السبت، ٢ يونيو ٢٠٠٧

مذكرات ومغامرات مندوب - 3

بعد أحداث الجزء الثانى

حادثت القاضى قبل قفل الصناديق عن رغبتى فى حضور الفرز؛ فأخبرنى بصعوبة ذلك لأن الضباط يدققون بصورة شديدة فى الداخلين للجنة الفرز، وأخبرنى أن مشادة حدثت بينه وبين أحد الضباط فى الجولة الأولى بسبب منع أحد سكرتارية اللجنة من الدخول، ودخل السكرتير فى النهاية بصعوبة.
طلبت منه بأن يدعنى أحاول، وقلت له: لن أسبب لك أى إحراج فى حالة حدوث أى موقف من ضباط الأمن، وسأتحمل المسئولية بمفردى عن هذه المحاولة.
وافق القاضى.. ودخلت فى مرحلة الجد؛ فالأمر من الممكن أن يصل إلى الاعتداء البدنى، فالضباط فى بلدنا مصر (أم الدنيا) لا يجيدون التعامل مع البشر؛ فبعضهم - للأسف - يحمل العصا والسلاح فى عقله قبل يده. كما أنهم يتعلمون فى كلية الشرطة أن الناس كـ "السوستة" إذا لم تضغط عليها قفزت فى وجهك. هذا على مستوى الضباط، أما على مستوى جنود الأمن المركزى فحدث ولا حرج، "اضرب" هذه هى كلمة السر التى قد لا ترى الدنيا بعدها أبداً.
هذه الخواطر عن ضباط وجنود الأمن المركزى لم ترد على خاطرى وقتها؛ لأنها لو وردت لما فكرت فى خوض التجربة، فالتفكير الكثير يساوى التراجع، هكذا طبيعة الإنسان.
كل ما ورد فى خاطرى وقتها أن أفكر فى الخطة التى تقودنى إلى لجنة الفرز.
اقتربت الساعة من السابعة مساء، وبدأ القاضى فى تقفيل محضر اللجنة بأن قام بعدّ أوراق التصويت الباقية دون تصويت وخصمها من العدد الأصلى لأوراق التصويت؛ ليسجل عدد من قاموا بالتصويت، وكذلك عدد الغائبين..
قام القاضى بذلك ومعه المندوب "الفهلوى"، أما الآخر فهو "لخمة" ويكفيه أنه قد أكل طوال اليوم.
وأحضر القاضى الشمع الأحمر وبدأوا فى تسخينه لتشميع الصناديق، ودخلت كاميرا إحدى القنوات الفضائية لتسجل عملية غلق الصناديق، وبالفعل تم تشميع الصندوق، وكانت الدقائق تمر بأسرع من وقتها الطبيعى لحرصى الشديد على إتمام المغامرة.
وقبل أن نبدأ فى التحرك فوجئنا بالسكرتير "اللخمة" قد غيّـر ملابسه، ولبس جلباباً، ففوجىء به القاضى هكذا، وقال له: ما هذا الذى تلبسه، هل تريد أن يمنعوك من الدخول؟ وأمره بتغيير ملابسه مرة أخرى.
فى هذه اللحظة كنت قد رتبت خطتى بأن أحمل الصندوق من إحدى يديه، على أن يحمل اليد الأخرى السكرتير "الفهلوى"، أما أخونا "اللخمة" فجعلته ورائى؛ فشكله لا يشير أبداً أنه من الإخوان؛ لذا فلن يفكر أحد أن يبعده عن المكان.
وبالفعل نفذت هذه الخطة وخرجت من اللجنة الفرعية حاملاً الصندوق من إحدى يديه، ونزلت السلالم، وقلبى يدق بشدة حرصاً على أن يتم الأمر دون مشاكل.
ومرت الأمور بسلام حتى خرجت من باب المدرسة التى كانت تتواجد بها اللجان الفرعية واقتربت من باب السيارة التى ستحمل صندوق هذه اللجنة، ووجدت ضابط الأمن فى حالة توتر شديد وقد جاء بمدد من الأمن لحماية الصناديق، والضابط يصرخ بأعلى صوته محذراً ومنبهاً جنوده بألا يزيد العدد فى كل سيارة عن اثنين يحملان الصندوق ومعهما القاضى.. وسمعت هذه التحذيرات وعلا صوت دقات قلبى، ودخلت السيارة محاولاً إظهار الثقة، وعدم التوتر، حتى فتح باب السيارة وتقدمت إلى المقعد الخلفى للسائق ومعى الصندوق وكنت حريصاً أن أكون بالداخل والصندوق بجانبى؛ حتى أختفى عن الأعين، ودخل أمينا اللجنة الآخرين على الكراسى الخلفية وجلس القاضى بجوار السائق على المقعد الأمامى.. وأغلق الباب.
ويبدو أن التوتر الذى كان عليه رجال الأمن أعمى أعينهم عنى.. كما أن وجودى بجوار الصندوق من الناحية الأخرى من الباب أظهر المقعد المجاور لباب السيارة خالياً إلا من الصندوق.
وانطلقت السيارة مخترقة الجموع التى أحاطت بالسيارات الحاملة للصناديق.
سارت السيارة فى طريقها حتى اقتربت من قسم الشرطة، وبداية من هذا المكان وجدت حشوداً من سيارات الأمن المركزى، وسيارات القوات الخاصة.
اخترقت سيارتنا هذه الجموع، وأنا أكثر من الاستغفار حتى تمر هذه اللحظات التى تتثاقل، واقتربت السيارة شيئاً فشيئاً من مقر لجنة الفرز، وبدأت أرى ضباط الشرطة من كل صنف ونوع.. رتباً عليا ورتباً صغرى.. قوات خاصة وقوات عامة.. ملابس سوداء وملابس نظامية.. عصى مكهربة وغير مكهربة.. خِـوذ وسواتر.
كأنها الحرب بعينها، وأنا أجول بناظرى هكذا حاولت أن أُثبـّت نفسى، وأن أكثر من الاستغفار حتى تمر الأمور بسلام.. خاصة أن كشفى فى هذه الحالة سيرينى "النجوم فى عز الظهر" كما يقولون، كما أنى "سآكل ضرباً ما أكلوش حمار فى مطلع" والله وحده يعلم ماذا سيحدث بعد ذلك، فلن يكون لى دية وقتها.. وقفنا أمام حاجز الأمن الأول، وبدأنا فى النزول من السيارة.. كنت حريصاً طبعاً على أن أحمل إحدى يدى الصندوق حتى لا أنكشف، وحمل اليد الأخرى الأمين "الفهلوى"، ومشى أمامنا القاضى، ووجدت الأمين "اللخمة" يمشى وراءى ويحاول أن يأخذ يد الصندوق منى ويقول لى: سيمنعوننى من الدخول، فقلت له بصوت خفيض: اصبر قليلاً وسنمر بإذن الله.
وبالفعل مررنا بحول الله وقوته من الحاجز الأول وأمامنا القاضى.
وكان مرورنا من الحاجز الأول هو الفيصل، فقد كانت الحواجز التالية أخف حدة ووطأة من هذا الحاجز، رغم أن الوجوه الأمنية مرعبة فعلاً، وتشعر فى عيونها بالترصد والشرر؛ ولكن قدرة الله - سبحانه وتعالى غالبة.
دخلت باب مقر الفرز، ثم دخلت الصوان المخصص لفرز الصناديق فى فناء المدرسة الصناعية، ووجدته عبارة عن عدد من "الديسكات" يساوى أو يزيد قليلاً عن عدد اللجان الفرعية، وفى الأمام هناك حاجز من الخشب يجلس خلفه رئيس اللجنة العامة ومعه بعض الأشخاص أظنهم سكرتارية اللجنة العامة، كما يوجد خلف هذا الحاجز - المحاط من جوانبه الأربعة - منصة علوية عليها مجموعة من المقاعد، ومنضدة مستطيلة الشكل.
كنا من أوائل الداخلين إلى لجنة الفرز بالصناديق، وصلنا إلى "ديسك" لا هو بالبعيد عن مكان رئيس اللجنة العامة، ولا هو بالقريب من باب الصوان.
وكان هذا مكان آمن بالنسبة لى حتى أبتعد عن رجال "فزع الدولة" الذين لم ألحظهم فى البداية، ولكنى بدأت أرى وجوههم وعيونهم المترقبة بالتدريج.
وضعنا الصندوق على الديسك، وقال لى القاضى بمجرد أن استقر بنا المقام: "إنت بركة"، قلت له: "الحمد لله إنها عدت على خير".
بدأ القاضى بفض الشمع الأحمر، وفتح الصندوق بمفتاح القفل الذى كان معه، وبدأ فى رص الأوراق أعلى "الديسك"، وقد كان منظما ومتمرساً للغاية.
فقد بدأ فى عد الأوراق حتى يتأكد من مطابقتها للرقم الذى دونه فى محضر اللجنة الفرعية، ثم بدأ فى استبعاد الأصوات غير الصحيحة، وهى التى لم تصوت لمرشح فئات وآخر عمال، أو الذى اختار أكثر من مرشحين، أو الذى ترك الورقة فارغة.
وكانت الأصوات الباطلة أقل من أصابع اليد الواحدة، وكان أحد هذه الأصوات لـ "ابن البلد".. نعم والله لـ "ابن البلد" فقد كتب صاحبنا اسمه على ورقة الترشيح.. وقلت فى نفسى: "ربنا يسهل لعبيده!!!".
ثم بدأ القاضى فى تجهيز محضر الفرز النهائى للجنة الفرعية بأن كتب فيه البيانات الرئيسة، وهى اسمه واسمَى الأمينين، وعدد الأصوات الصحيحة وعدد الأصوات الباطلة، ثم بدأ الفرز والتسجيل فى نفس الوقت.
كان القاضى يـُدوّن والأمين "الفهلوى" يمليه الأصوات واحداً تلو الآخر، وبعد عدد قليل من الأصوات طلب القاضى من الأمين الفرز من البداية.. ويبدو أنه قد فعل ذلك ليتأكد أن الأمين لا يَغُـش، وبالفعل عد الأصوات من جديد وطابقها بما كتبه فى المرة الأولى، وكانت لفتة ذكية من قاض يرعى ربه، ويخشى المسئولية.
استمر الفرز وأنا أقف مراقباً، والأمور تكاد تكون محسومة للمهندس/ إبراهيم أبو عوف، فأمام كل صوتين للمهندس/ إبراهيم هناك صوت واحد للمستشار/ محمد موسى، وكذلك كانت الأمور على مقعد العمال: اثنان لناجى عبد المنعم، وواحد لمحمود نبيه مرشَحَى الحزب "إزاى ما تعرفش".
وقد أثار هذا عجبى، وكيف اختار ثلث الناس مرشح الحزب الوطنى الذى اشتكوا لطوب الأرض أنه لا يخدم أحداً، كما أنه ترزى القوانين الأول بحكم كونه رئيساً للجنة الدستورية فى المجلس السابق، ولكن يبدو أن هذا دلالة على أن أصحاب المصالح والمتربحين من بقاء هؤلاء ما زالوا كثراً، يشمل ذلك أعضاء المجالس المحلية، والراغبين فى الترقيات، والطامحين وغيرهم.. ولك الله يا مصر!!!
أثناء الفرز وجدت فجأة ...... مخبر أمن الدولة "ولا فخر"، قلت: آهٍ.. آه، لقد انكشفت، وترددت بين البعد عن مكان فرز الصندوق الخاص بى وبين أن أبقى فى مكانى.. خاصة أن صاحبنا .... قد وصل بالفعل إلى "الديسك" الذى يفرز عليه صندوقى، حسمت أمرى بالبقاء مكانى دون حركة كى لا أثير انتباهه، وبالفعل تأكدت من عدم معرفته بى، وانشغاله بنتيجة الفرز، وملاحظة حركة الأصوات وفى أى اتجاه تسير..
وقفت على أعصابى خشية أن يسألنى: من أنا؟ خاصة وأنا لا أحوز توكيلاً بدخول لجنة الفرز.
بدأت أتنبه أخيراً أن باقى الصناديق قد دخلت، وأن المحامين الحائزين على توكيلات الفرز ومعهم المرشحون بالفعل داخل اللجنة، وبدأت أسمع أصواتاً عالية، ومشادة لسانية حول إعلان نتيجة الصناديق الفرعية صندوقاً صندوقاً بناء على توصية نادى القضاة، وقد رفض رئيس اللجنة العامة ذلك، وهو أمر غريب يثير الريبة.
حاول المحامون كثيراً؛ ولكن القاضى أصر على موقفه.. وهنا اقتربت أكثر من المقدمة حيث رئيس اللجنة العامة والمرشحون والمحامون، وأمام ضغط المحامين، وإصرار القاضى على موقفه.. فاجأ القاضى "رئيس اللجنة العامة" الجميع بأمره الأمن بإبعاد كل المحامين عن الحاجز الذى يجلس خلفه.. على أن يبقى فقط المرشحون الأربعة أمام الحاجز وليس داخله.. أى أنهم بعيدون أيضاً عن مكان تجميع الأصوات النهائية.
طبعاً لم يمانع فى ذلك إلا المهندس/ إبراهيم أبو عوف، فالمستشار/ محمد موسى كان يجلس فى مؤخرة الصوان بجوار ضباط الأمن وأفراد "أمن الدولة"، وناجى عبد المنعم يعرف أصول اللعبة جيداً، فلا داعى للممانعة، ومحمود نبيه دخل إطار اللعبة وأصبح من أصحابها.
كان بالفعل موقف "رئيس اللجنة العامة" غريباً، وكان دلالة على تعمد غياب الشفافية، ولكن فللنتظر ولنرى.
بدأ وكلاء المهندس/ إبراهيم وأنا معهم فى رصد نتائج الصناديق الفرعية وملئها فى الجدول المجهز مسبقاً لذلك، وكنا نحاول أن نرصد كل الصناديق، وتجميعها أولاً بأول، وقد كان لبعض القضاة موقفاً رائعاً حيث كانوا ينادوننا لنحصل على نتائج الصناديق من واقع المحضر النهائى للفرز للجانهم الفرعية..
ولكن كان على الجانب الآخر رجال "فزع الدولة" يحاولون إثارة الرعب بيننا بأن يبعدونا قدر المستطاع عن الصناديق ونتائجها حتى لا نثير مشاكل إذا حدث تلاعب، وقاد هذه الحملة شخص غامض ضخم الجثة يلبس "بدلة" ويتردد على القاضى ويخرج من عنده إلينا ليصرخ ويبعد الوكلاء عن القضاة "رؤساء اللجان الفرعية".
لم يخل الأمر من بعض الطرائف فى طريقة فرز بعض القضاة لصناديقهم - أظنهم من هيئة قضايا الدولة، فقد ظل أحدهم يفرز صندوقه أكثر من ساعتين كاملتين، أو يزيد، بأن يعد الأصوات أولاً ثم يعد أصوات أحد المرشحين على حدة، ثم يعيد الفرز مرة أخرى لمرشح آخر، وهكذا أى أنه فرز الأصوات أربعة مرات، ثم دون كل ذلك فى ورقة بيضاء "درافت"، ثم جمعها فى النهاية فى المحضر النهائى، ولم يخل الأمر بالطبع من الخطأ فى الجمع، فيقوم بالفرز مرة أخرى.. ورغم طرافة الموضوع إنه يدل على حرص القضاة على إخراج النتيجة بما يرضى الله عز وجل.
وكانت النتائج تشير إلى فوز كاسح للمهندس/ إبراهيم أبو عوف، والمحاسب/ محمود نبيه.
ولكن كان للأرقام بعض الدلالات منها:
1- أحد صناديق بلد مرشح الحزب الوطنى الأصلى (العضو السابق) كان بها 818 صوتاً، وهو رقم غريب جداً لا أعرف متى دخل هذا العدد خلال ساعات التصويت الإحدى عشرة - منها 814 صوتاً لمرشَحى الحزب الأصليين، وهو أمر محزن أن تنتخب هذه النسبة الهائلة من يعلمون أنه ترزى القوانين سيئة السمعة!!!
2- كانت صناديق بلد مرشح الحزب فئات (رئيس اللجنة الدستورية) مفاجئة إذ قسمت أصوات مقعد العمال فيها على المرشحين وإن مالت الكفة لمرشح الحزب الجديد (بعد نتيجة الجولة الأولى)، وهو ما صدم العضو السابق وشعر على إثرها بالخيانة (ونعم المبادئ!!!).
3- أن نتيجة المرشح الفئات للحزب الوطنى فى الجولة الأولى منطقية (رغم ما أثير من شكوك)، فقد حصل على أصوات بلده كاملة تقريباً، وكذلك حصل على أصوات بلد مرشح الحزب عمال كاملة تقريباً، والبلدان تقترب الأصوات فيهما من العشرة آلاف صوت، بالإضافة إلى حصوله على أصوات أصحاب المصالح فى كل بلد.. مما يرجح أن السبعة عشر ألف صوت كانت حقيقية.

استمرت الاتصالات من الزملاء بالخارج لمعرفة الأخبار أولا بأول، والاطمئنان على النتيجة، وموقف رئيس اللجنة العامة، ونحن نبلغهم أولاً بأول بمدى تقدم المهندس/ إبراهيم حتى رصدنا حوالى مائة صندوق من ضمن الصناديق التى تتجاوز المائة والستين صندوقاً..
أى أن ستين صندوقاً على الأقل قد فلتت منا دون رصد، وكان ذلك بسبب قلة عددنا، وجو الرعب الذى ساد القاعة، وتراخى بعض الوكلاء الذين اكتفوا بالكلام مع المرشحين الآخرين، وتركوا مهمتهم الرئيسة وهى رصد الأصوات.
وكان هذا دلالة أيضاً على أن نتيجة الفرز فى الجولى الأولى القائمة على التجميع غير دقيقة؛ لأن عدم الحصول على نتائج هذا العدد من الصناديق فى الجولة الثانية حيث المرشحين الأربعة فقط، يؤكد عدم القدرة على الحصول على نتيجة عدد أكبر من الصناديق فى الجولة الأولى حيث المرشحين الاثنى عشر على ما أذكر.
حاولنا ألا نشعر أحداً بذلك، لأن معرفة ذلك قد تسهل الأمر على من يريد قلب النتيجة.
كانت النتيجة فى الصناديق التى تم فرزها تشير إلى حصول المهندس/ إبراهيم على 20000 صوت تقريباً فى مقابل 13000 تقريباً للمستشار/ موسى، وكانت النتيجة قريبة من ذلك على مقعد العمال، والسبق للمحاسب/ محمود نبيه.
زادت الاتصالات، وانتهى الفرز الفرعى تماماً، وسكرتارية رئيس اللجنة العامة يفضون مظاريف اللجان الفرعية ويدونونها ونحن بعيد عنهم، لا نعرف ماذا يدور.. والشخص الغامض يدخل إلى رئيس اللجنة العامة يحادثه حديثاً يطول فى بعض الأحيان، ويقصر فى البعض الآخر..
ثم يعود هذا الرجل الغامض إلى مؤخرة "الصوان" حيث المستشار/ محمد موسى، وكأن شيئاً يدبر.
وإخواننا بالخارج يرفعون أصواتهم بالدعاء، وتثبيت القضاة بالقول: "إن فى مصر قضاة لا يخشون إلا الله"، وللأسف لم نتبين شيئاً من هذا الدعاء.. لم نسمع إلا أصواتاً غير واضحة المعالم تتردد فى فضاء المدرسة.. وكانت كما قالى لى الإخوان بعد ذلك تهز جبالاً صماً وقلوباً غلفاً، وكما قال لهم أحد العامة من الناس: "لو سمعها كافر لما غير النتيجة أبداً".
الدقائق تمر بطيئة، وأنظارنا متجهة نحو "رئيس اللجنة العامة".. نحاول أن نتلمس أى شىء، ولكن هيهات فهو بعيد عنا، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه.
كل حركة نحسبها، وكل رنة تليفون محمول تتبعها مكالمة يجريها رئيس اللجنة العامة تشعرنا بالخيانة.. تشعرنا أن شيئاً ما يدبر. ما الذى يمنع النتيجة من أن تعلن، فالتجميع لا يأخذ كل هذا الوقت..
أمن الدولة يمنعنا من التجول داخل الفناء، يحصرنا جميعا فى ركن واحد، قلنا: إنها الخديعة إذن، وكما قال أحد الإخوان "دا إحنا هانضرب ضرب!!!".
نتلمس نتائج الدوائر الأخرى عل نسيماً يريح القلوب، وفوزاً يثلج الصدور، وبالفعل جاءنا الخبر الأول بفوز أحد الإخوان فى إحدى دوائر سوهاج.. واستبشرنا خيراً، وقلنا بإذن الله تكون البداية.
وبدأ "رئيس اللجنة العامة" يلملم أوراقه، وفجأة وجدنا رتلاً جديداً من القوات الخاصة يدخل لجنة الفرز، ويقترب من مكان المنصة ويدخل إليها ويحيط بالقاضى، بشكل يثير الرعب، ويبعث على الريبة، ويقف المهندس/ إبراهيم على أحد الكراسى موجها كلامه إلى القاضى "رئيس اللجنة العامة" بأنه يمنعه من حقه القانونى من الإطلاع على الفرز، فيصرخ القاضى موجهاً كلامه إلى المهندس/ إبراهيم بأن ينزل، فيتجاوب معه كى لا يزيد الأمور اشتعالاً.
وهنا يعتلى القاضى المنصة ويمسك بيده الأوراق، ويفتح السماعات الداخلية، ونبدأ فى الدعاء، فيوجه كلامه إلينا: أتدعون علىّ، فنقول له بصوت واحد: لا، ويرتفع صوت المهندس/ إبراهيم أبو عوف بالدعاء: "اللهم أجرِ الحق على لسانه.. اللهم أجرِ الحق على لسانه.. اللهم أجرِ الحق على لسانه" وأمـّنـّا وراءه.
وبدأ "رئيس اللجنة العامة" فى الكلام مبتدئاً بالكلام التقليدى بأنه قد تم دعوة الناخبين البالغ عددهم .... فى دائرة منية النصر، وكان عدد الأصوات الصحيحة 57 ألف صوت وبعض المئات... وعدد الأصوات الباطلة ... وأن النتيجة بترتيب الأسماء فى ورقة الاقتراع هى:
1- المستشار/ محمد محمد موسى، وحصل على 18 ألف صوتا وبعض المئات من الأصوات - لا أذكرها.
2- المحاسب/ ناجى عبد المنعم إبراهيم وحصل على ما يقرب من نفس الرقم تقريباً.
3- المهندس/ إبراهيم أبو عوف وحصل على 28 ألف صوت و....
وعند هذه الكلمة لم يسمع أحد شيئاً فكان التكبير والتهليل يملآن الفناء.
جريت فرحاً - لا أعرف إلى أين - نظرت حوالى وجدت الجميع فى حالة عدم تصديق، وقام البعض بحمل المهندس/ إبراهيم وجرى به، وكذلك المرشح الثانى المحاسب/ محمود نبيه، وجرينا بصورة عشوائية، تطير الفرحة بنا، قبل أن نطير بها.
اتصل بى أحد الزملاء من الخارج يسألنى عن النتيجة فأخبرته بها، لم يصدق فأقسمت له أن القاضى أعلنها فعلاً، أغلقت معه فإذا بزميل آخر من محافظة أخرى يتصل بى يطمأن، فأخبرته وفرحته.
طرت فرحاً، اتصلت بزوجتى، وأهلى، وأحد أصدقائى أطمئنهم جميعاً.
الله أكبر.. ولله الحمد
هكذا كان يعلو صوت الجميع.
اخترقت جموع الأمن جرياً لعلى أسبق بإبلاغ الخبر إلى الأحباب القلقين فى الخارج، لم أجد أحداً، بحثت عنهم لم أجدهم..
وجدت بعض النساء فى "البلكونات" يسألننى عن النتيجة فأخبرتهن بها..
الجميع لا يصدق.. الجميع يكتم فرحه.. خوفاً من أن تكون كذبة تصدمهم بعد ذلك..
علمت أن الإخوان فى الخارج منعوا أى أحد من الاحتفال بالفوز حتى يتبينوا الخبر..
وها قد جاء الخبر ووجدتهم أخيراً، فقد أبقوا أنفسهم - بارك الله فيهم - بين الحقول عل صوت الدعاء يعلو فيصل إلى قلب، فيخشى الله ويظهر الحق.
وجدتهم يدعون، ويحمدون الله على نعمائه، ويشكرون كل من ساهم فى إظهار الحق، حتى الأمن لم يغفلوه من الدعاء، وهذه هى أخلاق الدعاة تحمل الخير لكل الناس، ولا تحمل الضغينة لأحد مهما كان عداؤه.
هنا لم تكن النهاية.. بل كانت بداية مسئولية تنتظر من يحملها بأمانة.. هنا كانت بداية الخطوة الأولى نحو غياب أهل المصالح.. الذين يعملون لأنفسهم، وعلى حساب وطنهم، وظهور من اختصهم الله بقضاء حوائج الناس..
نعم.. سيكون الطريق طويلاً، ولكن ما دامت أولى خطواته قد بدأت ستتلوها بإذن الله خطوات وخطوات..
والله أكبر.. ولله الحمد..

هناك ٤ تعليقات:

  1. حماك الله ورعاك روعه فى الكتابه عيشتنى معاك للحظات ودعيت ان تنجو وتدخل لجنه الفرز وتمنيت الا تكشف وفرحت معك بفوز مرشحكم

    تحياتى

    ردحذف
  2. جميله والله جدا
    ربنا يكرمك اخى
    فعلا لحظات مؤثره وصعبه
    ربنا يكرمك يارب ويعينك
    بس هانقول ايه
    حسبنا الله ونعم الوكيل
    شرفنى بالزياره بقى

    ردحذف
  3. ماشاالله بجد تحفة والله حسيت كاني معكم ربنا كريم

    ردحذف
  4. يا اخواني انا زعلان علشان كتابتكم متحيزه لنفسكم لان الكلام ده حصل في الدائره دي طب وانتو عملتو ايه في بقيه الدوائر وبعدين رقم فرز محمود نبيه ما ذكرتهوش ليه

    ردحذف