الأحد، ٢٥ مارس ٢٠١٢

مشروع للوطن

أظن أن الكثرة الغالبة من المصريين تشعر بحيرة شديدة، وأزمة بالغة ما بعد ثورة 25 يناير؛ فما بين طموح علا سقفه بعد التنحي، إلى إحباط أسرف في اليأس بعد حادث بورسعيد؛ عاش المصريون عامهم الأخير.

فرغم سقف الحرية العالي، ورغم تنوع الأفكار، والاتجاهات السياسية؛ إلا أني أزعم أن المصريين لا زالوا يشعرون بغربة شديدة مع متصدري المشهد العام؛ فأرقام المنتسبين للأحزاب الجديدة وضآلتها، وحنق المصريين من ضعف أداء من انتخبوهم  تؤكد أن المصريين لا زالوا يراقبون من بعيد، قد يفوضون أحداً لتلبية مطالبهم في مرحلة ما، لكنهم لم يندمجوا معه، ولم يشعروا بأنه منهم، وأنهم منه.

القوى السياسية التقليدية المصرية الحالية لم تستطع مجتمعة أن تجمع المصريين حول حدث كبير، كما لم تستطع من قبل أن تدعوها لثورة، أو أن تحجمهم عنها، بل على العكس فإن هذه القوى كانت تلحق بالتحركات الشعبية العادية، وتنضم إليها تابعة لا قائدة، والمتابع لتطورات ثورة 25 يناير يدرك أن القوى السياسية التي التحقت بركب الحوارات السياسية مع عمر سليمان، ما ألجمها إلا الخوف من الشعب الذي لم يستطيعوا أن يقودوه إلى الثورة، كما لم يستطيعوا أن يقنعوه بالاكتفاء بلمام المطالب.

وأداء القوى السياسية التقليدية مع سيريالية المشهد المصري طوال العام الماضي يؤكد على أنها جزء من المشكلة، وأنها لم تكن أبداً - وأظنها لن تكون – جزء من الحل؛ لأنها تصر على أسلوبها القديم – الذي اضطرت لتغييره جزئياً أثناء جولة الثورة الأولى، والذي ينحصر في تقديم أولوياتها الخاصة على أولويات الوطن؛ ففي حين ظهر هؤلاء وانتفضوا في قضايا الدستور أولاً، أو الانتخابات أولاً، وقبلها معركة هوية الدولة، أو معركة نسبة الثلث والثلثين في مجلس الشعب، إلا أنهم كانوا وحيدين في تلك المعارك التي لم تجتذب أحداً إلا الأتباع، والمريدين؛ بما يؤكد أنهم ما زالوا بعيدين عن هذا الشعب، وعن أحلامه، وطموحاته.

إذن، مصر في حاجة إلى مشروع جديد يجذب إليه الناس دون أن يصطدم بهويتهم الوطنية، ويشركهم في تحقيق أحلامهم لا أن يطلب منهم تفويضاً بتحقيقها، ويتعامل معهم بشفافية لا باستغفال أو استهتار.

هذا المشروع الذي يرى مصر من خلال أهلها وناسها لا من خلال نخبتها وساستها، ومن خلال تيارها الأساسي لا من خلال أحزابها، وحركاتها السياسية أصبح من قبيل الواجب الذي لا يحتمل تأخيراً، وصار الأمل الذي يبعث الحياة في في الأرواح.

يتبقى أن مواصفات هذا التيار الجديد أو المشروع الوطني الجامع في حاجة إلى التبلور، والتجسد في كيان على الأرض حتى لا يظل فكرة في العقول، ومشاعر في القلوب، وحتى لا يظل الناس حبيسي ساحات الصراع التي سئموا منها، وما شعروا يوما بالانتماء إليها.

مصر والمصريون لا يعيشون معركة هوية؛ فهويتهم محسومة منذ أمد بعيد، والصراع موجود في مخيلة مشعليه فقط..

مصر والمصريون يريدون إرادة وطنية مستقلة حقيقية لا تخضع لهيمنة أجنبية، ولا لاحتلال وطني.. إرادة تجعل مصر رائدة لا خانعة، وقائدة لا تابعة.. إرادة تعيد عزتهم الوطنية، وكرامتهم القومية، كي يبذلوا في سبيلها الغالي والنفيس.

مصر والمصريون يبحثون عن عدالة اجتماعية، وإنسانية تحفظ كرامتهم، وتضمن المساواة بينهم دون تمييز بسبب نفوذ، أو جنس، أو عرق، أو دين.

مصر والمصريون لا يبحثون عن شعارات يلقيها ساسة محترفون، ولا أصحاب وعود يلقونها وهم إليه مستمعون.. هم في حاجة إلى من يحترمهم، لا من يستعلي عليهم.. في حاجة إلى من يصارحهم بالآلام والأعمال، لا من يرميهم بالجهل، ويمن عليهم بالأفعال.. في حاجة إلى من يشركهم في البناء، لا من يرمي إليهم بالصدقة.

مصر في حاجة إلى مشروع جديد.. فهل صار قريباً، وهل من مشمر؟!

هناك تعليق واحد: