الجمعة، ١٤ ديسمبر ٢٠٠٧

طلبة الأزهر، والتاسع من ديسمبر






التاسع من شهر ديسمبر يوم مشهود في تاريخ الحركة الطلابية في جامعة الأزهر..

ففي هذا اليوم من عامي 2006، و2007 للميلاد شهدت جامعة الأزهر حدثين طلابيين شديدى الأهمية:

كان الأول عرضاً رياضياً قام به طلاب الإخوان المسلمين في الجامعة.. ارتدوا فيه أقنعة سوداء على الوجوه، وقدموا فيه عروضاً
للعبة "الكاراتيه" في ساحة الجامعة، وأمام كاميرات وسائل الإعلام ضمن اعتصام بدؤوه في المدينة الجامعية، وتواصل داخل أسوار الحرم الجامعي..

وكان الثاني وقفة صامتة وقف فيها الطلاب مكممي الأفواه بلاصق أبيض، ومكبلي الأيدي بشريط أبيض يربط أيديهم تعبيراً عن حالة التضييق التي يعيشونها داخل الجامعة - منذ أحداث العام الماضي - والتي كان آخرها هذا العام اعتقال 22 طالباً من زملائهم، وتحويل عدد كبير منهم إلى مجالس تأديبية قبل امتحانات الفصل الدراسي الأول.

إذن نحن أمام مشهدين متناقضين.. اختلف فيهما الأسلوب، بل واختلفت فيهما الألوان المستخدمة..

الأول أثار فزعاً – وإن كان مصطنعاً – من بعض المتابعين للشأن المصري، وقلقاً طبيعياً لدى البعض الآخر من النخبة المصرية، وفى وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت من هؤلاء الطلاب ميليشيا – مزعومة - تحركها أيدٍ من الخارج، وتتلقى تدريبات عسكرية..

والثاني كان رد فعل حضاري.. جذب وسائل الإعلام، ولكن تم تجاهله من النخبة، والكتاب، والمتابعين للشأن العام.


كان الأول تعبيراً ساذجاً من طلاب تنقصهم الخبرة، وحرَّكهم غضبهم، وخوفهم من ردود أفعال أمنية قريبة الشبه بما حدث في جامعة عين شمس؛ فأرادوا أن يوصلوا رسالة خاطئة لجهات الأمن: بأننا لن نسمح بدخول "بلطجية" إلى جامعة الأزهر؛ فنحن أشد قوة، وأكثر عدداً، وأقوى شكيمة.
كانت الرسالة خاطئة.. وكانت الوسيلة أكثر خطأ..

وكان الترصد بهؤلاء الطلاب جاهزاً، والأقلام مسنونة، وعرائض الاتهام معلقة؛ فانطلقت الأقلام، والفضائيات لتتسابق في ذبح هؤلاء الطلاب دون رحمة، ولا شفقة؛ فانتهكت حرماتهم، وألقوا في غياهب السجن شهوراً عدة دونما اعتبار للظروف التي أقاموا فيها عرضهم، ودونما اعتبار لوقت امتحاناتهم، أو ظروفهم الأسرية شديدة البؤس.

ورغم أن القضاء المصري قد أنصف هؤلاء الطلاب، وأقر ببراءتهم من التهم التي وجهت إليهم أولاً، ومن حرمانهم من دخول امتحانات الفصل الدراسي ثانياً، إلا أن الإعلام الذي سلخهم بألسنة شداد لم يقترب من معاناتهم، ومعاناة أسرهم، ومن الظروف اللا إنسانية التي عاشوا فيها بعد الأحداث..
وجاء التاسع من ديسمبر لعام 2007 ليعبر الطلاب فيه عن اعتراضهم على اعتقال زملاء لهم اقتحمت مساكنهم ليلاً، وتم اعتقالهم دون جريرة..

وكان الاعتراض هذه المرة بالصمت، وبكمامات على الأفواه، وبأكبال في الأيدي..

كان التعبير حضارياً، وكان الطلاب فيه هم الأعلى صوتاً رغم صمتهم، والأكثر قوة رغم ضعفهم..
قابلوا رفض رئيس جامعتهم للحوار معهم بتكميم الأفواه.. وقابلوا اعتقال زملائهم بتكبيل الأيدي..

كانت الوقفة مهيبة، والأسلوب معبراً، واللون الأبيض للأكمة والأكبال رامزاً..
كان الصمت، والأكمة، والأكبال، واللون الأبيض رامزين للبراءة الطلابية العفوية، ورامزين لحال الطلاب، ولحال الجامعة..

لقد أظهرت الوقفة الحضارية من الجاني، ومن المجني عليه..
أظهرت الوقفة الصامتة من هم الميليشيا، ومن هم الطلاب..

ورغم حضور الإعلام، وتصويره لهذه الوقفة؛ إلا أن النخبة المصرية صمتت صمتاً مطبقاً.. لا كصمت الطلاب؛ ولكن كصمت الساكت عن الحق، والمشارك فى الجريمة..

شارك صمت هذه النخبة فى جريمة اغتيال الحياة الطلابية المصرية، وتحويل الجامعة إلى ثكنة عسكرية يوأد فيه شباب الأمة، وعماد نهضتها، وتغتال فيها الأحلام فى مهدها لشباب غض يحاول أن يشكل مستقبله، وتنتظره الأمة لتخرج من كبوتها.

وبدوري أتساءل:
ألم تكن هذه الوقفة فرصة يشير إليها هؤلاء النخبة؛ ليتعلم منها الطلاب – في الأزهر وغير الأزهر – أن رقى الوسيلة هو جزء من الحق المراد إظهاره؟!!

أليست هذه الوقفة فرصة تستحق الاهتبال ممن يحبون هذا الوطن، ويخشون عليه؛ ليرفعوا راية مناصرة القضايا الطلابية، ولتسليط الضوء عليها؟!!

ألا يحتاج الشباب في خضم هذه الحالة التي تعيشها الأمة إلى من يأخذ بأيديهم، ويقول لهم: إن ما فعله زملاؤكم هو الطريق الواجب الإتباع، وأن إيجابيتكم في الدفاع عن قضاياكم ليست بالصوت العالي، ولا بالملابس السوداء، وليست أيضاً بوقف الحركة، والنشاط لاسترداد ما ترونه من حقوق؟!!

ترى: هل سيتعلم من يحبون هذا البلد من طلبة الأزهر؟

وهل سيتعلمون من تاريخ التاسع من ديسمبر؟

هناك ١٣ تعليقًا:

  1. أخي الكريم
    لقد غاب المشروع الوطني وعلا صوت المصالح الشخصية
    غاب العمل والفعالية وعلا صوت الأضواء والظهور في المساحات الأولى في الصحف والفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة
    لا يمكن أن نرجو من نظام باع الوطن للراعي الأمريكي ولمجموعة المصالح الجديدة والتجار الذين يريدون أن يحولونا جميعًا إلى أرقاء في وسياتهم الخاصة أو على الأقل مواطنون من الدرجة العاشرة وربما أدني
    أما النخبة المعارضة إعلاميًا للنظام لا تستطيع أن تتخلى عن مربع الخصومة مع الجميع إلا ذواتهم
    وأرى من تلك المشاهد المبعثرة على لوحة الوطن أنه لا توجد مشاريع وطنية ولكنها مشاريع شخصية وللأسف على المستوى الإعلامي وفقط
    متى تعود قضايانا بل مآسينا إلى الصدارة وطنيًا لا شخصيًا

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخي الكريم
    لم ولن أنتظر من تلك الأبواق الإعلامية كثيرا
    أسأل الله أن يبصرنا بأخطائنا وييسر لنا السبيل ، وأن يرزقنا الثبات والإخلاص

    دمت بكل ود أخي الحبيب

    ردحذف
  3. السلام عليك أخي الكريم
    لنكن موضوعين في تناولنا للأحداث ولتناولها على حقيقتها بعيدا عن أ[واق الصحافة

    معلوم أخيي الفاضل أن طلبة الازهر كل عام يقومون بمثل هذا العرض لفنون القتال - بغض النظر عن المبدأ هل هو صح أم خطأ-
    يقومون بهذا كل عام من كذا سنة بصورة بعيدة تماما عن العرض المسرحي
    أو للتعبير -عما قلت - عن رفضهم التام
    لدخول بلطجية للجامعة
    لأن الامن يعلم من هم طلاب الازهر

    وان شئت فاسال جحافل الامن المركزي التي كل عام يضربون - بالمبني للمجهول - ضربا مبرحا من قبل الطلاب
    عندما كان الامن يعتدي عليهم أثناء اعتصامهم من أجل السكن الجامعي

    فلاحاجة لهم لمثل هذه الرسائل
    أخي الفاضل أنا أعرف عددا كبيرا ممن كانوا في العرض ومن منظميه وهم زملاؤنا وممن كانوا معتقلين في هذه القضية

    أخي الفاضل
    ما أ{يد قوله
    هو أن الامن مصحصحين على الاخر وبيراقبوا كل حاجة
    وبيدرسوا ازاي يستغلوه
    ضد الاخوان
    حقيقة هذا امر يسترعي الانتباه
    فلماذا يأخذ العرض العسكري كذريعة الان بالذات

    هم اذا يراقبون ويفكرون كيف يستغلون كل شيء ضد الدعوة ...
    ولك تحياتي

    ردحذف
  4. لأن الحدث الأول كان مقصودا به تشويه صورة الطلاب أما الحدث الثاني فهم لا يريدون مثل هذه الصورة الحضارية أن تكون في انطباعات الناس والجماهير وانما يريدون الصورة المشوهة الناقصة هي الغالبة

    ردحذف
  5. أخي أرى أن الذرائع مفتوحة على كل الاحتمالات فلو جلست تقرأ قرآنا في المدرج لإانت أيضا محل نظر ومحل شبهة

    أنت مطلوب على كل المحاور والتفسير يأتينا جاهزا مغلفا بكل المبررات من وسائل الإعلام

    وأعجبتني عبارتك
    أثار فزعاً – وإن كان مصطنعاً –

    ردحذف
  6. عدم الاعتراف بالخطأ و التبرير الدائم كارثه ،عيب علينا أن نظل ننكر أخطاءنا و ننزع القذى من أعين الناس

    طلبه الأزهر أخطأوا خطئا جسيما، ولا تبرير له على الاطلاق ، ويكفي أن خيرة شباب و قادة الجماعه في الجب الآن بسبب الحماقات الدعوية و الاستدراج من الخصوم و المناهج الباليه و العقليات المغيبه

    أخوكم اخوان من 35 عام

    ردحذف
  7. لقد أسمعت إن ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي الأنظمة لايرى إلا كراسيها والكتاب لايهمهم إلا الفتات الذي ترميه لهم الأنظمة والشعوب تترقب كل يوم ان تفي الحكومة بوعوده وتتحسن معيشة الإنسان المصري أقصد المواطن المغلوب على أمره ومن عنده الاستعداد للتضحية قليل نسأل الله ان يعينك ويعيننا ونحاول إيقاظ الشعب من سباته .

    ردحذف
  8. قرأت مقالك أكثر من مرة
    تحليل رائع ومنظم ومرتب
    جزاكم الله خيرا وكل عام وأنتم بخير
    تقبل الله منا ومنكم
    ولا تنسونا من صالح الدعاء

    ردحذف
  9. بالفعل تعامل بعض من النخبة والمثقفين وحتى الاعلاميين مع كلا الموقفين يبرز مدى التحفز السلبي تجاه طلاب الاخوان وتعمد اظهارهم بموقف المستبد البلطجي الموجه من الخارج
    حسبنا الله ونعم الوكيل
    انما مقارنة ظريفة وتظهر مدى مرونة الاخوان واستيعابهم للدروس من المواقف المختلفة

    ردحذف
  10. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    اريد ان اعقب على قول اخوك اخوان من 53 عام....اخى الفاضل تركت كل مايحدث لاخواننا وبتبكى على اللبن المسكوب
    من وجهه نظرى اننا ننظر الى حل الموقف
    بدل ما نقطم فى اخوانا حسبنا الله ونعم الوكيل فى من رمى صفوه المجتمع فى السجون الذين يريدون العزه لهذا البلد وتركوا السارقين على فرش من حرير
    حقا حاميها حراميها
    من عاشقه الكلام

    ردحذف
  11. وائل عباس و غزة و حماس
    http://who-is-wael-abbas.blogspot.com

    ردحذف
  12. السلام عليكم
    ....الموقف الاول كان خطأ وهم اعترفوا بكده..لانهم عملوه من نفسهم وبدون استئذان
    والاصل هو عرض الامر الاول من مبدا الشورى واستشارة اصحاب الخبره
    اما في التانى كان بعد العلقه الاولانيه ..فكان حكيم
    ربنا يفرج عن الكل والله...الايذاء والاستبداد هو اللى عمل ده كله..والواقع خير شاهد..كلنا بقينا مصدر شبهه في الكليه وفي كل مكان...
    ممكن يكون علينا بعض الذنب...
    ......
    ربنا يرزقنا الفهم والاخلاص
    جزيتم الجنه،،،

    ردحذف
  13. Hello. This post is likeable, and your blog is very interesting, congratulations :-). I will add in my blogroll =). If possible gives a last there on my blog, it is about the Projetores, I hope you enjoy. The address is http://projetor-brasil.blogspot.com. A hug.

    ردحذف