الجمعة، ٢٠ أبريل ٢٠٠٧

الفلوس، والدعاة

حوار د. السيد عبد الستار المليجى فى برنامج العاشرة مساء عن رسالته إلى المرشد العام للإخوان المسلمين والتى نشرت فى جريدة الكرامة بعد تحريفها الذى تم فى جريدة الأهرام.. كان مثار نقاش وجدل بينى وبين زوجتى حول الفلوس، والدعاة..
فزوجتى ممن يخافون أن يفسد المال علينا دنيانا؛ فننشغل بها عن ديننا، وعن أحبابنا، وأهلينا.. وأنا أرى أن المال وسيلة من وسائل زيادة الحسنات لمن قلت حسناتهم من أمثالنا، ووسيلة لإسعاد من نحبهم بهدية أو مساعدة، كما أنه وسيلة من وسائل الاستقرار الأسرى، والنفسى، والحياتى.
أيضاً ترى زوجتى الدعاة دائماً فى صورة الزهاد الذين تأتيهم الدنيا مقبلة فيحجمون عنها.. تراهم فى صورة أبى بكر الصديق الذى تصدق بكل ماله، وفى صورة أبى الدرادء، وأبى هريرة (وقد كان من أهل الصُفة)..
وأراهم أنا جزءً من المجتمع.. فيهم الغنى، والفقير، كما فيهم القوى والضعيف.. أراهم وفيهم عبد الرحمن بن عوف كما فيهم أبو هريرة.. أراهم وفيهم عثمان بن عوف كما فيهم أبو الدرداء..
صحيح أننا من المستورين - والحمد لله، وصحيح أن هذا النقاش هو من سبيل الترف الفكرى؛ فأقصى طموحنا فى الفترة الحالية أن نشترى سيارة مستعملة نستطيع أن نصون بها كرامتنا بديلاً عن المواصلات التى تشعرنا بالمهانة التى يتعرض لها المصريون حين يركبون المواصلات العامة.
وصحيح أن الدنيا لم تقبل علينا بعد حتى نخشاها..
ولكن هذا الحوار جعلنى متفهما لما قاله د. السيد عبد الستار (مع بعض الاختلافات البسيطة)، كما جعل زوجتى متفهمة وجود أغنياء بين الدعاة يرفلون فى نعيم العيش ما داموا يؤدون حق الله، وحق دعوتهم، وحق الفقراء من حولهم..
أشفقت على د. السيد عبد الستار حين وُضع فى هذا الموقف الذى لم يرغب أن يُوضع فيه؛ فقد رأيت فى وجهه فطرة بسيطة، ورؤى تقترب من آراء الصحابى الجليل أبى ذر الغفارى..
وتفهمت موقفه لما رأيته فى بعض الأحيان من بذخ فى تصرفات البعض..
فمن المواقف التى كنت متعجباً لها حين جئت إلى القاهرة، وتعرفت على الدعاة فى أحد أحيائها الراقية، أن أول ليلة إيمانية تجمعنى بهم قد اشتمل إفطارها على بذخ شديد فى الطعام (أرز متعدد الألوان، وأنواع مختلفة من اللحوم، والمشهيات، وغيرها)..
كان ذلك دليلاً على كرم الداعى، وحبه لإخوانه؛ ولكنه كان دليلاً على الخلل الذى ضيع معنى هذه الليلة الإيمانية التى من المفترض أن يبتعد حاضرها قدر المستطاع عن الدنيا، وأن يقترب أكثر من حياة الزاهدين، والمجاهدين فى الطعام، والمعيشة، والنوم..
ظل الأمر كذلك كل شهر حتى نبهت أنا وبعض أحبابى لهذا الخلل حتى عاد الطعام مرة أخرى إلى الخبز القليل والمدعوم ببعض اللبن، أو الزبادى، أو الفول أو غيرها من المأكولات البسيطة والخفيفة.
وأيضاً مما يثير الغصة فى النفس أن تتعامل شركات بعض هؤلاء الدعاة الأغنياء مع موظفيها بنفس تعامل شركات بعض رجال الأعمال غير الأمناء؛ وذلك من قبيل عدم التأمين الاجتماعى على الموظفين، وعمل الموظفين بعد أوقات العمل الرسمية دون صرف إضافى (over time) مقابل الساعات الزيادة، ومن قبيل عدم صرف أرباح للعمال عند ميزانية نهاية العام؛ رغم ما فيها من خير وفير..
ورغم قلة هذا الأمر، ورغم عدم توفر سوء النية لأن معظم السوق المصرى كذلك؛ إلا أن الدعاة لا بد أن يختلفوا عن غيرهم؛ فمقاييسهم مختلفة، وأهدافهم أرقى، وإحساسهم بالناس أعلى.
وزاد ذلك من قناعتى أن المشكلة ليست فى المال، بقدر ما هى فى تأثير هذا المال على أصحابه..
المشكلة حينئذ هى ما فى القلب لا ما فى اليد.. فى الجوهر، لا فى المظهر..
فأنا أعرف تماماً أن هؤلاء الدعاة الأغنياء متصدقون، ومنفقون، وباذلون بإذن الله؛ ولكن لا بد أن يراجعوا أفعالهم..
لا بد أن يسألوا أنفسهم، وأن يُوجههم من يحبهم:
هل ما زالوا يشعرون بالفقراء من حولهم؟
هل يتقون الله فى حقوق موظفيهم عندهم؟
هل تطيب نفوسهم بمساعدة شاب يريد أن يبدأ حياته ليقوى على مصاعب الحياة التى نعيشها؟
هل يسارعون بتزويج شابين تأخر زواجهما للعوز، والحاجة؟
بل هل يقبلون أن يزوجوا بناتهم لشباب نابهٍ ورع تقى؛ لكنه لا يستطيع أن يوفر شقة واسعة، أو أن أن يدفع اشتراك نادٍ مشهور؟؟
هل يمنعون عن أبنائهم مصادر المال التى تؤدى إلى البذخ، والترف المنهى عنه شرعاً..
هذا النقاش هو ما يجب أن أن نشغل به أنفسنا؛ فليس المال أبداً - ولن يكون - نقمة، بل هو نعمة إن استغلها صاحبها فى زيادة قربه من ربه، وإحساسه بمجتمعه، والنهوض به.
إخوانى.. أخواتى
نحن نريد أن يظل الثوب ناصعاً لا تشوبه شائبة، ولا أن يحيط به غبار هذه الدنيا أبداً..

هناك ٧ تعليقات:

  1. جزاك الله خيراً
    على طرحك
    انا كنت هاكتب زى الكلام ده

    بس حضرتك كتبته أفضل منى بالتأكيد
    هى الورقة ديه لها حق الدراسة بالتأكيد

    بس الرد عليها بسيط جداً
    وليس معنى وجود سلبيات (شوفناها كلنا) أن هذا هو الأصل وأن عليه يبنى القرار والحكم

    الإخوة اللى بيعملوا كده بحسن نية
    أنواع الرز الملون وأمثاله من البذخ
    هى فقط حالات تخالف الأصل

    ردحذف
  2. جزاك الله خيراً على تعليقك، وأنا متأكد أن ما يتم هو بحسن نية طبعاً؛ ولكنا صرنا نفتقد قليلاً بعض التناصح فيما يخالف أخلاقنا وسيمانا..
    وندعو الله أن يطهر الثوب دائماً من كل ما يعلق به من قذى.

    ردحذف
  3. http://www.al-karama.com/index.php?id=1932

    بعد أن قرأت نص رسالة د/ المليجي على الكرامة اطمأن قلبي فهي رسالة محترمة جدا من أخ لجماعته التي يخاف عليها ولم ينشرها في العلن وإنما وجدوها في بيوت الإخوة الذين تم إلقاء القبض عليهم
    والحقيقة الكلام الذي وجهه لإخوانه محترم جدا ووجهة نظر قد نتفق أو نختلف معها
    وليس في الأمر أي نوع من الهجوم أو الوقاحة
    الحمد لله الأمر ليس عليه غبار وهو رأي الأخ ويحترم وليس شرطا الاتفاق معه في جميع النقاط
    وكان هذا مثل اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما كان ينكر سيدنا أبو ذر على رأسمالية -إن صح التعبير- بعض قواد الدولة
    وكان هذا وجهة نظره والتي خالفه فيها سيدنا عثمان
    وفي الآخر كلهم صحابة رضي الله عنهم
    الحمد لله
    وأكد هذا المعنى لقاؤه في برنامج العاشرة مساءً
    نعم نحن نختلف ولكن نتناصح في الله وبحب.

    ردحذف
  4. وقع بيان المدونين للتضامن مع عبدالمنعم محمود
    شارك بتوقيعك
    أنشر البيان في كل مدونة تعرفها
    ساهم في حرية المدونين .. وحرية منعم
    http://free4monem.blogspot.com/
    ----------
    طرح رائع جدا أخي محمد
    بالفعل رائع
    جزاكم الله خيرا
    دكتور سيد .. بصراحة ابتعدت عن هذا النقاش
    فلا أعلم الموضوع كاملا

    ردحذف
  5. موضوع ممتاز ويلمس جانب مهم فى تطور الدعوة والانفتاح على المجتمع الذى نعيشه الان .
    نحن نعيش مرحلة التطور من الكم إلى الكيف ..من تجميع الأعداد إلى تربية الكفاءات بمفهومها الشامل وهذه هى المرحلة التى تسبق دائما عملية الاستخلاف والاستبدال.
    لدينا نظام ضعيف ولا يوجد كفاءات تحمل الأمانة بمفهومها الشامل أيضا.
    إذن ليربى الله هذه الكفاءات (ذات الثوب الناصع )وليصنعها على عينه وليساهم هؤلاء الفاسدون البلهاء بدورهم أيضا فى صنع الكفاءات واستكمال ما ينقصها من الفضائل وازالة كل ما يكدر نصاعة الثوب ....
    والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
    جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع الهام

    ردحذف
  6. والله انا شايف ان الدكتور عبد الستار بيتمحك في الجماعه وبيتكلم باسمها وهوا مش منهم اصلا
    وهوا بيقول مفروض قيادات الاخوان مايكونوش اغنيا
    يعني يادكتور هوا الغني بقي من محرمات اليومين ده
    وبعدين الي يكون من القيادات ورجل اعمال شاطر وغني دي تضحيه مش حاجه حلوه لانه معرض في اي وقت يتمسك ويتحفظ علي امواله

    ردحذف
  7. حوار مع الدكتور المليجي على إسلام أون لاين جميل جدا
    ربنا يبارك في هذا الأخ ذي الفهم العالي
    اللهم اجعل قلوبنا على جماعتنا الجميلة كقلب هذا الأخ يا رب

    مش عيب أن نغلط
    لكن العيب إننا لا نجاهد من أجل القضاء على الخطأ
    ومش الحل إني أقلب الترابيزة وأقول اياكش تولع

    طب ما هي لو ولعت كلنا هنكون الخسرانين

    ولعل الذي حدث يكون خيرا يدفعنا دفعا للتصحيح

    أنا مش زعلان إن الرسالة دي ظهرت بالعكس يمكن ربنا عايز كده عشان نسارع بتصحيح الأوضاع حفاظا على جماعتنا

    هذا رأيي

    اللهم سدد خطانا لرضاك يا ذا الجود والمن

    http://www.islamonline.net/livefatwa/arabic/Browse.asp?hGuestID=gTW4O6

    ردحذف