرة المواطنة التى ما فتأ المفكرون الأقباط، والعلمانيون فى الطنطنة بها، وحولها ليل نهار..
فأى مواطنة إذن وهناك شعب داخل شعب.. وشعب له قيادة يتعامل معها على أنها الكفيلة بحمايته، وطلب حقه من الدولة الأم.

ثالثها: أن شؤون الكنيسة لا بد أن تكون جزءاً من هذه الدولة المنشودة.. دولة القانون، والمساواة..
وبالتالى فشؤون الكنيسة لا بد أن تتابعها وزارة من وزارات الدولة، لا جهاز أمن الدولة؛ وبالتالى فهذه الوزارة تتولى متابعة ما يحدث داخل الكنيسة شأنها شأن المساجد التابعة لوزارة الأوقاف (أو وزارة شئون الأزهر كما نأمل فى الدولة المأمولة)..
تخضع هذه الوزارة، ووزيرها لرقابة مجلس الشعب شأنها شأن سائر الوزارات، ويُقوَّم الخلل فيها كما فى غيرها.. تخضع للجهاز المركزى للمحاسبات كما تخضع كافة أجهزة الدولة.. تعرف الميزانيات، والتبرعات من أين أتت؟ وفيم أنفقت؟
يحصل منتسبوها، ورجال الدين فيها على مرتباتهم من أوقاف هذه الكنيسة الخاضعة للدولة، ويخضعون لنفس الدرجات المالية التى يخضع لها زملاؤهم من المسلمين.
وبهذا تختفى الخرافات، والأساطير، والحكايات التى تروى عن الكنائس وما يحدث بداخلها، وما ينفق عليها.

رابعها: أن يعلم كل طرف من الطرفين أن التدين نعمة، لا نقمة.. وأن إبعاد الدين عن ساحة المسلمين هو خطر على المسيحيين؛ وأن إبعاد الدين عن حياة المسيحيين هو خطر على المسلمين؛ لأن الجهل حينها سيكون هو الحكم، وأن التعصب حينها سيكون هو الشرر الذى تنلدع منه نار الطائفية.

خامسها: أن تبتعد الكنيسة، والأزهر عن القيام بدور التابع فى الحياة السياسية؛ وذلك بمساندة طرف دون طرف، أو الوقوف مع حزب على حزب آخر.
ولتلعب وقتها المؤسستان دورهما ككيانين مستقلين يدفعان الأمة فيما اتفقت عليه من حفاظ على قيمها، وأخلاقها، والوقوف ضد أعدائها، وليبتعدا عن الحزبية الضيقة التى تستغلها الدولة الحالية فى إقصاء منافسيها.
ولكى أكون أكثر وضوحاً فإن ما فعله الأزهر، والكنيسة فى الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية الماضيتين أمر يثير الفرقة، ويثير الحساسية لدى الطرفين.

هذا ما أردت أن أقوله فى هذه الأزمة التى تكررت كثيراً، وستتكرر أكثر إذا ما لم تحرر مثل هذه الأمور التى تزيد الاحتقان، وتنفخ فى الرماد.
والله من وراء القصد..
والسلام

الاثنين، ٢١ مايو ٢٠٠٧

الكشف عن وثيقة خطيرة للإخوان - أركان الإيمان الستة

فى ضربة جديدة وجهها الصحفى الكبير (فى السن!) حمدى بيه رزق (وبيه هذه بحكم الوظيفة) من خلال مجلة "المصور" التى اعتادت كشف أسرار ووثائق جماعة الإخوان (المحظورة!) الوثيقة تلو الوثيقة..

كشفت المجلة - والتى يزيد عدد قرائها عن الخمسة قراء للعدد الواحد، وعن العشرة فى حالة الأعداد الخاصة بكشف الوثائق التى ينفرد بها دائما هذا الصحفى الكبير (فى السن!) - فى عددها الأخير عن وثيقة جديدة من وثائق الإخوان تحمل عنوان "جامعة الأزهر - كلية أصول الدين".

وتعد هذه الوثيقة هى الوثيقة الثانية التى تكشفها المجلة لقرائها (الذين يتجاوزون الخمسة، أو العشرة) بعد كشف "وثيقة التمكين" التى صدرت مذيلة بتوقيع النائب الثانى للمرشد (إى والله: توقيع بخط اليد!!!)، والتى علاها عنوان موقع الإخوان (ikhwanonline.com) رغم إنشاء الموقع بعد تاريخ الوثيقة بعشرة أعوام (نعم، بعشرة أعوام!!!!!!)، والتى كشفها الصحفى (ذو الشعر الأبيض) منذ أعوام قلائل، رغم اعتماد الجماعة لهذه الوثيقة منذ 15 عاماً على حد تاريخ الوثيقة..

والوثيقة الجديدة لجماعة الإخوان هى خطة اختراق جامعة الأزهر عامة، وكلية أصول الدين خاصة..

هذه الوثيقة - ويا لهول ما فيها - كشفت النقاب عن سر جديد من أسرار هذه الجماعة، وهو أن لديها أركاناً تسمى أركان الإيمان!!!!..
أينعم! أركان الإيمان!!!!
أقول: أركان الإيمان!!!!!

وقد تساءل الصحفى الكبير (فى السن!) عن ماهية أركان الإيمان تلك..
وهل هذه الأركان هى نفس أركان الإسلام، أم أنها أركان جديدة خاصة بالجماعة؟
وإن كانت هى نفس أركان الإسلام، فما هو الركن السادس؟ ولماذا سميت بأركان الإيمان؟
وهل الركن السادس هو الإيمان بالإخوان؟
أسئلة كثيرة طرحا الصحفى الكبير (فى السن!) على قارئى المجلة (الذين يتجاوزون الخمسة بقليل) فاضحاً جماعة الإخوان، وأهدافها الخفية، ومدى علاقتها بالدين الذى تدعى الإيمان به.

وأنا من هذا المنبر، وإيماناً بدورى فى المجتمع، وحرصاً على الحقيقة (ولا شىء غير الحقيقة) أطالب جماعة الإخوان بالكشف عن هذه الأركان فوراً، وأن تصدر الجماعة بياناً للأمة توضح فيه:
1- ما هى أركان الإيمان؟
2- ولماذا اختصت الجماعة أفرادها فى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بتعلم هذه الأركان؟
3- وما الفارق بينها وبين أركان الإسلام؟
4- وإن كانت هى نفس الأركان: فلماذا اختارت لها هذا الاسم؟
5- وفى هذه الحالة: فما هو الركن السادس؟

وأنا أحذر قيادة الجماعة من التعامل باستهتار مع هذه القضية الخطيرة التى تمس أصلاً من أصول الدين، وتمس أفرادها الذين اتهمتهم هذه الوثيقة بتعلم أركان الإيمان!!!!!!

كما أدعو أبناء الإخوان - المدونين منهم والمدونات، والقارئين منهم والقارئات، الشباب منهم والشابات - إلى التظاهر أمام مكتب الإرشاد لتبيان الحقيقة كاملة عن أركان الإيمان، ومحاسبة واضع هذه الوثيقة بعد الكشف عن اسمه..

كما أطالب الأزهر بأن يضطلع بدوره التاريخى فى فضح الإخوان، والتحذير من خطرهم؛ لإيمانهم بأركان الإيمان الستة، والتى تختلف بدورها عن أركان الإسلام الخمسة.. وأدعو شيخ الأزهر ورئيس جامعته (بعد أن يفرغ من القضاء على طلبة الإخوان فى الجامعة) ومفتى الديار المصرية إلى التصدى لهذه الفئة المؤمنة (بأركان الإيمان الستة) لما فيها من خطر عظيم على وحدة الأمة، والدين، والوطنية!!!!

وإنى إذ أحيى هذا الصحفى الكبير (فى السن!) على مجهوداته فى كشف وثائق هذه الجماعة تباعاً؛ فإنى أدعو إلى استحداث جائزة "هبل تيرز" للتميز الصحفى والتى تناظر جائزة "بوليترز" الأمريكية الشهيرة..
وأطالب بأن يكون أول الحاصلين عليها هو هذا الصحفى الكبير (فى السن!) على أن يمنح هذه الجائزة بوصفه: حامى حمى الإيمان، وكاشف البدع، والإخوان.

والله من وراء القصد..
والسلام

الأربعاء، ١٦ مايو ٢٠٠٧

حكايات من فسادستان (2) - مصر تنافس الهند

كانت حكايتى الأولى من حكايات فسادستان على لسان شريف سائق البيجو..
أما حكاية هذه التدوينة فعلى لسانى أنا شخصياً..
حكاية فسادستانية حدثت لى، وحصلت لمئات إن لم يكن لآلاف من الشباب المصرى خلال الخمس سنوات الماضية..
- تبدأ الحكاية بإعلان عن مشروع (قومى!!!) بين وزارة الاتصالات وبعض الشركات العالمية الكبرى فى مجال تقنية المعلومات (مايكروسوفت، وIBM، وغيرهما) لتدريب خمسة آلاف شاب مصرى على تقنية المعلومات فى مجالات متعددة (Web Development، والتجارة الإليكترونية، والشبكات، والبرمجة، وقواعد البيانات، وغيرها).
- كنت وقتها أعمل مهندساً فى وظيفة مكتبية لإحدى الشركات الناجحة متوسطة الحجم فى القاهرة، فتقدمت للإعلان بحثاً عن تغيير مجالى المهنى الذى لا أحتفظ معه بعلاقة جيدة، ولحبى النسبى للعمل فى مجال البرمجة أو تقنية المعلومات بصفة عامة.
- تقدمت بأوراقى، ودخلت الامتحان، وأعجبنى أن يتم الامتحان فى اللغة، والخلفية البسيطة عن الكمبيوتر، وامتحان الذكاء (IQ).
- اجتزت الامتحان وحصلت فيه على درجة جيدة أهلتنى للالتحاق بالرنامج، واخترت مجال الـ Web Development الذى تشرف عليه شركة IBM.
- لم أبلغ شركتى بهذه التطورات حتى أطمئن لجدية البرنامج، وأعلم الترتيبات الخاصة به، وإمكانية التوفيق بينه وبين عملى.
- تم الإعلان عن لقاء تجميعى للناجحين فى قاعة إحدى المدارس بمدينة نصر، وحضرت هذا اللقاء الذى تكلم فيه أحد المسئولين من وزارة الاتصالات عن البرنامج، وكان كلامه ساحراً بمعنى الكلمة!!
- تحدث هذا الرجل بسلاسة عن مصر، وفرصها السانحة والكبيرة فى مجال البرمجة، وعن العقول المصرية، وإمكانياتها الخلاقة، وعن بعض التجارب لبعض الشركات الأجنبية الكبرى فى مجال تقنية المعلومات مع المبرمجين المصريين وعن اندهاش هذه الشركات من مستوى الأداء الذى قدمه المصريون مما جعلها ترفع عدد العاملين فى مكتبها فى القاهرة من 4 إلى 10، وهى فى طريقها لزيادتهم إلى 50 فرداً.
- وتحدث الرجل أيضاً عن أننا سوق واعد فى هذا المجال، وأننا الوحيدون المؤهلون لمنافسة الهند - التى كانت وقتها تصدر برامج بما يعادل 6 مليارات دولار تقريباً. فعلى حد قول الرجل: نحن لدينا العقول، ولدينا الرغبة والجدية الحكومية للاستمرار فى هذا المجال غير المكلف استثمارياً.
- عشت مع الرجل بكل حواسى - رغم عدم ثقتى فى أى مسئول حكومى؛ لكن حماسة الرجل، ومنطقيته فى الحديث أغرقانى فى الأوهام، والأحلام.
- رجعت من اللقاء التجميعى، وقد اتخذت قرارى بترك عملى رغم أنى قد حصلت عليه بعد عناء استمر عامين فى التنقل من عمل إلى آخر ما بين مهندس للمبيعات تارة، وبين مهندس تشغيل فى أحد المصانع الحربية تارة أخرى. وقد تركت العملين لضآلة المرتب، ولعدم قناعتى بعملى كمهندس للمبيعات، أو بالعمل فى مصنع حربى أضع فيه يدى على خدى طوال اليوم دون عمل، ودون تطور، وأحصل فى النهاية على 340 جنيهاً لا غير.. أصرفها كلها تقريباً فى المواصلات.
- كان قراراً قاسياً على نفسى، وعلى مستقبلى؛ ولكنى كنت على قناعة أن الطموحات لا تتحقق إلا بالمخاطرة.
- أبلغت صاحب العمل - الذى أكن له تقديراً شديداً - بقرارى، وطلب منى شاكراً أن أعمل معهم بالوقت (part time)، ووافقت.
- كنت قد اخترت مكاناً قريباً لسكنى؛ ولكنى فوجئت بوضعى فى أحد المراكز فى شبرا وتحديداً المظلات، وعلمت بعد ذلك أن أخطاء قد حصلت فى التوزيع، وأن التوزيع يتم حسب الترتيب فى نتيجة الامتحان؛ ولذا فمن حقى أن أتظلم من هذا الاختيار، وأن أغيره؛ ولكن بعد أن ذهبت إلى المركز التدريبى ارتحت نفسياً للمكان؛ فآثرت البقاء به.
- هنا بدأت المفاجآت تتوالى.. فقد فوجئت أن دور IBM فى الأمر إشرافى فقط؛ فليس لهم أى دور فى اختيار المدرسين (instructors).
- والمفاجأة الأخرى أن زملائى الذين قاربوا على الثلاثين متدرباً ليس بينهم إلا مهندسة واحدة؛ أما الباقون فعلاقتهم بالبرمجة، وتقنية المعلومات تقتصر على الشات، وكتابة الإيميلات، وهنا شعرت أن الأمر يسير فى الطريق الخطأ.
- والثالثة أن البرنامج التدريبى يشتمل على كل شىء تقريباً له علاقة بالكمبيوتر!!!، فالبرنامج يحتوى على الماود التدريبية التالية:
- مقدمة نظرية عن أنظمة التشغيل (operating system).
- البرامج المكتبية (الأوفيس).
- الكتابة باستخدام الـ HTML.
- مقدمة عن البرمجة (لغة C).
- الشبكات (Network).
- إدارة الشبكات (Windows 2000 Server) .
- لغات برمجة الويب التالية:
- Java Script.
- VB Script.
- Java.
- Perl.
- PHP.
- ASP.
- الكتابة الفنية بالإنجليزية (Technical Writing).
- إدارة المشروعات (Project Management).
- التسويق (Marketing).
- التجارة الإليكترونية (E-Commerce).
- كان هذا جنوناً بمعنى الكلمة أن ندرس كل هذه الأشياء فى 6 أشهر.. نعم فى ستة أشهر فقط.. ثلاثون كتاباً مطلوب منك أن تحصلهم فى هذه المدة الزمنية القصيرة، ورغم ذلك أقنعونا أن هذا هو ما يحدث فى الغرب، والدول المتقدمة!!! وأن طريقة تعليمنا فقط هى السبب فى عد تأقلمنا على هذا الوضع.
- قررت حينئذ عدم الذهاب لعملى السابق حتى بالوقت لكى أستطيع التفرغ لهذا البرنامج، رغم احتياجى المادى فى هذا الوقت.
- زاد من الوضع سوءاً أن معظم المدرسين كانت قدراتهم متواضعة إلا القليل منهم الذى قد نستفيد منه وقت الشرح؛ لكنه ولظروف وقت البرنامج المضغوط لا يستطيع أن يتواصل معنا.
- كانت علاقة زملائنا غير المهندسين بالبرمجة كعلاقتى بالطب تماماً؛ لذا فقد كان هناك فاقد كبير من الوقت فى شرح ما هو بدهى، وأساس فى هذا المجال.
- اكتشفت بعد فترة ليست طويلة أن الأمر لم يكن إلا صفقة تجارية غُرر بنا فيها.
- حتى الشهادات التى حصلنا عليها (CIW) أصبحت امتحاناتها محفوظة، ومكررة؛ حتى أنى أخذت من زملائى مجموعة من الأسئلة فى الامتحان الثانى لم تتجاوز الستين سؤالاً، جاء منها كل أسئلة الامتحان نصاً دون تغيير حرف واحد فى صيغة أى سؤال.
- أما المهزلة الكبرى فكانت فيما يسمى بمشروع التخرج.. فقد أخذنا الأمر بحماسة - لا نملك ترف التنازل عنها - أملاً فى تبنى الوزارة لأحد مشروعاتنا، وتطويرها كما قيل لنا، وبذل كل منا جهداً فى إطار الإمكانيات الفنية، والعلمية التى أتيحت لنا؛ وكانت الكارثة يوم عرض المشاريع..
- كان المُحكمون من غير ذوى المعرفة بالمجال الذى تدربنا فيه، فكانت تعليقاتهم من قبيل "البتاع ده شكله حلو"، أو "ده كان ممكن يبقى أحسن من كده"، أو "ده مالوش لازمة".
- وهنا تبخر آخر أمل.
- على هامش الستة أشهر كانت هناك بعض المحاولات من بعض الزملاء لتصعيد الأمر ضد إدارة المركز، وبالفعل تقدموا بشكوى للوزارة، ولشركة IBM؛ ولكنى كنت قد أدركت أن الأمر أكبر من ذلك، فقد ذهبوا بالشكوى للفاعل الرئيس الذى تسبب فى كل هذه المهازل، وما عدا ذلك من مشاكل فهى فروع من أصل.
- أنهينا فترة التدريب، وبقيت على اتصال ببعض الزملاء، وتأكدت منهم أن أياً من الدارسين لم يعمل فى مجال تقنية المعلومات أبداً؛ فمن كان محاسباً بقى محاسباً، ومن كان عاطلاً بقى عاطلاً، ومن كان مهندساً مثلى عاد مرة أخرى للبحث عن العمل فى مجاله الأصلى.
- كانت فترة عصيبة جداً تنم عن مدى التخلف، واللا تخطيط الذى نرسف فيه، ما دامت هذه العقول تدير هذا البلد.. عقول خربة لا يشغلها إلا تحقيق المكاسب المادية المباشرة، والعملات، والصفقات.
- لم يُحاسب أحد على هذه الأموال المهدرة، وعلى هذه الطاقات التى استهلكت دون تخطيط، ولا ترتيب..
- ومن الأمور المضحكة أن الوزارة كانت قد قررت لكل متدرب 300 جنيه شهرياً، عندما ذهبنا لصرفها فوجئنا أنها 240 جنيهاً فقط، لماذا؟ لأنهم خصموا ستين جنيهاً لحساب الضرائب!! ماذا؟ ضرائب.. إى والله .. ضرائب!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- كتبت كلاماً شبيهاً لما فى هذه التدوينة - للأسف لم أحتفظ به، وأرسلته للأستاذ/ جمال غطاس مدير صفحة تقنية المعلومات فى الأهرام، ورئيس تحرير مجلة لغة العصر لاحقاً.. أخبره فيه عم حدث، وممنياً نفسى أن يثار هذا الموضوع حتى يعاد النظر فيه..
- حدثته عن:
- العدد الكبير الذى تم اختياره دون أى تخطيط، أو ترتيب.
- نوعية الأفراد المختارين للتدريب.
- إهمال الوزارة.
- استهتار شركة IBM فى التعامل مع الأمر.
- عدم جاهزية السوق المصرى لاستيعاب هذا العدد الكبير من العاملين فى هذا المجال.
- فوجئت بعدها بأسبوعين بمقال للأستاذ/ جمال عن عظمة المشروع، وعن التطور الكبير الذى ستشهده مصر، وعن مدى الإنجاز الذى حققته الوزارة، وعن، وعن، وفى نفس الوقت تحدث عن المغرضين، والمشككين، و...
- كان مقاله أشبه بأغنية من أغانى النفاق الأزلى الذى تتمتع به مصر.
أظن أن ما حدث لا يحتاج تعليقاً..
إخوانى.. أخواتى
فى النهاية بقيتت الهند هنداً، وبقيت مصر ........ مصراً!!!!!