الأحد، ١٢ ديسمبر ٢٠١٠

كم "حُباباً" نحتاج

قد نعرف جميعاً الصحابي “الحباب بن المنذر” وما فعله يوم بدر حين أشار على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بتغيير المكان الذي اختاره كمنزل للمسلمين في ساحة القتال..

قد نعرف الموقف جميعاً، ونـُطنب في الحديث عنه، وعن دلالاته، ودروسه العظيمة..

ولكن..

كم مرة قمنا فيها بدور “الحباب بن المنذر”؟!

كم مرة شغلنا فيها أنفسنا بمحاولة اتخاذ رأي مسبق لرأي من يقودون المسير؟!

كم مرة حاولنا فيها التحليل المستقل، وإعمال العقل، واستغلال الخبرات لتصحيح قرار شابه الخطأ؟!

لم يكن “الحباب” من كبار الصحابة، ولم يكن من أهل الشورى؛ لأنه فوجئ بالمنزل الذي تم اختياره؛ فلم يمنعه ذلك من التعقيب على قرار الشورى الذي يرأس مجلسه نبي لا ينطق عن الهوى!

لم يقل “الحباب” ذلك سراً، أو في الخفاء خوفاً على اهتزاز ثقة الجند في قادتهم؛ وإلا ما دُوِّن موقفه في كتب السِّيـَر..

كان “الحباب” خبيراً بالمكان، وبالمعارك؛ فشجعه ذلك على الحديث، فتم الاستماع إليه، والأخذ برأيه؛ لأن الشورى لا يتساوى فيها أصحاب الخبرة مع فاقديها وإن علت منزلتهم..

كان “الحباب” شجاعاً حين طالب بتغيير المكان، والوقت وقت تنفيذ لا وقت تخطيط؛ لأنه يعلم صواب رأيه، كما أنه لم يخش اتهاماً بالتثبيط، أو بخلخلة الصف!

فعل “الحباب” ذلك لأن القائد كان “محمداً”، وأهل الشورى كانوا “أبا بكر وعمر وعلياً”..

هل لو وجدنا “حباباً” أو أكثر بأخلاقه، وأدبه، سنجد من يقتدي بقادته “محمد” وصحبه؟!!

لقد ربينا جنداً لا “حباب” فيهم؛ لأنهم اعتادوا انتظار رأي القادة حتى يؤيدوه، ويدافعوا عنه، بل ويهاجموا من يخالفه؛ لأنه فقط صادر عن القادة المُضحِين!!

كما ربينا قادة لا يسمعون “حباباً”؛ لأن الشورى لم تات بذلك الـ “حباب”..

وإن افتقدنا “حباباً” قبل الحرب؛ فهل من “حباب” بعدها؟

وهل كانت شورانا التي لم تسكت “حباباً” من قبل سليمة حالياً؟

وهل الشورى التي يسبقها توجيه وتأثير معنوي نحو رأي واحد سليمة حقاً؟

وهل الشورى التي تسمح لأصحاب الرأي المٌوجَّه باستخدام آيات قرآنية تؤيد حتمية اتباع موقفهم، وتستخدم آيات أخرى تصف أصحاب الرأي الآخر بأنهم يدعون إلى التولي يوم الزحف، شورى سليمة؟

وهل الشورى التي لا تعطي لأصحاب الرأيين المتعارضين نفس المساحة أمام أصحاب القرار سليمة فعلاً؟

وهل الشورى التي تستدعي نفس أهل الثقة في السياسة، والدعوة، والاقتصاد، والاجتماع، وغيرها دونما خبرة عملية فيما يدلون برأيهم فيه سليمة حقاً؟

وهل الشورى الانتقائية التي تتسع تارة، وتضيق أخرى سليمة فعلاً؟

إخواني.. أخواتي..

إننا حين نلوم القادة على عدم اقتدائهم بمحمد – صلى الله عليه وسلم - وصحبه؛ فإننا نلوم أنفسنا على عدم اقتدائنا بـ “الحباب” ومن ساروا على دربه..