الثلاثاء، ٥ مايو ٢٠٠٩

حاجتنا إلى رجال

شاءت الأقدار أن يفارقنا علمان كبيران من أعلام الدعوة الإسلامية فى العصر الحديث؛ ففارقنا بداية العالم والمجاهد د. توفيق الشاوى، ثم رحل عنا الطبيب الداعية الإنسان د. حسان حتحوت.

وقد عمدت إلى قراءة ما استطعت الحصول عليه من إنتاج هذين الرجلين؛ لأتعلم منهما، وأعرف قدر جهادهما.

وقد أدهشنى فعلاً ما قرأت منهما، أو عنهما، من جهاد وتضحية، ونبل وكرامة، وأخلاق ودعوة.

قرأت – وما زلت أقرأ – سفر د. توفيق الشاوي “مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي”، كما قرأت ما كتبه الشيخ القرضاوى عن “أمة فى رجل”.

وقد هالنى أن يرحل أمثال هؤلاء فى صمت دون التفات، ولا انتباه.

ولكن أكثر ما شد انتباهى، وأثار شجونى سؤال ألح على خاطرى كثيراً: هل بين أبناء الدعوة الإسلامية حالياً أشباه لهؤلاء؟

إن كان حسن البنا قد ترك فى هذه الأمة – بشكل مباشر - رجالاً فى حجم محمد الغزالى، وسيد سابق، ويوسف القرضاوي، وعبد القادرة عودة، وتوفيق الشاوي، وحسان حتحوت، ويوسف ندا، وغيرهم الكثير ممن نشروا الإسلام – فكراً وعملاً – فى ربوع العالم كله شرقه وغربه، عربه وعجمه.

وإن كان حسن البنا قد قدم هؤلاء، وغيرهم، فماذا قدم الإخوان – تحديداً – للأمة فى هذه الأيام العصيبة التى تمر بها.

حاولت ان أستذكر اسم عالم، أو شيخ، أو اقتصادي، أو مفكر، أو حتى كاتب يشار إليه بالبنان فقلما وجدت.

فهل عقمت الدعوة أن تأتى بأمثال هؤلاء مرة أخرى؟

أم غابت الرؤى والمناهج التى تنتج قادة وعلماء جدد فى ميادين الحياة المختلفة؟

أم أن الحركة استنفذت الجهد والوقت؛ فلم تترك مجالاً للإبداع والابتكار؟

نظرة واحدة على أسماء قيادات الإخوان الحاليين، والتى تخلو من أى مفكر أو كاتب، أو عالم له وزنه واعتباره بين الأمة تشخص لنا حجم المأساة، ومدى عمقها، كما تقدم لنا مبرراً منطقياً لحالة الرمادية الشديدة التى تعيشها الجماعة.

إن الإخوان – بالفعل – هم الجهة الوحيدة المؤهلة – بعون الله – على إحداث تغيير جذرى فى هذه الأمة؛ لما يتمتعون به من قدرات عددية، وتنظيمية كبيرة لا ينافسهم فيها أحد فى مصر أو على امتداد الأمة بأسرها.

فالأمة فى حاجة فعلية إلى أطباء نابهين، وعلماء أفذاذ، ومجتهدين مخلصين، ومفكرين مبصرين كما هى حاجتها إلى دعاة ينيرون الدرب، وحركيين يجيدون التنفيذ.

أسمع عن رجال كانت تؤهلهم إمكاناتهم، ومؤهلاتهم لأن يكونوا على درب النوابغ السابقين، ولكنهم أُسروا فى قيد العمل التنظيمى، فخسرناهم مرتين..

أعرف أديباً تؤهله بلاغته وفصاحته أن يسبق فى مجاله، ولكن قيدَه خـَوَّفـَه من ترك الأَولى – الذى حدده له ضيقوا الأفق.

وأستاذاً فى الطب كان التلميذ النابه للدكتور/ أحمد شفيق – كما حُكى لى، فصار جراحاً عادياً؛ لاستهلاكه فى المسئوليات التنظيمية.

وأستاذاً فى الهندسة تأخر زمنياً فى تحصيل علم أحبه؛ لأن أستاذه أبلغه أن الدعوة – بمفهومها الضيق – أولى من تحصيل العلم والنبوغ فيه.

وهناك الكثير والكثير من الطاقات المعطلة، والنفائس المخزنة فى قيد غير محدد المعالم، أو الوجهة.

إن الإخوان يحتاجون إلى رؤى ومناهج جديدة تقدم للأمة ولا تخصم منها، يحتاجون إلى رجال يقودون الأمة ولا يتركونها فريسة يعبث بها كل لاه أو صاحب مصلحة.

كما أن الأمة أيضاً بحاجة إلى رجال يعملون فى نسق بديع، فيضحون بأوقاتهم، وعلمهم، بتجرد وإخلاص دون انتظار لمغنم، أو تحيز لعدو، ولن يتأتى ذلك بغير عمل منظم وموجَّه.

أدعو الله أن يرشد الأمة للصواب، وأن يستنقذها من براثن الجهل والتخلف والجور الذى تعيش فيه، وأن يقيض لها رجالاً يصدقون ما عاهدوا الله عليه.

هناك ٧ تعليقات:

  1. خالد صالح٥/٥/٠٩ ١٠:٢٣ ص

    جزاكم الله خيرا..أخى الحبيب على هذه النظرة العميقة لخلل موجود بالفعل فى صفوفنا.
    البعض يرى أن الانشغال بأى مجال غير الواجبات الادارية المعروفة هو من قبيل الانشغال (بالدنيا!!) أو خلاف الأولى!!حتى وإن كان هذا المجال هو مجال نبوغك وابتكارك ومن ثم يقع كثير من المتميزين أسرى لهذه النظرة الضيقة التى تقيم نشاطك الدعوى بناءاً على عدد الساعات والنشاطات التى تبذلها بشكل معين !!أو يقعون فى حيرة وقلق مدمر نتيجة لوخز الضمير المزيف الذى يؤنبك كلما ابتعدت عن هذاالأسر ولو لبرهة!!.
    والحقيقة أننى عندما اطلعت على سيرة بعض هؤلاء الأفذاذ الذين ذكرتهم وجدت أنهم طالما تعرضوا لمثل هذه المحاولات لتقييدهم ووضعهم فى إطار معين لا يناسب قدراتهم ولكن رحمة الله أولاً ثم قوة شخصياتهم وإيمانهم بما يفعلونه جعلتهم يصلون إلى هذه القمم ويكونون بحق شامة ليس للدعوة فقط وإنما لمجتمعهم وأمتهم قاطبة .
    أشكرك أخى الحبيب مرة أخرى وأتمنى أن يتواصل الحديث عن هذا الموضوع أكثر و أعمق خصوصا عن الحلول لهذه المشكلة

    ردحذف
  2. عندك حق
    رغم انى كثيرا ما اسمع عن مشاريع نوابغ فى الجماعه الا انها لم تثمر الى الأن

    وما قلته حاصل من ان من يحاول التركيز فى مجالاه ويتخفف من اعباءه التنظميه يتهم بالتقصير
    ولكن على الجانب الأخر
    نرى فى الجامعات من اعضاء هيئه التدريس الإخوان فى الأغلب ممن ركزوا فى مجالاتهم انهم اصبحوا مشوهين فى الجوانب الأخرى
    بمعنى ان انشغالهم الزائد بعلمهم افقدهم مهارتهم الإجتماعيه والدعويه والشجاعه
    فهى معضله يجب التعامل معها فيمن يركز فى مجالاه بزياده

    ردحذف
  3. كم يشرفنا التعليق على تدوينتكم:قد نتفق في امور ونختلف في الاتي:1)ان الاخوان في مجال صناغة الرجال قدموا على سبيل القصر لا الحصر عشرات ممن يقودون الحركات الطلابية في كل الجامعات لسنين مضت وأخرى تأتي حين تسألوا ماذا قدمرا؟
    2)أنا أفهم أن القيادة لها مهام والأدباءوالمفكرين لهم أخرى و قد يصادف ان يوجد في جملة هؤلاء بعضا من هؤلاء.ما يسأل عنه الاخوان ما لديهم من رؤى لصناعة ركائز المشروع الحضاري وهو مالا يجزم بوجوده من عدمه أنتم ولا أنا.
    3)ان رؤى الاخوان ومناهجهم الحالية ان لم تقدم للأمة فهي أبدا لم تخصم منها

    ردحذف
  4. الأخ العزيز خالد صالح:
    جزاك الله خيراً على تعليقك، وأتفق معك فى رؤية مقاومة النوابغ الدائمة لمحاولة قولبتهم.
    ورغم ذلك كان النبوغ والتميز على عهد الإمام البنا فى معظمه مرتبطاً بمشروع الجماعة بل كان بتوجيهها مثل (فقه السنة) لسيد سابق، ومثل تنسيق د. توفيق الشاوى لجهود تحرير بلاد المغرب العربى.

    الأخ الفاضل محمد هيكل
    جزاك الله خيراً على تعليقك.
    وأود أن أوضح صورة مغايرة لموضوع هيئة التدريس المنشغلين بدراستهم؛ فهم فى الواقع منشغلون بتدريسهم ومشاريعهم الخاصة، لأنهم مثل باقى عموم أعضاء هيئة التدريس مدرسون، وليسوا (معظمهم بالطبع) من النوابغ أو العلماء، وبالتالى هم خارج نقطة الفكرة التى قصدتها.

    الأخ الفاضل "نسم وفى"
    جزاك الله خيراً على زيارة المدونة، ومرحباً بك معلقاً وناصحاً.
    بالنسبة للنقطة الأولى: فما قدمه الإخوان على مر تاريخهم لا يستطيع أن ينكره أحد وقد كتبت مقالة عن هذا الموضوع سابقاً تحت هذا الرابط:
    ماذا قدم الإخوان وبالنسبة لقيادات العمل الطلابى فهى قيادات حركية، وليست قيادات مجتمعية، أو علمية، أو فكرية، أى أنها تصب فى المحيط الإخوانى أكثر مما تصب فى المحيط المجتمعى.
    أما بالنسبة للنقطة الثانية: فهى تصب فعلا فى نفس الاتجاه الذى أقصده وهو أن القيادت حركية فقط، وهذه القيادات "الحركية فقط" منوط بها أن تناقش وتعتمد قضايا فكرية على مستوى أكبر من إمكاناتها مما يوقعها دائما فى اختيار المناطق الرمادية، وذلك على سبيل المثال فى قضية الشيعة، وقضية رؤية الإخوان للدولة الإسلامية المعاصرة وغيرها الكثير والكثير.
    قد أتفق معك فى عدم ضرورة أن تكون كل القيادات من المفكرين والعلماء، ولكن الكارثة أن تكون كل القيادات من النوع الحركى التنفيذى فقط، فتختلط الرؤى، وتضيع البوصلة؛ فعلى سبيل المثال هل من الطبيعى أن يكون مفتى الجماعة - إن صحت التسمية - شيخاً أزهرياً عادياً أى أنه داعية وليس مجتهداً.
    ومما يدلل على كلامى أن الإخوان لم يفقدوا هذه المزية "وجود العلماء والمفكرين جنباً إلى جنب مع الحركيين" فى عهد الإمام البنا.
    أما الرؤى التى نتمنى أنا وانت أن تكون موجودة فلا يصدق على وجودها دليل، والفيصل بينى وبينك هو التخبطات الكثيرة فى المواقف فى الفترة الأخيرة.
    أما بالنسبة للنقطة الثالثة: فما قصدته بالخصم هو الخصم السلبى الذى يدفن من لديهم القدرات والإمكانات فى الإطار الضيق ولا يخرج ما فيهم من طاقات لتصب فى النهاية فى تقدم الأمة وتطورها، وهو خصم لا شك فيه.
    وجزاك الله خيراً مرة أخرى.

    ردحذف
  5. السلام عليكم ورحمة الله جزاكم الله خيرا ونفع الأمة بما ذكرت وحللت أتفق مح حضرتك جملة وتفصبلا فيما ذكرت من حاجتنا إلى رجال في زممن عز فيه الرجال المسلمون الصالحون لكن بنظرة أوسع اكتشاف المشكلة هو جزء من العلاج لماذا توقفنا عند هذه الحقيقة التي توصلت حضرتك إليها وهي حاجتنا إلى الرجال أليس من المنطقي والمعقول - وانا على ثقة أن حضرتك تفكر في ذلك- أن نقول هيابنا في مشروح رجل ماهي شروطه كيف يربى لم يعد العلم الحديث يترك ظهور الرجال بالطفرات ولكن بدراسات لقد آن الأوان أن نقول ماهي شروط ذلك الرجل وماهي اهم مايجب أن يتم زرعه فيه وتربيته عليه سواء كان صغيرا أوشابا أو كبيرا هيا لنعمل حملة رجال بالشروط السابقة لنساعد من فيه ملكات أن يكون رجلا أو ننشئ رجال أو هيا لنكون هؤلاء الرجال الذين تريد فإن التاريخ لم يترك من كبر سنه فيحرمه من الرجولة والنهوض ولننظر سوياإن الشيوخ في التاريخ أحرجونا مما نرى فيهم من همة الشباب. والصغار في التاريخ كذلك أحرجونا لما نرى فيهم من حكمة الشيوخ وتصرفات القواد المهرة المخضرمين فأين نذهب في التاريخ غن اردت أن تنظر إلى الشيوخ فعلى سبيل المثال لا الحصر والأسماء أكثر من أن تحصى أبو بكر الصديق موسى بن نصير فتح الأندلس وعمره 72 عاما ويوسف بن تاشفين و....ومن الشباب الصغار أسامة بن زيد ومحمد الفاتح وقطز ونور الدين محمود ومن العلماء من الصغار ابن سينا الذي بدأدراسة الطب وعمره 21عاما بعد أن درس الفقه والفلسفة والرياضيات والإمام أحمد بن حنبل الذي نبغ في الفقه وهو في ال20 من عمره وكثيرا من أمثال هؤلاء فهيا بنا لنكون نحن الرجال وإن لم نستطع فمعنا الفرصة فهؤلاء ابناؤنا صفحة بيضاء لنكتب عليها مانريد وأخيرا هذه مرحلة من مراحل التاريخ لا بد أن توجد لكن كم مدتها هذا مايحدده الله وفق ما يرى من عمل المخلصين العاملين للنهوض بهذه الأمة فقبيل نبوغ قطز كانت الامة عقمت عن الرجال بل حتى عن أشباه الرجال حتى كان الخليفة امرأة وهي شجرة الضر وقبل عبد الرحمن الناصر الذي حكم الاندلس وتم تصنيفه على أنه أعظم ملوك أوربا في القرون الوسطى فبله لم يكن هناك خليفة مات جده وأعمامه زهدوا في الخلافة لما كانت عليه البلاد من مشاكل واضطرابات وكان عبد الرحمن الناصر في أول العشرينيات من عمره فاللهم انصر الإسلام وأعز المسلين والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون

    ردحذف
  6. انا أحلم بيوم بنزل الإخوان فيه الانتخابات تحت شعار لنبني مصر الجميلة أو المتطورة وقول فيه الإخوان للناخب المصري لتاذن لنا أن نبني مصر جديدة حينها لن تكون شعارات دينية- بالمعني الذي يعمل للحكومة ارتيكاريا- لكنها في مضمونها الدين كله "هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها " متى ياتي هذا اليوم الذي يدخل فيه الانتخابات بشعار لنبني مصر الجديدة معتمدين في ذلك على تاييد الله لهم ثم على ما اعدوه من كفاءات صناعية وتجارية واقتصادية وعلمية و.... ولهم صيد كبير من نجاحات أعضائها في شتي المجالات سيكون هذا بعمل المخلصين الغيوريين على دينهم قريب إن شاء الله

    ردحذف
  7. حقا اخى الكريم اننا توقفنا كثيرا عن السير فى الطريق الصحيح او ان شئت فقل الاصح .اننا حجبنا كثيرا من الثقافة الاسلامية النافعة عنا و عمن نربيهم واصبحت مناهجنا لا ترقى كثيرا الى تاهيل الانسان الى ما يساعده ويصب فى حدود مسؤولياته المباشرة فتجد ثقافتنا هى ثقافة الغزوات والمفاوضات والادوار العسكرية الرائعة التى فعلها محمد صلى الله عليه وسلم وانها كذلك لا شك لكن فى المقابل ربما يعيش الواحد ويموت ولا يمسك سيفا ولا يفاوض عدوا او فصيلا سياسيا .لكن ما يباشره يوميا من ادوار كأب
    او كزوج وموظف او صاحب شركة للاسف لا تجد فى مناهجنا ما يحتوى على ذلك .ان هناك مهارات كثيرةيغيب عن معدى المناهج ومؤهلى المعلمين اهميتها فغاب عنا اهمية ما يجب ان نكون عليه .

    ردحذف