الخميس، ١٥ سبتمبر ٢٠١١

نصائح إخوانية - العمل الطلابي الجامعي (1)

تظل الحياة الجامعية هي المعين الأول لتكون الملامح الشخصية لأي فرد منا؛ فما يتعلمه الإنسان في هذه الفترة من خبرات مهارية، وتزكية نفسية، ومعاملات إنسانية هو الأكبر في حياة كل واحد منا؛ لذا فإن هذه الفترة تظل الأخصب في حياتنا العامة.
ورغم ابتعادي الطوعي عن العمل التنظيمي حتى الفرقة الثانية من كلية الهندسة؛ إلا أني لا أزلت أدين لهذه الفترة من حياتي بما تعلمته، وما تربيت عليه داخل الإخوان؛ فلا زلت أسترجع كل حين روحاً شفافة، وأخوة صادقة، وبساطة مذهلة لا زلت مفتقداً لها حتى الآن.. لا زلت متذكراً لأول أسرة تربوية التحقت بها في الجامعة، ومدى الحب الذي غمرني من مسئولها وإخواني المتواجدين فيها، ولا زلت أذكر الروح الإيمانية لأول كتيبة حضرتها والتي أستشعر نسيمها حتى الآن.. كما أذكر أول معسكر حضرته (والذي دعيت إليه رغم عدم انتمائي التنظيمي وقت إقامته).. أتذكر نظامه ودقته، وانضباطه وجديته، وسمو روح من فيه، ودفء المشاعر والألفة البسيطة غير المتصنعة.
أردت البدء بهذه المقدمة للتأكيد على أن الطلاب هم العمود الفقري الفعلي لهذه الأمة، وأن غياب تأثيرهم عن الساحة بسبب ضعفهم الإيماني او المعرفي أو الحركي هو تأخير لهذه الأمة، وانتقاص من رصيدها البشري.
زادت قناعتي بما أقول بعد التحاقي بالعمل الإشرافي بجامعة الأزهر في العام 2002، والذي زادني قرباً من دولاب العمل، وآلياته، ووسائله، والتي استطعت من خلالها وبالتدريج إدراك مظاهر القوة والضعف لهذا العمل الذي كان يسمى برأس الحربة للعمل الإخواني بصفة عامة، ولكي أبتعد عن الروح النقدية التي أتمتع بها فإني سأذكر نصائحي سريعة وموجزة لكيفية تطوير هذا العمل بما يحتويه من طاقة بشرية هائلة تستطيع أن تكون في مقدمة الركب.. ركب الحضارة والنهضة بإذن الله.

1-1: الإشراف

أ- تحجيم دور المشرف وقصره فقط على العملية التربوية، ونقل الخبرات، والتنسيق مع الجماعة، مع نقل كل الصلاحيات التنفيذية للطلاب:

اتسع دور المشرف جداً خلال الفترة الماضية وأصبح المسئول الفعلي عن كل ما يتعلق بالأمور الطلابية؛ فهو الذي يختار الطلاب المسئولين، وهو الذي يعتمد أو يمنع كل الآليات، والوسائل المقترحة من الطلاب (أذكر أننا من حددنا للطلاب من ينتخبون لاتحاد الطلاب الحر)؛ مما جعل المشرف بمثابة عنق زجاجة لكل آليات العمل الطلابي، مما قلل من فرص التعلم الذاتي للطلاب، وأضعف من قدراتهم القيادية مما أفرز طلاباً جنوداً (إن صح التعبير) يتبعون لا قادة يقودون ويبدعون، وتأكيداً على هذه النقطة أذكر أنني حين توليت مسئولية العمل العام طلبت من مسئولي الكليات قبل بداية العام الدراسي مقترحات مبتكرة للتعامل مع 3 ملفات متكررة كل عام وهي: (استقبال بداية العام الدراسي - الاستبعاد الأمني من المدينة - انتخابات اتحاد الطلاب) وكانت المفاجأة أني لم أتلق أي اقتراح حول هذه الأمور التقليدية المتكررة كل عام؛ لأن الطلبة اعتادوا على تكرار نفس الآليات كل عام دون ابتكار أو تجديد (المظاهرات - الاعتصام - ...)، أو انتظار تنفيذ ما يقترحه المشرفون الخارجيون!!!

ب- التدقيق في اختيار المشرف:

نظراً لحساسية دور المشرف (حتى لو اقتصر دوره على الاقتراح الأول)؛ فإن عملية اختياره لا بد أن تخضع لمعايير عديدة ومحددة وغير قابلة للتغاضي عنها، منها على الأقل: القرب السني من الطلاب (على ألا تقل مثلاً عن 3 سنوات وألا تزيد عن 7 سنوات)، والكاريزما القيادية، والقدرة على الاحتواء، والثقافة العالية، والانضباطية الشديدة، والأخلاق الرفيعة، بالإضافة إلى القدرة على الإقناع، والحوار، مع الفهم المعرفي لطبيعة المرحلة السنية وتقلباتها الطبيعية.. فآلية اختيار الخريجين المتميزين دون مراجعة هذه الصفات تؤدي إلى كوارث عدة خاصة مع تواجد خريجين (أصبحوا في موقع الإشراف) نشؤوا في ظل ظروف أمنية شديدة، وسطوة إشرافية أفرزت جنوداً لا قادة (كما أشرت في النقطة السابقة)


ج- اكتشاف المواهب والطاقات وإيجاد مسارات مناسبة لاحتوائها:

لو لم يكن للمشرف من دور إلا اكتشاف المواهب والطاقات من طلابه لكفاه؛ فالمرحلة السنية الجامعية والتي تلي مرحلة المراهقة مباشرة تتفتح فيها العقول، وتظهر فيها المواهب والطاقات بكافة أنواعها؛ وإن لم تجد هذه المواهب والطاقات من ينميها وينضجها ويبرزها لأفلت وانزوت، أو ابتعدت، أو انحرفت عن مسارها المرتجى.. وقد أستطيع أن
أقول أن إهمال المواهب والطاقات لهو من خيانة الأمانة التي اؤتمن عليها المشرف؛ فتركها حتى تذبل أو تتفتح في مكان آخر..
والملاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك نضوباً شديداً في المواهب بكل أنواعها: الفنية، والعلمية، والرياضية، واختفاء هذه المواهب لا يعني أن الأرحام قد عقمت ولكنه يعني أن الكشافين (المشرفين) لم يقوموا بدورهم المطلوب في إطلاق هذه الطاقات، ومساهمتها في نهضة الأمة.
وللأسف فإن التركيز ينصب بصورة كبيرة على اكتشاف الطاقات الحركية، أي تلك التي تملك القدرة على التنفيذ والمتابعة والجري (الحركة) يمينا ويساراً؛ لأن المشرف غالباً ما يكون مشغولاً بمن يقود إخوانه، وليس مشغولاً بالصورة الأكبر للأمة، وحاجتها لهؤلاء؛ فقد يهتم بموهوب في الرسم؛ لأنه سيصمم غلاف مذكرة الامتحانات، ولكنه لا يبحث عن كاتب، أو باحث، أو مبدع لا يستطيع توظيفه في مسار كليته (أو هكذا يظن).
كما أن هناك سبباً آخر هو أن التعامل مع المبدعين أو الموهوبين يحتاج إلى حساسية شديدة في التعامل؛ فقد يكون أكثر جرأة في النقاش، وأكثر رغبة في الاقتناع، وهو مما لا يجيده كل أحد فيؤثر السلامة، ويهتم بهؤلاء الحركيين القابلين - بحكم طبيعتهم - على التنفيذ الجيد، وعلى السمع الطاعة دون نقاش.

د- تفرغ المشرف:
مهام المشرف من تربية، وتنسيق، ونقل خبرات تحتاج إلى مشرف متفرغ تماماً من كافة الأعمال الأخرى؛ فمن أخطائي وقت أن كنت مشرفاً على كلية الهندسة أني كنت مكلفاً بأعمال أخرى في الجامعة وفي الشعبة مما أثر على تواصلي الكامل مع الطلاب؛ مما جعله مقتصراً على اللقاءات التنظيمية فقط (مرتين في الأسبوع أو أقل في أحيان أخرى).. بينما ينتظر الطالب من المشرف أن يجده وقت حاجته إليه، وأن يأخذ بيديه إلى كل خير يأمله، كما أن وجود المشرف مع طلابه فترة أطول ينقل الخبرات بشكل سلس، ويشعر الطلاب بالأمان، كما يجيبهم أو يساعدهم فيما يطرأ عليهم من أسئلة أو مشاكل، كما يعطي ذلك المشرف مساحة من الحرية في زيارة طلابه في مسكنهم أو دعوتهم إلى بيته وتفقدهم ورعايتهم، وقد أبلغنا م. خيرت الشاطر ذات مرة أن أ. صبري عرفة (مشرفهم، وعضو مكتب الإرشاد السابق) كان يعطيهم ساعة كاملة أسبوعياً لكل واحد فيهم على حدة، مما كان له أبلغ الأثر في ارتباطهم به، وبالدعوة في السبعينات.. لذا فإن قبول مسئولية الإشراف مع وجود مهام أخرى له أثر سيء جداً على الطلاب، وعلى قيام المشرف بمهامه بالشكل المرضي.

هناك تعليقان (٢):

  1. مجهود رائع وروح جديدة , أسأل الله أن يجزيك خيرا ويلهمك رشدا , ننتظر المزيد في سلسلة الترشيد
    وان شا الله نحاول الاستفادة منها .

    محمود شعلان

    ردحذف
  2. محمود حسين٢١/٩/١١ ٢:٠٨ ص

    تمام يا بشمهندس على هذا فسر بارك الله في قلمك ولسانك ......أسأل الله أن ينفع بك حيث كنت

    ردحذف