الأربعاء، ١٤ مارس ٢٠٠٧

د. صلاح الدسوقى


لم أر فى حياتى رجلاً مثل هذا الرجل، بل ولم أتخيل أن تجتمع كل ما أتمناه من صفات إنسانية فى شخص واحد..

شخص واحد تراه أمام عينيك، وتعايشه بقلبك قبل حواسك..

فتعرفه بأنه: العالم.. أستاذ الجامعة.. الطبيب..

وتشاهده: الداعية.. الربّانىّ.. حافظ القرآن.. ندىّ الصوت..

وتصفه بأنه: الرقيق.. المتواضع.. الخلوق.. البارّ بوالديه..

وترافقه فتجده: الفاهم لدينه.. الباذل.. المُضحى.. المهموم بشأن دعوته.. المحب لوطنه

هذا ببساطة، ودون مبالغة: الدكتور/ صلاح الدسوقى..


العالم.. أستاذ الجامعة.. الطبيب:

هذا الرجل البسيط، المتواضع هو الحاصل على:

1- بكالوريوس الطب والجراحة.

2- ماجستير الجراحة العامة، وجراحة الأطفال.

3- ماجستير التشريح وعلم الأجنة.

4- دكتوراة التشريح وعلم الأجنة.

ويستعد للحصول - بإذن الله - على دكتوراة فى جراحة الأطفال.

هذا الرجل الذى يدرس علم التشريح فى جامعة الأزهر، ويدرس انتداباً فى إحدى الجامعات الليبية..

هو ببساطة: الطبيب الذى يحبه الأطفال قبل الكبار فى عيادته بميت عقبة، ومستشفيات الجمعية الطبية الإسلامية..


الداعية.. الربانى.. حافظ القرآن.. ندى الصوت

هذا الرجل الذى يمارس الدعوة بفطرته.. دون تكلف، ودون عناء..

يمارسها بأخلاقه، وأدبه.. يمارسها فى لفظه، وخطوه.. يمارسها بوقته، وجهده..

لا يخلو معه حوار من دعوة، ولا نقاش من توجيه، ولا موقف من تربية..

وقد قال لى أحد الزملاء، الذى رافقه فى سكنه القديم فى ميت عقبة: حين كنا نريد الخشوع فى الصلاة، وحين نحن إلى العَبرة بين يدى الله، كنا نقدمه ليصلّ بنا ركعتين فى جوف الليل وقت السحر.. حتى تلين قلوبنا، وتخشع لذكر الله..


الرقيق.. المتواضع.. الخلوق

لم أر فى حياتى شخصاً بهذه الرقة، وهذا الحرص على مشاعر الغير..

يسأل عن كل الناس، وأحوالهم، وصحة آبائهم، وأبنائهم، وهو الأكبر سناً، والأعظم مكاناً، والأكثر انشغالاً..

يعايشك، فلا تشعر معه أبداً أنه أستاذ جامعى فى الخمسين من عمره، وأنت الشخص قليل العلم، صغير السن، متواضع المكانة، بل تشعر معه دائماً أنه أبوك الرحيم، أو أخوك العطوف..

يسمع لرأيك كاملاً، ويستحى أن يقاطعك.. كنت أفرّغ فيه شحنات غضبى، فيتلقاها بصبر وتؤدة.. مهدئاَ، ومُمنياً، ومُذكراً..

يُمرِّض أبنائى الصغار فى بيتى، وهو من هو، ثم يسأل عنهم كل يوم، حتى يطمأن على زوال المرض، وشفاء العليل..


البار بوالديه

بأبيه البالغ من العمر 82 عاماً، والمصاب بأمراض الشيخوخة، وارتفاع الضغط.

وبأمه المريضة بثلة من الأمراض:

- بكسر فى مفصل الحوض الأيسر..

- وتيبس فى مفصل الحوض الأيمن..

- والمحتاجة إلى استبدال مفصل..

- والمريضة بقصور فى الشريان التاجى..

- والمريضة حديثاً بفشل كلوى مزمن اكتشف قبل اختطافه بفترة زمنية وجيزة..

كان لأمه طبيباً، وممرضاً، وخادماً: يبيت بجوارها، ويغسل ثيابها، ويساعدها فى قضاء حاجياتها دون كلل، ولا ملل..


الفاهم لدينه.. الباذل.. المُضحى.. المهموم بشأن دعوته.. المحب لوطنه

يقف هذا الرجل بهدوئه، ورزانته، ورجاحة عقله سداً منيعاً حين يشتد الظلم، وتنفعل النفوس، وتتأجج الصدور.. يقف مذكراً بموقف لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومستشهداً بآية، ومُثنياً بحدث فى طريق الدعوة؛ حتى تهدأ النفوس، وتستنير العقول..

هذا الرجل الذى أهمل عيادتيه حباً وبذلاً لدعوته التى ملكت عليه حياته، وأذكره حين يتصل بأم سيد - ممرضة عيادته القديمة - فى الساعة الحادية عشرة مساء يسألها عن مرضى ينتظرونه فى مثل هذا الوقت، ولا يبالى بوجودهم من عدمه.. فقد باع واشترى، وينتظر الثمن..

الذى يضحى بساعات نومه، ووقته.. حتى أنه لا يستخدم سيارته، حتى يقتنص دقائق للنوم فى المواصلات..

هذا الرجل الذى ضحى بسفر إلى الخارج من أجل بلده الذى أحب، والتى يراها تحتاج لكل يد تصلح، ولكل عقل يفكر، ولكل جسد يبذل.

هذا الرجل الذى انشغل بالصحة العامة، وسعى، بل وقدم بحثاً حول الغذاء الصحى الآمن الخالى من الكيماويات، والأعلاف الصناعية.. وسعى لنشر هذه الفكرة بين الشباب، وعموم الناس.. وكان يحلم بها، وبتنفيذها واقعاً على أرض زراعية خالية من الكيماويات، وعلى أرض مزرعة للدواجن والحيوانات تأكل فيها أعلافاً طبيعية.. هذا الفكرة التى وأدها اللصوص وسط ما سرقوا من أفكار، ودراسات، وأبحاث..


الزوج، والأب

الرجل الذى ابتلاه الله بالتأخر فى الولد عشر سنوات، ولم يتبرم، ولم يشكُ، ولم يُر إلا شاكراً راضياً حامداً..

كان الله فى عون زوجه الدكتورة/ أميرة؛ فقد افتقدت أباً، وأخاً، وصديقاً قبل أن تفتقد زوجاً رفيقاً محباً رقيقاً.

كان الله فى عونها وهى تخبر أحمد الصغير ذا الأربع سنوات أن أباه فى ليبيا..

كان الله فى عونها وابنها يلح عليها، وعلى والده أن يعود من ليبيا (سجن طرة) ليرافقهما إلى البيت..


لكِ الله أيتها الأخت الفاضلة..

ولك الله أيها الولد الصغير..

ولك الله أيها الأب العجوز..

ولكِ الله أيتها الأم المريضة..


ولك الله يا مصرُ..

بل ولنا الله جميعاً..


إخوانى.. أخواتى

ندعوه كما دعاه رسولنا الكريم، حين ضاقت به السبل، واشتدت عليه الأزمة:

اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس.. يا أرحم الراحمين أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربّي.. إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني، أم إلى عدو ملكته أمري.. إن لم يكن بك علىِّ غضبُُ فلا أبالي، ولكنَّ عافَيَتَك أوسعُ لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبك أو يَحِلَّ علىَّ سخطُك.. لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.

هناك ٤ تعليقات:

  1. جزاك الله خيرا على تطوافك بنا في هذه النفس القرآنية اللهم فرج كربهم عاجلا غير آجل
    وليد

    ردحذف
  2. بارك الله فيك وبارك لك هذا الجهد ، لقد لمست في أستاذنا الفاضل الأخ والأب والإنسان ، أتذكره حينما ابتلاني الله بالسرطان في عيني كيف كان انزعاجه واهتمامه ، كيف طاف بي على زميل له في عيادته في آخر بولاق الدكرور ، ثم عرج بي على رئيس القسم في طب الأزهر أد/عطيات ، وكيف تابع مراسلاتي إلى أمريكا ثم إلى إنجلترا حتى من الله علي بالشفاء ، قولوا معي اللهم فك أسره وأسر إخوانه ، واهد من ظلمهم أو خذه أخذ عزيز مقتدر ، آمين

    ردحذف
  3. جزاك الله خيرا اخي الفاضل ونفع بك الإسلام والي مزيد من التقدم باذن الله

    ردحذف
  4. نقلت مقالك إلى مدونتي ..

    هنا كتبت مقالا بعد وفاة والدة الدكتور

    http://shehab1.blogspot.com/2007/05/blog-post_7428.html

    ردحذف