الاثنين، ٢ يونيو ٢٠٠٨

ماذا علمتنى الحياة؟ كيف يختارونهم؟!

safwat3__tcm6-95314

كان الفضول دائماً ما يدفعنى لمحاولة معرفة خبايا اختيار الشخصيات القريبة من الحكم.

وكنت - ولا زلت - متشوقاً لمعرفة الظروف التى قربت رجلاً مثل كمال الشاذلى من دوائر السلطة، وجعلته - فى فترة من الفترات - الآمر الناهى فى مجلس الشعب، بالاختيار المسبق للأعضاء، وبالشخط والنطر والزغر لمن تجرأ، وخرج عن نص سيناريو تمثيلية الديمقراطية.
كانت شخصية هذا الرجل - ولا تزال - فى مخيلتى معدومة المواهب السياسية من لباقة، وكياسة، وقدرة على التحليل والنقاش؛ بالإضافة طبعاً إلى الكاريزما المطلوبة لرجل فى مثل هذه المكانة.
وعندما قرأت كتاب الدكتور/ جلال أمين: "ماذا علمتنى الحياة؟" استطعت الاقتراب النسبى - مجرد الاقتراب - من كيفية تصعيد هؤلاء، وبالتالى الإجابة عن سؤال مهم، ألا وهو: كيف يختارونهم؟
تحدث د/ جلال أمين مثلاً عن د. رفعت المحجوب - رئيس مجلس الشعب السابق - وقد كان أستاذاً فى كلية الحقوق وقت أن كان الدكتور/ جلال أمين طالباً ثم عضواً بهيئة تدريسها.

refatsmol يحكى د/ جلال أمين عن د/ رفعت المحجوب قائلاً: "درّس لى رفعت المحجوب أثناء دراستى لدبلوم الدراسات العليا فى الاقتصاد، فيما يسمى "قاعة بحث"، كان المفروض فيها أن يكون الاعتماد على البحث والمناقشة أكثر من المحاضرة والامتحان، ولكنى لا أذكر أننا اجتمعنا قط لمناقشة أى شىء، ولا أذكر أنى سمعت منه رأياً ذا شأن فى هذه المشكلة الاقتصادية أو تلك. نعم كتبت له بحثاً عن "المادية الجدلية والمادية التاريخية، أقرّ موضوعه عندما عرضته عليه، ولكن لم يصدر منه أى قول يدل على أنه كلف نفسه عناء قراءته بعد انتهائى منه، والعبارة الوحيدة التى سمعتها منه فى التعليق على هذا البحث هو أن طباعته على الآلة الكاتبة لا بد ان تكون قد كلفتنى مبلغاً طائلاً".

ثم يتحدث عنه فى موضع آخر جُمع فيه أساتذة الجامعات فى جامعة القاهرة لتبرير نكبة - وليس نكسة - 1967م فيقول: "بدأ الاجتماع بظهور هذا الرجل الغريب، رفعت المحجوب، على المنصة وهو يرتدى زياً أغرب، يتكون من قميص وبنطلون من قماش الكاكى الذى يرتديه جنود الجيش أو الضباط، وكأنه قادم لتوه من معركة عسكرية. كان منظره جديراً بإثارة الضحك والاستهزاء الشديد لولا الموقف المأساوى الذى كنا فيه. وزاد الموقف مأساوية وإثارة للسخرية فى نفس الوقت أنه لم ينبس بأكثر من جملة أو جملتين قبل أن يجهش بالبكاء تأثراً. ولكن هذا البكاء لم يمنعه من أن يضّمن كلامه بضع عبارات فى مدح الرئيس والإشادة بعظمته وأبوّته للشعب المصرى.. إلخ. أكد لى هذا الموقف، مَن هذا الرجل الذى لم أشعر نحوه قط بأى حب أو احترام، ضآلة حجمه الحقيقى، ونوع الدور الذى يمكن أن يعهد إليه بأدائه، ولا يمكن أن يتجاوزه."
وفى مرة ثالثة يتحدث عنه د/ جلال أمين قائلاً: "أما الدكتور رفعت فلم يمنعه شىء من الاستمرار فيما كان فيه، هزيمة كان أم انتصاراً، رأسمالية كان أم اشتراكية. فعلى الرغم من تحول النظام تحولاً جذرياً من سياسة إلى نقيضها، فى مختلف مجالات السياسة الداخلية أو الخارجية، ظل الدكتور رفعت يخطب بفصاحة فى حدود ما تسمح به الظروف السائدة."
بالطبع كان د/ رفعت المحجوب عينة من أمثال عبده مشتاق الذى يقدمون كل أنواع القرابين طمعاً فى منصب، أو قرباً من سلطان.
ولا شك أنها عينة أحسن حالاً من لاحقاتها الحاليات!!
أما المواصفات التى تقرب فلاناً وتبعد آخر فلا زالت مجهولة لى بنسبة كبيرة حتى الآن، إلا أن الكاب الكبير أشار إليها حين حديثه عن منظمة الشباب التى أنشأت فى عصر الثورة لتكوين كوادر ثورية.
فقد قابل صاحب "ماذا علمتنى الحياة؟" الدكتور / حسين كامل بهاء الدين - وزير التعليم السابق - وكان وقت الثورة مسئولاً عن منظمة الشباب. وقد قابله ليرى مدى اقتراب صاحب سيرتنا الذاتية من المواصفات المؤهلة للاقتراب من دوائر السلطة؛ إلا أنه لم يرَ فيه تلك المواصفات المطلوبة.
ولم يفهم د/ جلال أمين طبعاً سبباً لذلك؛ إلا أن زميلاً له بكلية الحقوق أخبره بأن المسئول الكبير - د/ حسين كامل بهاء الدين - قال له - كما ورد فى الكتاب "إنى لا أصلح للعمل معهم "لأن لى تاريخاً"، وإنهم يريدون "أشخاصً بلا تاريخ"!.
ويعلق على ذلك د/ جلال أمين قائلاً: "إن كثيراً ممن استعانوا بهم فى تلك الأيام والأيام التالية كانوا من النوع الذى لا يؤمن بشىء على الإطلاق، ألقوا محاضرات على الشباب فى الاشتراكية فى ذلك الوقت، أى فى منتصف الستينات، ثم ألقوا محاضرات وكتبوا مقالات فى التنديد بالاشتراكية فى السبعينات، وأصبحوا وزراء فى الثمانينات أو التسعينات".
ويبلغ الدكتور/ جلال أمين مبلغاً أكبر فى الجرأة حين يصف السادات الذى كان "عبده مشتاقاً" فى الخمسينات والستينات، ثم أصبح رئيساً فى السبعينات قائلاً عنه: "فإذا سئل مرة عن أهم ما قرأه من كتب ذكر كتاب أبى "فيض الخاطر"، الذى يضم مقالات أبى فى مختلف الموضوعات والتى سبق نشرها فى مجلات غير أكاديمية. ويذكر اسم الكتاب خطأ فيسميه "خواطر"، ويقول أيضاً لكى يدلل على سعة اطلاعه، إنه قرأ المراجع التى ذكرها أبى فى نهاية كتاب "خواطر"، والكتاب بحكم طبيعته لا يذكر اسم أى مرجع على الإطلاق".
وذكرنى هذا بمن كان أقصى طموحه تعيينه سفيراً لمصر فى لندن، ثم أصبح ....!!!
ويحكى صاحب "ماذا علمتنى الحياة؟" موقفاً غريباً - أو من المفترض أن يكون كذلك - عن ندوة تليفزيونية عقدت فى تليفزيون الكويت عن زيارة السادات للعدو الصهيونى، وكان حاضراً فيها مع ضيف فلسطينى، ووزير مصرى سابق، فيقول عن الوزير المصرى: "وفوجئت أنا إذ وجدته يدافع عن هذه الزيارة طالما كان الميكروفون مفتوحاً والتسجيل جارياً، بينما يقول لنا إنه يؤيد موقفنا المعارض للزيارة تمام التأييد، عندما نكون فى فترة استراحة ويكون الميكروفون مغلقاً.".
ولكن كانت هناك طريقة أخرى لاختيار الوزراء غير البحث عن المواصفات، والسير الذاتية.. كانت هذه الطريقة ما ذكره د/ جلال أمين عن طريقة اختيار د/ حافظ غانم فى إحدى الوزارات قائلاً: "وقد تناقل الناس بعد ذلك قصة طريفة أعتقد أنها صحيحة، وهى أن عبد الناصر أثناء اختياره للوزراء الجدد عبّر عن رغبته فى أن يدخل الوزارة "غانم بتاع الحقوق"، دون أن يلتفت إلى أن فى كلية الحقوق غانمين وليس غانماً واحداً، العميد والوكيل. وأغلب الظن أن كان يقصد إسماعيل غانم، فهو، وليس الدكتور حافظ غانم، المعروف بميوله الاشتراكية وباستقلاله فى الرأى. ولكن لسبب ما عرضت الوزارة على الوكيل دون العميد".
وتبقى الأجواء المحيطة بذوى المنصب، والسلطان كافية لتعبر عمن يتم اختيارهم لمثل تلك المناصب، وألخصها بما ورد فى السيرة الذاتية "ماذا علمتنى الحياة؟" على لسان الدكتور/ إسماعيل غانم - الذى أصبح لاحقاً وزيراً فى الحقبة الساداتية - وكان رجلاً ذا مواصفات مختلفة كما وصفه صاحب السيرة الذاتية، فيذكر الكتاب: "إن لمنصب الوزير ميزتين وحيدتين. الأولى تتعلق "بالنطاط"، وهو شخص يجلس إلى جوار السائق وتنحصر مهمته فى القفز من السيارة قبل وقوفها لكى يفتح للوزير الباب. قال إن هذا النطاط مع ذلك سبب له مشكلة. فقد استهجن إسماعيل غانم بشدة أن تكون هذه كل مهمة الرجل فقرر أن يستفيد منه على أى نحو آخر. كانت زوجة الوزير دائمة الشكوى من أنها لا تستطيع الحصول على زبد، فخطر له أن يكلف النطاط بشرائه، فيوفر على زوجته عناء الوقوف فى طابور الجمعية. طلب الوزير إذن من النطاط أن يذهب ليبحث له عن زبد ثم صعد إلى مكتبه. فإذا بالتليفون يدق بعد ساعة فى مكتبه وإذا بالمتحدث مدير مكتب وزير التموين مستفسراً من وزير التعليم العالى "كم كيلو من الزبد بالضبط يريد؟". قال إن هناك ميزة أخرى لا يمكن التهوين من أمرها. ذلك أنه بجلوس الوزير فى قاعة اجتماعات مجلس الوزراء، وقبل أن يدخل رئيس الوزراء، كثيراً ما يأتى موظف إلى الوزير فينحنى هامساً فى أذنه ليخبره بآخر ما وصل إلى الجمعية التعاونية من سلع، للوزير الأولوية فى الحصول عليها، وكان آخر ما يذكره هو شحنة من البطاطين الصينية كانت قد أرسلت كجزء من معونة صينية لبعض المحتاجين فى مصر، فإذا بالموظف يسأله عما إذا كان الوزير يرغب فى إرسال بعضها إلى بيته".
إخوانى.. أخواتى
ترى كيف يختارونهم الآن؟!
أظن أن علينا أن ننتظر عهداً جديداً لنقرأ سيرة جديدة يتحدث فيها صاحبها عمن سرقوا بطاطين الزلزال!!!!