الاثنين، ٧ سبتمبر ٢٠٠٩

رسائل إلى الدعاة - فى حقوق وواجبات العمل (1)

ما أسهل أن تخطب فى الناس عن واجباتهم نحو الآخرين، ولكن ما أصعب الأمر حين يتعلق الأمر بواجباتك أنت! وما أشدها من صعوبة حين يتعلق الأمر بالمال.. زينة الحياة الدنيا..

employees أولاً: رسالة إلى أرباب الأعمال:

  • التأمين الاجتماعى:

عملت فى حياتى المهنية فى أكثر من شركة داخل مصر، كان من أصحابها الملتزم دينياً بل ويعد نفسه من الدعاة، ومنهم الشخص العادى بل غير المسلم أيضاً، ولم يتم التأمين علىّ اجتماعياً، وبالتالى طبياً إلا فى شركة واحدة (أصحابها مسيحى ومسلمان لا يدعيان التزاماً) أما الآخرون؛ فيتحايلون، ويدفعون رشى لموظفى التأمينات كى يتجنبوا التأمين على الموظفين، ولا يرون غضاضة فى ذلك، بل ويستحلونه؛ لأن الدولة تفعل كذا، وكذا، بل ويتفلسف البعض بأن التأمين فى الأصل حرام، رغم أنه تأمين من الدولة لمواطنيها (وهو واجب عليها) تلزم العامل ورب العمل بدفع أقساطه الشهرية حتى ينال معاشاً له ولأولاده حين تقاعده، أو إصابته، أو موته.

ولا أدرى كيف سيحاسب رب العمل (الداعية) نفسه حين يسقط حقmicrobus-accident معاش أحد موظفيه عند إصابته فى حادث قد يفضى به إلى الموت، أو حين يسقط حق رعايته الطبية (خصوصاً فى الأمراض المزمنة)؛ لأنه لم يتق الله، واستحل دفع الرشى جلباً لمكاسب أكثر، وتملصاً من واجبات نحو من جعله الله سبباً فى رزقهم..

وهناك صورة أدنى، وهى التأمين على الموظف بالحد الأدنى من الأجر، لكى يتجنب دفع مبالغ تأمينية كبيرة؛ مما يؤدى فى النهاية إلى تقليل المبلغ المدفوع للمعاش فى حالة الإصابة أو الوفاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقد يتحجج صاحب العمل بأن قانون العمل مجحف، وأن فصل عامل مهمل مؤمّن عليه قد يجر عليه مشاكل كبيرة هو فى غنى عنها، وقد يكون ذلك صحيحاً من زاوية، ولكنه تلبيس شيطان من نواح أخرى؛ لأن قانون العمل هذا يتيح لصاحب العمل أن يضع الموظف الجديد تحت الاختبار فترة من الزمن قبل التأمين عليه، كما أن صاحب العمل يكسب انتماء الموظف المؤمَّن عليه، وبالتالى يزداد ولاؤه للمكان، وتزداد مع ذلك إنتاجيته، مما يعود بالربح على الطرفين..

فعلى أصحاب العمل، وخصوصاً الدعاة منهم، أن يتقوا الله فى موظفيهم، وأن لا يضيعوا حقوقهم، لأجل مبالغ تافهة تزيد من أرباحهم؛ ولكنها تكون عليهم وبالاً فى الآخرة.

  • ساعات العمل الإضافية:

“سوق العمل كله كده”.. “هو عارف قبل ما يشتغل إن ساعات العمل حسب الظروف”.. “لو مش عاجبه غيره مش لاقى الفرصة دى”.. “…”

هذه هى الردود الجاهزة والمعلبة لأصحاب العمل حين يسألون عن بدل ساعات العمل الإضافية (overtime)..overtime

فقد رأيت من يستعبد موظفيه من التاسعة صباحاً حتى التاسعة أو العاشرة مساء، وقد يزيد فى المواسم، ولا يعطيهم قرشاً واحداً إضافياً مقابل هذا الاستعباد..

ويتجاهل هذا أن قانون العمل لا يسمح بذلك، كما يتجاهل أن ما أخذ بسيف الحياء فهو رد..

ولا يعلم رب العمل أيضاً أن هذا الموظف الذى يحرم من أسرته، ومن ممارسة حياته الطبيعية دون مقابل.. إنما يفعل ذلك وهو مضطر، وأن ما تحاول أن تحرمه عنه من حقوق، يأخذه منك فى صور أخرى قد تدرى بها، أو لا تدرى؛ مما يؤدى فى النهاية إلى تشوهات فى النفوس، وفى العمل نفسه، قد يكون رب العمل نفسه أول خاسريه.. إن لم يكن فى الدنيا، ففى الآخرة قطعاً..

  • المرتبات

فى ظل الأزمات التى يعيشها المجتمع المصرى، يبقى ثبات الدخل الشهرى أزمة كبرى للموظفين، وأسرهم..salary_1

وقد يتفهم الواحد منا ثبات المرتب فى شركة متعثرة، أو فى شركة صغرى ما زالت تحبو فى عالم الأعمال..

ولكن ما لا أفهمه هو ثبات هذا الدخل، أو زيادته زيادة طفيفة طبقاً لقانون العرض والطلب؛ فتجد الصيدلى مثلاً يحصل من الصيدلية التى يعمل فيها على أجر (500 جنيه أو ألف جنيه مثلاً) رغم أن الصيدلية تكبر، وتزداد أرباحها، بحجة أن الصيادلة كثيرون “وإن كان عاجب”.

وقد تجد مرتب المحاسب لا يتجاوز المئات من الجنيهات، رغم أنه يتعامل مع ميزانية بالملايين؛ لأن “سعر المحاسبين فى السوء كده”.

ولا أدرى عن أية دعوة نتكلم، وعن أية صدقات نخرج، ونحن نضغط اجتماعياً، ومادياً على من يساهمون فى زيادة دخولنا وأرباحنا التى نزكى، ونتصدق منها!!!

  • الأجازات

العمل عندنا 10 ساعات فى اليوم.. 6 أيام فى الأسبوع.. 52 أسبوع فى السنة”.. “لما تحتاج أجازة تبقى تفرج”..

أعرف أحد هؤلاء أرباب العمل (من طائفة الدعاة المزعومين) أجاب ضاحكاً حين سؤاله عن أجازة يوم رأس السنة الهجرية: “يعنى الرسول يتعب ويهاجر، وإحنا نقعد فى البيت”..vacancy

هكذا ببساطة فأنت مطالب بأن تتسول الأجازة؛ فلا قانون لها ولا حدود، وعليك أن تمتن إن وهبك صاحب العمل أجازة ليومين حين ترزق بمولود، وأن تقبل الأيادى حين تحصل على أسبوع أجازة للمصيف..

فلنعطِ للناس حقوقها من خلال لائحة مكتوبة تطبق على الجميع؛ فلا تضعهم فى حرج، ولا تحرم أولادهم، وأهليهم منهم؛ لأجل راحتك أنت أيها الداعية..

إخوانى.. أخواتى

هل بالله عليكم ترضى هذه المنظومة الله ورسوله؟ وهل كلامنا المعسول عن واجبات الدولة نحو مواطنيها ينسجم مع ما نفعله نحن مع موظفينا؟

أسئلة كثيرة.. وواقع مرير يحتاج إلى دعاة سلوك، لا دعاة وعظ وإرشاد..

هناك ٦ تعليقات:

  1. سلام عليكم يا باشمهندس محمد
    ما أروعك و أروع كلماتك لعلها تجد أذنا تسمع و قلبا يعى.
    جهدمشكور، من فضلك واصل......
    مع خالص تحياتى

    ردحذف
  2. غير معرف٧/٩/٠٩ ٣:٥٨ م

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هذا تعليقي:
    - أنا أؤيدك بشدة في كتابة لائحة وإن كانت حتى مخالفة لقانون العمل لكن يكون الموظف على بينة من أمره من أول يوم للتعامل في هذا الامر
    - بالنسبة لأرباب العمل من الدعاة للأسف الشديد إنه تحت ستار الحرفية والمهنية تضيع أسس وأخلاقيات ومباديء كثيرة متعلقة سواء برب العمل أو الموظف
    - أذكر إنه أحد أرباب العمل الدعاة عندما اعتقل أحد موظفيه حوالي ثلاثة أشهر وقد كاتن هذا الموظف قد بدأ العمل وأسس للمبيعات في الشركة وبشهادة الجميع بما فيهم رب العمل الداعية لكن لم يشفع شإعلان صاحب العمل لمحبته لهذا الموظف وجهده المشكور في أن يعينه خلال هذه الفترة بصرف الراتب أو جزء منها في حين أن الكثيرين من غير الدعاة ولا الملتزمين يعتبرون هذا التزام أخلاقي ويدفعون الراتب وأعرف أحدهم دفع راتب لأكثر من عام وهو حتى غير مناصر للفكرة الإسلامية على حسب ما أعرف والله أعلم
    - هذا الأمر ذكرني بقسوة المشهد الذي هالني في حديث النبي "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه" هذا المشهد المهول فعلا لإنه فيه فارق كبير بين القول والعمل

    أسأل الله لي وللجميع الهداية والرشاد

    حمادة

    ردحذف
  3. أخى الحبيب حمادة
    أختلف معك فى قضية كتابة لائحة مخالفة لقانون العمل؛ فهذا يعنى أننا نصر على هضم حقوق الناس، ونصر على أن يفعل صاحب العمل (القوى) بالموظف (الضعيف) ما يشاء وقتما يشاء، وهذا أحد أسباب تخلفنا الشديد، وهو أن الدولة غائبة لتقصيرها، ونحن نساعد فى غيابها بتواطئنا..
    كما أن القانون الإلهى العام لا يسمح باستعباد الناس، وإغفالهم حقوقهم بحجة أن هذه قواعد السوء..
    أما من يفعلون ما ضربت به مثلاً فلا أستطيع أن أقول فيهم إلا "حسبنا الله ونعم الوكيل".

    ردحذف
  4. غير معرف٩/٩/٠٩ ٣:١٠ ص

    يعطيك العافية والله ما قصرت
    كلمات صادقة لو ان كل واحد أدلى بدلوه وما له وما عليه لانصلح حال البلاد والعباد

    ردحذف
  5. اقولك ايه يا اخي محمد
    انا بقالي شهور دايخة ورا موظف التأمينات عشان اامن علي المهندسين اللي عندي
    وكل مرة مش فاضي
    هاتيلي ورقة كذا
    روحي كذا
    عندي مش عارف ايه
    وفي الاخر يحاول يقنعني ان اامن باقل قيمة تأمينية او من فترات احدث من تاريخ التعاقد مع المهندسين
    وفي الاخر الاقي نفسي متأخرة وحادفع غرامة؟؟
    نقول ايه؟قبل ما الوم علي اي فساد حكومي
    الوم علي نفسي جهلي بقوانين العمل الخاص والتامينات والضرايب وما شابهه
    اللي خلت موظف يتلاعب بياكده
    فالقصة لها بعد اخر غير التجاهل وهضم حقوق الاخرين
    الا وهو الجهل،فالانسان لما يبدأ عمل خاص بيكون تركيزه كله مرتبط بفنيات العمل وبينسي النواحي الادارية الخاصة بتعامله مع الدولة وتأمين الافراد لديه
    بس ستر ربناان ده بيجي علي دماغه هو مش الناس اللي عنده ويدفع غرامة كده زي حالاتنا
    فالحمد لله

    ردحذف
  6. بسم الله الرحمن الرحيم

    اخي الحبيب محمد

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

    ربنا يكرمك ويجزيك كل خير

    رسائلك روعة

    شدتني جملة

    سعر المحاسبين فى السوء كده

    طبعا هو كده سوء

    ردحذف