السبت، ١٠ مارس ٢٠٠٧

"دَستور"، و"دُستور"

"دَستور"، و"دُستور" كلمتان تتفقان حرفاً، وتختلفان معنى
أما الأولى، وهى "دَستور" فكلمة دارجة يستخدمها المصريون فى حالة من اثنين:
1- عند التعامل مع ما يسمى بـ "الأسياد"، وهم الجن؛ فيقولون عند الإشارة إليهم "دَستور يا أسيادنا".
2- عند الدخول إلى مكان يبدو من هدوئه أن أصحابه غير منتبهين لدخول قادم إليهم.
وأما الثانية، وهى "دُستور" فكلمة غير عربية، والأرجح أنها فارسية، وتعنى "القانون الأساسى"، أو "القانون الحاكم" الذى يُرجع إليه حين صياغة القوانين - ما يسمى بعملية التشريع القانونى.
الأولى يعرفها معظم المصريين، جاهلهم ومتعلمهم.. فقيرهم، وغنيهم.. كبيرهم، وصغيرهم.
أما الثانية فيجهل معناها الاعتبارى معظم المصريين من كافة فئاتهم، وطوائفهم؛ رغم سماعهم عنها فى كل وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة.
وأقصد بـ "معناها الاعتبارى": المعنى الذى يرسخ فى النفوس، ويتحول إلى أرض الواقع.. قانون أساسى يعبر عن الناس، وعن هويتهم، وعن ثقافتهم.. يلجأون إليه حين يختلفون، وحين يتجادلون، وحين يشعرون بالظلم.
فالدُستور: مرجع الأمم.. تتوافق عليه بما يعبر عنها، يحكم علاقتها بحكامها، وأصدقائها، وأعدائها، وعلاقتها بماضيها، وعلاقتها بمستقبلها.
والدُستور - كما يقول المفكر الكبير والمستشار طارق البشرى - لا ينشأ واقعا، ولكنه يثبت ما هو واقع فعلاً..
أى أنه يثبت واقع الأمة الذى توافقت عليه، وتعايشت به، ولا يُنشأ واقعاً جديداً لتعيش عليه الأمة من جديد..
لذا، فالدستور ثابت ما ثبتت الأمم.. باق ما بقيت الشعوب..
هكذا أريد بالدُستور أن يكون، وهكذا تعايشت عليه الديمقراطيات الغربية العتيقة، والديمقراطيات الناشئة الحديثة..
أما فى مصر - وسائر البلدان العربية - فـ "الدُستور" أقرب إلى "الدَستور".. كلاهما مجهول لدى الناس.. كلاهما يخاف منه الناس.. كلاهما لفظ لا معنى له..
فالدُستور المصرى السابق - الذى يراد تعديله - يفرض "الاشتراكية" فى معظم مواده الاقتصادية؛ ورغم ذلك بـِيع القطاع العام، دون اعتبار لهذه النصوص..
ويتحدث عن "تحالف قوى الشعب العامل".. ولا يعرف أحد المعنى الحقيقى لهذه الكلمة، أو ماذا يقصد بها، وعلى من تعود؟
ويتحدث عن الحرية.. حرية السكن، وحرية حيازة الأموال، وحرية العيش دون رقيب، وحرية السلطة القضائية؛ ورغم ذلك تـُنتهك كل الحريات من أصغر أمين شرطة فى الشارع، ومن أصغر صحفى، ومن أصغر "ابن مين فى البلد دى"، ومن أصغر فنان، وفنانة، ومن، ومن ....
ويتحدث عن نائب للرئيس، ولا يوجد نائب للرئيس..
ويعطى للرئيس سلطات أقرب للألوهية منها للبشرية؛ ورغم ذلك يتحدث عن سلطات ثلاث تستقل كل واحدة عن الأخرى!!!!
ويتحدث عن حرية الصحافة، وعدم الرقابة عليها؛ ورغم ذلك تمنع أى صحيفة من الصدور إلا بموافقة السلطة التنفيذية، وتغلق أى جريدة لا تعجب السلطة التنفيذية..
هكذا كان الدستور - الذى سيكون دستوراً سابقاً بعد ثلاثة أسابيع.
أما الدستور اللاحق، فسيكون أكثر تعبيراً عن كل ما يمكن أن يسمى بـ "سمك.. لبن.. تمر هندى".
فالمواد ستضرب بعضها بعضاً..
- فالمادة الثانية التى تنص على: "الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" ستخالف المادة الخامسة التى ستنص على: "للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية وفقًا للقانون ولا تجوز مباشرة أي نشاطٍ سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أية مرجعية دينية أو أساس الدين أو بناء على التفرقة بين الجنس والأصل"..
- والمادة 179 الجديدة التى تنص على: "تعمل الدولة علي حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الارهاب وينظم القانون أحكاما خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق التي تقتضيها ضرورة مواجهة تلك الاخطار وذلك تحت رقابة من القضاء وبحيث لا يحول دون تطبيق تلك الاحكام الإجراء المنصوص عليه في كل من الفقرة الاولي من المادة 51 والمادة 44 والفقرة الثانية من المادة 45 من الدستور. ولرئيس الجمهورية ان يحيل أية جريمة من جرائم الارهاب إلي أية جهة قضاء منصوص عليها في الدستور أو القانون" ستناقض المواد من المادة 40 حتى المادة 57، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون. ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطى" و"للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقا لأحكام القانون"، و"لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الإطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون"، و"حرية الرأى مكفولة، ولكل انسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون، والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى"، و"للمواطنين حق الاجتماع الخاص فى هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة الى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة. والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة فى حدود القانون"، و"للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين فى القانون، ويحظر انشاء جمعيات يكون نشاطها معاديا لنظام المجتمع أو سريا أو ذا طابع عسكرى".
- والمادة 62 الجديدة التى ستنص على "للمواطن الحق في الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقًا لأحكام القانون والمساهمة في الحياة العامة واجب وطني، وينظم القانون حق الترشيح لمجلسي الشعب والشوري وفقًا للنظام الانتخابي الذي يحدده بما يكفل تمثيل الأحزاب السياسية ويتيح تمثيل المرأة في المجلسين، ويجوز أن يأخذ القانون بنظامٍ يجمع بين النظام الفردي والقوائم الحزبية بأية نسبة بينهما يحددها، كما يجوز أن يضمن حدًّا أدنى لمشاركة المرأة في المجلسين" ستناقض المادة 40 التى تنص على "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
وعلى هذا فقِس..
إذن عن أى دستور نتحدث، وعن أية تعديلات نتشاور..
والدستور بوضعه الجديد سـ "يدستر" العلمنة، ويمنع الناس من التعبد فى حياتهم بدينهم.. بتسييره لشئون حياتهم - التى هى السياسة.. بمرجعيته لكل أمور دنياهم التى لا يصح إسلامهم إلا بها..
عن أى دستور نتحدث، وتحويل الناس إلى أية محاكم مُنشأة - عسكرية، وأمن دولة، أو ستـُنشأ أصبح "مُدستراً" وبسلطة رئيس السلطة التنفيذية - الذى هو رئيس الجمهورية - فى أى وقت كان، أو بأية تهمة ستكون.. سيكون حقاً مطلقاً لا مراجعة فيه من سلطة قضائية، أو من سلطة تشريعية..
عن أى دستور نتحدث.. ورئيس السلطة التنفيذية سيكون من حقه المطلق أن يحل السلطة التشريعية فى أوقت كان، وبأى سبب سيكون..
إخوانى.. أخواتى
إنه الدَستور المصرى.. دستور الأسياد، أو دستور العفاريت.

هناك ١١ تعليقًا:

  1. مقالك رائع اخى الكريم ربنا يجزيك خير وينفع الناس بك
    سيد يوسف

    ردحذف
  2. مقالك رائع اخى الكريم ربنا يجزيك خير وينفع الناس بك
    سيد يوسف

    ردحذف
  3. كما قال الأستاذ صبحى صالح
    المشكلة ليست فى الدستور لكى يعدلوا مواده لإتاحة الحرية أو تنظيم المحليات
    المشكلة فى القانون
    المشكلة فى تطبيق اللصوص

    ردحذف
  4. ذكرت أخي الكريم في مقالك معنى كلمة الدستور في الموروث الشعبي وفي أصلها الفارسي. وأضيف لك معنى آخر قد يغيب عن أذهان كثير من الناس وهو أن كلمة الدستور مشتق إنجليزي يتكون من مقطعين
    Dust tore.
    وهي تعني الغبار الممزق. ولا أظن أن هذا المعنى يمكن أن يتمثل في بلد سوى مصر المحروسة.
    بارك الله فيك ونفع بك

    ردحذف
  5. محاربة الصحراء هبة الله٤/٤/١٠ ٨:٢٨ م

    محاربة الصحراء هبة الله الجزائرية تقول......بارك الله فيك يا اخي فقد اوعيتنا وكل الشعوب عن معنى الدستور في البلدان العربية عامة وفي مصر خاصة

    ردحذف
  6. محاربة الصحراء هبة الله٤/٤/١٠ ٨:٣٠ م

    شكرا لك يا اخ

    ردحذف
  7. محاربة الصحراء هبة الله٤/٤/١٠ ٨:٣٤ م

    في الحقيقة ومع كل الاسف مصر بلد يومن بسحر والشعودة والدستور الحقيقي لا يوجد عندهم اصلا والشعب كله مسكين لا يدري ما يحدث من حوله فجميع حقوقه مهدورة سواء من الرئيس او حتى من الوزراء

    ردحذف
  8. محاربة الصحراء الجزائرية٤/٤/١٠ ٨:٤٤ م

    مع كل اسف مصر بلد يومن بلشعودة والسحر والكلام الفارغ هدا مع انها من المفروض ان تكون من اكثر البلدان دينا لانها سميت بام الدنيا والشعب المسكين لا يعرف معنى الدستور الحقيقي فحقه مهدور سواء من قبل الرئيس او من الوزراء ...وانا وبصفة بنت احب العدل والمساوات ..اقل لكل الوزراء والرئيس خاصة اتق الله في شعبك واترك كل الردائل ..فوالله الدي نراه في التلفاز عن شعبك المسكين شيء يندري له الجبين من فقر وغلبة الحياة في مصر... مع تحيات هبة الله الجزائرية

    ردحذف
  9. محاربة الصحراء الجزائرية٤/٤/١٠ ٨:٤٩ م

    بارك الله فيك يا اخي وكثر الله من امثالك اللدين يحبون بلدهم

    ردحذف
  10. غير معرف٤/٤/١٢ ١:٥٨ م

    بارك الله فيك وزادك علماٌ وشرفا ، ما أعجبني المقاربة بين الدستور بضم الدال والدستور بفتح الدال ، وهي ما جعل من مادتك القانونية البحتة مادة أدبية راقية تشجع الناس على الإستمتاع بالتردد عليها ، ولك تقديري ،،،

    ردحذف
  11. غير معرف٨/٥/١٤ ١:٠٣ م

    أي دستور في الدول الإسلامية يتعارض مع نص قطعي في " القرآن والسنة " لا اعتبار له , ويجب ملاحقة من سنه او شارك فيه قضائيا ..فهو بذلك ينتهك حقوق الله تعالى وحقوق المسلمين ..

    ردحذف