الأحد، ١٦ مايو ٢٠١٠

الطريق إلى الفوضى (3) – توك شو

small5200961683712010703656 استبشر كثير من الناس ببرامج استعراض الكلام "Talk Show". ورأوا فيها مساحة جديدة للحرية، والنقاش حول الهموم اليومية للمصريين.

وتنوعت هذه البرامج، وازداد عددها بشكل مطرد حتى أصبح لكل قناة مصرية برنامجاً يومياً خاصاً يغطي فترة السهرة، فيطرح مشاكل مصر، وأخبارها في شكل تقارير مصورة، أو مكالمات تليفونية، أو حوارات، أو مناظرات مباشرة.

ولكن الناظر المدقق لهذه البرامج بعد طول أمدها يجد أنها قد أصبحت صورة جديدة من صور الفوضى التي تعصف بالمواطن المصري منذ خروجه من بيته، مروراً بقضاء مصالحه، وأداء عمله، نهاية بعودته إلى منزله، وجلب تلك الفوضى إلى غرفة نومه من خلال برامج الرغي المباشر اليومية المسماة بالـ "توك شو".

وقد برع أحد الكتاب في إيجاد تسمية حقيقية معبرة عن هذه البرامج؛ فأشار إليها بأنها برامج "التوك توك شو"؛ لما تتمتع بها من فوضى شبيهة بما تحدثه وسيلة النقل الحديثة (!) ثلاثية العجلات والمسماة بالـ "توك توك".

ورغم السمو الظاهري لفكرة هذه البرامج من حيث أنها تعرض الصورة الحياتية لمشاكل الشارع المصري؛ إلا أن الممارسة الفعلية تؤكد أنها لم توجد إلا لتؤدي وظيفة جديدة في طريق المصريين إلى الفوضى، فهي:

  • برامج إعلانية – في البداية والنهاية – تستغل معاناة الناس في جلب مزيد من دقائق الإعلان، وأموالها إلى جيوب أصحاب القنوات، أو مموليها الحقيقيين.
  • تقدم الصور الشاذة الغريبة، وتسلط الضوء عليها بشكل مثير (مثل مهزلة شوبير – مرتضى، والكومي – العنزي، وهشام – سوزان، وغيرها).
  • تثبت فساد النظام المصري بصورة جديدة مبتكرة؛ وذلك من خلال ادعاء الحياد في طرح قضايا الفساد، والاستبداد؛ فيظهر الفاسد في صورة جميلة منمقة مدافعاً عن نفسه، وعن فساده مقابلاً لمحامٍ، أو محترف للظهور الإعلامي؛ فيتناقشان، ويتناوشان عن قضية فساد ظاهرة للعيان، وذلك باعتبارها وجهات نظر. وبالطبع تتأصل هذه الصورة في ذهنية المشاهد في ظل غياب قسري للمعلومة الموثقة؛ فيصبح أمر الفساد حديثاً للتسلية، والترويح عن النفس (!!).
  • تقدم مسكنات موضعية تحول طاقة الغضب الموجودة عند الناس إلى طاقة كلامية - فالطاقة لا تفنى - لا تقدم، ولا تؤخر.. ولا تصنع مستقبلاً أفضل، ولا تغير من واقع أسوأ.
  • تؤكد على أن السياسة في مصر ما هي إلا تفاصيل الحياة اليومية؛ فيكون النقاش حول الحصول على رغيف الخبز المدعم أولى من التحقيق الجدي حول تناقص المساحة المزروعة في مصر، واعتمادنا الكلي على استيراد القمح، ويكون الصراخ لغياب أسطوانة الغاز "البوتاجاز" أكثر أهمية من محاولة معرفة سر تصدير الغاز لعدونا الاستراتيجي (!) بسعر مدعم، وهكذا.
  • تصنع وتبرز نجوماً وهميين فارغين لا يقدمون قدوة حقيقية للمصريين؛ بما يعلي من قيم الفهلوة، والمحسوبية؛ فيصبح لاعبو الكرة، ورواد الملاهي، وصحفيو الأمن مفكري مصر، وقدواتها، ومحط أنظار أهلها.
  • تعمق السطحية الشديدة في مناقشة القضايا الحيوية والخطيرة التي تؤثر على الشارع المصري؛ فتغيب التحقيقات الجادة، والمناقشات الرصينة، وتظهر "الساندويتشات" سريعة التجهيز، و"الإفيهات" الركيكة؛ فقضية الفساد المنظم التي تقوض الحياة العامة في مصر تصبح مادة للرغي والرغي الآخر، وليس كما طرحها مثلاً د. عبد الخالق فاروق في برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة؛ من خلال وثائق وأرقام بما يستدعي محاولة الفهم، والمعرفة العلمية الدقيقة، وبما يفضح الفاسد، ويكشف ألاعيبه.
  • تقدم غوغائية شديدة في التعامل مع قضية الوطنية، والخلاف مع الآخر (العربي فقط)؛ فيتم إظهار قضايا اللهو، وأصحابها على أنها وأنهم ممثلو الوطنية الحصريون؛ فيصبح ركل الكرة، والتمثيل السينمائي قضايا وطنية تستدعي التعصب، والتشنج، وتستلزم قطع أواصر مئات السنين بيننا وبين إخوة لنا في الدين والقومية والجغرافيا، وما قضية الجزائر عنا ببعيد.
  • تصرف المصريين عن قضايا الأمة، وتعمق فيهم مبدأ "مصر أولاً"، مما يؤدي إلى تحقيق رغبة النظام المصري التابع في عزل مصر عن محيطها العربي والإسلامي الذي يضيف إليها ولا يخصم منها؛ فقضايا فلسطين والعراق والسودان والصومال وغيرها لا تعالج إلا من خلال ما يحدث للمصريين فيها – إن نوقشت - ولا تناقش من خلال أنها قضايا العمق، والبعد الاستراتيجي الحقيقي لمصر.

قد يرى البعض مبالغة في هذه النقاط، وقد يراها مغرقة في نظرية المؤامرة؛ إلآ أني أتحدث هنا عن النتائج لا عن المقدمات..

كما أننا نعرف جميعاً أن القنوات الخاصة المصرية مملوكة لرجال أعمال ترتبط مصالحهم بشكل مباشر بالنظام المصري، وأركانه؛ لذا فإن ادعاء البطولة، والاستقلالية وهم كبير قد يلهينا عما وراء الصورة وما تحويه من تفاصيل..

إن هامش الحرية المزعوم ما هو إلا حرية نباح، محسوب الخطوات، ومحدد القسمات.. له دور مرسوم من أجهزة داخلية أو خارجية تلعب في عقول الفارغين الذين ينتظرون دائماً من يملأ عقولهم، ويلعب بعواطفهم..

إخواني.. أخواتي

اقرأوا كي لا تكونوا مطية الساعين إلى الفوضى.

هناك ٦ تعليقات:

  1. كم ظلمت مصر من اعدائها بل وكم وقع الظلم على مصر من أبنائها بل وكم وقع الظلم على مصر من المدافعين عن حقوقها بسكوتها وتخاذلهم واكثر دليل كلام د. عبد الخالق فاوق في برنامج بلا حدود

    ردحذف
  2. عموما بالرغم من سلبياتها إلا أنى أراها ظاهرة جيدة فهى أصبحت المتنفس لرجل الشارع وفضح عورات الفساد والمتسببين فيه

    ردحذف
  3. انا اخالفك الراي تماما
    فاذا نظرنا للنتائج سنجد انها رغم نتائجها السلبية التي اعترف بها و اعترف بنتائج اكثر سلبية مما ذكرت حضرتك
    الا ان لها نتائج ايجابية بل ايجابية جدا المسها في الحياه اليومية
    رفعت نسبة الوعي
    تمثل ضغط على الكثير من المسئولين و تردعهم عن ظلمهم
    تسببت في معالجة الكثير من المظالم

    الكلام عن انها بددت طاقة الناس يثير تساؤل و اين كانت تذهب طاقة الناس قبل برامج التوك شو

    و في كل الاحوال يجب ان لا نعمم
    هناك برامج محترمة و قوية مثل العاشرة مساءا و هناك برامج تقدم السم فيه ملعقتين عسل مثل القاهرة اليوم الا انه مع الوقت يضطر ان يقلل نسبة السم و يزيد نسبة العسل
    و هناك برامج مثيرة للاشمئزاز مثل 48 ساعة (من وجهة نظري)

    و نهاية انا لست مع من يرى انه لا بديل عن شحن طاقات الناس في اتجاه واحد فقط و هو الثورة و فقط
    لانني لا اؤمن بالحل الثوري
    و الشعب المصري لا يؤمن بالحل الثوري

    ردحذف
  4. ستختلف حتماً وجهات النظر حول هذه البرامج من زاوية الإفادة والمنفعة..
    ولكن يبقى أننا متفقون على أن الأنظمة الشمولية (أو مستشاريها الأجانب) لا تسمح إلا بما يغذي مصالحها، وما يصب في بقائها أطول فترة ممكنة.
    لذلك فإن النظر من هذه الزاوية يحتاج إلى تحليل الأسباب، أو البحث عن تلك المصالح التي تقدمها تلك البرامج..
    كما أن النظام المصري (أو موجهيه) اعتاد على زيادة مساحة التنفيس (النباح بتعبير أ. فهمي هويدي) التي تحمي القدر من الانفجار؛ فقد حدث ذلك من الاحتلال الإنجليزي لمصر، وما زال يحدث حتى الآن (وإن شذ في ذلك عهد عبد الناصر).
    فزيادة مساحة الكلام (غير المؤدي إلى الفعل) ما هو في النهاية إلا تخفيف للضغط على القدر خوفاً من أن ينفجر فينفلت الزمام، وتنقلب الأمور في دولة ما زالت تحمل في طياتها مفاتيح تغيير هذه المنطقة بأكملها؛ وهو ما يخشاه بالقطع سدنة المعبد.
    أما بالنسبة لطاقة الغضب (التي قد لا نراها نحن وتراها الأجهزة الراصدة) فهي موجودة بالفعل؛ لكنها كامنة وأريد لها أن تبقى كامنة بالفرجة، والتنفيس، والبقاء في البيت!!
    وأما موضوع زيادة الوعي، فهو ما يحتاج إلى دليل؛ لأن المصريين يعون تماماً - منذ زمن بعيد - من خلال ممارساتهم اليومية أن السلطة فاسدة، وما زاد إلا أنهم صاروا يشاهدون هذا الفساد في صورة فوضوية مسلية محيرة (!!)، وطالما لم يؤد ذلك إلى فعل، وإلى حركة؛ فإنه يصبح طاقة سلبية تخصم ولا تضيف..
    كما أن المتابعة الفعلية لهذه البرامج (وإن شذ بعض حلقاتها) تؤدي إلى ما رميت إليه من أسباب تصل إلى أنها محددة المسار، ومحددة الوظيفة..
    والله أعلم..

    ردحذف
  5. إحباط

    معظم مشاهدى هذه البرامج إما أصابوا بالإكتئاب أو بالضغط أو بالإحباط مع مرور الوقت، بسبب مناقشتها لكثير من أوجه الفساد التي تشوب أوجه وقطاعات كبيرة في المجتمع، دون حل هذه المشكلات، أو عقاب المسئولين عن الفساد وأوجه القصور.
    والمشكلة الكبرى أن معظم هذه البرامج تنتهى دون أن تضع حلا للمشكلة فتجد صورة المجتمع الذى تعيش فيه وقد اصبح كأنه غابة مليئة بالوحوش ورائحة الفساد وتشعر أنه لا نجاة من هذا المجتمع .والأمر من ذلك كمية الإعلانات التى تطارد المشاهد ليراها ( بالإكراه ) ... إذن فلنطلق عليها ( إعلانات شو ) ....... شكرا سيدى الفاضل على الطرح

    ردحذف