الجمعة، ٦ أبريل ٢٠٠٧

الغائبون، والمُغيـَّبون، والمُغيـِّبون

بعد التعديلات الدستورية الكارثية التى ألمت بوطننا الحبيب.. ألمت به ككيان يعيش فينا قبل أن نعيش فيه.. سلمته رخيصاً بلا ثمن لحفنة من أصحاب المصالح الشخصية من رجال السياسة، والأعمال، والأكاديميين، والفنانين، وكل من يتعيشون على مص دم هذا الشعب المسكين..
بعد هذه التعديلات كنت أسأل نفسى:
أين الناس؟!
ولمَ هذا الصمت؟
وقد وجدت هؤلاء الصامتين واحداً من ثلاثة.. إما غائب، وإما مُغيَّب (بفتح الياء)، وإما مُغيِّب (بكسر الياء).
فالغائب (برضاه) هو من تشغله حياته، وطموحاته، ونفسه عن كل ما يحيط به..
لا تشغله سوى نفسه.. أين هى؟ وأين ستكون؟
فهو إما راضٍ بقسمة الفـُتات (موظف مرتشٍ، أو ضابط منتشٍ، أو فنان مدعٍ)، وإما أنانى يعيش لنفسه وفقط لا تشغله هموم أمة، ولا هموم وطن، وإما جبان يتحسس مواطن القلق فيرفع يده عنها، ومواطن الإباء فيفتديها..
هذا هو أول الأصناف..
وأما الثانى فهو: المُغيَّب (بفعل غيره).
المفعول به دائماً.. المخدوع أبداً..
فهو ساعٍ على لقمة عيشه، يبحث عنها فلا يجد وقتاً لتأمل، ولا برهة لتفكر..
الفكر بالنسبة له رفاهية تحتاج بالاً صافياً، وجيباً عامراً، واستقراراً غائباً..
يصحو من نومه.. منشغلاً براتبه الذى سينتهى، وبعمله الذى سيختفى..
ينشغل بزوجه وعياله، وكسوتهم، ورعايتهم..
فكيف لمثل هذا أن يسأل عن حقوق غيره.. وطناً كانت أم مواطنين.. لقد نسى أصلاً أنه مواطن، وعاش على أنه ضيف على هذه الأرض التى يسمونها وطناً.. ولم يعلم عن هذا الوطن إلا أنه سبب شقائه وبؤسه الذى يراه ملازماً له شاء أم أبى..
وأما الثالث فهو المُغيِّب الذى يُخدر الناس بكافة أصناف المُخدِّرات.. دينية كانت أو دنيوية..
دينية.. نعم دينية..
يصرفهم عن المُشاهَدَات؛ ليكلمهم عن السمعيات..
يصرفهم عن الواقع؛ ليذهب بهم إلى الماضى المجرد من العبرة والموعظة..
يوبخهم على حالهم؛ ليصرفهم عمَّن سبب لهم هذا الحال..
يزجرهم لمعصيتهم، ولا يحدثهم عمنً مهَّد لهم سبل هذه المعاصى..
ينهاهم عن السرقة، وأموالهم يسرقها من يسمونهم بأولى الأمر..
يأمرهم بطاعة السادة والكبراء وإن سرقوهم، وسحلوهم، وغصبوهم..
يكلمهم عن الآخرة ونعيمها؛ لينسيهم الدنيا وكـَبَدها..
أما مغيِّبى الدنيا.. فهم أهل العبث، واللهو، والمجون..
أهل المخدِّرات العقلية، والحسية..
أهل البانجو، وأهل الرقص..
أهل الهيرويين.. وأهل السينما الماجنة..
أهل التبغ.. وأهل الفيديو كليب..
إخوانى.. أخواتى
مساكين أهل هذا الوطن الغائبون، والمغيَّبون..
وكم ظالمون هم أهله المُغيِّبون..
وكم هى مهمة ثقيلة على من يريد انتشال هؤلاء، وأولئك..
ولكن "النصر مع الصبر".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق