الاثنين، ١٠ مايو ٢٠١٠

الطريق إلى الفوضى (1) – نظام الـ "يوترن"

343px-U-turn_svg "يو ترن"، أو "لف وارجع تاني" طريقة مرورية تستخدم على نطاق ضيق في العالم أجمع في الطرق السريعة، أو في طرق خاصة لا يمكن فيها استخدام إشارات المرور.

وشاءت العبقرية النظامية المصرية أن تستبدل تلك الطريقة ذات الاستخدام المحدود بطريقة إشارات المرور المعروفة عالمياً؛ وتعممها على كافة الطرق في جمهورية مصر العربية؛ ليكون ذلك تعبيرا دقيقاً عن واقع النظام المصري نحو الشعب الذي يتحكم فيه..

فنظام الـ "يو ترن" المصري:

  • لا يعترف بحقوق المشاة؛ فعلى المشاة دائماً نطق الشهادتين حين اتخاذ القرار الجريء بعبور الشارع للجهة المقابلة؛ وهم هنا يمثلون سكان مصر الأخرى الذين أهملهم النظام؛ فهم ينطقون بالشهادتين أيضاً حين دخولهم إلى مستشفى حكومي، أو قسم شرطة، أو حين يأكلون طعاماً مسرطناً لا بديل لهم عن ابتلاعه؛ لكي يعبروا سريعاً إلى الطريق المقابل (الدار الآخرة).
  • لا يعترف بفكرة إشارات المرور؛ فيعبر كل سائق سيارة طريقه 49938 بالفهلوة، والتناحة، والتضييق على الآخرين؛ أي "كله ياخد حقه بدراعه"، وهو ما يعبر عنه النظام بتغييب القانون في كافة مناحي حياة المصريين؛ لكي تتحقق القاعدة الذهبية "مولد وصاحبه غايب".
  • يغني عن وجود رجال تطبيق القانون؛ فالـ "يو ترن" لا يحتاج إلى قانون، ولا إلى قواعد؛ فالكل ماشي، والكل راجع؛ مع العلم بأنهم يتواجدون بكثافة عند عبور شخصية مهمة؛ وهو عين فعل النظام مع المصريين؛ فترى الجحافل منهم عند تأمين موكب، أو قمع مسيرة، ولا تجد لهم أثراً عند حصول حريق، أو حدوث سرقة؛ فالشرطة ليست في خدمة الشعب، بل في خدمة النظام.
  • لا يحتاج إلى تكاليف كثيرة؛ فالقضية تنحصر في كسر رصيف (بعد إنشائه)، وتدوير حافته المكسورة؛ ولا حاجة حينئذ لأعمدة، وكاميرات، وإضاءات؛ فالنظام يحتاج هذه الأموال لتقسيمها على رجاله الأوفياء؛ و"القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود".
  • يحقق نظرية الفوضى المطلوبة بشدة لحماية النظام؛ فالشعب المنظم العارف لحقوقه خطر على أي نظام فاسد، وظالم.

ورغم ما قلته سابقاً بأن قوى الاحتلال الغربي ما تركت بلادنا، إلا وهي مطمئنة على مصالحها في المنطقة؛ إلا أن اللعبة وقتها كانت تسمح بوجود أنظمة قوية تدير الشأن الاجتماعي للناس؛ فتوفر لهم المسكن، والملبس، والوظيفة.. أما الآن فإن مرحلة "الفوضى الخلاقة" تستدعي وجود أنظمة فارغة "يو ترنية"؛ فلا تحافظ للمجتمع على قيم، ولا ثوابت، ولا تقوم بمهمتها في رعاية مصالح الناس، أو الحفاظ عليها..

وهذا وللأسف هو عين الحقيقة للنظام الحاكم حالياً.. فهو نظام يحافظ على وجوده بكل قوة، ولا يقوم في المقابل بمهمته الأساسية  في تسيير شئون البلاد والعباد؛ حتى صار الأمر فعلاً أقرب ما يكون إلى الفوضى التي ستأكل الأخضر واليابس إن آجلاً، أو عاجلاً، إن استمر الحال على ما هو عليه..

نظام "لف وارجع تاني" يدعي الحفاظ على الاستقرار في كل شيء..

  • في السياسة الخارجية: فهو لا يريد حرباً، ولا يريد إغضاباً لمن بيدهم المعونة، وأوراق اللعبة.
  • في السياسة الداخلية: فهو لا يريد دكتاتورية صريحة، ولا ديمقراطية أيضاً؛ ولكنه يريد شيئاً أقرب للمسخ منه إلى الجسم shapeimage_2القابل للتوصيف، وهو يريد أن يحكم منفرداً، ولكنه أيضاً يريد أحزاب معارضة صنعها بنفسه، وهو لا يريد الإخوان، ولكنه أيضاً لا يعالج قانونية وجودهم، وهو يريد انتخابات، ولكنها تفصيل، وهكذا..
  • في الحفاظ على الموارد: يؤجل مناقشة مياه النيل؛ لأنه مشغول بما هو أهم!! وبيبع الغاز لعدونا الاستراتيجي بأرخص من ثمن بيعه للمصريين أنفسهم؛ لأنها اتفاقات قديمة تم اكتشافها فجأة!! ويبيع القطاع العام؛ لأنه معيق لعملية التنمية، ويستبدل به "المولات"، و "الهايبر ماركتس"!!
  • في التعليم: يترك من يشاء يفعل ما يشاء.. مدارس أمريكية، وبريطانية، وفرنسية، وألمانية، وتركية، و…، وهو في حالة احتيار بين إلغاء 6 ابتدائي، أو الابقاء عليها، وتطبيق نظام الثانوية القديم، أم الجديد، وتطبيق الكادر، أو إلغائه؛ أما التعليم نفسه، وتطويره والرقي به؛ فقضية تتعارض مع نظرية "اليو ترن"!!!
  • في الصناعة: تخصصنا في الصناعات المرفوضة غربياً كالأسمنت، والأسمدة، والحديد والصلب، والكيماويات، وغيرها؛ وهي مملوكة في معظمها لأجانب أيضاً! وفضلنا في الصناعات الخفيفة استيراد الصيني بدل من "وجع دماغ" التصنيع، أما التقنية فالدخول فيها شر لا يريد مواجهته..
  • في الزراعة: كنا بلداً زراعياً وصرنا ولا فخراً بلداً مستورداً لمعظم طعامه، وكانت لدينا أرض زراعية خصبة، تحولت أيام الانتخابات إلى أراض تدخل كردون المباني!!

هذا النظام فعلاً يجر مصر جراً عنيفاً إلى بداية طريق الفوضى، وأشك صراحة فيمن يعتمد نظام الـ "يو ترن" كمنهج حياة أن يستطيع وقاية مصر من شر هذا الطريق..

إخواني.. أخواتي

التغيير هو الحل..

هناك ٤ تعليقات:

  1. رحم الله أحمد حسن الزيات(1885-1968)

    الذي قال في خطبته الشهيرة "يا هادي الطريق جرت"

    "إذا بنا بعد جهد جهيد ندور حول االموضع الذي كنا فيه أو نرجع إلى الموضع الذي فصلنا عنه"

    ولو كان في أيامنا هذه لقال ليتنا نرجع إلى الموضع الذي فصلنا عنه فنحن
    نعيش مرحلة سوء وفوضى وانحطاط وتدني في كل المجالات وعلى كل المستويات لم
    تسبق في تاريخنا . فمتى يتوقف الانحدار فقد طف الصاع وبلغ السيل قمم
    الجبال

    أسأل الله أن يعجل بفرج قريب

    ردحذف
  2. سلسلة رائعة للغاية وبداية التدوين بقلم جديد ورشيق
    وإن كنت أرى نفسي في حيرة من المناغة التي وصل إليها الشعب في استعذاب الحياة الصعبة التي تغيب عنها أبسط معاني الكرامة والحرية وغياب كل التجارب عن رؤياه
    كما أتمنى الإشارة في تدوينة لاحقة إلى دور الإعلام في هذه الفوضى المنظمة
    وهل التغيير هو الحل أمسى شعار المرحلة الراهنة والقادمة ؟

    ردحذف
  3. كله ياخد حقه بدراعه

    أصبحت هكذا قضيتنا ......... ولا عزاء للتقدم ... خماسية على الطرح

    ردحذف
  4. صالح بن البشير١٥/١٢/١٠ ١١:١٥ ص

    بسم الله والحمد لله مقالة رائعة ومفيدة شكرا على هذا المجهود المبذول واحب ان اذكر لمن يريد ان يقرأ فى موضوعات مشابهة لهذا الموضوع فليدخل على هذا الموقع الذى سيجد فيه بفضل الله معلومات يستفيد منها ويفيد الاخرين بها http://www.edara.com/WeeklyArticles/Fighting-Corruption-by-Mirrors.aspx

    ردحذف